انشقاق المجموعة الاقتصادية، وما تمثله من ثقل سياسي وثقل انتخابي، يؤشران على شرخ عميق في بنية الحزب الجمهوري وتوجُّهه، في ظلّ حضور الرئيس ترامب مرشحاً منافساً للرئيس جو بايدن، وترويج البعض دخول حاكم ولاية فلوريدا والمؤيد السابق للرئيس ترامب، رون دي سانتيس، السباق الرئاسي على الرغم من تواضع...
د. منذر سليمان و جعفر الجعفري
التأم تجمع تيار المحافظين في الحزب الجمهوري في مؤتمره السنوي قبل بضعة أيام، معلناً بدء السباق الرئاسي إلى منصب رئيس الولايات المتحدة في العام المقبل، ومؤشّراً على مستقبل الحزب بين التشظي والتماسك في بنيته، وحظوظ مرشحيه المحتملين، وأبرزهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
يعرف التيار بمجموعة "العمل السياسي للحركة المحافظة"، وحضور مندوبيه يُعَدّ بالغ الأهمية نظراً إلى تمثيلهم القاعدة الشعبية. وهم أيضاً الناشطون الذين يعوّل على تأييدهم كلُّ من رغب في ترشيح نفسه لدخول السباق الرئاسي.
قوبل حضور الرئيس السابق دونالد ترامب بحفاوة ملحوظة عند اعتلائه المنبر لمخاطبة الحضور الذي ضاقت به القاعة، بحسب المراقبين، على الرغم من الغياب أو المقاطعة لعدد من قادة الحزب البارزين: نائب الرئيس السابق مايك بينس وزعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل.
درجت العادة أن يعقد المؤتمر السنوي للمحافظين منذ تأسيسه عام 1973 في ولاية ماريلاند القريبة من العاصمة واشنطن، بحضور نحو "10 آلاف عضو". وعُقدت الدورة الحالية أيضاً في منتجع بالقرب من واشنطن وحضره نحو 3،500 شخص، كدليل على مدى نفوذ ترامب، وربما هيمنته على مفاصل القرار في الحزب الجمهوري.
في استطلاع للرأي أجراه المؤتمر، الذي هو أقرب إلى مهرجان انتخابي، حصل الرئيس السابق ترامب على 62% من الأصوات، بخلاف توقعات، بل مراهنة مراكز القوى في الحزبين داخل المؤسسة الحاكمة على تهميشه واقصائه عن المشهد السياسي. وقالت كبرى وسائل الإعلام إن ترامب "ألقى بعضاً من أكبر خطاباته المخادعة، مرصّعة بمزاعم بعيدة كل البعد عن الدقة خلال ولايته الرئاسية" (موقع شبكة "سي أن أن"، 5 آذار/مارس 2023).
أمر لافت أيضاً كان رفض نائب الرئيس السابق، مايك بينس، دعوة المؤتمر، وإحجام منظميه عن تخصيص فقرات لقادة آخرين "أكثر اعتدالاً" في الحزب لمخاطبة الحضور. أمّا رئيس مجلس النواب، كيفين مكارثي، فرحّب بمشاركة ترامب في المؤتمر، ولا يزال يؤكد على ولائه للرئيس السابق. ومن بين الحضور النائبة السابقة عن الحزب الديموقراطي، تولسي غابارد، التي آثرت طرح رؤيتها المستقبلية لـ "سياسة خارجية مبنية على الحقائق" بالتساوق مع طروحات ترامب، وكذلك حثّت الحضور على العمل على إنهاء الدعم المالي الأميركي لأوكرانيا.
نجم المؤتمر، بلا منازع، كان الرئيس السابق ترامب، "الذي خاطب الحضور في ليلة الختام، مقدِّماً ربما دفعة إثارة يتيمة" إلى جمهور التيار اليميني (صحيفة "نيويورك تايمز"، 6 آذار/مارس 2023).
وأوضحت كُبرى وسائل الإعلام المرئي والمسموع مبرّر عزوف عدد لا بأس به عن الحضور، وأن مؤتمر المحافظين "يعاني انعدام اهتمام وانعدام حماسة لدى المشاركين، بدليل تراجع مبيعات التذاكر مقارنة بالأعوام السابقة" (موقع "شبكة الراديو العام"، 5 آذار/مارس 2023).
غابت شبكة "فوكس نيوز" اليمينية عن تغطية مؤتمر المحافظين، في ظل اعتراف صاحبها روبرت ميردوخ بأن الشبكة ارتكبت خطأً في تبنيها سردية الرئيس ترامب بشأن حدوث تزوير في سجلات الناخبين. سِجلّ الشبكة في استضافتها الطامحين إلى دخول السباق الرئاسي كان يُعدّ أحد أكبر المؤشرات على شعبية ضيوفها في الأعوام السابقة. وتراجع أيضاً السجال السياسي المعتاد بين أقطاب الحزب، مثل راند بول، علاوة على "غياب" أبرز مراكز الفكر والابحاث اليمينية "مؤسسة هاريتاج" عن المشاركة (صحيفة "واشنطن إيكزامينار" اليمينية، 3 آذار/مارس 2023).
تعهّد ترامب في خطابه الذي استمر نحو 90 دقيقة، جملة قضايا، أبرزها، على الإطلاق، نيته مواجهة أركان "الدولة العميقة، بل طمسها"، وانهاء الحرب في أوكرانيا. وكعادته، طرح وعوداً برّاقة وكبيرة لما ينوي تحقيقه في حال انتخابه رئيساً للبلاد، أي "الرئيس 47" في ترتيب التناوب الرئاسي للكيان السياسي الأميركي.
ووعد ترامب جمهوره بالسعي لإغلاق وزارة التربية والتعليم الفيدرالية، والتي ما برحت هدفاً دائماً في أجندة الحزب الجمهوري منذ تأسيسها خلال ولاية الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومضى ترامب في دغدغة عواطف المحافظين في هذا الصدد، عبر تعهّده "تغيير أسماء المدارس والشوارع من رموز الشيوعيين، وإطلاق أسماء الوطنيين الأميركيين العظام"، بدلاً من ذلك، على الرغم من إدراكه استحالة تحقيق وعده، وازدحام الأجندات السياسية المختلفة بقضايا أكثر جوهرية لعموم الناخبين.
قرّر بعض المناوئين السياسيين للرئيس السابق حضور لقاء آخر يتزامن مع انعقاد مؤتمر المحافظين، تحت رعاية منظمة تعنى بالشأن الاقتصادي للمحافظين أيضاً، هي "نادي للتنمية"، ولم يُدعً إليه الرئيس ترامب. في جولة الانتخابات الرئاسية السابقة، أيدت المنظمة الاقتصادية ترشيح الرئيس ترامب، وتباينت رؤاها مع طموحاته خلال الانتخابات النصفية العام الماضي، على خلفية تعارض تأييد كل منهما لمرشحين يمينيين.
انشقاق المجموعة الاقتصادية، وما تمثله من ثقل سياسي وثقل انتخابي، يؤشران على شرخ عميق في بنية الحزب الجمهوري وتوجُّهه، في ظلّ حضور الرئيس ترامب مرشحاً منافساً للرئيس جو بايدن، وترويج البعض دخول حاكم ولاية فلوريدا والمؤيد السابق للرئيس ترامب، رون دي سانتيس، السباق الرئاسي على الرغم من تواضع تأييده، في المرتبة الثانية بنسبة 20%، في استطلاع مؤتمر المحافظين.
بالعودة إلى استطلاع الرأي المذكور، وكسب ترامب دعم أغلبية معتبرة من قواعد الحزب بنسبة 62%، والهوة الشاسعة التي تفصله عن منافسه في المرتبة الثانية، بفوزه بنسبة 20%، فإن نتائجه تعزّز موقع الرئيس ترامب في قيادة دفّة الحزب المنقسم حالياً، وتنذر بتعميق الهوّة الحالية بين قياداته التقليدية "المؤسساتية" وتيار ترامب الشعبوي، والأعلى حضوراً وتأييداً.
في المحصلة العامة، أثبت الرئيس السابق ترامب فشل مساعي خصومه ومناوئية لإقصائه عن المشهد السياسي، على رغم الجراح التي تلقاها في هزيمة بعض مرشحيه في الانتخابات النصفية. كما أن نسبة تأييده العالية حافظت على تماسكها السابق مع بعض الاختراقات البسيطة، الأمر الذي يقود إلى استنتاج أوساط واسعة من المراقبين أن يحقق مفاجأة فوزه على الرئيس جو بايدن في الجولة المقبلة، كما تدل المعطيات الميدانية والتحولات الديموغرافية وتراجع هيبة الدولة الفيدرالية، نظراً إلى فشلها في معالجة أبسط القضايا المصيرية، كحادثة انزلاق قطار محمّل بمواد كيميائية نفثت سموم احتراقها في مدينة "إيست بالستين" في ولاية أوهايو.
كما شدّ الرئيس السابق ترامب الرحال إلى المدينة المنكوبة لمعاينة الأضرار، في مقابل تغيّب الرئيس بايدن عنها، وانعدام أي نيّات مركزية جادّة في تعويض المتضررين واحتواء الأزمة البيئية الناجمة.
اضف تعليق