إن تطوير الذات ليس مجرد تحسين في المهارات العملية، بل هو عملية شاملة تشمل جميع جوانب الحياة، وتمهد الطريق لتحقيق التوازن والسعادة. النصائح التي قدمتها شهد رياض تبرز أهمية البدء بخطوات صغيرة والسعي للاستمرارية والالتزام. يمكن لأي شخص أن يبدأ تحسين ذاته عبر الالتزام بخطوات عملية ومدروسة، لتحقيق أهدافه...
يعد تطوير الذات عملية مستمرة تهدف إلى تحسين القدرات والمهرات الشخصية والمهنية والروحية والعاطفية، وتحقيق النمو الشخصي والتطور الذاتي.
في الواقع، لا تتم عملية تطوير النفس بين ليلة وضحاها، فيتطلب تطوير الذات الاستمرارية والعمل الدؤوب على تحسين النفس تنمية المهارات والقدرات وتحقيق التوازن الشخصي والاجتماعي والعاطفي.
شهد رياض، مدربة وطنية متعمدة في مجال التطوير الذات، تحمل خبرة تتجاوز 8 سنوات في تدريب الأفراد والجماعات على أسس التنمية الذاتية. حصلت في عام 2021 على شهادة المدرب الوطني في مجالات التحفيز الذاتي، مما جعلها واحدة من المدربين النافعين في هذا المجال.
كان الهدف من هذه المقابلة هو استكشاف رؤى شهد حول تطوير الذات، وكيف يمكن للفرد الاستفادة من استراتيجيات عملية لتحقيق الأهداف الشخصية والمهنية. بالإضافة إلى تقديم نصائح وتوصيات للأشخاص المهتمين بالبدء في تحسين ذواتهم.
مفهوم تطوير الذات
وفقًا لشهد، فإن الإنسان يفتح وعيه على كونه خليفة الله في الأرض، فلا ينحصر في كونه جسدًا ماديًا فحسب، بل يمتلك أبعادًا أعمق مثل النفس، والروح، والقلب التي من خلالها يتمكن من الفهم والعقل. وعند الحديث عن تطوير الذات، فإننا نتجاوز المفهوم السطحي للصحة النفسية، لنصل إلى أبعاد أعمق لا يراها إلا من يؤمن في داخله بأنه يحمل نفحة من روح الخالق العظيم، وأن جسده وحده هو الفاني.
أما عن أهمية تطوير الذات في حياة الفرد، فهي كالفرق بين الظلام والنور؛ كالفرق بين حياة روتينية وحياة متجددة يغمرها العلم والفهم الأعمق للذات، للقدرات، وللإمكانات. إنها تشكل طوق نجاة للفرد وسط ضجيج الحياة.
التحفيز الذاتي وتحديد الأهداف
التحفيز الذاتي هو أعظم ما يمكن أن يقدمه الفرد لنفسه، فهو يُبقيه في حالة من الغنى والاكتفاء بعيدًا عن الاعتماد على تحفيز الآخرين، الذي قد يكون تحت سيطرتهم. حين يطور الشخص ذاته، يصبح هو المحفز الأساسي لنفسه، لأنه الأدري بما مر به وما يمكنه تحقيقه.
أما بخصوص تحديد الأهداف، فإن الكون يقوم على "قانون الوضوح"، فمن لم يكن واضحًا في أهدافه ويعمل بجد للوصول إليها عبر أفضل الطرق، فإنه يبقى في دائرة الأحلام، فالفرق بين الحلم والهدف كبير وشاسع.
الانضباط الشخصي ينشأ من حرية الإنسان وفهمه لمسؤوليته تجاه وجوده ودوره القيمي على هذه الأرض.
فيما يتعلق بإدارة الوقت، على الفرد أن يدرك أولوياته ليحدد كيف يقضي وقته، خاصة في عصر الميديا الذي أصبح فيه الوقت يُسرق بشكل جنوني. الشخص الذي يملك أهدافًا واضحة وعزيمة لتحقيقها وترك بصمة في حياته سيحرص على إدارة وقته بفاعلية، حتى وإن قصّر أحيانًا.
التحديات التي تواجه الأفراد عند محاولتهم تطوير أنفسهم وكيف يمكن التغلب على هذه التحديات حسب نصائحكِ؟
يمكنني استخلاص عدد من التحديات والنصائح لمواجهتها:
التحدي الأول: "الأنا الزائفة" أو "الإيجو" عندما يبدأ الشخص في تطوير ذاته، قد يشعر بأنه متفوق على من حوله، ويبدأ بالاستنكار من عدم سعيهم للتطور. هذا يقوده إلى تقييم الآخرين وربما رفضهم.
النصيحة: تقبل اختلاف رحلات الآخرين واحترام اختياراتهم من الضروري أن يدرك الشخص أن لكل إنسان رحلته الفريدة، وأن تطوره لا يعني تفوقه على الآخرين. احترام خيارات الآخرين وتقديرهم يعد خطوة أساسية في التطور الحقيقي.
التحدي الثاني: "الوسواس والتصورات الخاطئة" التفكير بأنك أفضل من الآخرين قد يكون نتيجة تصورات مضللة، وهذا يجعل الشخص يميل إلى المقارنة المفرطة.
النصيحة: التركيز على التطور الذاتي بدون مقارنات تجنب المقارنات غير الضرورية والتركيز على التحسين الذاتي يمكن أن يساعد في التغلب على هذه التحديات؛ حيث التطور الشخصي رحلة فردية لا تطلب إثبات التفوق على الآخرين.
الفرق بين العمل الذاتي والدورات التدريبية
إذا قلت إن الفارق في تطوير الذات قد يتطلب سنوات من العمل الجاد على نفسك، قد يبدو ذلك مبالغاً فيه. ولكن يمكن تشبيهه بشخص يقرأ كتابًا كاملًا مقارنة بشخص آخر يكتفي بقراءة مراجعة مركزة؛ الفارق هنا في الجهد والوقت والفهم والاستيعاب.
بالمثل، المدربون يختصرون علينا سنوات من العمل من خلال تقديم خبراتهم ومعرفتهم مقابل أجر معين، وغالبًا ما تكون هذه القيمة أكبر بكثير من الجهد المبذول.
شاركينا بعض الأمثلة حول الأشخاص الذين طوّروا أنفسهم بمساعدتكِ أو بناءً على نصائحكِ
كانت لدي متدربة، من بين مئات المتدربات، تعاني من مشاكل عميقة في حياتها. كان جذر هذه المشاكل مرتبطًا بعلاقتها المشوهة مع أنوثتها، بالإضافة إلى علاقتها المتوترة مع والدتها، والتي تفاقمت بسبب زواجها في سن الثانية عشرة، مما جعلها تمر بتجارب قاسية برفقة والدتها.
بعد عدة جلسات، أرسلت لي رسالة صوتية وهي تبكي وتضحك في آن واحد، معبرة عن شدة الفرح والتأثر. قالت: "هذه أول مرة في حياتي أحتضن فيها أمي من كل قلبي، وأنا فعلاً سامحتها."
بفضل العمل الذي قامت به، استعاد توازن أنوثتها، وعادت لها حقوق كانت قد حُرمت منها لسنوات. حياتها الآن مليئة بالرضا عن الماضي وما عاشته، وهي تتطلع بتفاؤل إلى المستقبل.
إن عملية الشفاء لا تغير مستقبلك فحسب، بل تعيد تشكيل نظرتك للحياة بالكامل.
إن تطوير الذات ليس مجرد تحسين في المهارات العملية، بل هو عملية شاملة تشمل جميع جوانب الحياة، وتمهد الطريق لتحقيق التوازن والسعادة. النصائح التي قدمتها شهد رياض تبرز أهمية البدء بخطوات صغيرة والسعي للاستمرارية والالتزام. يمكن لأي شخص أن يبدأ تحسين ذاته عبر الالتزام بخطوات عملية ومدروسة، لتحقيق أهدافه ورؤية التحسن المستمر في حياته.
نتوجه بالشكر إلى المدربة شهد رياض على مساهمتها في هذا التقرير وعلى الوقت الذي خصصته لمشاركة خبراتها القيمة.
اضف تعليق