لا شيء يوازي أهمية أكثر من توجيه سؤالًا للأطفال في عائلتك أو صفك في المدرسة عن المكان الذي يتواجدون فيه، وما الذي يحتاجون إليه، وما الذي يساعدهم للشعور بالدعم. وإذا أردنا دعم الشباب بشكل أفضل، فنحن بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت نصغي ونفهم حتى نتمكن من تلبية...
توصلت دراسة جديدة إلى أن عدد مرتادي قسم طوارئ الصحة العقلية في مستشفيات الأطفال، ومن يعاودون الزيارة، يشهد ارتفاعًا بوتيرة سريعة.
فبين عامي 2015 و2020، سجلت أقسام الطوارئ في مستشفيات الأطفال زيادة بنسبة 8٪ سنويًا في حالات الصحة العقلية، مع عودة حوالي 13٪ من هؤلاء المرضى خلال ستة أشهر، وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة JAMA Pediatrics.
فيما سجّلت زيارات أقسام الطوارئ الأخرى زيادة بنسبة 1.5٪ سنويًا. وزادت زيارات المراجعة لحالات الصحة العقلية بنسبة 6.3٪ سنويًا.
لكن، نسبة الزيارات لحالات الصحة العقلية، التي تتبعها زيارة لاحقة، بقيت ثابتة، "ما يعني أنّ العوامل المرتبطة بمراجعة الطبيب لم تتغير بشكل كبير خلال فترة الدراسة، حتى مع تفاقم أزمة الصحة العقلية بين الأطفال".
وأضاف الباحثون من مستشفى الأطفال في لوس أنجلوس، وجامعة جنوب كاليفورنيا، ومستشفى بوسطن للأطفال: "رغم ذلك، فإن الزيادة الكبيرة بنسبة المراجعات لا تزال مقلقة".
وتشير نتائج الدراسة إلى أن زوار ومراجعي قسم طوارئ الصحة العقلية للأطفال إلى ازدياد، "كما أنّ تحديد عدد المرضى الأكثر عرضة لمعاودة الزيارة، يوفر فرصة لتحسين تقديم الرعاية الصحية العقلية".
وتضمنت الدراسة الجديدة بيانات أكثر من 200 ألف مريض تم فحصهم في 38 مستشفى للأطفال بجميع أنحاء الولايات المتحدة بين 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 و 29 فبراير/ شباط 2020.
وجاءت البيانات من نظام المعلومات الصحية للأطفال، وهو قاعدة بيانات إدارية لمستشفيات الأطفال.
ودقق الباحثون بعدد الزيارات التي تضمنت تشخيص اضطرابات الصحة العقلية، أو إيذاء النفس المتعمد. وتم تحليل مراجعات الصحة العقلية، ما يعني أن المريض زار قسم الطوارئ مرة أخرى خلال ستة أشهر من زيارته الأولية.
وكتب الباحثون أن الزيادة المستمرة في زيارات قسم طوارئ الصحة العقلية للأطفال قد ترتبط "بمجموعة من العوامل، بينها تفاقم أزمة الأمراض العقلية للأطفال ونقص أطباء الصحة العقلية".
وكانت التشخيصات الأكثر شيوعًا بين زيارات قسم طوارئ الصحة العقلية هي التفكير بالانتحار، أو إيذاء النفس، وهو ما يمثل نسبة 28.7٪ من المرضى، واضطرابات المزاج بنسبة 23.5٪، واضطرابات القلق بنسبة 10.4٪، واضطرابات السيطرة على الانفعالات بنسبة 9.7٪.
وكتب طبيب الأطفال الدكتور سكوت هادلاند، رئيس قسم طب المراهقين والشباب في Mass General for Children وكلية الطب بجامعة هارفارد، غير المشارك في الدراسة الجديدة، لـCNN، أن هناك حاجة متزايدة لتحسين الوصول إلى خدمات الصحة العقلية للشباب، وتمويل أفضل للحفاظ على هذه الخدمات مستدامة.
وقال: "نظرًا لأن أنظمة الصحة العقلية لدينا مرهقة للغاية، مع وجود نقص بالأطباء والمعالجين النفسيين الذين يعملون مع الشباب، يضطر أطباء الأطفال إلى تولي مثل هذه الأدوار بشكل متزايد".
وفي حال عدم تقديم الدعم أو المواد، قد تستمر البلاد في رؤية مرضى الصحة العقلية من الأطفال في قسم الطوارئ مجددًا.
جرائم قتل الأطفال بسلاح ناري الأكثر شيوعًا
تُعد جرائم القتل سببًا رئيسًا لوفاة الأطفال في الولايات المتحدة، وتوصلت دراسة جديدة إلى أنّ معدّلها الإجمالي زاد بنسبة 4.3% سنويًا، في السنوات العشر الأخيرة تقريبًا.
ويتعرض الأطفال ذوي البشرة السوداء للقتل أكثر من الأطفال ذوات ألوان بشرة مختلفة أخرى، وكانت الأسلحة الناريّة السلاح المُستخدم الأكثر شيوعًا، بحسب الدراسة المنشورة في مجلّة "JAMA Pediatrics".
ووجد الباحثون أنّ 38،362 طفلًا أمريكيًا كانوا ضحية جرائم القتل بين عامي 1999 و2020.
وزادت معدلات جرائم القتل بين الذكور عمومًا، إذ سجلت ارتفاعًا بنسبة 16.1% بين عامي 2018 و2020.
لكن، سُجّل تراجعًا في جرائم القتل بين الإناث بين عامي 1999 و2020.
وارتفع معدّل جرائم القتل بين الأطفال ذوي البشرة السوداء بنسبة 16.6% بين عامي 2018 و2020. وكان هؤلاء، بالإضافة إلى الأطفال من أصلٍ إسباني ضحايا زيادة مطردة في جرائم القتل عامي 2012، و2014 على التوالي.
وقال الباحثون إن الأطفال الهنود الأمريكيين، وأطفال ألاسكا الأصليين شهدوا انخفاضًا في معدلات جرائم القتل بين عامي 1999 و2020، لكن ذلك لم يكن مهمًا من الناحية الإحصائيّة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ معدلات جرائم قتل الأطفال الآسيويين، وأطفال جُزُر المحيط الهادئ، والأطفال البيض انخفضت منذ عام 1999.
وأظهرت دراسات سابقة أن التباينات العِرقيّة قد يكون مردّها جزئيًا إلى العنصريّة، والتفاوتات المتعلقة بالنظام في الأحياء التي يعيش فيها العديد من الأطفال، التي تعاني من الفقر المدقع، وقلّة أماكن اللعب الآمنة، وأنظمة المدارس التي تعاني من نقص في التمويل.
وبقيت معدلات جرائم قتل الرضّع والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام و5 أعوام، تنخفض باستمرار خلال العقدين الماضيّين.
واقترح الباحثون أن هذا التراجع يتزامن مع الإصلاح الطبي، والبرامج الفيدراليّة مثل "Maternal, Infant, and Early Childhood Home Visiting Program"، التي تدعم الحوامل، وأولياء أمور الأطفال الصغار في المجتمعات عالية المخاطر، والتي تعاني من حواجز تُعيق النتائج الإيجابية المتعلّقة بصحة الأم، والطفل، بالإضافة إلى البرامج التدريبيّة التي تُعزز مهارات التربية الإيجابية.
ووافقت الدكتورة كارين شيهان، الطبيبة المعالجة بقسم طب الطوارئ في مستشفى "آن وروبرت إتش لوري" للأطفال بشيكاغو، على احتمال وجود صلة بين هذه البرامج، وانخفاض جرائم القتل بين الأطفال الصغار.
وتعمل شيهان، غير المشاركة في الدراسة الجديدة، وأطباء آخرون على تحسين صحة الأطفال عبر برامج الشباب في شيكاغو، وقالت: "إذا أردنا تحسين صحتهم، كان من الضروري إخراجهم من حالة الفقر، وبالنسبة لمعظم الأشخاص، كان التعليم المسار الأقصر".
واستخدم الباحثون في هذه الدراسة بيانات الوفيّات التي استقوها من قاعدة بيانات "Wonder" التابع لنظام الإحصاء الحيوي الوطني، التي تستخدم شهادات وفاة المقيمين في الولايات المتحدة، والنظام الوطني، للإبلاغ عن الوفيات جرّاء التعرض للعنف.
ورُغم موثوقيتها، إلا أن السجلّات قد تغفل بعض جرائم القتل، ويمكن أيضًا تصنيف وفيات الرضّع على نحو خاطئ، وقد لا يبلّغ عنها.
وأُخذت هذه البيانات من 45 ولاية فقط، لذلك هي غير قابلة للتعميم على البلد بأكمله، كما أنها تُقلّل من العدد الحقيقي لجرائم قتل الأطفال في الولايات المتحدة.
وقالت الدكتورة إلينور كوفمان، الأستاذة المساعدة بقسم الجراحة في كلية "بيرلمان" للطب ببنسلفانيا، إن ارتفاع أعداد جرائم القتل لم تكن مُفاجِئة، لكن "لا يعني ذلك أنها غير مُقلِقة".
ورأت كوفمان ضرورة لوجود استجابة متعدّدة القطاعات في الولايات المتحدة بغية تقليل عدد جرائم القتل التي يتعرّض لها الأطفال.
نصائح حول الصحة العقلية لمساعدة الاطفال
في عالم يعيش انقسامًا غالب الأحيان، يسهل أن نغفل عن أمر واحد يشترك فيه جميع البالغين، أنّنا جميعًا كنا أطفالًا ذات مرة. ويلعب مقدمو الرعاية والمعلمون أدوارًا جوهرية في تكوين صحتنا العقلية، ووجهات نظرنا للعالم، وقدراتنا على التعامل مع تقلبات الحياة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ واحدًا من كل أربعة أشخاص في العالم سيعاني من حالة صحية عقلية خلال حياته.
فإذا استثمرت كل مدرسة وعائلة بوضع مبادئ توجيهية لكيفية دعم صحة الشباب العقلية، خصوصًا خلال سنوات المراهقة التكوينية، فسيتمتّع المزيد من الأطفال بالمهارات والدعم الذي يحتاجونه للنمو على نحو صحي خلال مرحلة البلوغ.
إليكم ما يجب أن يتضمّنه دليل التشغيل هذا:
توفير تعليم جيد حول الصحة النفسية
الخطوة الأولى لمعالجة أي مشكلة تكمن بالاعتراف بوجودها. وهذا الأمر يسري على الصحة العقلية. يمكن للمدارس والعائلات التأكد من أنّ الأطفال والمراهقين يتلقون معلومات حول الصحة العقلية، وذلك بدءًا من إدراك علامات وعوارض الحالات الشائعة، ووصولًا إلى نصائح حول كيفية الحفاظ على الرفاهية العامة وتحسينها.
وستتمكن المدارس من تحسين قواعد المعرفة لدى الأطفال حول هذا الموضوع، من خلال تضمين منهج رسمي مفهوم للصحة العقلية وماهية الحالات. وهذا الأمر سيساعدهم على تحديد ما إذا كانوا يعانون قبل فوات الأوان، أو تقديم المساعدة لمن يحتاجها من الأصدقاء، أو حتى اكتشاف المعلومات الخاطئة وتبديدها عندما يصادفونها في أماكن يقصدونها تلقائيًا، مثل وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا تحتاج الدراسة حول الموضوع للبدء والانتهاء في المدارس. إذ يمكن لمقدمي الرعاية أيضًا الشروع بتعليم الأطفال ما يعرفونه عن الصحة العقلية، ومشاركة أي من حالات الصحة العقلية التي شهدها تاريخ العائلة، وتشجيع أطفالهم للجوء إلى موارد أخرى تزودهم بالمزيد من المعرفة.
استحداث مساحات آمنة للتحدث
وينمو شباب اليوم في عصر لم تعد فيه الصحة العقلية في خانة المحرمات، أخيرًا. ورغم ذلك، ما زالت المصارحة صعبة. وبهدف إنشاء مساحات آمنة لهذه المحادثات، نحتاج إلى دعوة الأطفال، أكانوا أطفالًا صغارًا أم مراهقين أكبر سنًا، لمشاركة ما يفكرون فيه ويشعرون به من دون الحكم عليهم، أو انتقادهم، أو إنكارهم.
وحدّد كل يوم جمعة لتسجيل وصول استباقي للمدرسة، أو اسأل كيف يشعر الجميع حين يجتمعون حول مائدة العشاء في المنزل أيام الثلاثاء. ومن خلال جعل الصحة العقلية جزءًا من المحادثة المعتادة، فإننا نبعث برسالة مفادها أنه لا بأس بألّا تكون على ما يرام، وأن الصحة العقلية مهمة، وأنه يمكننا تقديم الدعم لبعضنا عبر ما نصادفه في حياتنا.
مهارات التأقلم
وأحد الأسئلة الأكثر شيوعًا التي يطرحها الأهل والمراهقون تتمحور حول ما يجب فعله حيال ضغوط الحياة المستمرة. والنصيحة هي نفسها في كل مرة: هذه الضغوطات لن تتوقف. لذا، لنتعرف على كيفية التكيف مع المشاعر المرافقة لها والتعامل معها، واحدة تلو الأخرى.
وليس معقد نسبيًا إنشاء مجموعة أدوات للتأقلم، والمهارات نفسها تعمل بشكل جيد للغاية على تهدئة مراكز المشاعر في الدماغ.
وأشجع الأطفال على كتابة قوائم بالأنشطة التي تساعدهم على نحو أفضل للشعور بالتحسن عندما تنتابهم تلك المشاعر الشديدة، سواء كان ذلك من خلال الاستماع إلى الموسيقى، أو القيام ببعض القفزات، أو قراءة كتاب، أو إلهاء أنفسهم بمهمة مثل طي كومة من الغسيل.
وقد يستغرق الأمر بعض الاختبارات للتمكن من تحديد مهارات المواجهة الأكثر فائدة، لكن بمجرد تحديدها، يجب إضافتها إلى تلك القائمة واستخدامها مرة أخرى. ومن السهل إعداد هذه القوائم، سواء في الصف أو في المنزل، ويجب أن يتمكن الأطفال من ممارسة مهاراتهم في البيئتين.
وضع خطة للحصول على دعم إضافي
وما أن يشخّص طفل بأنّه يعاني من مشكلة صحية عقلية محددة، قد يصعب معرفة كيفية ومكان الحصول على المساعدة. لكن يمكن وضع خطة استباقية موضع الاستخدام في حال مواجهة سيناريو صعب يحتاج بموجبه الطفل إلى الدعم في الوقت المناسب.
ويجب على الأساتذة ومقدمي الرعاية معرفة متى وكيف يحيلون الأطفال إلى تقييم رسمي للصحة العقلية، أو العلاج المختص. وعلى الأهل معرفة كيفية طلب التسهيلات في المدرسة، كما يتوجب على المدارس النظر بإقامة شراكات مع المنظمات المجتمعية، والشركات، وممارسات الصحة العقلية المحلية.
خطة أمان لوقت الأزمات
وشهدت غرف الطوارئ ارتفاعًا بالسلوكيات الانتحارية بين الشباب بشكل ملحوظ خلال الجائحة، ما يسلّط الضوء على الحاجة إلى الدعم خلال الأزمات، خصوصًا بين فئة المراهقين. ورغم ذلك، قد يصعب معرفة ما يجب القيام به في هذه الفترات الصعبة. لكن يمكن للتخطيط الاستباقي للسلامة في المنزل أو في المدرسة أن يزود الأطفال بمجموعة من الخطوات التي عليهم اتباعها حين يواجهون وقتًا عصيبًا. وقد تتضمن الخطة قائمة بأسماء البالغين الموثوق بهم، وأساليب لجعل بيئة ما آمنة، وأرقام هواتف مشتركة لخطوط الأزمات، بينها 988 Suicide & Crisis Lifeline أو Crisis Text Line.
تضمين أصوات الشباب
وفي نهاية المطاف، لا شيء يوازي أهمية أكثر من توجيه سؤالًا للأطفال في عائلتك أو صفك في المدرسة عن المكان الذي يتواجدون فيه، وما الذي يحتاجون إليه، وما الذي يساعدهم للشعور بالدعم. وإذا أردنا دعم الشباب بشكل أفضل، فنحن بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت نصغي ونفهم حتى نتمكن من تلبية احتياجاتهم، ونضع افتراضاتنا جانبًا.
الصحة النفسية للشباب هي في الحقيقة مسؤولية مشتركة. إذا تعاونا معًا، في الفصول الدراسية، والمنازل، وغيرها، قد نتفاجأ بما سيكون عليه الجيل القادم.
اضف تعليق