والسياسة الفرنسية تجاه الازمة السورية لا تخرج عن كونها البحث عن الماضي الاستعماري كحال الدول الأخرى التي تبحث عن ذات الهدف. اذ شكلت السياسة الفرنسية في سوريا تحولا جذريا في المواقف الفرنسية التقليدية التي اتسمت على مدى السنوات الماضية بالعزلة والتردد في التدخل في شؤون المنطقة...
هل ستسمح امريكا لفرنسا بلعب دور استراتيجي جيوسياسي في الشرق الاوسط وخصوصا سوريا على حساب روسيا؟ وهل سيكون إبقاء الاتفاق النووي الثمن الذي ستدفعه ايران في سوريا لفرنسا؟ ام ستبدد احلام فرنسا على واقع الهيمنة الأمريكية الروسية على سوريا؟
الدكتور محمد القريشي:
هناك مصالح أوروبية في معاداة النظام السوري تتعلق بالغاز، الغرب يأخذ الغاز من روسيا وأمن الطاقة مهدد ولهذا فإن وجود بشار الأسد يحرم الغرب من خط الغاز (قطر - موانئ سوريا). هذه المصالح ليست متطابقة تماما مع مصالح أمريكا، الغرب مبدئيا مندفع اكثر من امريكا حول النظام.. فرنسا رأس الحربة.
هناك تقارب وتفاهم بين ترامب وماكرون حول الفضاء السوري.
الاتفاق النووي مطلب إسرائيلي ملح (ترامب مهتم به) ولا ارى عليه مساومة، الغرب ليس اولوية له لان المصالح الاقتصادية اعلى مع ايران.
الدور الروسي فرض نفسه على سوريا وهناك توزيع ادوار بين امريكا وروسيا ووجود فرنسا دخل ضمن ذلك لتاريخ فرنسا في سوريا وكي لا يبدو ترامب معزولا عن أوروبا في سياساته.
فرنسا تطمح ان يكون لها نفوذ قوي في سوريا ولكن إمكاناتها لا تناسب.
اعتقد ان اسرائيل ستكون لها كلمة الحسم في المستقبل اذا جمدت المواقف اتجاه الملف وهناك آراء كثيرة حول ذلك.
الدكتور احمد الميالي:
العلاقات الامريكية الفرنسية جيدة ولكنها تحمل مفارقات عدة خاصة في الملف النووي الايراني الذي قد ينعكس على الملف السوري، الرئيس ترامب لا يملك شعبية في فرنسا، وماكرون يرزح تحت ضغط شديد من قبل ناخبيه لإظهار المكاسب التي يمكن ان تعود من التقارب الفرنسي الأمريكي، ففرنسا ودول أوروبية أخرى تعمل على انقاذ الاتفاق النووي مع ايران في ظل وضع معقّد في حين يهدد ترامب بنقضه او الانسحاب منه في حال بحلول 12 أيار القادم.
وهناك احباط متزايد في عواصم أوروبية تومن بأن ترامب ومعاكسته للاتفاق الذي أبرم في عهد الرئيس السابق باراك أوباما ماهو الا محاولة لجر الانتباه بعيدا عن قضايا ومشاكل داخلية يمر بها ترامب، اضافة الى مشاكل أخرى في منطقة الشرق الاوسط يحاول التغطية عليها كنقل السفارة الامريكية الى القدس وتمييع القضية الفلسطينية وسحب الاموال من دول الخليج دون تحمل المسؤوليات.
فرنسا ماكرون ستحرص بعد زيارة الاخير لأمريكا على تهدئة رغبة ترامب بانسحاب سريع للقوات الأميركية من سوريا، وسط تعاون بين الجانبين في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية وهجمات منسقة ضد منشئات الأسلحة الكيميائية التي تتهم دمشق باستخدامها.
ميثاق مناحي العيساوي:
تشكل منطقة الشرق الأوسط أهمية كبيرة في الإدراك الاستراتيجي الأمريكي لما تمثله من اهمية سياسية واقتصادية تشكل مصدر تهديد غير مباشر للأمن القومي الأمريكي، وأن أي خطر او أي نفوذ يهدد الهيمنة الأمريكية في المنطقة غير مسموح بها حتى وأن كانت من قبل اصدقاء او حلفاء الولايات المتحدة.
(نعم) فرنسا في عهد ماكرون تريد ارجاع دورها السياسي والعسكري في المنطقة والإدارة الأمريكية لا تمانع ذلك بشرط اجتيازها الفيتو الأمريكي واقناع الروس والإيرانيين بحل سياسي يبعد الأسد عن السلطة، لكن مع ذلك فإن هذا السيناريو بعيد عن الواقع على الرغم من الرغبة الأمريكية التي تدور في ذهن الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا، لأن روسيا سيكون لها موطأ قدم ثابت في سوريا بصحبة إيران ولا يمكنها التفريط بالدور المنوط بها مهما كلف الأمر، فضلا عن ذلك هناك تركيا الرافضة للاستراتيجية الأمريكية في سوريا.
كل هذا سيبقى في إطار التكهنات السياسية لان كل إدارة من هذه الإدارات تفكر في مصالحها السياسية والاقتصادية بغض النظر عن الآخرين، وربما هناك تفكير يدور في مخيلة الرئيس ترامب من خلال التلويح بالانسحاب من سوريا، لان البديل سيكون كارثيا او قد تكون اللعبة تبادل أدوار، او قد يوجه ضربة لطهران من خلال نقض الاتفاق النووي من قبل الولايات المتحدة على الرغم من ان الاتفاق اتفاق جماعي وليس احاديا.
الدكتور سليم العلي:
ان الازمة السورية تعد من أكثر الأزمات المعاصرة تعقيدا على المستوى الإقليمي والدولي، يدل عليه الانقسام الواضح في مواقف الدول الكبرى تجاهها، عززه ظهور فواعل جدد في النظام الدولي.
والسياسة الفرنسية تجاه الازمة السورية لا تخرج عن كونها البحث عن الماضي الاستعماري كحال الدول الأخرى التي تبحث عن ذات الهدف. اذ شكلت السياسة الفرنسية في سوريا تحولا جذريا في المواقف الفرنسية التقليدية التي اتسمت على مدى السنوات الماضية بالعزلة والتردد في التدخل في شؤون المنطقة إلى سياسة جديدة تحاول احياء النفوذ والدور الفرنسي في المنطقة عموما وفي سوريا تحديدا.
فليس من المنطق ان تقف فرنسا على التل وهي ترى نفسها خارج اللعبة السياسية والعسكرية، بل ليس من العقل ان ترى كيف يقسم وينهب الهلال الخصيب امام عينها وهي بالأساس من قسم هذا الهلال إلى دويلات صغيرة.
وهنا يمكن القول ان اي دور اوربي ولا سيما فرنسا التي لها امتدادات تاريخية في المنطقة منذ عشرينيات القرن الماضي، لا يمكن أن يشكل دورا منافسا للدور الأمريكي، بقدر ما هو دور تكميلي للحليف يسعى في لحظة معينة ان يترجمه الى نفوذ وعودة حقيقية لمنطقة الشرق الأوسط عبر البوابة السورية.
ولعل ما يدعم ذلك ان الدور الفرنسي تواجهه عقبات عديدة في سوريا منها تداخل المصالح الإقليمية والدولية بحكم الوجود الروسي والإيراني والتركي الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني تعدد الادوار والفواعل الدولية والاقليمية المؤثرة على الساحة السورية حاضرا وفي المستقبل، وعليه فإن الدور الفرنسي لا سيما بعد مجيء الرئيس ماكرون ذو التوجهات الوسطية يسعى إلى توظيف عناصر القوة الكامنة لدى فرنسا سياسيا وعسكريا واقتصاديا لإيجاد نوع من المقبولية للدور الفرنسي من خلال إيجاد حلول مقبولة من كافة أطراف الازمة.
وهنا نجد ان فرضية كون الدور الفرنسي يشكل منافسا للدور الأمريكي والروسي بعيد عن الواقع، كون اللعبة في سوريا هي رهن بالتنافس الأمريكي الروسي تحديدا، ومتى ما اتفق النقيضان أمكن حل الأزمة، وفي حال استمر الخلاف لا يمكن عندها رؤية حل ومخرج للازمة، كونها تجسد حالة الصراع الدولي بوسائل وأذرع إقليمية تتداخل فيه الاعتبارات السياسية والاقتصادية والجغرافية والمصالح القومية لجميع الاطراف مما يعني صعوبة تنازل تلك الاطراف عن مصالحها ما لم تحصل على نصيب في ساحات اخرى.
الدكتور سعدي الابراهيم:
فرنسا غير مؤهلة للعب أدوار كبيرة مثل الولايات المتحدة وروسيا، فالتنافس الأمريكي-الروسي هو استمرار لنهج الحرب الباردة، أو هو تكرار لها لكن بصورة جديدة، أما فرنسا فهي ذيل للولايات المتحدة ولا يمكن أن تكون ندا لها، هي جزء من المنظومة الغربية التي تشمل الولايات المتحدة وبقية دول أوروبا، وهي مستعدة للدخول على الخط عندما تريد منها الولايات المتحدة ذلك، بمعنى ليس لها طموح خارج التحالف مع الولايات المتحدة.
أما الاتفاق النووي فالموقف الأمريكي-الغربي واحد، وهو أن إيران لها حدود من القوة لن يسمح لها بتجاوزها، حتى لو شاهدنا وجود اختلافات معلنة بالأخص بين الولايات المتحدة ودول أوروبا ومنها فرنسا حوله، إلا أن الحقيقة هي خلاف ذلك، هناك تفاهم بين هذه الدول حول إيران. وعندما تقرر الولايات المتحدة فعل شيء فلن تقف أي دولة أوربية في وجهها، وذلك لالتقاء المصالح وعمقها.
ولا تحتاج الولايات المتحدة أن يساعدها أحد للحد من النفوذ الروسي، فالروس يعرفون حدودهم وهم ينسحبون عندما يقرر الأمريكان التقدم، لا يوجد شيء يستحق الصدام بين الكبار، بالأخص عندما يتعلق الأمر في أرض رخوة وغير مضمونة مثل الشرق الأوسط.
الدكتور قحطان الحسيني:
يبدو أن ماكرون يمتلك من الطموح السياسي مايدفعه لإيجاد موقع فاعل ومؤثر لفرنسا على الساحة السورية باعتبارها احدى مناطق النفوذ الفرنسي بعد اتفاقية سايكس بيكو، لذلك دأب ماكرون الى القيام بحركة دبلوماسية واضحة هدفها مزاحمة فرنسا للفاعلين في المشهد السوري، لعلها تحقق بعض النجاح مستفيدا من التقارب مع الولايات المتحدة في موضوع ضرورة تحجيم النفوذ الايراني في سوريا وكذلك عدم ترك سوريا بأيدي روسيا.
والسؤال المهم هنا هل ستتمكن فرنسا من لعب دور حيوي في سوريا في المستقبل القريب؟ يبدو ان الصراع الدولي في سوريا بدأ يتسع ليشمل دولا جديدة في ظل الدعوة الامريكية لإرسال جيوش عربية لسوريا لمواجهة النفوذ الإيراني، وكذلك وجود تناغم في الاهداف بين فرنسا والولايات المتحدة فيما يتعلق بزعزعة الوجود الروسي في سوريا، فالولايات المتحدة وفرنسا عضوان في حلف الناتو، ويمتلكان رؤية مشتركة لخطر روسيا على المصالح الغربية.
ووفقا لستراتيجية الادارة المشتركة لمناطق النزاع في العالم التي تبنتها الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فان فرنسا ممكن ان تكون شريكا مرغوبا به من قبل امريكا في مواجهة كل من ايران وروسيا، وهنا لابد ان تقدم الولايات المتحدة بعض التنازلات البسيطة لفرنسا من اجل كسب دعمها بشأن الحرب السورية.
لكن طبيعة التصريحات الفرنسية لا تلمح لنوايا فرنسية بإرسال قوات الى الاراضي السورية مما يعني بقاء فرنسا بعيدة عن حلبة النفوذ والتنافس الفاعل في سوريا.
الدكتور علي فارس حميد:
يبدو ان منطق التوازن في المصالح هو الذي سيسود التفاعلات بين القوى الاساسية في النظام الدولي، لن تبدد مصالح اي طرف رئيسي اقليمي كان او دولي لذلك الجميع سيأخذ الحد المناسب له من القوة وفقاً للتقدير الأمريكي.
ستحصل روسيا على متطلبات نفوذها في طرطوس، وسيتراجع دور ايران تكتيكياً بسبب التصويت على استمرار الاتفاق النووي في ايار القادم، وستحصل فرنسا على دور من خلال تخويل امريكي لها في سوريا.
اضف تعليق