q
ليست عدم الثقة العابرة للأطلسي بالشيء الجديد. إذ قبل اندلاع حرب العراق في عام 2003، أثار وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، جدالا عندما وضع خطا بين \"أوروبا القديمة\" و\"أوروبا الحديثة\". وتشمل الأخيرة الدول الشيوعية سابقا، التي كانت أكثر حماسا للانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية...
كريستوفر هيل

دنفر- بدأت الصفائح القارية بالانقسام والتحرك قبل ملايين السنين. لكن لابأس إن ظن أي شخص يزور العواصم الأوروبية، أو يتابع الأحداث في واشنطن تحت ولاية دونالد ترمب، أن حقبة أخرى من انحراف الصفائح التكتونية قد بدأت.

وبطبيعة الحال، ليست عدم الثقة العابرة للأطلسي بالشيء الجديد. إذ قبل اندلاع حرب العراق في عام 2003، أثار وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، دونالد رامسفيلد، جدالا عندما وضع خطا بين "أوروبا القديمة" و"أوروبا الحديثة". وتشمل الأخيرة الدول الشيوعية سابقا، التي كانت أكثر حماسا للانضمام إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب. ويظن العديد من الأوروبيين أن هدف رامسفيلد كان زرع الانقسامات داخل أوروبا.

والآن، ينبغي على أوروبا أن تتعامل مع أمريكي آخر صعب يدعى دونالد. إذ اعتمد ترمب سياسة أكثر عدوانية اتجاه أوروبا، معتبرا الاتحاد الأوروبي منافسا استراتيجيا، ومثيرة شكوكا حول التزام أمريكا الطويل الأمد بضمان الأمن الأوروبي. وتماشيا مع الرأي العالمي لترمب، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أوروبا اليوم انتهازية استغلت السخاء الأمريكي.

ويبدو ترمب، وهو يظهر إدراكه الضعيف للمصالح الأمريكية، مصمما على إضعاف مكامن قوة الاندماج الأوروبي. وقد حاول أيضا إفساد العلاقة بين الأوروبيين (الذين يؤيد عدد منهم سياساته)، وليس فقط بين "أوروبا القديمة" وأوروبا الحديثة". فمثلا، لا يخفي ترمب تعاطفه مع مؤيدي البريكسيت، حتى ولو أنهم يواصلون فقدان ثقة الأوربيين، وربما حتى ثقة الأغلبية في المملكة المتحدة أيضا.

إن الرؤية العالمية لترمب التي تحمل شعار "أميركا أولا"، لا تترك أي مجال للشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، أو أي حلفاء لا يدعمون السياسات الأمريكية تلقائيا. وأوضح نائب الرئيس الأمريكي مايك بانس هذه النقطة في مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونخ في شهر فبراير/شباط، والذي وبخ فيه مايك بانس الأوروبيين لإضعاف العقوبات الأمريكية على إيران، وظهر فيه وكأنه أستاذ يفتي لائحة الواجبات التي انتهى أجلها.

إن الأبوة الأمريكية على أوروبا لن تنتهي بالضرورة مع ترمب. وكما رأينا، فهي تعكس موقفا طالما كان قائما وسط مؤسسات الأمن القومي الأمريكي، بما في ذلك المحافظون الجدد، الذي أظهر العديد منهم رفضهم للعمل لصالح ترمب. ورأي الأوروبيين السائد بخصوص قضايا معينة، بما في فيها قضية البلقان والتهديد الروسي لأوكرانيا، هو أن الأوروبيين ضعفاء. أو، كما أشار كتاب شهير للسياسة الخارجية صدر عام 2003، "أتى الأمريكيون من المريخ، وأتى الأوروبيون من الزهرة."

ومن المؤكد أن أوروبا تتحمل جزءا من المسؤولية في التوتر العابر للأطلسي. إذ عندما بدأ الاتحاد الأوروبي عملية التوسع قبل 20 عاما، اشتكت بولندا وغيرها من ممن طلبوا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي للديبلوماسيين الأمريكيين من المبعوثين الأوروبيين، الذين خيروها بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، كما لو أنهما يمثلان قيما ومصالحا مختلفة.

وبطبيعة الحال، تغير الكثير منذ ذلك الوقت، وأدرك بعض الأوروبيين أنه عليهم عمل المزيد من أجل تعزيز الشراكة العابرة للأطلسي، خاصة عن طريق انفاق المزيد على الدفاع وتحسين عملية صنع القرارات للاتحاد الأوروبي وتسوية النزاعات الاقتصادية. (أكبر دولة ترفض هذه السياسة هي ألمانيا، التي لازالت حصة إنفاقها على الدفاع في الناتج المحلي الإجمالي أقل من معدل 2% الذي يسعى الناتو إلى تحقيقه).

لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه أوروبا هو تحدي داخلي. إذ ينبغي على القادة الأوروبيين أن يفسروا لمنتخبيهم بطريقة أفضل، ماهية المشروع الأوروبي بالفعل في ما يتعلق بمجموعة كبيرة من القضايا. والجواب واضح للأجيال السابقة: الاندماج الأوروبي ضروري لتفادي حرب عالمية أخرى. ولأن هذا كان صحيحا قبل 70 عاما، من الواضح أن سبب وجود المشروع يحتاج إلى التحديث لمعالجة هموم المصوتين الأوروبيين في الوقت الحاضر.

وفي الأصل، ظن الأوروبيون أنهم انضموا إلى بعضهم البعض في مهمة حضارية. لكن مع تعمق الاندماج البنيوي للاتحاد وانضمام ألمانيا موحدة، بدأ العديد من الأوروبيين يشعرون وكأنهم أجبروا على الدخول إلى أكثر البيروقراطيات إرهاقا في العالم. ومع تزايد الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية بسبب الهجرة، بدأ يتزايد عدد الأوروبيين الذين يشعرون وكأنهم فقدوا هوياتهم القومية. ومن المستبعد أن تتغير أفكارهم عن طريق إلقاء المحاضرات حول المسؤولية الأخلاقية والحاجة إلى من هم أقل حظا.

ومن هنا، أول رد فعل لبعض أعضاء الاتحاد الأوروبي- بما في ذلك تلك التي استفادت كثيرا من العضوية في الاتحاد الأوروبي- هي غلق الحدود ووضع الأسلاك الشائكة. لكن كما يدرك أي قائد أوروبي جاد، ينبغي أن تعالج أزمة الهجرة واللجوء- وسياسة الهجرة بصفة عامة- بشمولية على مستوى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اعتماد سياسة خارجية قوية، تركز على معالجة الأسباب الأساسية للمشكل.

وبينما يصارع الأوروبيون القضايا الجوهرية المتعلقة بالهوية، والبيروقراطية والسيادة، ينبغي على صناع السياسة الأمريكيين، كيفما كان انتماؤهم السياسي، أخذ نفس عميق ومعالجة الأسباب وراء الانقسام العابر للأطلسي الراهن. وينبغي عليهم، على الخصوص، التفكير حول ما إذا كانت الأبوة السلطوية هي فعلا السياسة الأفضل مع قارة تشاركها الكثير من القيم والمصالح. إذ وُحِّدت آراء الأوروبيين التي من المفترض أنها قد تطورت بشأن تغير المناخ وعقوبة الإعدام واستخدام القوة الناعمة وغيرها من القضايا لتدعم هوية أوروبية واحدة، لها مصالح مختلفة عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الواضح أن تزايد التهديدات التي تستهدف الديمقراطية- بل حتى الحضارة نفسها- يتطلب أن تظهر الولايات المتحدة وأوروبا المزيد من الاحترام المتبادل والتعاون. ليس هناك سبب يجعلنا نتوقع تغير أي شيء في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، لكن لازلنا بحاجة إلى تعاون مشترك من أجل صنع مستقبل أفضل للعلاقات العابرة للأطلسي. لقد حان الوقت لِلَمِّ شمل الصفائح القارية.

* كريستوفر هيل، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشرق آسيا، سفيرًا للولايات المتحدة في العراق وكوريا الجنوبية ومقدونيا وبولندا، ومبعوثًا أمريكيًا خاصًا لكوسوفو، ومفاوضًا لاتفاق دايتون للسلام، وكبير المفاوضين الأمريكيين مع كوريا الشمالية من 2005-2009. وهو كبير المستشارين لمستشار المشاركة العالمية وأستاذ الممارسة في الدبلوماسية بجامعة دنفر، ومؤلف كتاب "المخفر الأمامي".
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق