q
لا يتوجّه الناخبون، وهم للمفارقة أشخاص عقلانيون، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، إلا عندما يعتقدون أن صوتهم سيُحدث تغييراً أو عندما تتم تعبئتهم للتصويت. ويبدو جليّاً أن الاحتمال الثاني هو الذي ينطبق في حالة الانتخابات الرئاسية المصرية. فلمّا كان حبّ السيسي وحده غير كافٍ لتعبئة المصريين...
ميشيل دنّ-كاثرين بولوك

 

في ظلّ ضعف الحماسة لدى الناخبين في مصر، سعى النظام إلى فرض مشاركة مرتفعة في الانتخابات.

بعد أن أطاح الرئيس عبد الفتاح السيسي بجميع منافسيه الجديّين لضمان إعادة انتخابه لولاية ثانية، ترشّح فعليّاً ضد شعبيته المُعلَنة. جرت الجولة الأولى من الانتخابات بين 26 و28 آذار/مارس، وحصد فيها السيسي فوزاً كاسحاً بنسبة 97 في المئة من إجمالي الأصوات الصحيحة، وبلغت نسبة الإقبال المُعلَنة 41 في المئة. كيف يُمكن للمراقبين تقدير عدد المصريين الذين أيّدوا السيسي خلال الجولة الأولى غير المتنازع عليها إلى حدٍّ بعيد؟ وكيف يُمكن تقييمها مقارنةً مع الانتخابات السابقة؟ وهل يلقى ذلك اهتمام المصريين؟

عموماً، لايتوجّه الناخبون، وهم للمفارقة أشخاص عقلانيون، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، إلا عندما يعتقدون أن صوتهم سيُحدث تغييراً أو عندما تتم تعبئتهم للتصويت. ويبدو جليّاً أن الاحتمال الثاني هو الذي ينطبق في حالة الانتخابات الرئاسية المصرية. فلمّا كان حبّ السيسي وحده غير كافٍ لتعبئة المصريين، اضطرّ النظام إلى توفير محفّزات مباشرة أخرى، مثل تقديم الأموال والغذاء وحتى رحلات العمرة للناخبين، علاوةً على الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام المملوكة للدولة وأرباب الأعمال لحثّ الناخبين على التوجّه إلى صناديق الاقتراع.

ولثني المصريين عن الامتناع عن التصويت، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات أنها تعتزم فرض غرامة بقيمة 500 جنيه على الناخبين الذين يتخلّفون عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وتحدّثت تقارير عن أن شاحنة بيك-أب جالت الشوارع لإبلاغ الناس عبر مكبّرات الصوت بأن هذه الغرامة ستُضاف على فاتورة الكهرباء. كذلك، حمّلت الحكومة المركزية السلطات المحليّة مسؤولية ضمان كثافة الإقبال على الانتخابات. فقد أعلن حاكم أحد الأقاليم أنه سيتم توفير خدمات تفوق قيمتها 100 ألف دولار للمناطق الثلاث التي تسجّل أعلى نسبة مشاركة، فيما عرض آخر إقامة مشاريع بقيمة 28 ألف دولار.

يُضاف إلى ذلك أن النظام بدا منشغلاً بصنع بعض مظاهر الحماسة الشعبية، حتى لو عجز عن حشد أعداد كبيرة من الناس. فقد أشارت تقارير إلى أن التجمّعات الصغيرة خارج مراكز الاقتراع الفارغة تقريباً كانت منتشرة على نطاق واسع، ونالت الإعجاب المُبتغى من بعض الأجانب على الأقل. وكان الهدف من هذه التجمّعات الإيحاء بأن الجو حماسي، بغضّ النظر عما إذا أتى الناخبون للتصويت أم لا.

سينطوي تقييم المشاركة الفعلية في هذه الانتخابات، التي لم تخضع إلى مراقبة محليّة مستقلّة يُعتدّ بها، على مقارنة النسبة التي أعلنت عنها اللجنة العليا للانتخابات مع الملاحظات القليلة التي تمكّن الصحافيون من تسجيلها، إضافةً إلى ما هو معتاد في مصر.

اعتُبرت انتخابات العام 2012 الانتخابات الرئاسية المصرية الوحيدة التي كانت فيها نسبة المشاركة ملموسة نوعاً ما، حيث بلغت نسبة الإقبال عليها 46 في المئة في الجولة الأولى و52 في المئة في الجولة الثانية. وقد راقبت مجموعات المجتمع المدني المحلية والدولية هذه الانتخابات على نطاق واسع، وقام مرشح حزب الحرية والعدالة آنذاك محمد مرسي بتعداد موازٍ لأصوات الجولة الثانية. وخلال الانتخابات الأولى التي شارك فيها السيسي في 2014، والتي لم تكن فيها المراقبة شديدة بالقدر نفسه، بلغت نسبة الإقبال المُعلن عنها 47 في المئة، ليحصد فيها الرئيس كما زُعم 24 مليون صوت. (حسني مبارك، الذي كان أكثر تواضعاً من السيسي من نواحٍ عدّة، اكتفى بالإعلان عن نسبة إقبال بلغت 23 في المئة فقط في انتخابات 2005 الوحيدة التي شارك فيها والمطعون في نتائجها).

خلال انتخابات هذا العام، وبعد الإعلان عن نسبة مشاركة بلغت 41 في المئة، إليكم الأرقام بالتفاصيل: أعلنت اللجنة العليا للانتخابات عن 59,780,138 ناخباً مسجلاً، وأن 24,254,152 ناخباً مؤهلاً أدلوا بأصواتهم. وبالنظر إلى وجود 13,706 مراكز اقتراع، بلغ متوسط عدد الناخبين في كل مركز 1770 ناخباً. ومع فتح مراكز الاقتراع لفترة طويلة لا تقل عن 37 ساعة على مدى ثلاثة أيام، بلغ متوسط عدد المقترعين في الساعة 48 مقترعاً في كل مركز، وكان العدد بالتأكيد أكبر من ذلك في المناطق الحضرية. بيد أن عدد المقترعين الضئيل الذي لحظه الصحافيون في معظم المناطق لا يدعم هذه النتائج على ما يبدو.

وهكذا، وعلى الرغم من نسبة الإقبال المُعلَن عنها، قد تبدأ لعبة إلقاء اللوم داخل معسكر السيسي حول هوية من فشل في بلوغ نسبة إقبال لائقة. هذا وقد بدأ بعض مؤيديه يقولون إنه أخطأ في عدم تشكيل حزب سياسي مكان الحزب الوطني الديمقراطي الذي تمّ حلّه، والذي كان سيسهم في تعبئة الناخبين. والمثير للدهشة، في الواقع، أن الرئيس لم يتعلّم هذا الدرس بعد العقبات التي ظهرت في انتخابات العام 2014.

هل لأي من ذلك أهمية؟ ربما هذا لا يهمّ العديد من المصريين. لكن أولئك الذين شجّعوا أو دعموا الصعود المفاجئ لشخصيات بديلة عن السيسي في الفترة التي سبقت الانتخابات، فضلاً عن رعاته الأجانب، يراقبون المشهد بلا شكّ لرؤية مدى متانة نظامه وفعاليته عندما يحين وقت تعبئة القواعد الشعبية لتحقيق هدف معيّن.

http://carnegie-mec.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق