في حال عدم اندلاع أزمة، لا يُحتمل أن يكون لسياسات الشرق الأوسط وزن يُعتد به في الانتخابات الأميركية، حتى لو شهدنا انقساماً أعمق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول التوجهات التي يجب انتهاجها في هذه المنطقة. ذلك أن الكثير مما تضمّنه سباق العام 2000 كان يدور حول...
بقلم: مايكل يونغ

جويس كرم | مراسلة صحيفة "ناشونال" في واشنطن

في حال عدم اندلاع أزمة، لا يُحتمل أن يكون لسياسات الشرق الأوسط وزن يُعتد به في الانتخابات الأميركية، حتى لو شهدنا انقساماً أعمق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول التوجهات التي يجب انتهاجها في هذه المنطقة.

ذلك أن الكثير مما تضمّنه سباق العام 2000 كان يدور حول الشخصيات، ومسألة الجندر، وسياسات الهوية، والشعبوية، والاستقطاب الذي أثاره الرئيس ترامب. أما المرّات النادرة التي سمعنا فيها عن الشرق الأوسط من الديمقراطيين، فكانت في جلّها مجرد حالات سعوا فيها للتميّز عن ترامب. مع ذلك، في وسعنا توقّع أن تكون السياسة حيال إسرائيل أكثر بروزاً، خاصة إذا ما أصبح شخص مثل بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي. الآن، حين نضع في الاعتبار تصاعد حملات معاداة السامية في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع الأخيرة والكيفية التي رجّح فيها ترامب كفة الميزان لصالح الحكومة الإسرائيلية، فإن هذه المسألة ستكون قضية حاسمة، وقد تتجلّى في ولايات رئيسة كفلوريدا وميشيغان وبنسلفانيا.

ليس ثمة إجماع بين الديمقراطيين حول إيران أو ما يتوجّب عمله في سورية، لكن هناك انتقادات مطّردة للسعودية بسبب روابطها مع ترامب، وسياستها في اليمن، وسلوكها في مجال حقوق الإنسان. مع ذلك، لن تكون هذه القضايا حاسمة بالنسبة إلى الناخبين في 3 تشرين الثاني/نوفمبر. هذه الانتخابات ستكون أكثر اعتماداً على مدى الإقبال على الاقتراع وعلى وضعية الاقتصاد الأميركي.

مارتن إنديك | زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية، ومساعد سابق لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، والمبعوث الخاص إلى المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، والسفير الأسبق للولايات المتحدة في إسرائيل

من الصعوبة دائماً التكهّن بالقضايا التي ستبرز حالما تنتهي المجاميع الانتخابية ويبدأ السباق التنافسي في تموز/يوليو. على سبيل المثال، قد تُهيمن تأثيرات فيروس كورونا على النقاش فيبهُت أمامها وهج القضايا الأخرى. مع ذلك، الشرق الأوسط يلعب بالفعل دوراً وازناً هذا العام أكثر من أي وقت مضى.

السبب في ذلك كان يتبلور على مدى العقد الماضي: الانقسام المُستفحل بين الديمقراطيين والجمهوريين حيال دعم إسرائيل، حيث هناك الآن، وبشكل لم يسبق له مثيل، فارق 40 نقطة بين الدعم الكاسح لإسرائيل بين الناخبين الجمهوريين- خاصة الإنجيليين- وبين الدعم المتقلّص بين الناخبين الديمقراطيين لها. وهذا يترجم نفسه في منحيين: الأول، يتجسّد في جهود الرئيس ترامب القصوى للإثبات أنه "أفضل رئيس بالمطلق" حصلت عليه إسرائيل (حيث أنه نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، ثم أعلن أخيراً عن خطته الداعمة لضم إسرائيل كل مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن).

المنحى الثاني هو انتقاد بيرني ساندرز لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو واتهامه بأنه "عنصري". وهذا يستهدف إرضاء قاعدته التقدمية التي تنقلب على إسرائيل. بيد أن ترامب، الذي يستشعر بوجود فرصة لقنص أصوات يهودية أميركية لطالما كانت ديمقراطية بشكل كاسح، سيسعى على الأرجح إلى استغلال هذا الانقسام. وفي حين أن اليهود الأميركيين لازالوا ليبراليين ومعارضين بغالبيتهم لترامب، إلا أن فوز ساندرز بترشيح الحزب الديمقراطي قد يمكّن ترامب من تحقيق اختراقات في أماكن قد تؤثّر كثيراً، على غرار ولاية فلوريدا المتأرجحة.

يُحتمل أن يطل الشرق الأوسط برأسه في مجريات القرار الأميركي في مجال آخر: إذ إن طي صفحة الانخراط الأميركي في حروب الشرق الأوسط أصبحت مدرارة للأصوات الانتخابية بفعل شعور الرأي العام الأميركي بالإنهاك من الحرب. كان الرئيس السابق باراك أوباما أول من اعترف بذلك، وهذا كان أحد أسباب رفضه القوي الانجرار إلى الحرب الأهلية السورية. وبالمثل، كان ترامب يرقص على إيقاع هذا الهم، حين أعلن مرتين عن سحب القوات الأميركية من سورية. وهو الآن يريد أن يلتقط صورة تذكارية مع طالبان كرمز للتوقيع مؤخراً على اتفاقية لإنهاء الحرب الأفغانية. وفي هذا الإطار، يمكننا أن نتوقّع تنفيذ انسحابات عسكرية أميركية وازنة من الآن وحتى موعد الانتخابات.

على أي حال، السياسة الخارجية في النهاية ستكون على الأرجح في المقاعد الخلفية، كما الأمر دوماً، مقارنةً مع القضايا المحلية كالاقتصاد والعناية الصحية. وهذه السنة ستكون مُثقلة بقضية امتصّت كل الأوكسيجين من المشهد السياسي الأميركي طيلة السنوات الثلاث المنصرمة. اسم هذه القضية: دونالد ترامب.

جو معكرون | باحث في المركز العربي في واشنطن العاصمة

نادراً ماتكون السياسة الخارجية الأميركية في صُلب أولويات الناخبين الأميركيين، إلا إذا كانت الولايات المتحدة في حالة حرب. حتى الآن، لايبدو أن انتخابات العام 2020 تشكّل استثناءً على هذه القاعدة. ولايزال من المبكر للغاية التنبّؤ بمدى الأهمية التي سيرتديها الشرق الأوسط في الانتخابات الوطنية المُقبلة، لأن هذا الأمر رهنٌ بعوامل عدة، من ضمنها: احتمال أن يتباطأ الاقتصاد الأميركي، فيهيمن هذا الموضوع على المناظرات الرئاسية؛ وهوية المرشّح الذي سيختاره الديمقراطيون لمنازلة الرئيس دونالد ترامب؛ وآفاق اندلاع صراع جديد في الشرق الأوسط قبل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

لكن بغضّ النظر عن هذه الاعتبارات، لاشك أن ترامب قَلَب السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط رأساً على عقب، مقارنةً مع سلفه باراك أوباما، ومن المتوقّع أن يعوّل على سجلّه هذا لكسب دعم القاعدة الإنجيلية. ترامب، الذي تعمّد تحويل سياساته حيال الشرق الأوسط إلى مسألة حزبية، سيسخّر لصالحه الدعم المطلق الذي قدّمه لإسرائيل، وعمليّتَي اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، وزعيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي.

في المقابل، ومن أجل حشد القاعدة الليبرالية، من المرجّح أن يسلّط خصمه الديمقراطي الضوء على خطوات ترامب التي تدفع الولايات المتحدة إلى خوض حرب مع إيران، ودعم حكّام سلطويين عرب. صحيحٌ أن هذه ليست قضايا مصيرية بالنسبة إلى الناخبين الأميركيين، لكنها قد تكون حاسمة في الولايات المتأرجحة، سواء للناخبين الأميركيين اليهود في فلوريدا أو الأميركيين العرب في ميشيغان. الرأي السائد في الشرق الأوسط هو أن ترامب سيفوز بولاية رئاسية ثانية، وبالتالي من المستبعد أن يؤثّر الجدل حول الشرق الأوسط في الانتخابات الأميركية. قد يتحقّق هذا الأمر في نهاية المطاف، لكن لاينبغي اعتبار أي شيء من المسلّمات. فيومٌ واحدٌ من السياسة في واشنطن أشبه بدهر.

ميشيل دنّ | باحثة ومديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

عموماً، لاتُعتبر السياسة الخارجية عاملاً حاسماً في الانتخابات، إلا إذا شعر الأميركيون بخطر داهم. في حال تصاعدت وتائر التوتر بين الولايات المتحدة وإيران بشكلٍ حاد مثلاً، قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، مؤدّيةً إلى أعمال إرهابية، أو هجمات سيبرانية، أو تهديدات بشنّ هجمات بالأسلحة النووية، ستشكّل السياسة الخارجية عندئذ مسألة انتخابية كبرى. لكن، ما لم تقع أزمة من هذا النوع، فسيكون معظم الناخبين الأميركيين مرتاحين للتطمينات رئيسهم بأنه لن ينخرط في صراع عسكري مديد آخر في الشرق الأوسط.

لكن إسرائيل ستشكّل على الأرجح مسألة انتخابية، لأن الرئيس دونالد ترامب سيبذل قصارى جهده لضمان ذلك. إذ يبدو أن خطة السلام التي أعلن عنها في كانون الثاني/يناير، التي تشجّع إسرائيل على ضم الكثير من أراضي الضفة الغربية، قد صُمّمت للمساعدة على إعادة انتخاب كلٍّ من ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لذا يمكننا توقّع أن يتعمّد ترامب إثارة الخلافات مع المرشّح الديمقراطي حول إسرائيل، سعياً منه إلى حشد الدعم في أوساط الأميركيين الإنجيليين (الذين يشكّلون حوالى ربع الناخبين). وسيشدّد ترامب أكثر على هذه المسألة في حال نافس بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن، اللذين أبديا، أكثر من جو بايدن، مشاعر مختلطة حيال إسرائيل، ما أربك الحزب الديمقراطي مع تضاؤل آفاق حل الدولتين.

https://carnegie-mec.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق