سيكون من الصعب صياغة استراتيجية، لأن إيران حققت مكاسب كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، وتحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيجاد طرق للرد عليها دون استخدام موارد ضخمة. في الوقت نفسه، ستحتاج مثل هذه الإستراتيجية الى مبادرات مساعدة من قبل العديد من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة...
الكاتب: كينيث بولاك (Kenneth M. Pollack)، دينس ب روس (Dennis B. Ross)
الناشر: THE HILL /واشنطن بتاريخ 10/8/2021
ترجمة: أ. م. د. حسين أحمد السرحان/مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
على الرغم من اهمية التركيز على الشؤون الداخلية اولا، وعلاقات القوى العظمى ثانيا، تمكنت ادارة بايدن من الحفاظ على الشرق الاوسط من دون غليان. فالإدارة الاميركية التزمت بالاتفاق النووي مع إيران، ورفضت مطالب طهران الغريبة. وفي وقت لم يكن الكونغرس الاميركي على ذات المسار، اجدت ادارة بايدن طرقا جديدة لإظهار الالتزام الاميركي تجاه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي يحتاج الى دعم واشنطن إذا ما كان سيحاسب الفساد المتزايد ويواجه تسلل الهيمنة الايرانية.
لقد سار اعضاء الادارة الاميركية على حبل بهلواني لمعاقبة السعودية على مقتل خاشقجي بموازاة الاعتراف بمصالح واشنطن في السعودية، وتوضيح ان واشنطن لن تتخلى عن السعوديين. وبالمثل، وخلال القتال الأخير في غزة، منحت الإدارة الاميركية الحق لإسرائيل في الدفاع عن النفس حتى عندما عملت على تعزيز وقف سريع لإطلاق النار، وتوفير مساعدة إنسانية للفلسطينيين. وهذا ليس سيئا في ظل الظروف الحالية.
لسوء الحظ، الشرق الاوسط يفرض نفسه، فبينما كانت ردة فعل فريق بايدن جيدة على التحديات التي تعرض لها الشرق الاوسط، فأنها (اي الادارة الاميركية) لاتزال تفتقر الى استراتيجية شاملة وواضحة يفهمها اصدقاء واشنطن وحلفائها.
"خلال الشهرين الماضيين، سافرنا سوية الى العراق، واسرائيل، والمملكة العربية السعودية والتقينا بقيادات مؤثرة في البلدان الثلاثة. وفي كل منهم واجهنا اعتلانا الامل والشكل حول منهج الادارة الاميركية تجاه المنطقة". لكن الثابت الوحيد الذي واجهنا هو ارتباك الادارة الاميركية حول ما تريد تحقيقه في المنطقة، فضلا عن شعورنا بان سياساتها تفاعلية وموجهة لكل دولة على حدة. وإذا ارادت واشنطن ازالة هذا الارتباك، فعليها صياغة مفهوم شامل يدمج جميع الاستراتيجيات الخاصة بكل بلد لتحقيق مجموعة من الأهداف".
ليس من السهل صياغة الاستراتيجيات الشاملة ولا يمكن اختزالها بمجرد شعارات. ومع ذلك، فهي مهمة لطمأنة أصدقائنا وردع خصومنا ومنافسينا، خاصة الآن، بسبب إرث السنوات الـ 12 الماضية في عهد أوباما وترامب، حيث انسحبت الولايات المتحدة بشكل مطرد من الشرق الأوسط.
وهذا الانسحاب ولد فراغا كبيرا ساهم بشكل متزايد في تدهور الاوضاع حيث حروب اهلية في سوريا وليبيا واليمن، والصراع الداخلي في العراق ومصر وتركيا، وصعود وسقوط داعش، عودة صعود الاستبداد، بعد امل المعقود على حركات الربيع العربي، ومئات الالاف من القتلى ملايين اللاجئين، ومن خلال هذه كلها، تقدم إيران ووكلائها الذين استغلوا الفراغ حتى انهم زادوا من بؤس الشعوب.
ما هو جيد ومفرح هو أن بايدن وفريقه أقنعوا شركاء أمريكا في الشرق الأوسط بأن واشنطن لن تتخلى عن المنطقة ببساطة، ولن ترضخ لمزيد من العدوان والتوسع الإيراني -على عكس ما حصل خلال فترتي أوباما وترامب. لكنه لم يخبرهم كيف سيفعل ذلك، ولا الأدوار التي يتصور أنهم يلعبونها في هذا المخطط.
سيكون من الصعب صياغة استراتيجية، لأن إيران حققت مكاسب كبيرة في جميع أنحاء المنطقة، وتحتاج الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إيجاد طرق للرد عليها دون استخدام موارد ضخمة. في الوقت نفسه، ستحتاج مثل هذه الإستراتيجية الى مبادرات مساعدة من قبل العديد من الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين يكافحون للتعامل مع تأثير الوباء، وثورة المعلومات، وسوق الطاقة الدولي الجديد، وتوازن القوى العالمي المتغير، والتحولات الخاصة بمجتمعاتهم.
وعلى الرغم من صعوبة اعداد هذه الاستراتيجية، الا ان الفشل ستكون له تكلفة مرتفعة. ففي غياب مثل هذه الاستراتيجية الشاملة لن تفهم اي دولة في الشرق الاوسط ما تتوقعه الولايات المتحدة منهم، أو ما تنوي الولايات المتحدة تقديمه لهم، أو ما هي الحالة النهائية الإقليمية التي تسعى الولايات المتحدة الى إنشائها؟ وما إذا كانت هذه هي الحالة النهائية تلبي احتياجاتهم الخاصة او لا؟
إذا لم يشعر حلفاء واشنطن بأنهم يعرفون الى أين تخطط الولايات المتحدة للذهاب بهم، أو أنهم لن يفعلوا شيئًا في مواجهة ما يرون أنه تهديدات، فسوف ينفجرون من تلقاء أنفسهم – وعندها لن تكون البدائل التي تفضلها الولايات المتحدة متوفرة، أو يخاطرون بإثارة كوارث إقليمية جديدة.
هذا بالضبط ما حدث خلال إدارتي أوباما وترامب عندما غزت السعودية والإمارات اليمن. وتدخلت تركيا والإمارات ومصر وقطر في ليبيا. كما تدخلت تركيا في سوريا وشمال العراق -وبالطبع، أصبحت القوى الخارجية مثل روسيا أكثر تدخلاً بكثير. في غضون ذلك، اختارت إسرائيل مواجهة التهديدات من برنامج إيران النووي المتقدم والوجود المتنامي في سوريا بحملة جوية متواصلة في سوريا وعمليات سرية مميتة ضد إيران.
قد لا تكون الولايات المتحدة قادرة دائمًا على كبح جماح حلفائها عن العمل المتسرع حتى لو كان لدينا استراتيجية واضحة وشاملة للمنطقة. ولكن من دون ذلك، فمن شبه المؤكد أن دول المنطقة ستتبع مسارات أحادية الجانب نادرًا ما تكون فعالة مثل تلك التي يتم إجراؤها بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ويمكن أن يؤدي ذلك الى نشوب صراع أوسع بينها وبين "محور المقاومة" الإيراني.
يبدو أن إدارة بايدن تعلمت درس مفاده في حين أن الولايات المتحدة قد لا ترغب في جعل الشرق الأوسط أولوية، فإنها لا تستطيع تجاهل ذلك أيضًا. ومع ذلك، بدون استراتيجية شاملة للمنطقة، فإن واشنطن تخاطر بأن تنفجر المنطقة بطرق ستجبر الولايات المتحدة على جعلها أولوية، وهذا هو آخر شيء يحتاجه الرئيس بايدن.
اضف تعليق