يبدو أن افتقار المفاوضين في بعض الأحيان إلى البدائل التي تخولهم للتراجع، أمراً لا مفر منه. فما الذي يمكنهم فعله لتحقيق أقصى نتائج ممكنة من المفاوضات؟ وجدنا في ورقة عمل أجريناها مؤخراً، والتي حملت عنوان \"البدائل التصورية: تأثيرات المحاكاة الذهنية على المفاوضين الذين لا يمتلكون...
رودريك سواب/مايكل شيرير/مارتن شواينسبرغ

 

يوفر أسلوب المحاكاة الذهنية لبدائل جذابة بعض المزايا التي توفرها البدائل الفعلية عادة

 

لم تعد عروض العمل على نفس الوتير التي عهدتها سابقاً. فعلى سبيل المثال، وجد مسح أجراه مؤخراً مجلس اختبار القبول للدراسات العليا في مجال الإدارة، أن خريجي برامج إدارة الأعمال يحصلون وسطياً على عرض عمل واحد كأحد الخيارات المتاحة. مما يدفع العديدين إلى قبول العرض المقدم في ظل عدم وجود خيارات أخرى متاحة. يعتبر وجود بدائل خلال المفاوضات أمراً جيدا، كونها تتيح إمكانية التفاوض على العروض المطروحة بتصميم أكثر.

ومع ذلك، يبدو أن افتقار المفاوضين في بعض الأحيان إلى البدائل التي تخولهم للتراجع، أمراً لا مفر منه. فما الذي يمكنهم فعله لتحقيق أقصى نتائج ممكنة من المفاوضات؟

وجدنا في ورقة عمل أجريناها مؤخراً، والتي حملت عنوان "البدائل التصورية: تأثيرات المحاكاة الذهنية على المفاوضين الذين لا يمتلكون مفاتيح قوة" والتي ستنشر قريباً في مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي، أنه بإمكان المفاوضين الاستفادة من العروض التي تقدمها البدائل عن طريق محاكاة ذهنية بوجود بديل جذاب.

قوة المحاكاة الذهنية

افترضنا خلال سبع دراسات أن محاكاة البدائل يؤثر على المفاوضين، من خلال تعزيز تطلعاتهم وتحفيزهم على طلب المزيد من الطرف المقابل. فعلى سبيل المثال: قمنا خلال دراسة واحدة ضمت 306 مشترك (عبر الانترنت) بتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات. وطلب منهم بيع قرص مدمج مستعمل إلى مشتري محتمل، وتم توجيههم لتقديم العرض الأولي. تم إخبار المجموعة الأولى أن مشتري آخر عرض سعر 8 دولار للشريط، مما منحهم بدائل قوية. افتقرت المجموعة الأخرى إلى العروض المتاحة. أما المجموعة الثالثة فعلى الرغم من افتقارها للبدائل لكن طلب منها تخيل شعورها في حال امتلكت واحداً، وما سيبدو عليه البديل وكيف سيؤثر ذلك على المفاوضات القادمة.

جاءت النتائج متسقة مع فرضيتنا، حيث قدمت المجموعة التي قامت بمحاكاة وجود بديل، عرضاً أفضل من الأخرى التي لا تمتلك بدائل. فتحديد البديل أعطى المفاوضين ثقة أكبر لتقديم عروض أولية أفضل، عندها بحثنا إذا ما أدت البدائل التصورية للوصول لنتائج أفضل خلال المفاوضات.

أجرينا بعدها دراسة أخرى بمشاركة 300 شخص تفاوضوا وجهاً لوجه على سعر كوب ستاربكس سواء في ظل وجود بديل فعلي، أو من دون بديل، أو مع محاكاة بديل. وتم تحفيز المفاوضين للتفاوض بشكل أفضل مقابل الحصول على المبالغ التي كسبوها والاحتفاظ بكوب القهوة.

كان هناك جولتين من المفاوضات. أخبرنا المفاوضين خلال الجولة الأولى أن سعر الكوب يتراوح بين 3.5 و11.50 دولار. وتم إعطائهم عرض بديل بقيمة 9 دولارات، أو لم يتم إعطائهم أي عرض من حليف عبر الهاتف. طُلب من أولئك الذين لم يتلقوا عرضاً أن يستأنفوا المفاوضات بشكل مباشر مع مشترٍي آخر، أو التصور بأن لديهم بدائل مغرية أولاً. وجدنا أن المحاكاة الذهنية للبدائل رفعت تطلعات المفاوضين ممن لا يمتلكون السلطة: لم يقتصر الأمر على المطالبة بالمزيد في الجولة الثانية، بل باعوا أكوابهم بسعر أعلى بمقدار دولار مقارنة بأولئك الذين لم يشاركوا في المحاكاة الذهنية. وكان أدائهم متقارباً مع أولئك ممن لديهم بديل قوي.

يساعد تطبيق المنهج الذي اعتمدناه في الدراسة على تعزيز التطلعات والنتائج خلال المفاوضات. ومن الممكن أن يشمل ذلك التفكير بعرض جذاب ولكن واقعي. على سبيل المثال، منتج تقوم ببيعه أو عرض عمل بديل قبل توجهك لطاولة المفاوضات.

متى يفشل أسلوب المحاكاة الذهنية

بالرغم من التأثيرات الإيجابية لأسلوب المحاكاة الذهنية، يبقى هناك بعض التحذيرات الهامة التي يجب النظر إليها. عملنا على العديد من الحالات التي لم يثمر فيها أسلوب المحاكاة الذهنية عن نتائج أفضل أو أدى إلى نتائج عكسية. أولاً، وجدنا أن نوع البدائل التي تتصورها له تأثير. فعندما طلبنا من المفاوضين محاكاة بدائل غير جذابة عوضاً عن أخرى جذابة، كان أدائهم أسوأ، كون البدائل غير الجذابة تقلل من التطلعات. ويتماشى ذلك مع ما أظهرته ورقة عمل سابقة أن المفاوضين يبدوا تململاً من الروابط الضعيفة لمثل تلك البدائل.

ثانياً، وجدنا أن المزايا التي يوفرها أسلوب المحاكاة الذهنية لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع في حال لم يبادر المفاوضين إلى تقديم عرض أولي ومبادرة الطرف الآخر في المقابل. أو في حال شارك الطرف الآخر في المحاكاة الذهنية. بالتالي، ينجح أسلوب محاكاة بدائل جذابة في تعزيز التطلعات بشكل خاص عندما تبادر بالخطوة الأول في المفاوضات، وفي حال كنت الطرف الوحيد الذي يستخدم هذه الاستراتيجية.

أخيراً، وجدنا أن أسلوب المحاكاة الذهنية يؤتي بنتائج عكسية في حال كانت القضايا التي يتم التفاوض عليها يصعب التوافق عليها. بتلك الحالات، فإن العروض الأكثر طموحاً التي تتيحها المحاكاة الذهنية، كفيلة بالوصول إلى طريق مسدود.

على الرغم من أهمية البدائل القوية لتحقيق نتائج أفضل، يتعين علينا في العديد من الحالات التفاوض من دونها. ففي ظل الظروف المناسبة، مثل عندما تكون المصالح الأساسية متداخلة وعندما يمكن للمفاوضين تقديم عرض أولي، بإمكان أسلوب المحاكاة الذهنية لبدائل جذابة، توفير بعض المزايا التي توفرها البدائل الحقيقية عادة.

* رودريك سواب، أستاذ مساعد في السلوك التنظيمي بكلية إنسياد/مايكل شيرير، أستاذ مساعد في السلوك التظيمي والموارد المبشرية بجامعة سنغافورة للإدارة/مارتن شواينسبرغ أستاذ مساعد في السلوك التنظيمي بالمدرسة الأوروبية للإدارة والتكنولوجيا ببرلين
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق