CHRIS PATTEN
سيدني – تخيل أنك، مثلي، نتاج نموذجي للديمقراطية الليبرالية الغربية، وتم استدعاؤك لإلقاء محاضرة لمجموعة من الطلاب الصينيين في بكين أو شنغهاي حول منافعها. مع تجاهل حقيقة أن الحكومة الصينية لن تسمح لك أبدا بإلقاء مثل هذه المحاضرة، ماذا كنت ستقول؟
أولا وقبل كل شيء، لا يجدر بك التحدث من منطلق التفوق الأخلاقي. فالحضارة الغربية في النصف الأول من القرن العشرين لم تكن متحضرة. وكانت حقوق الإنسان مهضومة. فقد دمرت الحرب الطبقية أنظمة سياسية بأكملها. وكانت هناك صراعات عنيفة وتطهير عرقي بشكل متزايد. ونظرا إلى هذا التاريخ، فإن الغربيين ليسوا في وضع مريح يسمح لهم بإلقاء محاضرات عن الحريات المدنية أو القيم الإنسانية.
والجدير بالذكر أيضا أن المسيرة العالمية نحو الديمقراطية، التي استمرت بعد سقوط جدار برلين، تعرف تراجعا ملحوظا. ووفقا للاري دياموند من جامعة ستانفورد، فقد تحولت العديد من البلدان الديمقراطية منذ بداية هذا القرن إلى أنظمة مختلفة.
وبطبيعة الحال، فإن الانتخابات وحدها لا تصنع دولة ديمقراطية. وينبغي النظر في تعزيز الانتخابات للأغلبية العرقية أو الجماعة الدينية، والتي تقضي بدورها على الأقليات - وهي النتيجة التي شوهدت في كثير من الأحيان في دول البلقان، على سبيل المثال.
وهناك حالات حيث يعتبر انتخاب زعيم بمثابة تشريع لظهور الدكتاتورية. كما هو الحال في روسيا، التي أصبحت منذ فوز الرئيس فلاديمير بوتين في الانتخابات في عام 2000، ديمقراطية بوتين. وهذا العام، سوف يحقق بوتين فوزا مريحا آخر ليظفر بفترة ولاية أخرى في منصبه.
وفي ديمقراطية حقيقية، تستكمل الانتخابات الحرة والنزيهة على نطاق أوسع بسيادة القانون، والإجراءات القانونية الواجبة النفاذ، والقضاء المستقل، والمجتمع المدني النشط، وحرية الصحافة والعبادة والتجمع وتكوين الجمعيات. وفي الواقع، من الممكن نظريا - على الرغم من أنه من غير المرجح - أن تتوفر الأنظمة السياسية على هذه العناصر دون انتخابات على الإطلاق. (وقد أثبت العالم السياسي صمويل فاينر في دراسته الشاملة لمختلف أنواع الحكم، وجود مجتمع واحد فقط ليبرالي وليس ديمقراطي: مجتمع هونغ كونغ الاستعماري).
تعتمد الديمقراطيات على البرامج المؤسسية، وليس فقط الأجهزة. فالأشخاص الذين يشغلونها يقبلون مجموعة من المعايير غير المدونة. وتكمن المشكلة عندما يرفض الشعب - أو أسوأ من ذلك، قادته - التقيد بالمعايير الديمقراطية. وهذا ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة، حيث يتحدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعض القوانين والمعايير والمبادئ الأساسية للديمقراطية الأمريكية.
يهدد ترامب (كما فعل الرئيس ريتشارد نيكسون سابقا) باستخدام سلطته لتحريف سيادة القانون وذلك لاستهداف أعدائه - وبالأخص هيلاري كلينتون، التي يرغب في "اعتقالها". فهو يهاجم حرية الصحافة، ويشجع أنصاره على مهاجمة الصحفيين، عبر نشره على تويتر شريط فيديو (محذوف) شديد الغرابة يظهر فيه وهو يطرح أرضا مصارعا محترفا تم استبدال وجهه بشعار شبكة "سي إن إن". اٍنه يحاول هدم نظام أمريكا من الضوابط والتوازنات. ويبدو أنه يعطي أولوية قصوى للنهوض بمصالح عائلته التجارية أكثر من مصالح الشعب الأمريكي.
وعلى الرغم من أن بعض أجزاء النظام السياسي الديمقراطي في أميركا - على سبيل المثال، الفحص القضائي للسلطة التنفيذية - قد أثبتت قدرتها على الصمود، فإن بعضها الآخر آخذ في الانهيار. ولكن ترامب هو نتيجة لهذا الانهيار وليس السبب في حدوثه.
المشكلة الحقيقية هي أن الحزب الجمهوري أصبح، على مر السنين، أداة غير مجدية لجماعات الضغط والمتطرفين، ويبدو أن الديمقراطيين والجمهوريين قد تخلوا عن التزامهم بالحكم بالإجماع. ونتيجة لذلك، فاٍن الجهود التي بذلها مؤسسو أميركا لمنع انتخاب شخص عدواني مثل ترامب، قد باءت بالفشل. إن استياء الشعب من نظام سياسي، مع تزايد عدم المساواة والنخب الأنانية، يجعله خارج نطاق السيطرة.
وقد أدت التحديات الاقتصادية، جنبا إلى جنب مع المخاوف بشأن الهجرة، إلى خلق ضغوط مماثلة في أوروبا، انعكست على دعم كبير للأحزاب الشعبوية اليمينية في الانتخابات في ألمانيا وفرنسا في العام الماضي، فضلا عن صعود "الديمقراطية غير الليبرالية" في المجر و بولندا.
إن مواجهة مثل هذه الاعتداءات على الديمقراطية تتطلب من القادة السياسيين إبداء الشجاعة والرؤية - كما فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى الآن - في الدفاع عن القيم التي يقوم عليها الحكم الديمقراطي. في الاتحاد الأوروبي، لا يجب على القادة غض النظر عن هجوم الحكومات المنتخبة على المؤسسات التي تحمي الحرية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يعتبر الاتحاد الأوروبي مجرد اتحاد جمركي، بل هو اتحاد للقيم المشتركة. إذا فشل في التصرف على هذا الأساس، سوف ينهار.
ليست السنوات القليلة السيئة التي مرت بها الديمقراطيات سببا لتفسير فضائل الدكتاتورية والاستبداد. ويظهر التاريخ، أنه عندما يتعلق الأمر برخاء الناس ورفاههم، فإن المجتمعات التي تدافع عن الحرية الاقتصادية والسياسية تحقق أداء جيدا. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، نالت جهود أدولف هتلر و بينيتو موسوليني في ضمان عمل القطارات في الوقت المحدد إعجاب البعض. ولكن بالتأكيد ليس بهذه التكلفة.
نفس الشيء بالنسبة للصين اليوم. نعم، أصبحت البلاد قوة اقتصادية في العقود الأخيرة. ولكن إذا كان النظام لا يستطيع النجاة من الاختلافات الرئيسية - بدءا من التحديات القانونية إلى المحاكاة التلفزيونية الساخرة - هل يمكن أن يكون قويا كما يدعي قادتها؟ وإذا كانت حملة قمع الفساد تقوم بها ديكتاتورية فاسدة، فهل يمكن اعتبار ذلك مشروعا؟
وبالمقارنة مع الهند، التي خسرت السباق الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية، فقد ظلت متماسكة منذ الاستقلال، على الرغم من الاختلافات العرقية والدينية واللغوية الشاسعة - دون الحاجة إلى الاعتقال السياسي. وهذا لا يعني أنه لا توجد معارضة أو خلافات. ولكن بغض النظر عن عدد الهنود المعارضين، لا يتم القبض على المنشقين أو إجبارهم على "الاختفاء"، وذلك بفضل صمامات الأمان التي توفرها ديمقراطيتهم. ولا يمكن لأي مجتمع أن ينجح بدون هذه الآليات. حتى كارل ماركس، على ما أعتقد، سيوافقني الرأي.
اضف تعليق