q
عند انهيار آليات صنع القرار، يختل التوازن وتزداد حالة عدم اليقين. وتصبح سياسات العمل والإجراءات والقواعد المعتمدة بعملية صنع القرار من دون جدوى وقد تأتي بنتائج عكسية. ويستدعي الموقف إيجاد حلول جديدة كلياً. هنا يتوجب على الرئيس التنفيذي الحرص على إيجاد تلك الحلول قبل فوات...
ستانيسلاف شيكشينيا/كيريل كرافشينكو/إيلين ويليامز

 

قد تكون الحادثة التي تعرضت لها الشركة البريطانية بريتش بتروليوم "بي بي" ، إثر الانفجار الذي حصل في منصة "ديب ووتر هورايزون" في خليج المكسيك في 2010، أكبر أزمة شهدها هذا القرن. حيث أسفرت عن وفاة 11 شخصاً، وتسرب ملايين براميل النفط في الخليج، ليواجه بعدها الرئيس التنفيذي للشركة توني هايوارد، وابل من النقد من جانب حكومة الولايات المتحدة، والناشطين في مجال البيئة، وشركات التأمين والإعلام، لسوء إدارته للأزمة لينتهي به الأمر بإقصاءه من الشركة، ليتولى مكانه بوب دودلي في الوقت الذي رأى فيه المراقبين أن أيام بريتش بيتروليوم أصبحت معدودة.

استطاع دودلي تدارك الأمر واحتواء المسألة على الرغم من تعقيدها، من خلال إظهار التزام واضح والتواصل مع أصحاب المصلحة، لإيصال حقيقة وضع الشركة وتحفيز الموظفين ومنحهم الثقة.

سنطرح خلال هذه المقالات التي تستند على مقابلات أجريت مع رؤساء تنفيذيين مختارين بعناية لشركات من الدول العشرين الكبرى، أهم ثلاثة مهام للرؤساء التنفيذيين: الرؤيا، الاختيار، التمكين. تتمحور هذه الأدوار حول خلق الظروف المواتية للنجاح بدلاً من الأفعال. ويوجد أيضاً دور آخير حيوي يضاف إلى مهام كبار الرؤساء التنفيذيين ويتطلب منهم التقدم خطوة إلى الأمام، وهو الكشف عن سواعدهم والنزول إلى الميدان، ويكون ذلك في أوقات الأزمات.

الرئيس التنفيذي للأزمة

عند انهيار آليات صنع القرار، يختل التوازن وتزداد حالة عدم اليقين. وتصبح سياسات العمل والإجراءات والقواعد المعتمدة بعملية صنع القرار من دون جدوى وقد تأتي بنتائج عكسية. ويستدعي الموقف إيجاد حلول جديدة كلياً. هنا يتوجب على الرئيس التنفيذي الحرص على إيجاد تلك الحلول قبل فوات الأوان.

الأزمة بالمفهوم العام، هي حدث غير اعتيادي، قد يحدث أحياناً عكس توقعات وإرادة الرئيس التنفيذي. وفي عالم مضطرب وسريع التحول من المتوقع أن تزداد وتيرة حدوث الأزمات. سيواجه جميع الرؤساء التنفيذيين في القرن الحادي والعشرون العديد من الأزمات خلال فترة توليهم لمنصبهم. تلقى مهمة حماية الشركة في مثل تلك الظروف على عاتق الرئيس التنفيذي وحده. لذا يعتبر الرؤساء العشرين إدارة الأزمات ضمن مهامهم الرئيسية، ويعطونا نصائح محددة للتعامل معها.

الإقرار بالأزمة والإعداد لها

يؤمن الرئيس التنفيذي الناجح بإمكانية الاستمرار في أوقات الأزمات لا سيما تلك الناجمة عن عوامل داخلية أو خارجية. وبحسب جيفري إيميلت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جنرال الكترك: "أي شخص عاصر السنوات العشر أو العشرين الأخيرة وهي ما أطلق عليه ملايين المخاطر الناجمة عن عوامل خارجية. بمعنى آخر، الأزمة المالية العالمية، أحداث 11 سبتمبر، محطة فوكوشيما للطاقة النووية، تسرب النفط، وأحداث من هذا القبيل".

لكن يبقى من الضروري معرفة مصدر الأزمة المقبلة- والعمل على توسيع مداركنا فيما يخص ذلك. وينطبق ذلك على جميع القطاعات، ولكنه أمر أساسي بالنسبة لبعضها مثل قطاع النفط والغاز. ويقول ريناتو بيرتاني، الرئيس التنفيذي لشركة "بارا إينيرجيا" ومقرها البرازيل: "يوجد العديد من الأمور التي يصعب توقعها في قطاعنا. فهناك مخاطر جيولوجية، وأخرى تتعلق بالإنتاجية، وأخرى بالاحتياطي، والتكلفة والسوق، والعمليات، على الصعيد الجيولوجي. لذا يجب أن نجهز أنفسنا لأي أمر طارئ". الإعداد يعني العمل على سيناريوهات لاستجابة المؤسسة، وتدريب الموظفين، وحشد الموارد الحيوية لاستمرار العمل. فالرئيس التنفيذي الناجح ينظر في كيفية تعامل الآخرين مع مثل تلك الأمور، والحرص على مشاركة المعلومة مع الآخرين.

من جهة أخرى، يصعب حتى على الرئيس التنفيذي الناجح التنبؤ بحدوث الأزمة. ولكنه يستطيع من خلال التعامل معها على أنها أمر محتوم والحديث عنها بشكل علني والاستعداد لها، التقليل من أثرها وبذلك تندرج ضمن فئة الأحداث الاعتيادية، فيسهل على جميع العاملين في المؤسسة التعامل معها في حال حدوث الأسوء.

تقليل المخاطر

بحسب الخبراء في الدراسة فإن أفضل طرق إدارة الأزمات تكون عبر تفادي حدوثها. فبالنسبة لهم هي بمثابة جزء من مهام الرئيس التنفيذي. يقول مازن أحمد خياط، الرئيس التنفيذي لمجموعة الخياط بالسعودية: " تحليل المخاطر وتحديدها أولاً ومن ثم التحكم بها وإدارتها هي بمثابة مهارة مطلوبة للرئيس التنفيذي". يطور الرئيس التنفيذي الناجح نظام شامل لتحديد المخاطر والتقليل من حدتها، يجمع بين الأدوات الحسابية، والبيانات الضخمة، والخبرات البشرية المتنوعة، ومهارات القيادة المبينة على الخبرة والمعرفة والإدراك.

وبحسب بيرتاني: "المفتاح يكمن في محاولة معرفة كيفية قلب الموازين لصالحك. وهو أمر يختلف كثيراً عن المقامرة، فذلك ينطبق على الكازينو. أما في مجال عملنا، يجب أن نمتلك الفهم الكافي بحيث نربح معظم الوقت".

الهدوء

عند حدوث الأزمة تتجلى المهمة الأساسية للرئيس التنفيذي في التغلب على الطبيعة البشرية التي تتصرف بناءً على الدفاعات الموجودة في اللاوعي. يحافظ الرئيس التنفيذي الناجح على هدوءه ويتصرف بعقلانية، معتمداً بشكل خاص على قدرته على التفكير بمنطقية. يقول فلاديمير راشفسكي، الرئيس التنفيذي لشركة SUEK روسيا: "من الضروري امتلاك مهارات للعمل تحت الضغوطات في حالات الأزمات والأحداث الغير متوقعة. فالتفكير الإبداعي بشكل عام -وبشكل خاص تحت الضغوطات- يعتبر من أصول الشركة".

بعكس الاعتقاد السائد، لا يسارع الرؤساء التنفيذيين للفعل في أوقات الأزمات. يقومون عوضاً عن ذلك بتحليل الواقع الجديد، وتغيير طريقة تفكيرهم، وتقييم الخيارات الموجودة، واتخاذ القرار، ومن ثم التصرف بناء على تلك المعطيات. وبعكس الأيام العادية، يجب أن يتم ذلك بسرعة. كما يقول دييغو بولزونيلو، الرئيس التنفيذي السابق لشركة جيوكس بإيطاليا: "يجب أن تبادر إلى حل المشكلة بسرعة كبيرة".

التحرك السريع

السرعة أمر مطلوب في حل الأزمات. فالعناصر الأساسية في إدارة الأزمات تنطوي على عدة أمور، منها المرونة والاستجابة السريعة للمعطيات الأولية، وتغيير طريقة العمل. لم يبادر أي من الرؤساء التنفيذيين الذين تعاملنا معهم لاستخدام مصطلح "التحرك السريع"، لكنهم ركزوا على أمور تتمحور حول: التجربة والتعديل والتعلم من الأخطاء. كما شبه لنا أحد الرؤساء التنفيذيين (ليس من ضمن المجموعة 20) طريقة إدارة الأزمات بالتصرف على غرار القطة – فهي متنبهة للبيئة المحيطة بها، وعلى أقصى درجات التركيز بحثاً عن أي إشارة أو علامة خطر أو أمل، وتكون مستعدة للقفز والتحرك بسرعة.

العمل الجماعي كفريق

بالرغم من أن حصة الأسد من المسؤوليات تلقى على عاتق الرئيس التنفيذي عندما يتعلق الأمر بإدارة الأزمة، إلا أن طبيعة الوضع لا تغير من السمة الأساسية لعالم الأعمال والتي تتسم بالتعقيد. فلا أحد يستطيع إدارة الشركة بمفرده في الظروف الاعتيادية. وفي الظروف غير المستقرة يصبح من الضروري الاستفادة من خبرة وأفكار الأشخاص المحيطين. وهنا يأتي دور الرئيس التنفيذي الناجح في عمل ما تطلق عليه أيمي إيدمونسن، أستاذ في كلية هارفارد لإدارة الأعمال، بـ "العمل الجماعي" والذي يتخطى الحدود المؤسسية. فتنظيم فرق العمل يكون بشكل يتيح حشد الطاقات الإبداعية للأفراد من مختلف الأقسام لتحقيق هدف واحد. ليس فقط بهدف التغلب على الأزمة، بل والخروج منها أقوى من قبل.

الاهتمام بالأفراد في أوقات الأزمات

يتوجب على قادة الأعمال في أوقات الأزمات التنبه إلى الأفكار والمشاعر السائدة في الشركة. يسعى الرؤساء التنفيذيين من خلال العمل الجماعي إلى البحث عن حلول واختبار نجاعتها. وفي المقابل، يقومون بإعطاء التوجيهات والسلطات لأفراد الفريق. إلى جانب ذلك، يٌطلب منهم إظهار نوع من التعاطف والاهتمام لا سيما في ظل التحديات الموجودة. يظهر الرئيس التنفيذي الناجح هذه اللمسة الإنسانية من خلال الاعتراف بطبيعة الوضع وما يرافقه من تغيرات في ظروف العمل. فيصبحوا متاحين بشكل أكبر ويتواصلوا مع فريق العمل أكثر ويقدموا الدعم والنصح اللازم. وفوق ذلك، يجب عدم التردد بإظهار نظرة تفاؤلية وثقة بإمكانية التغلب على الأزمة أمام الفريق، من خلال التعاون مع بعضهم البعض.

لم يتعامل الرؤساء التنفيذيين اللذين قابلناهم مع الأزمات بشكل درامي. وكانوا مدركين أن المجازفة جزء من مهامهم، لكنهم كانوا أيضاُ مستعدين فكرياً وجسدياً للأزمات. فالجهوزية للتحرك عندما يكون الأمر متوقعاً والمسارعة لتبني سلوك مختلف خلال فترة قصيرة، يجعل موقفهم أقوى في حال حدوث ما لا يكون بالحسبان.

نيسلاف شيكشينيا، أستاذ منتسب لريادة الأعمال، والمشاريع العائلية في انسياد/كيريل كرافشينكو نائب المدير العام المسؤول عن الشؤون الإدارية في غازبروم نيفت/إلين ويليامز كاتبة متخصصة في مجال الأعمال

https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
هناك فرق بين الإدارة التقليدية والإدارة التي تتوقع المشكلات
الإدارة التقليدية تتعثر مع أول مشكلة والإدارة اليقظة تعبر الأزمات
وعلم ادارة الأزمات واجب دراسته على المسئولين و متخذي القرارات
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه.....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الألفية الثالثة2019-01-01