نوجا تارنوبولسكي
(رويترز) - بعد يوم من الإعلان عن إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الست الدولية أشرقت الشمس عاليا فوق تلال القدس كعادتها في يوليو تموز وكأن الأرض القديمة قررت تجاهل عقدين من التحذيرات باقتراب النهاية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وقررت أن تواصل حركتها الطبيعية كالمعتاد.
وندد مسؤولون إسرائيليون من مختلف أطياف المشهد السياسي الإسرائيلي بالاتفاق "السيء للغاية" كما وصفه نتنياهو وهو الاتفاق الذي تأمل الولايات المتحدة وخمس قوى أخرى أن يحد من برنامج إيران النووي لكن لا أحد ولا حتى رئيس الوزراء نفسه دق طبول الحرب.
وكتب عاموس هاريل وهو محلل في صحيفة هاآرتس "لم يعد سيناريو هجوم إسرائيل على منشآت إيران النووية ذا قيمة".
وعقب الإعلان عن الاتفاق مساء الثلاثاء تجاهل أول بيان مقتضب لنتنياهو الملف النووي برمته وأكد أن "العالم بات اليوم مكانا محفوفا بالمخاطر أكثر مما كان عليه بالأمس".
وقال البيان "القوى الدولية الكبرى راهنت بمستقبلنا الجماعي على اتفاق مع أهم راع للإرهاب الدولي.. راهنوا على أن نظام إيران الإرهابي سيتغير خلال عشر سنوات وأزالوا في الوقت نفسه أي حافز له للقيام بذلك."
لم تكن تلك تصريحات هينة من زعيم بلد صغير المساحة يعيش في حالة تأهب دائمة من الحرب مع وجود اثنين من أخطر وكلاء إيران في المنطقة - جماعة حزب الله اللبنانية وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- على حدوده الشمالية والجنوبية.
وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز بعدها ببضع ساعات رد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على الاتهام قائلا "ما يدهشني هو أن المنتقدين يتجاهلون بشكل متزايد القضية النووية ويتحركون صوب نقطة يقولون فيها (يتقمص الرئيس دور معارضيه).. حسنا حتى إذا جرى التعامل مع القضية النووية فهم سيواصلون رعاية الإرهاب وسيحصلون على تخفيف العقوبات ومن ثم سيحصلون على مزيد من الأموال للقيام بهذه الأنشطة السيئة."
وأقر قائلا "هذا محتمل وسيتعين علينا أن نتصدى لذلك بشكل منهجي ونعمل مع حلفائنا من دول الخليج وإسرائيل لوقف الأعمال التي يقومون بها خارج إطار البرنامج النووي."
واختلاف المنظور أمر مهم.
فإذا كانت إيران تمثل تحديا وربما قوة نووية مستقبلية بالنسبة للولايات فإنها تمثل لإسرائيل عدوا لدودا على كل المستويات والمنابر من برنامجها النووي إلى دعمها للجماعات الإسلامية للشرق الأوسط ومن حرب الانترنت حتى رعايتها للهجمات على أهداف إسرائيلية في جميع أنحاء العالم.
وتعتبر إسرائيل أن العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل قوة تكبح جماح إيران على كل الجبهات.
وقال يوفال شتاينتز -وهو وزير إسرائيلي مسؤول عن الشؤون النووية- "إسرائيل مثل الطفل الصغير الذي يشير بأصبعه قائلا.. الملك عار.. هذا الاتفاق عار."
واحتدمت الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة وإسرائيل لدرجة أنه لو لم تكن العلاقات بينهما في الحضيض بالفعل لثارت التكهنات بأنهما تلعبان على استراتيجية العصا والجزرة.
وتقوم الاستراتيجية الأمريكية كما أوضحها أوباما على فصل الملف النووي عن كل الأنشطة الإيرانية "البغيضة" الأخرى والأمل في منع إنتاج قنبلة نووية لمدة عشر سنوات. وبالنسبة لإسرائيل فإن هذه السنوات العشر ستستخدمها إيران في الاستثمار في كل أنواع الأنشطة البغيضة ومن بينها النووية.
وقال نتنياهو لشبكة (إن.بي.سي.) إن إيران أمامها مساران للقنبلة النووية "الأول هو بالالتزام بالاتفاق والثاني إذا أخلوا بالاتفاق. قد يغشون في الالتزام بالاتفاق لأن عمليات التفتيش ليست فورية... بل إنه ليس لديك تفتيش خلال 24 ساعة. لديك 24 يوما حتى يمكن تفتيش أي موقع تجده مثيرا للشبهات في إيران."
وتابع قوله "24 يوما. هل يمكنك أن تتخيل منح تاجر مخدرات مهلة 24 يوما قبل أن تفتش منشآته؟ هذا وقت طويل للغاية لإلقاء كميات كبيرة من المخدرات في المرحاض."
وانتقد وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير تعنت نتنياهو ودافع عن الاتفاق بوصفه بأنه "معقول". وقال "ينبغي على إسرائيل أن تلقي نظرة أعمق على الاتفاق وألا تنتقده بهذا الشكل القاسي."
وما هو أسوأ من ذلك كشف وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند الذي زار القدس يوم الخميس عدم تعاطفه مع موقف نتنياهو المتشدد قائلا "السؤال الذي ينبغي أن تطرحه على نفسك هو أي نوع من الاتفاقات كانت سترحب به تل أبيب.. الإجابة بالطبع هي أن إسرائيل لا تريد أي اتفاق مع إيران. إسرائيل تريد حالة دائمة من المواجهة ولا أعتقد أن هذا يصب في مصلحة المنطقة."
ولم تكن أهمية تلك التصريحات في الطريقة غير المعتادة في التعبير العلني عن الغضب لكن في الإشارة التي بدت عابرة للعاصمة التجارية لإسرائيل. ولم يسبق تقريبا من قبل أن استخدم مندوب عن بلد حليف لإسرائيل تل أبيب كناية عن الدولة التي تدعي أن القدس "عاصمتها الأبدية الموحدة".
والضرب على أوتار حساسة بالنسبة لإسرائيل بهذا الشكل قبل زيارة دولة هو أمر هائل.
والسؤال هو لم كل هذا الغضب. نتنياهو يحصد ثمار الازدراء الذي انهال به على الغرب وتحالفه مع الجمهوريين الذي بلغ ذروته في مارس آذار بخطابه المثير للجدل في الكونجرس الذي هاجم فيه الاتفاق النووي مع إيران.
هذه المشاعر السلبية تعرض إسرائيل لخطر لا يقل أهمية عن خطر إيران.. خطر العزلة الدولية.
ويقدر هاريل المحلل السياسي الإسرائيلي بأن "الأزمة الخطيرة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وفي جوهرها العلاقات المتوترة بين أوباما ونتنياهو تمخضت عن وضع كان فيه نفوذ رئيس الوزراء على المراحل النهائية من المحادثات النووية هامشيا."
ويختتم بالقول إن رد فعل إسرائيل على الخطر الذي يمثله وضع إيران الجديد "يعتمد على تحقيق علاقات أوثق مع الولايات المتحدة."
اضف تعليق