هل هناك قصورٍ في نتاجات المثقف العربي الفكرية الى الحد الذي دفعه الى تبني الطروحات الوافدة من الخارج، ام ان الانفتاح بشكلٍ كبير على التنظير الغربي هو لمجرد المقارنة مع المجتمعات العربية، ام شعور الناتج العربي بالنقص تجاه الناتج الغربي بحيث لايمكن مجاراته. ان جامعاتنا العربية...
هل حقيقةً ان السوسيولوجيا العربية قد تكاملت كعلم الى الحد الذي بات من الممكن ان نطلق عليها (سوسيولوجيا)، ام انها فعلاً في ازمةٍ ولابد من اعادة النظر في شأنها.
ان السوسيولوجيا العربية تعيش في ضبابيةٍ قد جعلتها مجهولة المعالم ومغيبةً الحدود، وذلك كنتيجةٍ حتمية لعدم اعتراف المتعاملين والمنشغلين في البحث العلمي العربي السوسيولوجي بما يقدموه او ينتجوه، وعدم اعترافهم ذلك ناجم عن الشعور بالنقص تجاه السوسيولوجيا الغربية التي شغلت اركان الاكاديميات العربية في مواد علم الاجتماع.
فلماذا انصرف طالب علم الاجتماع العربي بتلقي السوسيولوجيا الغربية بكل مفاهيمها واركانها وتنظيراتها؟ هل هناك قصورٍ في نتاجات المثقف العربي الفكرية الى الحد الذي دفعه الى تبني الطروحات الوافدة من الخارج، ام ان الانفتاح بشكلٍ كبير على التنظير الغربي هو لمجرد المقارنة مع المجتمعات العربية، ام شعور الناتج العربي بالنقص تجاه الناتج الغربي بحيث لايمكن مجاراته.
ان جامعاتنا العربية اليوم وفي اقسام علم الاجتماع تمتلأ بموادٍ تعتمد في طبيعتها وملامحها على المجتمعات الغربية، في حين لم نلحظ الا اشارات بسيطة لما يدور في اركان المجتمعات العربية.
ان علم الاجتماع العربي في ازمةٍ تنظيرية خانقة. فلماذا لا ينظر وينشأ عالم الاجتماع العربي نظريات تملأ الافق مثلما يروج لذلك عالم الاجتماع الغربي؟ فالمتتبع لأدبيات علم الاجتماع يجد ان الناتج التنظيري الغربي اكثر غزارة من الناتج العربي، او اكثر شمولاً وسعةً وانتشاراً. فما سبب ذلك؟ هل هو الامكانيات بكل اشكالها، ام جرأة المثقف الغربي على ايصال تنظيراته للعالم اجمع، ام اتباع الموضوعية والحيادية دون الركون الى المغالاة والانحياز.
من الممكن القول ان توفر الامكانيات لم يقف عائقاً مباشراً في كل الاحوال في انبثاق التنظيرات السوسيولوجية، فكثير من المجتمعات قد عانت ازماتٍ كبيرة ومع ذلك استطاع علماء الاجتماع فيها من الاتيان بنظرياتٍ لا زالت متداولة الى اليوم. فلماذا يبرر عالم الاجتماع العربي اليوم ضعف التنظير العربي بقلة الامكانيات وكثرة الازمات.
يكاد المثقف العربي يختلف عن الغربي في هذا المجال في مسالةٍ ذات جذورٍ معقدة، فالمثقف الغربي ينظر الى المسألة بموضوعية ولحساب مصلحة المجموع، دون الاخذ في الحسبان مصلحةٍ فردية واحدة، وفي الجهة المقابلة نجد ان عدم تقدم السوسيولوجيا العربية وبقاؤها في موضع المستقبل فقط، هو ناشئ من الداخل العربي. فاليوم نقرأ لكثير من علماء الاجتماع العرب افكارٍ تنظيرية لها ثقلٍ كبير في المجتمع العربي، ولكن المشكلة لا يتم تبني هذه الافكار من قبل الآخرين العاملين في هذا الحقل، لغاياتٍ ليس لها علاقةٍ بالموضوعية وحيادية العلم، فتغييب الآخر ناشئ في المحيط العربي اولاً، فلا يعترف العديد من المبدعين في هذا العلم بنتاجات غيرهم من العرب، وبالمقابل لا يعير هؤلاء ايضاً اية اهمية لنتاجات غيرهم، في حين ان استقبالهم لطروحات الغرب يكون منقطع النظير وعلى اشده.
فلماذا هذا التهاون في توضيح ملامح السوسيولوجيا العربية من خلال عدم تثبيت الافكار التنظيرية الخاصة بالمجتمعات العربية وجعلها مادةً علمية تنافس ما طرحه الغرب؟
ان العقل العربي لا يستهان به وقد شهدت له ميادين علمية كثيرة في النبوغ والرجاحة، فمن غير الممكن ان نعتمد في جامعاتنا وبشكلٍ كلي على ما طرحه علماء الغرب في علم الاجتماع، دون الاستعانة بكل فكرٍ سوسيولوجيٍ عربيٍ، حتى ان اغلب نظريات الغرب بعيدةً كل البعد عن مجتمعاتنا، والتي قد لا تنفعها بشيءٍ الا لمجرد المقارنة، فمسألة صراع الذوات في السوسيولوجيا العربية هي التي وقفت حائلاً في عدم وضوح علم الاجتماع العربي وتكامله.
فالتكامل يتم بترابط الافكار معاً دون الانفراط، حيث ان كل فكرةٍ سوسيولوجية عربية ممكن ان تكملها فكرة عربية اخرى، وبذلك نستطيع بناء مرتكزاتٍ اساسية نحو علم اجتماع عربي، حيث ان الصراع يجب ان يكون في طرح الافكار لا في تهميش الطاقات ونبذها.
ان مشكلة السوسيولوجيا العربية هي ان المشتغلين في وضع ادبياتها يكادوا يعملوا كلاً على حدةٍ دون اتكاء كلاً منهم على الآخر لبناء اسس هذا العلم بشكلٍ صحيح، والسبب في ذلك جوهري وواضح وهو الانا المتجبرة نوعاً ما والتي تحاول الغاء كل الآراء الاخرى والاحتفاظ برأيها فقط.
ان اكثر ما نعرفهم من علماء الاجتماع اليوم في العالم اجمع هم علماء السوسيولوجيا الغربية بالنسبة لنا كعرب، في حين ان رؤيتنا لعلماء الاجتماع العرب مشوشة ولا نكاد حتى ان نعرف ان ذلك الشخص متخصص في علم الاجتماع ام في حقل علمي آخر. فالمشكلة تنبع من عندنا، فلا ينبغي نحن ان نرتفع بشأن السوسيولوجيا العربية الا من خلال اعتماد تنظيرات علماؤها بشكلٍ كبير ومحاولة تطبيقها قدر الامكان والتنافس بها مع نظريات الغرب التي تكاد ان تملأ كل مناهج علم الاجتماع اليوم.
فإن كنا نروم النهوض بعلم الاجتماع العربي وتحديد حدوده الضائعة، فلا بد لنا العمل وبشكلٍ جدي على تنسيق افكارنا بحيث تكمل كل فكرة الفكرة الاخرى، مع دعم وتحفيز تنظيرات علماء الاجتماع العرب، وتبني كل افكارهم التي من الممكن ان تعود بالنفع على مجتمعاتنا التي هي بحاجةٍ لذلك، مع اقرار الموضوعية الحقة التي تبعد الانحياز والتعصب الاعمى، والارتفاع بشأن العلم وتطوره بعد فترة السبات التي يمر بها.
اضف تعليق