لقد ضلت ايطاليا طريقها وفرنسا بحاجة ان تفهم السبب وذلك حتى تقاتل من أجل عدم اكتساب الشعبوية لمزيد من الزخم محليا ومن اجل تحقيق ذلك يتوجب على فرنسا ان تميز بين الشعب الايطالي وبعضا من قادته السياسيين الذين لا يحظون بكثير من الاعجاب مقارنة بشعبهم...
دومينيك مويسي
باريس - إن الدعم من قادة ايطاليا الشعبويين لاحتجاجات السترات الصفراء في فرنسا يعتبر سابقة حزينة في تاريخ الاتحاد الاوروبي فلم يحدث من قبل ان تدخلت احدى الدول المؤسسة للمشروع الأوروبي بهذا الحزم في الشؤون المحلية لدولة أخرى والذي يزيد الطين بلة ان ايطاليا تدعم حركة تضم عناصر من الواضح انهم يرفضون القيم الاوروبية الأساسية المتعلقة بالتسامح واحترام والمؤسسات الديمقراطية.
لقد ضلت ايطاليا طريقها وفرنسا بحاجة ان تفهم السبب وذلك حتى تقاتل من أجل عدم اكتساب الشعبوية لمزيد من الزخم محليا ومن اجل تحقيق ذلك يتوجب على فرنسا ان تميز بين الشعب الايطالي وبعضا من قادته السياسيين الذين لا يحظون بكثير من الاعجاب مقارنة بشعبهم.
إن تصاعد التوتر بين الحكومتين الفرنسية والايطالية يعود جزئيا الى المنافسة بين الحزبين الشعبويين في الائتلاف الحاكم في ايطاليا والذي تولى الحكم في يونيو 2018 ولقد انعكس ذلك مؤخرا في الخطاب القوي المعادي للفرنسيين من زعيم حركة النجوم الخمس لويجي دي مايو والذي كان دوره حتى اليوم مهمش الى حد كبير بسبب الحضور الكبير لزعيم حزب الرابطة ماتيو سالفيني ولكن المشاعر المعادية لفرنسا في ايطاليا لها جذور أعمق وموجودة بين النخب وبين شرائح من السكان بشكل عام.
إن العلاقات الفرنسية –الايطالية كانت دوما معقدة وكوريثة للإمبراطورية الرومانية شعرت ايطاليا النهضة وفن حقبة الباروك بأنها متفوقة ثقافيا على فرنسا وبأنها اكثر رقيا وبالنسبة للإيطاليين فإن الطريقة العاطفية التي أظهرت فرنسا من خلالها عظمتها ومجدها من زمن ملك الشمس (لويس الرابع عشر) وحتى نابليون جعلها تبدو وكأنها محدثة نعمة وحتى الدعم الفرنسي لتوحيد ايطاليا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ساهم في تعزيز سوء التفاهم لإن فرنسا "استلمت" سافوي ونيس في مقابل مساعدتها القيمة.
في الآونة الاخيرة ظهرت على الاقل بعض الاشارات التي تدل على الاعجاب المتبادل فالايطاليون كانوا ينظرون بحسد الى الدولة الفرنسية التي تعمل بشكل جيد بينما كان الفرنسيون معجبين بشبكة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الديناميكية في الشمال الايطالي ولكن اليوم فإن هذا النوع من المديح المتبادل يبدو وكأنه من أشكال الحنين للماضي.
ان وجهة النظر من روما هذه الايام هي ان فرنسا تعطي محاضرات عن صرامة الميزانية ولكنها لم تعد تطبق ذلك كما حصل عندما قام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بإلغاء الزيادة المخطط لها لضريبة الوقود في مواجهة احتجاجات السترات الصفراء ولكن تصور ايطاليا الحالي السلبي عن فرنسا هو في واقع الامر عاطفي فمن ازمة ليبيا (بلد تعرفه ايطاليا جيدا) الى ازمة المهاجرين (والتي اثرت على ايطاليا كثيرا وبشكل غير متناسب)، يشعر الايطاليون انه يتم تجاهلهم وحتى التخلي عنهم بشكل متعمد من قبل الفرنسيين والذين حتى يجعلوا الأمر اكثر سوءا يعطون الانطباع كذلك بانهم يحتقرون جيرانهم.
إن من السهل مقارنة انتقاد ايطاليا لفرنسا بعداء السترات الصفراء تجاه النخب الفرنسية ولكن هذه المشاعر تستمد قوتها من الشعور بالإذلال في مواجهة ما يعتقد انه غطرسة وامتيازات والسؤال الكبير الان هو ما إذا كان الحاضر الشبعوي الايطالي سيكون مستقبل فرنسا.
ان من الواضح ان هذا السيناريو لم يعد ضربا من الخيال وعليه يتوجب على المدافعين عن الديمقراطية الليبرالية في فرنسا وغيرهم تبني شعار السترات الصفراء برفض الاستسلام وتطويعه.
لقد قام كاتب المقالات الفرنسي من اصول بلغارية الراحل تزفيتان تودوروف في مقال قصير سنة 2008 بعنوان "روح التنوير" بتذكيرنا" ان اوروبا لم تكن ستوجد بدون التنوير وانه لا تنوير بدون أوروبا، وفي اعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة فإن رجال دولة مثل روبرت شومان في فرنسا والسايد دي جاسبيري في ايطاليا لم يكونوا مسيحيين متدينين فحسب، بل كانوا يؤمنون كذلك بإفكار مونتسيكيو وفولتير.
إن من الواضح ان هذا لا ينطبق على سالفيني أو مارين لوبان في فرنسا فبدلا من ان يتحدوا على اساس الامل والثقة، فهم يستغلون ثقافة الخوف والتهديد والرغبة المشتركة في تدمير النظام القائم.
لن نكسب شيئا من خلال المقارنة بين التنوير وبين الروح الشعبوية للسترات الصفراء أو بين رغبة ماكرون العميقة والصادقة للإصلاحات وبين السوقية الذكية والمتوحشة لسالفيني ولكن هناك دروس يجب تعلمها من صعود الشبعويين الايطاليين والسترات الصفراء الفرنسيين.
بادىء ذي بدء، لا يستطيع المرء تجاهل عواطف الاخرين. ان المساواة في الاحترام هو بنفس أهمية المساواة في الوسائل. ان الاذلال هو محرك قوي يمكن ان يدفع الناس الى الكراهية الصرفة وذلك كما يحدث مع ماكرون حاليا وبالإضافة الى ذلك فإن الديمقراطية التمثيلية هي هشة وقيمة ويجب هزيمتها بأي ثمن من قبل اعداءها السلطويين بالخارج ومعارضيها المحليين الذين لا يرون الا اخطاءها فقط.
في الوقت نفسه يجب على فرنسا ان تحافظ على موقفها المعتدل والمنطقي والحازم وان لا تنجر الى حرب كلامية مع ايطاليا وان تحاول عوضا عن ذلك ان تفهم كيف ولماذا اصبحت الهدف الرئيسي لجارتها الواقعة وراء جبال الالب. ان التفكير النقدي العميق هنا يمكن ان يساعد فرنسا في التغلب على انقساماتها الداخلية ومنع الشعبوية على الطراز الايطالي من الوصول للسلطة في باريس.
اضف تعليق