وتواجه أنظمتنا الغذائية المزيد من التحديات. أدى الإفراط في استهلاك السعرات الحرارية الرخيصة، الذي عملت على تمكينه التجارة العالمية في السلع الأساسية والمدخلات القائمة على الوقود الأحفوري، إلى انتشار البدانة على نطاق واسع، وتسبب في إحداث مشاكل بيئية بالغة القسوة. لكن التأثيرات السلبية التي تخلفها أنظمة الإنتاج...
بقلم: ألكسندر مولر، فيوليت شيفوتسي، جيس فايغلت
برلين ــ من الواضح أن نظام الغذاء العالمي بات معطلا. برغم أنه ينتج من السعرات الحرارية كميات أكبر كثيرا من القدر الكافي لإطعام الجميع، فإن ما يصل إلى 811 مليون شخص ــ أكثر من 10% من سكان العالم ــ يذهبون إلى الفراش جوعى كل ليلة. من المؤسف أن الإدارة الفَـعّـالة اللازمة لضمان تمكين الجميع من الحصول على الغذاء لا تزال غائبة. ولهذا، يجب أن يكون الجهد المنسق عالميا لمعالجة جوانب أزمة الجوع في الأمدين القريب والبعيد على رأس الأولويات.
اليوم، أصبحت أبعاد الأمن الغذائي الأربعة ــ التوافر، والقدرة على الوصول، والاستقرار، والانتفاع ــ مهددة بفعل التأثيرات السلبية المجمعة المترتبة على تغير المناخ، والصراع، وجائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، والتكلفة. من خلال تعطيل التجارة العالمية ودفع أسعار المواد الغذائية إلى الارتفاع، تخلق هذه العناصر الأربعة تحديا في الأمد القريب يتمثل في زيادة الجوع. في الوقت ذاته، تشكل أزمة المناخ التي هي من صنع البشر تهديدا خطيرا في الأمدين المتوسط والبعيد.
بدأ تغير المناخ يؤثر بالفعل على البيئة التي يمكن إنتاج الغذاء فيها، حيث تعمل موجات الجفاف والحرارة الاستثنائية والفيضانات على تقويض الزراعة في مناطق مختلفة كاختلاف القرن الأفريقي والغرب الأوسط في الولايات المتحدة. لا يترك تقرير التقييم السادس الصادر مؤخرا عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أي مجال للشك: سوف تخلف أزمة المناخ عواقب مدمرة على نحو متزايد تهدد الأنظمة الغذائية في مختلف أنحاء العالم.
وتأتي الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا لتتسبب في تفاقم الأوضاع المتردية بالفعل. كانت النزاعات المسلحة لفترة طويلة من الأسباب الرئيسية للجوع، على المستوى الإقليمي عادة. لكن حرب أوكرانيا، التي تضم اثنين من أكبر منتجي السلع الزراعية الأساسية على مستوى العالم، تعمل على تشويه التجارة العالمية. نتيجة لهذا، سجل مؤشر أسعار الغذاء الذي تتولى تجميعه منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة أعلى مستوياته على الإطلاق في شهر مارس/آذار.
منذ اندلعت الحرب، تضاعفت أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق أو الزيت النباتي إلى ثلاثة أمثالها في بعض المناطق. كما يواجه منتجو المواد الغذائية ارتفاعا حادا في أسعار الأسمدة التي يدخل الوقود الأحفوري في تصنيعها، والتي تُـعَـد روسيا واحدة من أكبر الدول المصدرة لها. في البلدان المتضررة بشدة، ربما تهدد أسعار الغذاء المتزايدة الارتفاع الاستقرار الاجتماعي. عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى عنان السماء في عام 2008، سجلت أكثر من 20 دولة حدوث حالة من الاضطرابات الاجتماعية وانعدام الاستقرار.
ثم هناك جائحة كوفيد-19. وفقا لتقارير الأمم المتحدة، تسببت الجائحة في تجويع عشرات الملايين من البشر. وأدت عمليات الإغلاق التي استهدفت مكافحة الفيروس إلى تعطيل سلاسل التوريد، فأضاف هذا إلى الضغوط التي دفعت أسعار الغذاء إلى الارتفاع.
وتواجه أنظمتنا الغذائية المزيد من التحديات. أدى الإفراط في استهلاك السعرات الحرارية الرخيصة، الذي عملت على تمكينه التجارة العالمية في السلع الأساسية والمدخلات القائمة على الوقود الأحفوري، إلى انتشار البدانة على نطاق واسع، وتسبب في إحداث مشاكل بيئية بالغة القسوة. لكن التأثيرات السلبية التي تخلفها أنظمة الإنتاج على البيئة غالبا ما نتعامل معها على أنها عوامل اقتصادية خارجية، وبالتالي نتجاهلها.
في عموم الأمر، وعلى الرغم من قمة الأنظمة الغذائية التي عقدتها الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، لم نشهد سوى قِــلة قليلة للغاية من الأساليب الشاملة لتحويل الأنظمة الغذائية. وتظل الزراعة الصناعية هي المهيمنة.
هذا يعني أن الطريق لا يزال أمامنا طويلا. لكن المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي العالمي ستزداد إذا استمر صناع السياسات الذين يحاولون كبح أزمة الجوع الحالية في تجاهل أزمتي المناخ والتنوع البيولوجي وتأخير الخطوات الضرورية لجعل الأنظمة الغذائية أكثر استدامة. على سبيل المثال، لن يؤدي تأجيل تنفيذ استراتيجية الاتحاد الأوروبي "من المزرعة إلى المائدة"، كما اقترح بعض المراقبين، إلى توفير الكمية اللازمة من الغذاء في الأشهر المقبلة وسوف يؤدي إلى المزيد من تقويض قدرة الزراعة الأوروبية على الصمود.
مع تصاعد المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي، لا يمكننا استبعاد احتمال أن يصبح الإنتاج الزراعي من قطاعات الغذاء، والأعلاف، والألياف، والوقود غير كاف لتلبية الطلب. وسوف تجبرنا الإمدادات الشحيحة وارتباكات التجارة العالمية على الاختيار بين مرير والأمر منه.
سوف تتطلب مقاومة التأثيرات المترتبة على الحرب الدائرة في أوكرانيا والعناصر السلبية الأربعة (تغير المناخ والصراع وجائحة كوفيد-19 والتكلفة) استجابة عالمية منسقة. والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه هنا هو ما إذا كان النظام المتعدد الأطراف ليتمكن من توفير منصة نشطة حيث تتمكن الدول وكل أصحاب المصلحة من إدارة هذه التحديات بفعالية. إذا لم تكن الآليات المتعددة الأطراف القائمة على مستوى المهمة، فإن التضامن العالمي يتطلب استجابة سريعة من قِـبَـل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.
الواقع أن مجموعة الدول السبع بدأت معالجة الوضع، والآن تُـبـذَل تعهدات جديدة لتجهيز آليات التمويل المتعددة الأطراف لدعم البلدان المحتاجة إلى الدعم. علاوة على ذلك، ينبغي لدول مجموعة السبع أن تلتزم بصرامة بمشاركة الحبوب المستخدمة حاليا كعلف للحيوانات والوقود الحيوي مع الاقتصادات الأكثر فقرا.
مثل هذه الخطوة من شأنها أن تثبت أن العالم الغني تعلم الدرس من جائحة كوفيد-19، عندما شارك عددا قليلا للغاية من وسائل الاختبار، واللقاحات، وغير ذلك من الإمدادات مع البلدان الأكثر فقرا. وسوف توفر اتفاقية تبرمها مجموع السبع حلولا سريعة، وتخلق الثقة، وبالتالي قد تحفز النظام المتعدد الأطراف وتحمله على العمل، لمعالجة الأزمات الحالية وتجنب أزمات الغذاء في المستقبل.
مرة أخرى، من الأهمية بمكان أن تدعم الاستجابات الفورية لأزمة الجوع الحالية أيضا التحول الطويل الأجل الذي يجب أن تمر به أنظمتنا الغذائية. يُـقال إن ألبرت أينشتاين عَـرَّفَ الجنون على أنه فِـعل الشيء ذاته على نحو متكرر وتوقع نتيجة مختلفة في كل مرة. لماذا إذن نحاول إحياء نظام معطل في أوقات الأزمات؟ إن مبادرة مجموعة السبع من شأنها أن تخلق نقطة انطلاق للتحول المطلوب بشدة في الأنظمة الغذائية في كل مكان. والبديل هو زيادة الجوع والمزيد من انعدام الاستقرار.
اضف تعليق