مهما كانت مهاراتك التقنية وامتلاكك مهارات عالية، فإن غياب الوعي الذاتي يمثل عائقًا كبيرًا في بناء علاقات قوية في العمل. فالفهم العميق لنفسك وكيفية تفاعلك مع الآخرين هو أساس لتحقيق التوافق مع الزملاء والمدراء، وبناء شبكات علاقات قوية تساهم في النجاح المهني...

يرى إيفريت تايلور، الرئيس التنفيذي لمنصة التمويل الجماعي Kickstarter، أن السمة التي يقلل من شأنها في الموظفين هي “الأنا الزائدة”. فالأشخاص الذين يفتقرون إلى “الوعي الذاتي” يميلون إلى التركيز المفرط على أنفسهم، مما يعيق قدرتهم على التعاون مع الآخرين وفهم احتياجات العملاء.

ما الوعي الذاتي؟ 

والوعي الذاتي هو الإجابة على أسئلة من نوع: من أنا؟، ما هي نقاط قوتي وضعفي؟ ما هي قيمي ومعتقداتي؟ كيف أشعر في المواقف المختلفة؟ كيف أتصرف وأتفاعل مع الآخرين؟ ما أهدافي وطموحاتي؟ ويدعم “الوعي الذاتي” تحسين العلاقات، وزيادة الثقة بالنفس، واتخاذ قرارات أفضل، والنمو الشخصي والمهني، والقيادة الفعالة.

يؤكد تايلور، لـ”سي إن بي سي” أن الموظفين الواعين بأنفسهم يكونون أكثر استعدادًا لاستقبال آراء الآخرين واقتراحاتهم، مما يجعلهم أكثر انفتاحًا على التعاون والإبداع. تدعم الدراسات هذه الفكرة، حيث تظهر أن الانفتاح على الأفكار الجديدة يعزز العلاقات بين الزملاء ويزيد من الإنتاجية. وبالتالي، فإن الوعي الذاتي ليس مجرد سمة شخصية مرغوبة، بل هو مهارة أساسية لتحقيق النجاح في بيئة العمل المعاصرة.

لماذا يعد تطوير الوعي الذاتي أمرًا مهمًا؟ 

أظهرت دراسة أجرتها عالمة النفس التنظيمي تاشا يوريتش عام 2018 وجود فجوة كبيرة بين اعتقاد الناس بوعيهم الذاتي وبين الواقع. فبينما يعتقد 95% من المشاركين في الدراسة أنهم يعرفون أنفسهم جيدًا، فإن النسبة الحقيقية لا تتجاوز 15%.

يؤكد تايلور، البالغ من العمر 35 عاماً، على أهمية تطوير الوعي الذاتي بشكل مستمر. يقول: “أسعى جاهداً لكبح جماح الأنا، فأنا أخطئ كثيراً، وهذا أمر طبيعي. لحسن الحظ، يمتلك فريقنا كفاءات عالية، ولا يترددون في تصحيح أخطائي، وهذا ما أقدره حقاً”. هذه المقولة تعكس أهمية التواضع والاستماع إلى آراء الآخرين في بيئة العمل، حيث يساهم ذلك في خلق جو من الاحترام والثقة المتبادلة.

يهدف تايلور، الرئيس التنفيذي لشركة Kickstarter منذ عام 2022، إلى تقييم سمات مثل الوعي الذاتي والتواضع لدى المرشحين للوظائف. ولهذا السبب، يصمم أسئلة المقابلة بشكل خاص للكشف عن أخطاء المرشحين وتجاربهم في الفشل، معتقدًا أن هذه النقاط تكشف عن الكثير حول شخصية الفرد وقدرته على التعلم والتطور. هذه المقاربة تعكس الاعتقاد بأن النجاح في العمل لا يقتصر فقط على الإنجازات، بل يتطلب أيضًا القدرة على التعامل مع التحديات والفشل وتحويلها إلى فرص للنمو.

يؤكد تايلور على أن الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الاعتراف بأخطائهم غالباً ما يفتقرون إلى الوعي الذاتي. فمن دون هذا الوعي، يصعب على الفرد أن يتحمل مسؤولية أفعاله وتبعاتها. هذه الرؤية تتسق مع العديد من الدراسات التي تؤكد على أهمية الوعي الذاتي في النجاح المهني والشخصي.

أسئلة تقييم الوعي الذاتي 

لا تقتصر أسئلة تقييم الوعي الذاتي على سؤال المرشحين مباشرة عن نقاط ضعفهم. فعلى سبيل المثال، تسأل كلير هيوز جونسون، نائب الرئيس السابق لشركة Google، المرشحين عن رأي زملائهم فيهم، وذلك للتأكد من أنهم قادرون على تلقي الملاحظات البناءة وتقييم أنفسهم بشكل موضوعي. هذه المقاربة تعكس الاعتقاد بأن القدرة على الاستفادة من آراء الآخرين وتحسين الذات هي سمة أساسية للنجاح في أي عمل.

بعد ذلك، أسأل المرشح: وما الذي فعلته لتطوير نفسك بناءً على هذه الملاحظات؟ هدفي من هذا السؤال هو تقييم مدى جدية المرشح في تطوير نفسه وتعلم الدروس من تجاربه السابقة”.

تولي كلير هيوز جونسون اهتمامًا خاصًا بكلمتي “أنا” و”نحن” خلال مقابلاتها. فكثرة استخدام كلمة “أنا” قد تدل على غياب التواضع، بينما يشير الإفراط في استخدام “نحن” إلى عدم القدرة على تحمل المسؤولية الفردية. هذه الملاحظة البسيطة تكشف عن مدى اهتمام هيوز جونسون بالتفاصيل الدقيقة في لغة المرشحين وكيف يمكن لهذه التفاصيل أن تكشف عن الكثير عن شخصيتهم وقيمهم.

لتتعمق في فهم نفسك بشكل أفضل، خاصة في بيئة العمل، لا تتردد في طلب ملاحظات مباشرة من مديرك وزملائك. هذا ما توصي به عالمة الأعصاب ومدربة كلية كولومبيا للأعمال، جولييت هان. اسألهم: أي مهاراتي تساعدكم أكثر؟ وما هي المهارات التي أحتاج إلى تطويرها؟ من خلال هذه الملاحظات، يمكنك تحديد نقاط قوتك وضعفك بشكل أكثر دقة، وبالتالي، تحديد مجالات التحسين التي تساهم في نموك المهني والشخصي.

مهما كانت مهاراتك التقنية وامتلاكك مهارات عالية، فإن غياب الوعي الذاتي يمثل عائقًا كبيرًا في بناء علاقات قوية في العمل. فالفهم العميق لنفسك وكيفية تفاعلك مع الآخرين هو أساس لتحقيق التوافق مع الزملاء والمدراء، وبناء شبكات علاقات قوية تساهم في النجاح المهني، كما تؤكد جولييت هان. لذلك، يجب على كل محترف أن يستثمر الوقت والجهد في تطوير وعيه الذاتي، وذلك من خلال طلب الملاحظات من الآخرين والتفكير بعمق في سلوكياته وتفاعلاته مع الآخرين.

اضف تعليق