يحجب التركيز على المنافسة الثنائية احتياجات الناس ومصالحهم في الأسواق الناشئة، والاقتصادات النامية. نعم، تعتمد الصين والغرب نسخة معينة من التعددية. ولكن المنافسة الاستراتيجية غير المقيدة تحول دون تعددية الأطراف الفعالة، خاصة من خلال عرقلة التجارة ونقل التكنولوجيا وهما محركان حاسمان للتنمية. الصين والغرب بحاجة ماسة...
بقلم: مايكل سبنس

ميلانوـ في الاجتماعات الأخيرة لمجموعة السبع وحلف شمال الأطلسي، انتُقيت الصين بوصفها منافسا استراتيجيا، وشريكا تجاريا يتوخى الحذر، وتهديدا للتكنولوجيا والأمن القومي، ومنتهكاً لحقوق الإنسان، وبطلاً للاستبداد على مستوى العالم. ونددت الصين بهذه التوصيفات التي وصفتها سفارتها في المملكة المتحدة بـ"الأكاذيب، والشائعات، والاتهامات التي لا أساس لها". ولا ينبغي الاستهانة بالمخاطر التي يشكلها هذا النوع من الخطاب.

إن الكثيرين في الغرب لا يوافقون على هيكل الحكم الصيني ذي الحزب الواحد، تمامًا كما تنتقص العناصر التي لها صوت في الصين من الديموقراطية الليبرالية الغربية، التي يجادلون بأنها في مرحلة الزوال إلى الأبد. بيد أن الخطر الحقيقي يكمن في كون المسؤولين من كلا الجانبين يعتمدون على ما يبدو إطار عمل محصلته صفر، والذي ببساطة لا يمكن للجانبين التعايش بموجبه؛ بل يجب أن "يفوز" طرف واحد.

وبهذا المنطق، ينبغي أن يحاول كلا الجانبين، دون توقف، سحق المنافسة. لذلك، بالنسبة للصين، يجب أن يسعى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، إلى عكس اتجاه صعوده (الذي، في الواقع، يسَرته الولايات المتحدة إلى حد كبير). وبالنسبة للغرب، فإن الصين مصمِّمَة على استغلال قوتها الاقتصادية، بما في ذلك سوقها الداخلي الضخم، لإعادة تشكيل النظام العالمي في الصورة التي تناسبها ولصالحها.

وكلما كرر القادة هذه الروايات، زاد احتمال اقتناع المواطنين العاديين بصحتها. ويزيد الخوف والاستياء المتصاعدان من كلا الجانبين من خطر أن تصبح الروايات نبوءات تتحقق من تلقاء نفسها.

وفي غضون ذلك، يحجب التركيز على المنافسة الثنائية احتياجات الناس ومصالحهم في الأسواق الناشئة، والاقتصادات النامية. نعم، تعتمد الصين والغرب نسخة معينة من التعددية. ولكن المنافسة الاستراتيجية غير المقيدة تحول دون تعددية الأطراف الفعالة، خاصة من خلال عرقلة التجارة ونقل التكنولوجيا- وهما محركان حاسمان للتنمية.

إن الصين والغرب بحاجة ماسة إلى إطار عمل جديد لإدراك الظروف التي يمر بها العالم ومكانتهما فيه. ويجب أن يعترف مثل هذا الإطار، أولاً وقبل كل شيء، بأن المنافسة الاقتصادية المنظمَة بصورة صحيحة ليست لعبة محصلتها صفر.

ومن منظور ثابت، تعزز المنافسة الاقتصادية العادية كفاءة الأسعار وتساعد على مواءمة العرض والطلب. ومن منظور ديناميكي، فهي تؤدي إلى ما أطلق عليه جوزيف شومبيتر "التدمير الإبداعي"- وهي آلية قوية لترجمة المعرفة، والأفكار، والتجارب، إلى منتجات، وخدمات، وعمليات جديدة تخفض التكاليف. وبمعنى آخر، تؤدي هذه المنافسة إلى تقدم في رفاهية الإنسان.

ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن المنافسة العابرة للحدود لا يمكن أن يكون لها نفس المكاسب. بل على العكس من ذلك، تُبين التجربة أنه يمكنها ذلك، طالما أن الهياكل القانونية والتنظيمية الداعمة موجودة، وأن الفرص متكافئة. ومن المسلَم به أن توفير هذه الشروط- لا سيما تكافؤ الفرص- أمر صعب على المستوى الدولي، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن تحقيقه.

إن المنافسة الاستراتيجية أمر مختلف. وعلى أي حال، هناك تقنيات قوية ذات استخدام مزدوج، غالبًا ما تستخدمها قطاعات غير دفاعية، وتعمل على تعزيز الأهداف الاقتصادية والأمن القومي. ولا ينبغي للقادة التظاهر بأن الأمر ليس كذلك.

ولكن هذا أيضًا لا يعني أن البلدان محكوم عليها بلعب لعبة محصلتها صفر، وتركز على جعل (أو إبقاء) الآخرين ضعفاء. بل بالأحرى، يجب أن تتفق الصين والغرب على تحقيق درجة من التكافؤ الاقتصادي والتكنولوجي والدفاعي، والحفاظ عليها. وهذا يعني وقف الجهود المبذولة لمنع انتشار المعرفة والتكنولوجيا- وهي مبادرة استراتيجية نادرًا ما تكون فعالة على المدى الطويل.

إن نهجاً كهذا من شأنه أن يتجنب المزيد من التشرذم في النظام الاقتصادي العالمي، والذي يضر خاصة بأطراف ثالثة. وستردع الاستخدام الهجومي للقدرات العسكرية أو التكنولوجية، وهو أمر ضروري في بيئة لا يثق فيها أي من الطرفين بالآخر.

ولكن النظام الذي يقلل من الحاجة إلى الثقة لا يبرر الإساءة المتبادلة. ولا حرج في تفضيل المرء لنظام الحكم في بلده، بما في ذلك التوازن الخاص بين الحقوق الفردية والمصالح الجماعية. وتستند هذه التفضيلات إلى عوامل مثل الخبرة الشخصية، والتعليم، والقيم، وليس الحقيقة الموضوعية. ولا يوجد دليل واضح على أن نظام حكم بعينه يضمن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد كان لكل من الديمقراطيات وأنظمة الحزب الواحد نتائج تنموية جيدة وسيئة. ويبدو أن أهم شرط مسبق للتنمية هو التزام القادة برؤية شاملة لرفاهية الإنسان.

وعندما نفترض أن نظامنا المفضل متفوق بصورة موضوعية وأننا نُشيطن البدائل، ينتهي بنا الأمر إلى إساءة صياغة الشروط، والنتائج المحتملة للمنافسة الاقتصادية والاستراتيجية. والأسوأ من ذلك أن التنافس على الحوكمة يصرف الانتباه عن أبعاد الترابط الأكثر إنتاجية.

إن المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية شر لا بد منه. والسؤال هو ما إذا كان سيكون بناءً. وفي ظل الوضع الراهن، يتجه العالم نحو توازن لن يحققه في سياق تعاني فيه الأطراف الثالثة، أو "الأطراف غير الرئيسية"، أكثر من غيرها.

ولكن الأوان لم يفت بعد لتغيير المسار. فبالنظر إلى نقص المعلومات والثقة، المقرون بالديناميكيات السياسية الداخلية، يتطلب القيام بذلك شجاعة كبيرة من القادة في كلا الجانبين. والخطوة الأولى هي أن يتخلى الطرفان عن نوع الخطاب الاستفزازي الذي شهدناه في الأسابيع الأخيرة.

* مايكل سبنس، حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، أستاذ الاقتصاد الفخري والعميد السابق لكلية الدراسات العليا للأعمال في جامعة ستانفورد. مؤلف كتاب التقارب التالي: مستقبل النمو الاقتصادي في عالم متعدد السرعات
https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق