لدينا ما يكفي من الإلمام بـ\"رياضيات\" الأوبئة لندرك متى يجب أن نتوقع ذروة تفشي المرض في مكان معين. إذ يحدث نمو أسي إذا كان عدد حالات انتقال المرض من شخص مصاب إلى الأشخاص المعرضين للإصابة بالعدوى أعلى من واحد. وهذا الرقم يساوي عامل R عدد...
بقلم: ريكاردو هوسمان
كمبريدج- تعيش العديد من البلدان الآن حالة إغلاق بهدف الحد من معدل نمو حالات كوفيد- 19 والوفيات الناتجة عنه. ونظرا إلى التكاليف الباهظة لمثل هذه الجهود الرامية إلى "تسوية منحنى" عدوى كوفيد-19، فإن صناع السياسات يتعرضون لضغوط متزايدة من أجل "إعادة فتح الاقتصاد". ولكن كيف يمكنهم القيام بذلك بطريقة آمنة؟
بما أن الأعراض تظهر بعد مرور 5.2 يومًا في المتوسط على الإصابة بالعدوى، وتحدث الوفاة بعد 13 يومًا من ظهور الأعراض على المصاب، فمن المفترض أن ينخفض عدد الحالات الجديدة والوفيات إلى الصفر في غضون ثلاثة أسابيع، إذا كان الإغلاق سيؤدي إلى توقف الإصابات الجديدة. وبناءً على هذا المعيار، كانت الإجراءات الفعلية بطيئة إلى درجة تثير الذهول. فعلى سبيل المثال، فرضت إيطاليا إغلاقًا صارما في 9 مارس/أذار، وهو اليوم الذي سجلت فيه سلطات البلد 1797 حالة جديدة مؤكدة، و97 حالة وفاة جديدة. وفي 18 أبريل/نيسان، ارتفعت الأرقام إلى 3491 إصابة و482 حالة وفاة. ويموت الإيطاليون بمعدل أعلى أربع مرات مما كانوا عليه قبل الإغلاق.
ومع ذلك، يعتقد البعض، بما فيهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الوقت قد حان لتخفيف القيود. وإذا كان منحنى الوباء U معكوسًا بعد ذروته، فإننا قد تخطينا الأسوأ، أليس كذلك؟
هذا خطأ. وهذا الخطأ يمكن أن يكلف عشرات الآلاف من الأرواح (إن لم يكن أكثر)، وأن يؤدي إلى ركود أطول على شكل حرف W.
إن لدينا ما يكفي من الإلمام بـ"رياضيات" الأوبئة لندرك متى يجب أن نتوقع ذروة تفشي المرض في مكان معين. إذ يحدث نمو أسي إذا كان عدد حالات انتقال المرض من شخص مصاب إلى الأشخاص المعرضين للإصابة بالعدوى أعلى من واحد. وهذا الرقم يساوي عامل R: عدد الأشخاص الذين ينقل إليهم كل شخص مصاب الفيروس يساوي احتمال أن يكون الشخص الذي يتلقى الحمل الفيروسي معرضا للإصابة بالعدوى.
لقد كان عامل R قبل الإغلاق في معظم البلدان أقرب إلى ثلاثة من اثنين. إن عمليات الإغلاق تقلص من عامل R إلى أقل من واحد، وينخفض عدد الحالات والوفيات. لذا، فإن الذروة التي رأيناها هي تلك المرتبطة بانخفاض عامل R قبل الإغلاق، وليس بعده، والذي من شأنه، أن يكون أعلى بكثير إن لم يخضع للسيطرة. وهناك ذروة أمامنا، وسيعتمد حجمها على ما نقوم به بعد ذلك.
ونظرا إلى كون فيروس كورونا وباء معد، فإن الطريقة الوحيدة للتغلب عليه هي أن يكون لدى 80 إلى90٪ من السكان مناعة ضده. وهذا الرقم في الواقع ليس حساسًا للغاية اتجاه عامل R. وهناك طريقتان لاكتساب المناعة: الإصابة بالوباء، أو تلقي اللقاح.
وبدون لقاح، يصل الوباء إلى ذروته عندما لا تصاب نسبة 1/R من السكان بالعدوى. ومن ثم، عندما يصل عامل R إلى 1.5، واثنين، وثلاثة، فهذا يعني أن الذروة تحدث عندما يصاب 33.3٪ و50٪ و66.7٪ من السكان، على التوالي.
ما مدى قربنا من هذه الأرقام؟ إن العملية الحسابية ليست دقيقة، إلا أننا في الواقع بعيدون جدًا عنها، حتى في المناطق الأكثر تأثرًا. والمشكلة هي أننا لا نستطيع أن نثق في العدد الرسمي للحالات، لأن القليل ممن تعرضوا للمرض خضعوا لاختبار الإصابة بالوباء. فعلى سبيل المثال، ينتج عن قسمة عدد الحالات المؤكدة في إيطاليا على سكان البلاد رقمًا لا يتجاوز 0.27٪.
وتتمثل إحدى طرق تقدير الحد الأعلى لعدد الأشخاص المعرضين للإصابة بالعدوى في افتراض معدل وفيات متفائل، ومحاولة استنتاج عدد الأشخاص المعرضين من ذلك العدد الحقيقي للوفيات. وإذا افترضنا بتفاؤل أن معدل الوفيات يبلغ 0.2٪ فقط، بدلاً من 0.3 إلى3٪، حسب تقديرات البعض الآخر، فإن 16.6٪ من الإيطاليين، و22.5٪ من سكان نيويورك قد تعرضوا للإصابة بالعدوى.
إن انفتاح الاقتصاد يعني السماح بزيادة التفاعل البشري، ومن ثم زيادة احتمالية الإصابة بعدوى جديدة. وهناك رقمان مهمان لتقرير ما إذا كان ممكنا القيام بذلك بأمان، في أي وقت قريب: عامل R بعد الإغلاق الناتج عن تدابير التخفيف، والنسبة المئوية للأشخاص الذين تعرضوا للإصابة بالفعل.
إن عامل R هو المتغير الذي تحاول الحكومات التأثير عليه من خلال سياسات التباعد الاجتماعي، والسلوكيات الأخرى الموصى بها، ويمكن "التنبؤ به الآن" يوميًا من خلال النظر إلى معدل النمو اليومي للحالات والوفيات. وسَيولد عامل R حين يساوي اثنين ذروة في أواخر هذا الصيف، من شأنها أن تجعل لومباردي، ونيويورك، تبدوان وكأنهما منحدر أرنب. وسيكون حجم الموت والفوضى غير مقبول سياسيًا، خاصة بعد بذل الكثير من الجهد في عملية الإغلاق. وسيولد عامل R عندما يصل إلى 1.5، ذروة سطحية، ولكنها تظل ساحقة في فترة ما بين نوفمبر/تشرين الثاني، وفبراير/شباط، اللذين ستتبعها العديد من الأشهر السيئة. وعندما يزيد عامل R عن واحد، فسوف يرهق معظم النظم الصحية في النهاية.
وتتمثل الاستراتيجية البديلة في أن تستهدف الحكومات عامل R معين، عن طريق اقتراضها لإطار عمل من عملية استهداف التضخم التي تقوم بها البنوك المركزية. أولاً، نحن بحاجة إلى وضع منهجيات واضحة وقوية للتنبؤ بعامل R كل يوم. ثم تأتي، بعد ذلك، مسألة اختيار الهدف.
إن الفرق الوبائي بين عامل R يساوي واحد وآخر يساوي 1.5 شاسع: ربما يكمن الاختلاف في عدد الوفيات الذي يُقسم العدد 50. ومن الصعب تقدير فرق الناتج المحلي الإجمالي، لأنه من الصعب توقع سلوك الناس في خضم الفوضى الناتجة عن وصول عامل R إلى نسبة 1.5. وقد تكون أسوأ من تلك الناتجة عن R<1.
وفضلا عن ذلك، من شأن عامل R الذي يساوي 1.5 أن يضع الذروة ليس بعيدًا جدًا عن اللحظة المعقولة التي يتوقع فيها ظهور اللقاح. ونظرا إلى المقاييس الزمنية المعنية، فمن المنطقي استهداف عامل R يساوي واحد أو أقل، وانتظار اللقاح لتحصين السكان.
ومع الأخذ بعين الاعتبار لمتوسط فترة الحضانة قبل ظهور الأعراض، لن تظهر نتائج التدابير التي تستهدف عامل R إلا خلال الأسبوع التالي. لذا، يجب أن تكون استراتيجية التخفيف تدريجية، مع اعتماد بعض القرارات كل أسبوعين من أجل التعلم من تأثيرها. وكلما قل عدد التغييرات المتزامنة، كان التعلم أسهل.
إن اللقاح مهم للغاية بحيث لا يمكن اعتباره حدثًا خارجيًا يُترك للخبراء، أو إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. إن حياة العديد من الأشخاص، ونقاط الناتج المحلي الإجمالي على المحك. ويجب أن تتفاوض الدول مع الشركات الآن، وأن تكون على استعداد للمشاركة في التجارب السريرية مقابل الحصول على اللقاح. كما يجب أن تكون الأشكال المبتكرة من الاختبار المعَجّل على الطاولة. وينبغي على البلدان أن تقوم بإعداد جميع منتجاتها، وجميع عمليات التعبئة، والخدمات اللوجستية اللازمة للتلقيح الجماعي.
وعندما يكون عامل R أكبر من 1، فإنه يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى، وعرقلة الدورات التجارية. ويبدو استهداف عامل R حتى وصول اللقاح، خطوة أكثر عقلانية وإنسانية، لأنه سينقذ الأرواح، وسيحمي الاقتصاد.
اضف تعليق