حتى لو انتهى الأمر بالأحزاب وأساليب الحكم المرتبطة بالشعبوية اليمينية إلى التشابه مع بعضها البعض، فإن ذلك لا يعني أن صعود الشعبويين له نفس الأسباب الجذرية في كل مكان. والتفسير الأكثر احتمالا لأوجه التشابه هو أن القادة الشعبويين تعلموا من بعضهم البعض بصورة انتقائية...
بقلم: جان فيرنر مولر
برلين- يأمل الليبراليون في جميع أنحاء العالم أن يكون للإنهاء العنيف لرئاسة دونالد ترمب جانب مشرق: أي أن الخروج المذِل للمحَرِّض الرئيسي من المسرح السياسي سيعاقب الشعبويين الاستبداديين في أماكن أخرى. ومما يؤسف له أن تفاؤلهم ساذج.
وعلى عكس الكليشيهات التي تقول أن "الموجة" الشعبوية اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة، لن يحدِث صعود القادة الشعبويين وسقوطهم تأثيرات عبر وطنية مهمة. فمثلما لا يوجد شرف بين اللصوص، لم يكن هناك تضامن بين الحكومات الشعبوية الأممية حينما اشتدت الحاجة إلى ذلك فعلا. إذ اعترف أصدقاء ترمب مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في النهاية بفوز جو بايدن الانتخابي.
والأهم من ذلك، أنه بينما كان ترمب حاضرًا في كل مكان، إلا أنه لم يكن يومًا شعبويًا نموذجيًا. إذ يميل الشعبويون اليمينيون في الحكومة إلى أن يكونوا أكثر حرصًا عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على واجهة من الشرعية، وتجنب الارتباط المباشر بعنف الشوارع. ونظرًا لأن حادث اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني كانت علامة واضحة على اليأس، فإنه لا ينذر بالضرورة بمصير الحركات الشعبوية (واليمينية الراديكالية) في أماكن أخرى. والخلاصة الحقيقية الوحيدة هي أن الفاسدين الشعبويين الآخرين قد يلجئون أيضًا إلى التعبئة العنيفة في الشوارع إن حدث وحوصروا حقًا.
وغالبًا ما يدعي الليبراليون تقدير العالم بكل تعقيداته، في حين أن الشعبويين ماهرون في تبسيط الأشياء. إلا أن الليبراليين هم من روجوا للرواية شديدة التبسيط للموجة الشعبوية العالمية، كما لو أن المرء لا يحتاج إلى النظر في سياقات وطنية معينة بعناية شديدة.
وتقول نظرية الدومينو هذه- التي رحب بها الشعبويون أنفسهم بحماس- أنه كان من المفترض أن يؤدي انتصار ترمب غير المتوقع في عام 2016 إلى انتصارات الشعبويين اليمينيين في النمسا، وهولندا، وفرنسا. وفي الواقع، ما حدث هو العكس. ففي النمسا، خسر نوربرت هوفر، المرشح الرئاسي عن حزب الحرية اليميني المتطرف، بعد أن جعله تقليده المضحك لسلوكيات ترمب يبدو غير مناسب لتولي منصب الرئاسة. وفي هولندا، حظي الديماغوجي اليميني المتطرف، خيرت فيلدرز، بتأييد ترمب لكن أداؤه كان ضعيفًا في النهاية. وفي فرنسا، أكدت خسارة مارين لوبان أمام إيمانويل ماكرون، في الانتخابات الرئاسية لعام 2017، ما أصبح واضحًا بالفعل: قد لا يكون اعتماد أسلوب ترمب في أوروبا استراتيجية فعالة على الإطلاق.
وغني عن القول أن ما ينجح في ثقافة سياسية ما قد لا ينجح في ثقافة أخرى. ويعتمد الكثير أيضًا على قرارات الفاعلين الذين ليسوا شعبويين أنفسهم: في حالة الولايات المتحدة، استفاد ترمب من تعاون النخب المحافظة الراسخة والحزب الجمهوري. وفي الواقع، مع استثناء محتمل لإيطاليا، لم يصل أي حزب يميني شعبوي إلى السلطة في أوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية دون مساعدة واعية من ممثلين مفترضين من يمين الوسط (معظمهم لم يحاسبوا أبدًا على دورهم في تعميم أقصى اليمين).
وفضلا عن ذلك، حتى لو انتهى الأمر بالأحزاب وأساليب الحكم المرتبطة بالشعبوية اليمينية إلى التشابه مع بعضها البعض، فإن ذلك لا يعني أن صعود الشعبويين له نفس الأسباب الجذرية في كل مكان. والتفسير الأكثر احتمالا لأوجه التشابه هو أن القادة الشعبويين تعلموا من بعضهم البعض بصورة انتقائية.
فعلى سبيل المثال، بات من الممارسات الشعبوية المعتادة الضغط على المنظمات غير الحكومية المزعجة من خلال تغييرات قانونية محايدة ظاهريًا. وفي ما أسماه بعض المراقبين "الشرعية الأوتوقراطية"، يتبع العديد من الشعبويين اليمينيين الموجودين في السلطة باهتمام القواعد والممارسات الرسمية للحفاظ على مظهر الحياد، وخلق إنكار معقول للأعمال السياسية. وعلى عكس ترامب، يدرك هؤلاء القادة أن عنف الشارع الذي تمارسه حركة لا يمكن السيطرة عليها يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عنيف داخل بلادهم على الصعيد الدولي.
وحتى عندما يشجَع العنف بحكم الأمر الواقع، كما هو الحال فيما يتعلق باضطهاد المسلمين في الهند تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم، فإن شخصيات مثل مودي حريصة على عدم تسجيل بيانات قد تُفسَّر على أنها تحريض مباشر. كذلك، فإن الحكومة الهنغارية تتاجر بلا هوادة في العبارات المجازية العنصرية والمعادية للسامية، لكن رئيس الوزراء، فيكتور أوربان حريص على عدم تجاوز اللغة المشحونة الصاخبة، خشية أن يعرض علاقاته الحاسمة مع الديمقراطيين المسيحيين الألمان، وشركات صناعة السيارات الألمانية للخطر.
ومن المؤكد أنه إذا حوصر أي شعبوي، فقد يلجأ إلى أساليب نهاية لعبة ترامب: محاولة إرغام النخب على الاحتيال لمنع نقل السلطة، أو نشر متطرفين يمينيين على الأرض لترهيب المشرعين. وتشير هذه الأعمال اليائسة إلى ضعف ترامب. ولكن من المهم أن نلاحظ أن معظم الجمهوريين لم يتبرؤوا بعد من ترمب حتى عندما واجهوا تصرفه غير القانوني في 6 يناير/كانون الثاني.
وقد يلاحظ الشعوبيون اليمينيون الآخرون هذه الحقيقة. إذ أظهرت الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة أن النخب المستعدة للتعاون مع الاستبداديين ستتحمل الكثير في النهاية. ومن المرجح بصورة خاصة أن تنطبق هذه السابقة المخزية على البلدان الأخرى حيث ورطت رأسمالية المحسوبية مجتمع الأعمال في سلوك غير قانوني.
إن الشعبويين ممن هم أذكى من ترمب يخنقون الديمقراطية ببطء من خلال المكائد القانونية والدستورية. ولكن الأنظمة الكليبتوقراطية الشعبوية اليمينية القائمة على اندماج الشركات الكبرى والتعصب الأعمى، على حد تعبير الصحفي الهندي كابيل كوميردي، قد لا تسقط بهدوء.
اضف تعليق