لن يحقق الدبلوماسيون أي نصر، إذا كان النصر يعني التوصل إلى ترتيب تقبل كل من الحكومتين التوقيع عليه والالتزام به. إن السلام يستلزم وجود قادة راغبين في التسوية وتقديم التنازلات وقادرين عل ذلك، وهما عنصران غائبان بشكل واضح (وإن كان لأسباب مختلفة للغاية) على الجانبين...
بقلم: ريتشارد هاس
نيويورك ــ كثيرا ما يُـقـتَـبَـسَ عن لاعب البيسبول الأميركي لورنس "يوجي" بيرا قوله "من الصعب استنتاج التنبؤات، وخاصة بشأن المستقبل". سواء قال ذلك أو لم يقل، فإن منطقه سليم. ومع ذلك، إليكم عشر نبوءات للعالم في العام الذي بدأ للتو.
أولا، سوف تستمر الحرب الدائرة في أوكرانيا، وهي القضية المهيمنة في عام 2022، وإن كان على مستوى أقل حِـدّة. لن تتمكن روسيا ولا أوكرانيا من تحقيق نصر عسكري كامل، إذا كان النصر يعني إلحاق الهزيمة بالجانب الآخر وإملاء شروط تسوية بشأن الأرض أو تسوية سياسية بعد الحرب.
ولن يحقق الدبلوماسيون أي نصر، إذا كان النصر يعني التوصل إلى ترتيب تقبل كل من الحكومتين التوقيع عليه والالتزام به. إن السلام يستلزم وجود قادة راغبين في التسوية وتقديم التنازلات وقادرين عل ذلك، وهما عنصران غائبان بشكل واضح (وإن كان لأسباب مختلفة للغاية) على الجانبين.
ثانيا، في حين يركز كثيرون من صناع السياسات على احتمال نشوب حرب بشأن تايوان، فإن هذا يبدو مستبعدا إلى حد كبير في عام 2023. ذلك أن الزعيم الصيني شي جين بينج مشغول تماما بمصارعة موجة من ارتفاع حالات الإصابة بمرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) والتي أربكت نظام الرعاية الصحية في الصين، وأثارت التساؤلات حول مدى كفاءة الحزب الشيوعي الحاكم، وزادت من ضعف الاقتصاد المتباطئ. لم تتخل الصين بأي حال من الأحوال عن هدفها المتمثل في السيطرة على تايوان، بالقوة إذا لزم الأمر؛ ولكن على الرغم من استمرارها في زيادة الضغط على تايوان، فمن المؤكد أنها أوقفت الأعمال الشديدة العدوانية لبضع سنوات على الأقل.
ثالثا، ستكون قصة العام غير المتوقعة ظهور اليابان كلاعب جيوسياسي رئيسي. لقد جرى تعديل توقعات النمو الاقتصادي في ثالث أكبر اقتصاد في العالم صعودا ليصبح 1.5%، والآن أصبح الإنفاق الدفاعي على مسار يزيده إلى الضعف، ليصل إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي. الواقع أن اليابان، التي تمتلك واحدة من أكثر المؤسسات العسكرية اقتدارا في المنطقة، ستتحالف أيضا بشكل أوثق مع الولايات المتحدة لردع العدوان الصيني على تايوان، أو الدفاع عنها إذا لزم الأمر. وحتى بدرجة أكبر من الحال مع ألمانيا، سيكون 2023 العام الذي تدخل في اليابان عصر "ما بعد بعد" الحرب العالمية الثانية.
رابعا، من شبه المؤكد أن كوريا الشمالية ستجري تجربتها النووية السابعة، بالإضافة إلى تجارب صاروخية متكررة. ولن تكون كوريا الجنوبية ولا الولايات المتحدة قادرة على منع مثل هذه التصرفات، في حين ستمتنع الصين عن استخدام نفوذها الكبير، على الرغم من كونها الدولة الوحيدة القادرة على القيام بذلك، خشية أن تتسبب في إضعاف جارتها ودفع عجلة ديناميكيات من شأنها أن تُـفضي إلى حالة من عدم الاستقرار في محيطها.
خامسا، ستعاني العلاقات عبر ضفتي الأطلسي، رغم كونها أقوى في الوقت الحالي بسبب الرغبة المشتركة في التصدي للغزو الروسي ومساعدة أوكرانيا، بسبب احتكاكات متزايدة ترجع إلى عدم رضا الأوروبيين عن سياسات الحماية الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة واستياء الأميركيين إزاء استمرار القارة في الاعتماد على الصين اقتصاديا. وقد تعاني العلاقات أيضا بسبب الخلافات الناشئة حول مدى الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي المقدم لأوكرانيا ومستويات الإنفاق الدفاعي.
سادسا، من المرجح أن يكون توسع الاقتصاد العالمي أبطأ من توقعات أغلب المراقبين حاليا. يتوقع صندوق النقد الدولي نموا إجماليا بنسبة 2.7%، لكن الواقع قد يكون أقل كثيرا، نظرا للتداعيات المترتبة على سوء إدارة الصين لجائحة كوفيد-19 والمسار الذي يسلكه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والذي يبدو عازما على مواصلة رفع أسعار الفائدة في محاولة لدفع التضخم إلى الانخفاض. كما ستشكل حالة عدم الاستقرار في أجزاء من أفريقيا وأميركا اللاتينية، وأحداث الطقس الشديدة القسوة، وارتباكات سلاسل التوريد، عبئا على الأداء الاقتصادي العالمي.
سابعا، سيظل مؤتمر الأمم المتحدة السنوي لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28 المقرر عقده في دبي) مخيبا للآمال. ففي ظل تفوق المخاوف الاقتصادية في الأمد القريب على الاعتبارات المناخية في الأمدين المتوسط والبعيد، من المرجح أن تزداد التأثيرات المترتبة على الانحباس الحراري الكوكبي سوءا قبل أن... تزداد سوءا.
ثامنا، ستصبح العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية أشد عنفا مع استمرار إسرائيل في توسيع نشاطها الاستيطاني، ولا تُـظـهِـر الجهود الدبلوماسية أي احتمال لإقامة دولة فلسطينية بشروط قد يقبلها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين. بدلا من ذلك، سيصبح المستقبل الذي يمكن وصفه بأنه "لا حل في ظل دولة واحدة" أقرب إلى التحول إلى حقيقة واقعة.
تاسعا، ستواصل الهند إحباط أولئك الذين يتوقعون لها أشياء عظيمة. سوف تستمر الهند في شراء الأسلحة والنفط من روسيا والتشبث بموقف عدم الانحياز حتى في حين تسعى إلى الحصول على قدر أكبر من المساعدة من الغرب ضد الصين. وفي الداخل، يكمن الخطر في أن تستمر الهند تدريجيا في الابتعاد عن الليبرالية والتراجع عن العلمانية.
أخيرا، من المرجح أن تكون إيران القضية المهيمنة في عام 2023. إذ ستكتسب الاحتجاجات ضد النظام المزيد من الزخم على خلفية التدهور الاقتصادي المتفاقم والانقسامات الناشئة داخل القيادة حول ما إذا كان من الواجب التسوية مع المحتجين أو اعتقالهم وقتلهم. لن يعود الاتفاق النووي لعام 2015 إلى الحياة، بسبب المساعدة العسكرية التي تقدمها إيران إلى روسيا ورغبة الولايات المتحدة في تجنب إلقاء شريان حياة اقتصادي للنظام المنكوب.
ربما يختار قادة إيران الاستمرار في تطوير برنامج الأسلحة النووية على أمل تحقيق اختراق أو إشعال شرارة ضربة إسرائيلية، وهو التطور الذي يسمح لهم بالدعوة إلى الوحدة الوطنية في مواجهة هجوم خارجي. يتمثل احتمال آخر في أن يُـفـسِـح تماسك قوات الأمن المجال لشيء أشبه بالصراع الأهلي. للمرة الأولى منذ سقوط الشاه في عام 1979، سيكون مستقبل الجمهورية الإسلامية مُـحاطا بشكوك خطيرة.
كل هذا قد لا يكون مادة لعام جديد سعيد، لكنه يضمن لنا عاما مشوقا.
اضف تعليق