اللجوء إلى آلية فضّ النزاع السبيل الأخير لمحاولة إقناع إيران بالامتثال إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مع تأجيل أي خطوات إضافية قد تلجأ إليها إدارة ترامب للتصعيد. فمنذ أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، باتت العلاقة بين واشنطن وطهران...
بقلم: مايكل يونغ
داريوش باياندور | مؤرخ ودبلوماسي إيراني سابق
شكّل الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي مع إيران، باعتبارها محوراً أساسياً في نظام عدم الانتشار النووي، هدفاً رئيساً سعت الدول الأوروبية بشدّة إلى تحقيقه منذ أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في أيار/مايو 2018. هذا الانشغال نفسه يشكّل أساس القرار الذي أعلنت عنه فرنسا وألمانيا وبريطانيا (الدول الأوروبية الثلاث المعروفة بـE3) في 14 كانون الثاني/يناير، المتعلّق باللجوء إلى أحكام آلية تسوية النزاعات الواردة في الاتفاق، كردّ على تخفيض إيران المطرّد لالتزاماتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم.
معروف أنه قبل هذا الإعلان، كانت الدول الأوروبية الثلاث ترزح تحت وطأة الضغوط الأميركية لدفعها إلى الانضمام إلى حملة أقصى درجات الضغط على إيران. وقد أكّدت وزيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارينباور أن البيت الأبيض هدّد بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المئة على السيارات أوروبية الصنع.
بيد أن مواصلة ربط خطوة الدول الأوروبية الثلاث بابتزاز الولايات المتحدة هي بمثابة خطأ ناجم عن تقلّبات المناخ السياسي. ومن وجهة نظر الدول الأوروبية الثلاث، يمكن أن يؤدي تفعيل آلية فضّ النزاع، المنصوص عليها في المادتين 36 و37 من خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى توفير مساحة للحوار مع إيران قد ينجم عنها حلّ يحفظ ماء وجه واشنطن وطهران على حدّ سواء. بيد أن المسار المُقترح في هاتين المادتين طويل وشاقّ، ما يوفّر الوقت للقيام باستطلاع وافٍ لإرساء أرضية للتسوية.
ما هو الموقف الإيراني من ذلك؟ يدعو متشدّدون في البلاد إلى الانسحاب الكامل من الاتفاق النووي والبروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي سياسي براغماتي على الرغم من خطابه المُتّسم بالتحدي. كما يمنح عزوف الرئيس دونالد ترامب عن خوض حرب مجالاً كافياً لقيام طهران بتغيير مواقفها من خلال ممارستها المزدوجة المتقنة، فيما هي تنتظر مصير رئاسة ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر.
نغار مرتضوي | محررة استشارية لصحيفة إندبندنت
يُعتبر موقف الأوروبيين صعباً، وليس أمامهم سوى خيارات قليلة. فإدارة ترامب تهدّد أوروبا بفرض عقوبات ثانوية ورسوم جمركية من أجل التمكّن من سحبها من خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي مع إيران. من جهتها، تمارس طهران ضغوطاً على أوروبا للوقوف في وجه الولايات المتحدة والوفاء بالمنافع الاقتصادية الموعودة من أجل إنقاذ الاتفاق. والأوروبيون يحاولون الآن إقناع طهران بعدم الانسحاب من الاتفاق وحفز واشنطن على التخفيف من الضغوط، لكن هاتين المحاولتين على السواء باءتا بالفشل.
وهكذا، يبدو اللجوء إلى آلية فضّ النزاع السبيل الأخير لمحاولة إقناع إيران بالامتثال إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مع تأجيل أي خطوات إضافية قد تلجأ إليها إدارة ترامب للتصعيد. فمنذ أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، باتت العلاقة بين واشنطن وطهران تسير في مسار تصادمي لاينفكّ يزداد خطورة. وقد أثبتت أحداث الشهر الماضي أنه يمكن للجانبين بسهولة الانزلاق إلى صراع عسكري، على الرغم من أن أياً منهما لا يرغب بشنّ حرب شاملة.
علي فائز | مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية
فيما يبذل المسؤولون البريطانيون والفرنسيون والألمانيون قصارى جهدهم للتشديد على أن تفعيل آلية فض النزاع المتضمّنة في خطة العمل الشاملة المشتركة، أي الاتفاق النووي الإيراني، لا يعني توجّه الأمم المتحدة نحو إعادة فرض عقوبات على إيران، إلا أن الفشل في فض النزاع ضمن المهلة الزمنية المحددة سيجعل هذه النتيجة لا مناصّ منها. ويبدو أن الولايات المتحدة ترغب في حصول ذلك، باعتباره الطريقة الوحيدة التي تسمح لواشنطن بالحؤول دون رفع الحظر على الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران في تشرين الأول/أكتوبر الفائت.
بعبارة أخرى، تواجه فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، أي الدول الأوروبية الثلاث الكبرى، قنبلة موقوتة قد تطبع قبلة الموت على كلٍّ من الاتفاق النووي، وحتى ربما على التزام إيران بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إلا إذا أفادت هذه الدول الثلاث من المهلة والمجال اللذين تتيحهما هذه الآلية لبلورة الطرق المناسبة التي من شأنها أن تمنح إيران متنفّساً اقتصادياً يُعتدّ به (سواء بموافقة أميركية أم لا) وأن تحدّ من التوتر في المنطقة. وإذا نسف الأوروبيون الاتفاق النووي في مساعيهم لإنعاشه، لن يتمكّنوا على الأرجح من الاضطلاع بدور ما في المفاوضات المقبلة مع طهران، نظراً إلى انخراطهم في هذا الملف طيلة الأعوام السبعة عشر الأخيرة، واعتقاد إيران بأنهم باتوا غير ذي شأن استراتيجياً في مواجهة التعطيل الأميركي.
جاريت بلان | باحث أول في البرنامج الجيو-اقتصادي والاستراتيجي في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
انتهكت إيران التزاماتها التقنية المنصوص عليها ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة. هذا أمر ليس موضع خلاف: فهي كانت تعلن تباعاً كل انتهاك تقوم به، وسمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمواصلة أنشطة التفتيش والتحقّق من كل انتهاك.
تبدو إدارة ترامب راضية عن احتمال زوال القيود المفروضة على إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. لكن إيران جذبت اهتمام المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا. لايزال الأوروبيون يضعون لجم البرنامج النووي الإيراني في صلب أولوياتهم، بيد أنهم عاجزون حتى الحين عن تقديم منافع اقتصادية لطهران عبر تضاعيف العقوبات الأميركية.
يُعتبر تفعيل آلية فض النزاع وسيلة لإضفاء طابع رسمي على المفاوضات مع إيران لوقف أو إبطاء عدم امتثالها للاتفاق. ويرمي هذا المجهود إلى الحفاظ على ما تبقّى من خطة العمل الشاملة المشتركة لاستئناف المسار الدبلوماسي عندما تصبح الولايات المتحدة وإيران مستعدتين لذلك.
يسلّط تفعيل آلية فض النزاع الضوء على خيار أوروبا –المُحتضر– الخاص بإعادة العمل بقرارات مجلس الأمن الدولي، والمُعلّقة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. وكما هو معروف، تعتبر هذه القرارات أن إيران تشكّل تهديداً "للأمن والسلام الدوليين"، وهي تستبقي القيود التي فرضتها الأمم المتحدة على صفقات بيع الأسلحة مع إيران، والتي من المتوقع أن تنتهي مفاعيلها في تشرين الأول/أكتوبر 2020. وعلى الرغم من النقص الراهن في المنافع الاقتصادية التي تحقّقها إيران من خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن هذه الأكلاف التي قد تتكبّدها حقيقية وينبغي أن تأخذها طهران في الاعتبار أثناء مقاربتها للمفاوضات بشأن تفعيل آلية فض النزاع.
اضف تعليق