بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)([1])
ويقول تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)([2])
العلاقة بين (الأمة) و(الأمة في الأمة) والفرق بينهما
الحديث يدور في هذه السلسلة من المباحث عن (الأمة الواحدة) وعن (الأمة في الأمة)، فانه وحسب المصطلح القرآني توجد هناك أمتان:
(الأمة الواحدة) العامة الشاملة الجامعة التي تضم مختلف الشرائح والتيارات والتجمعات والقبائل والشعوب، وهي الأمة التي تتحدث عنها الآية الشريفة الأولى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ).
و(الأمة في الأمة) وهي أمة أضيق نطاقا واخص من حيث المهام والمسؤوليات وهي التي نعبر عنها بــ(الأمة في الأمة) التي تصرح بها الآية الثانية: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ...) فـ(لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي: من المسلمين الذين يشكلون تلك الأمة الواسعة المترامية الأطراف يجب ان تنفرد أمة بالاضطلاع بالأدوار الثلاثة المذكورة في الآية الشريفة فهي الأمة المتخصصة والتي عملها ومسؤوليتها الأساسية هي الدعوة الى الخير، وسبيل الله هو الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولكن قد يقال: انه قد ورد في الحديث النبوي: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه"([3]) فهذه المسؤوليات الثلاثة هي مسؤوليات جماعية؟
والجواب: ان ذلك لا ينفي الحاجة الى أناس متفرغين او شبه متفرغين للدعوة إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يتوهم ان هذا مخصص لذلك العام ولا يتوهم ان ذلك يلغي مسؤولية الآخرين، كلا، بل ان احدهما يكمل الاخر؛ إذ ان هناك مسؤولية عامة وهناك مسؤولية خاصة للمتخصصين والمتفرغين وهم الأمة في الأمة والتي تعد الحوزات العلمية المباركة التجسيد الواضح والأظهر لها.
عوامل وحدة الأمة الإسلامية أو فرقتها
وسيكون الحديث حول محورين (الأمة الواحدة) و(الأمة في الامة) ضمن عدة بصائر:
البصيرة الأولى: من أهم أسباب الخلاف والعداء: أكل لقمة الحرام
يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)
قد يتساءل: ما هو الترابط بين هذه المفردات الأربع (كلوا من الطيبات، أعملوا صالحا، ان هذه أمتكم امة واحدة، إنا ربكم فاتقون)؟
وقد مضى شطر من الكلام حول وجه الترابط بين الاكل من الطيبات والامة الواحدة وسبق ان الأكل من الحرام يترك أثره الوضعي فان من اهم اسباب النزاعات والتناحر والتشاجر والفرقة وتمكن الشيطان من الانسان في مدّ بساط التهمة والغيبة والنميمة وكثير من المفاسد والموبقات حتى الفتن العامة والحروب العدوانية، هو أكل الحرام!!
وهذا هو ما يستحق ان تفرد له دراسات عديدة ومقالات كثيرة وتؤلف حوله الكتب المتنوعة وتقام حوله المؤتمرات والندوات وتلقى حوله المحاضرات، وبحسب الاستقراء الناقص لم نجد من كتب في ذلك إلا ضمنا واقتضابا، رغم وجود الروايات الكثيرة في هذا الحقل ورغم ان لعلمائنا في الاخلاق إشارات هامة بهذا الصدد([4]).
فينبغي ان تكتب ألوف الدراسات والتحقيقات حول آثار أكل الطيبات ومخاطر أكل الحرام؛ لأنه أمر بالغ التأثير في مسيرة الامة الواحدة إضافة إلى ما له من التأثير المباشر على الشخص نفسه وأسرته وعائلته.
البصيرة الثانية: من أهم عوامل تماسك الأمة الواحدة: العمل الصالح
ان (العمل الصالح) يصب مباشرة في توثيق عرى ودعائم الامة الواحدة، وله المدخلية الكبرى اكثر من مدخلية الأكل من الطيبات.
وبكلمة جامعة: فان العمل الصالح يعد من أهم مقومات الأمة الواحدة، ولنذكر لذلك عدداً من أهم المفردات والطرق:
1) الشعائر الدينية
الطريق الأول: الشعائر الدينية كزيارة الاربعين: بل كافة الشعائر الحسينية بل كافة الشعائر الدينية بشكل عام.
من فلسفة الشعائر الدينية والحسينية
فان فلسفة الشعائر الدينية ومنها الحسينية انها روافد تصب في تماسك عرى الامة التي تكاد ان تتمزق، ويتجلى ذلك اكثر في زيارات الأربعين المليونية سنويا. فان الزائرين فيها والسائرين تجدهم أطيافاً متنوعة من مختلف الاعراق والاجناس والمستويات والخلفيات والتوجهات والعشائر والدول والمحافظات والحوزات والجامعات، كما تجد الجميع يستشعر روحاً أخوية لا نظير لها في كل شعوب العالم إذ تجدهم جميعاً طوال أيام قد تبلغ عشرة بل خمسة عشر بل عشرين يوماً، يتعاملون مع بعضهم البعض بكل محبة واحترام ومعزة وإجلال وإكبار سواء في الطريق أم في الخيم وسواء تحت حرارة الشمس أم تحت دفق المطر، بل ان المراقب يشهد تجسيداً لقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)([5]) بأبهى الصور وأجلاها.
ولقد شاهد الجميع ذلك، ومن لم يشاهد فقد سمع بذلك بنحو التواتر أو غيره.
ضرورة التعبئة العامة للزيارة الشعبانية وغيرها
ومن هذا المنطلق علينا ان نشجع أيضاً ان تكون الزيارة الشعبانية لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) بقوة الزيارة الأربعينية. وكذلك زيارة يوم العاشر (عاشوراء) من المحرم، بل ان بعض العلماء احتمل ان تكون افضل زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) لكونها اقوى من حيث الخصائص المذكورة في الروايات من زيارة عرفة، حسب ما استظهره الدربندي (رحمه الله).
بل وحتى سائر الزيارات كزيارة ليلة الجمعة كل أسبوع مثلاً فان الموالين لأهل البيت عليهم السلام هم بمئات الملايين بل ان كل مسلم فهو موال لهم بالضرورة فيبلغ عددهم المليار وستمائة مليون إلى المليارين حسب اختلاف الاحصاءات، ولعل الكثير أو الأكثر لا تتيسر له الزيارة الأربعينية فلو وزعت على مدار العام أمكن للأكثر الزيارة وأمكن لكربلاء استيعاب مئات الملايين من الناس أيضاً طوال العام.
فلم لا نجنّد كل الطاقات لإحياء هذه الزيارات العظيمة ذات الخصائص المتميزة بل والنادرة والتي تتجسد فيها كل معاني الإيمان والاخلاص والإيثار والاخوة والتعاون بتجلياتها المختلفة ومنها إطعام الطعام لكافة الفقراء والمساكين بل لكل غني وفقير وشريف ووضيع؟ بل الغريب – وليس بغريب – انك ترى ان المعطي والمنفق يعطي وهو يرى نفسه مقصرا، وانه يشعر ان الآخذ منه له الفضل عليه، فالخدام وعموم من يقدم أية خدمة لأي زائر في مختلف الزيارات ومختلف الأوقات يخدمون الزائرين وهم يرون ان المنّة هي للزائرين المارين عليهم بل يشعرون بذلك من أعماق انفسهم حتى لكأنهم يتصورون ان الزائر هو في الحقيقة ملك كريم – وهو كذلك بل أعظم - مر بهم وتفضل عليهم بمروره او تناول شيئا مما اعدوه من نعم لله تعالى من موائد وفرش ومساكن طيبة وخدمة ممتازة، بلا كلل ولا ملل!!
ان الشعائر هي الرباط الذي يحافظ على وحدة الأمة وتماسكها؛ ولذا صرحت الآية الشريفة بـ(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ)([6]) فان الشعائر تشعر بالله تعالى بشكل ظاهر فهي مظهر دلالي عام سواء أكانت مما يبصر أم مما يسمع أم مما يلمس فهي الأكثر قدرة على ان تدفع باتجاه الأمة الوحدة تحت راية القرآن والعترة الطاهرة.
ترشيد الأداء في الشعائر
يبقى ان هذه الشعائر تحتاج إلى ترشيد في الاداء أكثر فأكثر، مثلا الحسينيات وهي من الشعائر المهمة لله وكذا المساجد والمدارس الدينية او التربوية فان من الممكن تطوير أداء القائمين عليها بحيث تصبح بشكل افضل واقوى عاملاً في وحدة الامة وتقوية وتكريس وشائج المحبة وأواصر المودة بين مختلف شرائحها تحت رآية (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ)([7]) و(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)([8]) وحديث الثقلين: "إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي"([9])
من طرق ترشيد الاداء: الخمس الثاني!
ومن طرق ترشيد أداء القائمين على الشعائر الدينية بل والمؤمنين بشكل عام هو ما رأيته أنا شخصياً في العديد من الدول البعض من الوجهاء والبعض من التجار الخيرين بعد إخراج خمسه أو زكاته انه يدفع إلى ما يقارب النصف -واحيانا يزيد- من ارباحه السنوية إلى المواكب الحسينية والمساجد والبرامج الدينية! كما وجدنا بعضهم يلتزم بإعطاء الخمس الثاني استحبابا لمختلف البرامج الحسينية صلوات الله وسلامه عليه.
وقد شهدت بعض هؤلاء الثلة الطيبة (وهم متوزعون بين دول عديدة من ايران والعراق والكويت والحجاز وغيرها) يبذل الأموال لمختلف الحسينيات والمساجد من مختلف الخطوط والاتجاهات والألوان سواءً ذلك الذي يختلف معهم أم الذي يتفق معهم! المهم لديه – كما هو المطلوب - هو الدعوة الى الله تعالى وإحياء معالم وشعائر الإمام الحسين (عليه السلام) رائد الإصلاح ومحي السنة والشريعة.
حتى أنني اعرف ان بعضهم يختلف مع الجهة الفلانية 100% الا انه لا يبالي بمد يد العون لها مادامت تدعو الى أهل البيت الطاهرين وتقيم المجالس الحسينية.
ان الحسينيات ينبغي ان تكون أكثر فأكثر مظهرا تجسيدياً للترابط ما بين المسلمين حتى المخالفين ما داموا محبين لأهل البيت (عليهم السلام) غير ناصبين العداء لهم ولشيعتهم، وهم الأكثرية المطلقة من أهل العامة.
دور المشاعر والشعائر في تماسك الأمة
وهذا هو الدور (أي من الأدوار) الذي تقوم به سائر الشعائر والمشاعر فان الصفا والمروة والطواف والوقوف بعرفة توحد الجميع وتصهرهم في بوتقة الإسلام ويجب ترشيد استثمار ذلك حتى تذوب كل الفوارق الشكلية والصورية كي يسير الجميع باتجاه واحد وهدف واحد وهو(أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)([10]) و(إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)([11]) و(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)([12]) و(إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ).
وصفوة القول: ان العمل الصالح بمفرداته المختلفة يصب في صالح ترسيخ أوامر الأمة الواحدة، وهذا هو الطريق الاول من طرق وعوامل تحقيق الأمة الواحدة.
2) الزواج العابر للحدود
الطريق الثاني غير المرشّد في مجتمعاتنا مع الاسف هو الزواج العابر للحدود القومية واللونية والتيارية وغيرها، ولذا ندعو الى ترشيده وهو من الاعمال الصالحة التي لو رُشّدت لصبت في صالح تقوية الوشائج بين الأمة الواحدة في مختلف الأبعاد ومنها البعد النفسي بحيث ان الباكستاني والايراني والعراقي واللبناني والخليجي والهندي جميعهم يحسون في أعماقهم حقاً بأنهم اخوة لا فوارق بينهم ولا فواصل! على العكس مما عليه الحال الآن إذ يشعر الكثير منا بأجنبية المنتمي إلى قومية اخرى؛ نظراً لأن الأخلاق والطباع والآداب مختلفة في كثير من جوانبها، فضلا عن اللغة والشكل بل قد تجد البعض قد يسخر من الآخرين لمجرد اختلاف القومية أو اللغة أو الطباع ولا يشعر أبداً بانهم حقاً اخوة له في الاسلام والقرآن الكريم.
إن إحدى الطرق الهامة جداً والمؤثرة جداً والتي سنها الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) والتي يستظهر ان من أهم فوائدها هو الدفع باتجاه تجذير الإخوة الإسلامية والأمة الواحدة هي سنة الزواج من القوميات الأخرى ومن القبائل والشعوب الاخرى.. ولذا نجد الرسول الأعظم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) تزوجوا من بلاد شتى ومن قوميات مختلفة.
ان من الواضح انه كثيرا ما يكون بين الحزبين أو القبيلتين أو الشعبين تنافس سلبي أو صراع، لكن الزواج يعدّ طريقاً رائعاً لتذويب الشحناء والبغضاء بين المتخاصمين خاصة إذا أصبح ظاهرة عامة من التزاوج بين الشعوب والقبائل والتيارات المختلفة.
تعامل الغرب المزدوج والمغرض من الزواج العابر للحدود
وفي الاتجاه المقابل نجد هناك ثقافة غربية وجاهلية – مخطط لها حيناً وعفوية حيناً آخر - تقف بقوة تحول دون الزواج بين القوميات او القبائل المختلفة، حتى اصبح من الصعب أو الغريب في كثير من الأحيان ان يتزوج العربي من غير العرب او الفارسي من العرب، بل ان الغرابة والصعوبة تتحقق – في كثير من الأحيان - فيما اذا أرادت العراقية أو السورية مثلاً الزواج من مصري أو خليجي أو العكس ولو كانا من مذهب واحد من مذاهب المسلمين ؟
والذي زاد الطين بلةً هو سنّ الحكومات الجائرة والبرلمانات المسيسة للقوانين الوضعية الجائرة في البلدان الاسلامية التي تعقّد الاجراءات أمام أية زيجة من هذا النوع.
لكن المفاجئ والغريب، في الاتجاه الآخر، ان الغرب في داخل دوائره يسهل إجراءات الزواج عنده من القوميات الاخرى، فلو تزوجت المرأة الغربية من رجل عراقي أو مصري أو إيراني أو يمني أو أفغاني أو غير ذلك اعطي الرجل جنسية بلد زوجته، واما الابن المتولد منهما فانه يمنحُها بلا قيد او شرط.
ان الزواج المختلط في الغرب امر شائع تعين عليهم قوانينهم ونظمهم بينما في بلداننا تجد ان التعصب المقيت والعادات والتقاليد تمنع حتى من الزواج من العشيرة المتجاورة وهم على دين واحد وعلى مذهب واحد ويشربون من ماء واحد!!
بل ان الكثير يستصعب حصول حالات الزواج بين أتباع مرجعيتين مختلفتين او تيارين متباينين او حزبين متنافسين حتى وصلنا الى حالة من التشرذم والشتات والتخبط بما لعله لا مزيد عليه من الفرقة والانقسام.
ومن هنا تبزغ أهمية الدعوة الى التشجيع على هذا الامر والدفع باتجاهه: الزواج كظاهرة عامة بين البلدان المختلفة والتيارات المتكثرة والمرجعيات المتعددة والاحزاب المتنافسة وغير ذلك.
3) الشورى
الطريق الثالث هو العمل بالشورى من جملة الآيات الحيوية في القران الكريم التي تصب في شد أواصر الاخوة بين أبناء الامة الواحدة بل والشعب الواحد والعشيرة الواحدة والتجمع الواحد أيضاً.
منها: آية الشورى قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)([13]).
ان الكثير منا قد يغفل عن القيمة الموضوعية للشورى كما قد يغفل عن القيمة الطريقية لها كما قد يغفل عن الاضرار الذاتية والغيرية التي يستبطنها الاستبداد.
فقد جاء في الحديث: "مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَك"([14]) وورد "أعقل النّاس من أطاع العقلاء"([15]) و"قال النبي (صلى الله عليه وآله): الْحَزْمُ أَنْ تَسْتَشِيرَ ذَا الرَّأْيِ وَتُطِيعَ أَمْرَه"([16])
ان الشورى هي الطريق الأنجع في الموضوعات اما الاحكام فتؤخذ من مداركها المقررة في الشريعة الإسلامية وهي الأدلة الأربعة.
كيف تحافظ الشورى على تماسك الأمة؟
ذلك ان الشورى تحافظ على (وحدة الامة) بشكل عام وعلى (وحدة الامة في الامة) فانها تحافظ على وحدة العائلة وعلى وحدة العشيرة وعلى وحدة الحزب او النقابة والاتحاد وأيضاً الشعوب والأمم؛ وذلك لأن مجاري الأمور اذا انحصرت في يد فرد واحد فسوف يختلف الاخرون معه إذ تتناقض مصالحهم مع قراراته او تتفاوت اذواقهم واياه؛ فان أسباب الخلاف ثلاثة: الاجتهادات اذا اختلفت، والمصالح اذا تضاربت، والاذواق اذا تفاوتت([17])فإذا استبد شخص بالأمر – مهما كانت ذرائعه – فان الآخرين سوف يشعرون بالغبن والحرمان والمظلومية فيبتعدون تدريجياً ويتجذر التشرذم والعداء يوماً بعد يوم حتى يصل إلى ما وصلت إليه بلادنا الإسلامية من حالة مزرية محزنة بل ومخيفة.
ولكن مع مبدأ الشورى والعمل به تتضائل نسب الاختلاف الى اقصى درجة او تضمحل إذ يرى الجمع ان لهم سهماً في عملية اتخاذ القرار ونصيباً في الأرباح وجزءً من المكاسب فيتحمل الجميع – بطيب نفس أيضاً – توزيع الخسائر والاضرار عليهم جميعاً، فالشورى هي أشبه بـ(المضاربة) التي تتوزع فيها الأرباح والخسائر على الأطراف بلا إضرار ولا إجحاف بأي طرف، وهو ما يؤدي الى تماسك الامة الواحدة أكثر فأكثر وذلك هو من أسرار قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ).
رؤساء دولنا: اما طاغ مستبد أو سجين مستذَلّ!
وقد أشار بعض الحكماء إلى مفارقة غريبة وهامة ومعبرة وهي ان الغريب في بلادنا ان رئيس الجمهورية يدور أمره بين أن يكون حاكماً جباراً وبين ان يكون ملقى في أعماق السجن او مقتولاً([18])، اما في الغرب فان الرئيس بعد ان تنتهي ولايته يمارس حياته الطبيعية في أدوار أخرى ذات درجات متفاوتة من الأهمية، بل يُشاد بانجازاته ويكرمونه ويحترمونه كرئيس سابق وكعنصر منتج فعال حالي.
والسبب وراء ذلك انهم عملوا بجانب من بعض المبادئ الصحيحة كالشورى عبر صيغة الانتخابات وغيرها، وكالتكافل الاجتماعي وغير ذلك.
إن الشورى تستبطن التحاور والنقاش في المرحلة الاولى وكثيرا ما تُحل المشاكل وتزول الخلافات في هذه المرحلة فان استحكم الخلاف كان معنى الشورى العمل برأي الأغلبية، فتنحصر المعارضة في مدى ضيق بل قد تتقبل الأقلية رأي الاكثرية وتنتهي المشكلة، وحتى إذا لم تتقبله فانها تخضع له لعلمها انها في موقف قادم أو سنين قادمة ستحوز الأكثرية فتخضع لها الأقلية حينئذٍ، فهو تبادل سلمي حكيم للسلطة.
وبكلمة جامعة: ان الله تعالى جعل ببالغ حكمته حلولا للاختلافات المتكاثرة بين بني البشر:
منها: الشورى.
ومنها: القرعة، قال تعالى: (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ)([19]) و(إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ)([20]) وهي لكل امر مشكل([21]) وكلها آليات للمحافظة على الاخوة والامة الواحدة وتجنب الصراعات والنزاعات والوصول إلى أفضل ما يمكن الوصول إليه.
والحاصل: انه اذا كانت مدارسنا وجامعاتنا وحسينياتنا ومساجدنا وصولا الى حكوماتنا والى جميع شرائح الأمة الإسلامية، كلها تعمل بمبدأ الشورى فسوف تبقى الامة متماسكة لا يدب اليها الضعف والوهن و(ذهاب الريح) كما عبرت الآية الشريفة.
كيف أعنّا الغرب على خراب بيوتنا؟
والعكس ايضا صحيح اذ ان طبيعة اللاشورى تدفع باتجاه التجزؤ والانقسام حتى ان واحدا من أهم أسباب (الخريف العربي) الذي مزق الأمة العربية هو الدكتاتوريات المقيتة وعدم الأخذ بمبدأ الشورى على مستوى الحكومات ثم على مستوى أحزاب المعارضة وعلى مستوى مختلف مكونات الأمة والدولة.
والغريب المؤسف: اننا قد أعنّا الغرب والاستكبار العالمي على خراب بيوتنا وتفتيت وحدتنا بابتعادنا عن تعاليم القرآن الحكيم ومنها قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، فهو المخططون من جهة ونحن المنفذون من جهة أخرى والكل يصب في خراب الديار والأوطان.
ان الأمة اذا لم تُجِد التعامل –وحسب الضوابط القرآنية والعقلائية- مع الخلافات والاختلافات وإذا لم تسلك إلا مسلك الإلغاء والتهميش والتحطيم للآخر، فإنها ستنهار وتذوب كما الشمعة في حرارة النار المحرقة، وتذهب ريحها إذ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)([22]) و(وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)([23])
والعجيب حقاً ان الكثير منا لا يعتبر الشورى – في سيرة حياته - من العمل الصالح! بل تجده يتحجج بألف عذر وعذر للتهرب من العمل الشوري وكأنه لم يسمع قوله تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وقوله: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)([24]) وقوله: (وَتَشَاوُرٍ)([25]).
4) الإحسان
الطريق الرابع: هو الإحسان وهو من جملة الآيات الحيوية في القرآن الكريم؛ فان (الإحسان) هو الاخر يمتلك قيمة ذاتية إضافة إلى قيمته الطريقية، فانه من الآليات المهمة للحفاظ على وحدة العائلة والعشيرة والجماعات والشعوب وصولاً إلى الأمة الإسلامية؛ فان العائلة المتماسكة هي العائلة التي يكون فيها رب البيت شيمته الإحسان وإلا فانه ان اراد التعامل مع أهله وزوجته بحاقّ العدل فسينفرط عقد الأسرة!
فالمرأة مثلا اذا ارادت ان تتعامل مع زوجها بـ(العدل) فقط مجرداً عن (الإحسان) و(الفضل) مستندة إلى ان الطبخ غير واجب عليها وان ارضاع الطفل غير واجب عليها ايضا إلى غير ذلك من الامور – وكلها حق – ولكن ألا يتحول العش الزوجي حينئذٍ إلى مجرد جماد بارد لا حب فيه ولا حرارة ولا دفء؟ بل ألا يتحول البيت إلى ساحة للتشنج والصراع والنزاع والفوضى أيضاً.
كما ان الزوج ايضا إذا تعامل بهذا المنطق واحتج بانه لا يجب عليه ان يأتي أهله الا كل أربعة أشهر كما هو المشهور، ولم يقم بالإنفاق عليها الا بمقدار النفقة الواجبة من مأكل وملبس ومسكن مع قدرته على الأكثر وعلى التوسعة على العيال، أفلا تتحطم الاسرة حينئذٍ؟
والمعادلة هي هي في الدولة وسائر التجمعات الصغيرة او الكبيرة؛ فان العدل بدون الإحسان والفضل لا ينتج في كثير من الأحيان الهدوء والمحبة بل قد ينتج كثيراً مما لا تحمد عقباه! ولذا قال تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)([26]) و(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)([27]) و(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)([28])
حِلم السيد ابو الحسن الاصفهاني، الغريب النادر!
ينقل احد العلماء: كنت جالسا بقرب التل الزينبي في كربلاء المقدسة وكان يجلس الى جانبي شخص، بعد برهة خرج السيد ابو الحسن الاصفهاني من الحرم الحسيني الشريف ومعه لفيف من الأفاضل، وهو يومئذ مرجع الأمة فلما قرب منا قال صاحبي: سأذهب الى السيد الاصفهاني واشتمه شتيمة لم يسمع بمثلها قط.
فنصحته مرارا فلم ينفع فانطلق نحو السيد فلما وصل إليه بدأ يسبه ويلعنه ويشتمه ويرميه بسهام جارحة جداً واستمر يمشي معه وهو يسبه، الا ان السيد بقي ساكتا ولم ينهره بل ومنع الاخرين الذين معه ان يردوا عليه.. واستمرت شتائم الرجل للسيد الى ان وصل الى باب بيته، وهناك التفت هذا المرجع العظيم إليه وقال له: اصبر قليلا ريثما ادخل البيت وأعود إليك لأعطيك ما يفرج كربتك!
ثم دخل السيد البيت وعاد اليه واعطاه مظروفاً منتفخاً بالأموال وقال له: انا اعلم انك محتاج وقد اثارت الحاجة أعصابك وهذه هدية بسيطة وكلما طرأت عليك حاجة اقصدنا وستجد ما يسرّك ان شاء الله ولا حاجة لأن تراجع غيري؛ اذ لعله يريق ماء وجهك من دون ان يعطيك ما تحتاج!
لكن لي اليك حاجة واحدة! وهي ان شئت ان تسبني فافعل ما بدا لك ولكن لا تشتم عرضي رجاءً فهذه حاجتي إليك!
يقول الراوي للقصة: رجع الرجل باكيا نادما على ما صنع مع هذا السيد الجليل (رحمه الله) وعلى ما وجده من سعة صدره وجميل احسانه!!
الإحسان درجة فوق العدل
ذلك هو مظهر من مظاهر الاحسان، وهو منهج الانبياء والصالحين، واذا كان الإحسان هو سيد أعمالنا بالفعل فان الأمة الإسلامية ستتحول حينئذٍ الى امة مثالية شامخة مقتدرة عزيزة لا تضاهيها امة اخرى.
ان العدل اساس الملك بالمعنى الذي يقابل الظلم لا بالمعنى المقابل للإحسان، وللاحسان عليه درجة، وعلى الحاكم ان يعفو في كثير من الاحيان لرأب الصدع، وتهدأة النفوس وحفظا لكيان الأمة من التمزق، ومن هنا قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)([29]) وقال تعالى: (خُذْ الْعَفْوَ) على احدى تفسيراته و(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) و(أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ).
وعوداً إلى الآية الأولى: لم يقل تعالى ان الله يأمر بالعدل وحسب!! بل اللطيف ان الله يأمر ـ ومادة الأمر ظاهرة في الوجوب إن لم تكن نصاً فيه ـ بالإحسان بعد العدل، فالإحسان واجب في الجملة على ما ذهب إليه السيد الوالد (قدس سره) في الفقه الواجبات والمحرمات.
البصيرة الثالثة: خصائص (الأمة في الأمة)
ومن أبرز مصاديق (الأمة في الأمة) هي الحوزة العلمية قال تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)([30]) فان هذا هو عمل الحوزة العلمية الأساسي وهو: التفقه في الدين والإنذار للناس، فلا بد من دراسة خصائص (الأمة في الأمة) على ضوء الآيات والروايات والعقل، فنقول:
التناسب العددي بين (الأمة في الأمة) و(الأمة الواحدة)
ان من أهم مواصفات (الأمة في الأمة) التي تشكل الحوزة العلمية مصداقها الأبرز هو التناسب العددي بين (الامة في الامة) وبين (الامة الواحدة) وذلك لأنه يجب ان يكون عدد (الامة في الامة) مناسبا لتعداد الامة الواحدة الكبيرة، ولكننا نرى الآن هذا التوازن مختلاً تماما!
وحيث ان الأشياء تعرف بأشباهها كما تعرف بأضدادها فمن الضروري ان نعقد بعض المقارنات التي سنكتشف منها ان هناك بونا شاسعا بين ما ينبغي ان يكون وبين ما هو كائن أي الواقع الخارجي فان تعداد طلاب وأساتذة الحوزة العلمية في النجف الاشرف قد يصل الى (10) الاف رجل دين وعالم([31])، مع أنهم ينبغي ان تكون بهم الكفاية في الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فانهم أطباء الأرواح، وأمراض الأرواح أخطر من أمراض الأجساد، وحيث كانت الأشياء تعرف بأشباهها – كما سبق - فلنلاحظ عدد الاطباء في بعض البلاد:
من احصاءات الاطباء وأعدادهم
ففي مصر وحسب احصاء بعض النقابات: يوجد 220 ألف طبيب داخل البلاد (أي داخل مصر)، ومثل هذا العدد في موجود في الخارج.
واما في امريكا: فحسب احصاء 2013م فان عدد الاطباء فيها بلغ (767) الف طبيب وهو احصاء معتبر صادر عن اتحاد كليات الطب الأمريكية.
وفي كلا البلدين فان التناسب في الجملة متحقق لان عدد الاطباء يتناسب مع حاجة البلدين([32]) اليهم بما يقارب 1/ 400 أي طبيباً واحداً لكل أربعمائة شخص أو أقل أو أكثر.
مقارنة بين الحاجة إلى أطباء الأجساد وأطباء الأرواح
لكنّ الحاجة الى أطباء الأرواح اكبر لان طبيب البدن يراجع عند الحاجة الضرورية الا ان الفقهاء والعلماء تكون المراجعة اليهم باستمرار وبكثافة أكثر جداً وذلك لكثرة المسائل العقدية والشرعية المبتلى بها في مختلف الابعاد اذ تعرض للطالب الجامعي الكثير من الشبهات والأسئلة والهموم وكذا التاجر والطبيب والمهندس والبائع وغير ذلك.
ولو تنزلنا وقلنا بالمساواة أي ان الحاجة هي الى أطباء الارواح والابدان هي بحد متساو، فاننا مع ذلك نجد ان لغة الأرقام تظهر ان هناك فرقا شاسعا بين العدد الذي يحتاجه الناس من رجال الدين والعدد الذي يحتاجونه من الأطباء!
العراق وحده بحاجة إلى 66 ألف عالم!
بل لقد جاء في دراسة إحصائية ان الحاجة الى رجال الكنيسة هي بنسبة: 1/200 أي لكل 200 مسيحي يجب ان يكون قس واحد يهتم بشؤونهم ويقوم بتوجيههم وقيادتهم.
ولو تنزلنا وقلنا ان النسبة الضرورية هي: 1/500 أي لكل شخص رجل دين واحد فسوف يحتاج العراق (33 مليون) لوحده الى (66) الف رجل دين!!
وبنفس النسبة لو كان عدد المسلمين في العالم ملياران فانهم يحتاجون حينئذٍ إلى (4) ملايين رجل دين!!
كما ان عدد المسيحين يقرب من الملياري نسمة، واذا اردنا إرشادهم للإسلام فسوف نحتاج الى (4) ملايين مبلغ ايضا!
فيكون الاحتياج الفعلي هو (8) ملايين رجل دين وعالم للمسلمين والمسيحيين فقط، ناهيك عن الهندوس والسيخ والكفار واللادينيين الجدد وغيرهم الذين لا بد من دعوتهم وهدايتهم وإرشادهم.
من ذلك كله نكتشف انه لا تناسب عددي بين (الأمة في الأمة) و(الأمة) ومع ذلك تجد اننا باقون على نفس طريقنا السابقة في التفكير والدعوة.
ويكفي ان نعرف أخيراً: انه وحسب الاحصاء ايضا: في مصر يتخرج (10) الاف طبيب جديد سنويا!! كما جاء في إحصاء لوزارة الصحة العراقية ان عدد الأطباء الذين هاجروا من العراق منذ عام 2003م بلغ حوالي العشرة آلاف طبيب! نعم شككت لجنة الصحة والبيئة النيابية في الرقم.
من احصاءات المحامين وأعدادهم
في اروبا هناك (400) الف محامي، أما في مصر فان عدد المحامين المسجلين رسميا هو (500) الف محامي! بينما قال نقيب الأطباء ان عدد المحامين في مصر وصل إلى 730 ألفاً!
فاين المحامون عن الدين؟
اذن ينبغي ان يكون هناك تناسب بين الامة في الامة وبين الامة الواحدة، واذا استنطقنا لغة الأرقام فسنكتشف اننا مقصرون حقا
مقارنة نادرة بين الحوزة وبين المتخرجين!
كانت المقارنة السابقة بين طلاب الحوزة وبين الأطباء والمحامين المتخرجين من الجامعات الأكاديمية.
لكن الصحيح ان تعقد المقارنة بين خرجي الحوزة وبين خريجي الأكاديمية؛ لان الأغلب في الحوزة العلمية طلاب هم لازالوا لم يتخرجوا بعد اذا صح التعبير.
وسوف نذهل عند ملاحظة الاعداد الهائلة لطلاب الجامعات الاكاديمية المختلفة، وسوف نستعرض هنا عينة صغيرة من بعض الدول، والا فالجامعات في العالم تصل الى ألاف الجامعات وفيها عشرات الملايين بل أكثر من ذلك بكثير([33]).
ففي (الجامعة الحديثة للإنسانيات) التي تأسس في موسكو عام 1992م بلغ عدد الطلاب 140 الف طالب، وهي جامعة حكومية.
جامعة (نورث دو بارنا) في البرازيل بلغ عدد الطلاب 130 الف طالب رغم انها جامعة خاصة!
وفي جامعة (سان كارلوس) غواتيمالا 124 الف طالب.
وفي المركز الوطني للتعليم عن بعد في فرنسا بلغ عددهم 120 الف طالب.
وفي جامعة كراتشي التي تأسست عام 1951م بلغ عدد الطلاب 174 الف طالب.
في جامعة عين شمس في مصر التي تأسست 1950م يبلغ عدد الطلاب 170 الف طالب.
في المعهد (البوليتكنيك الوطني) في مدينة مكسيكو بالمكسيك يوجد: 166،768 الف طالب.
أرقام أخرى أكبر:
وفي جامعة (غاو تينج) في جنوب افريقيا بلغ عدد الطلاب: 300،221 الف طالب!.
في جامعة كوريا الوطنية المفتوحة 210،978 طالب.
وفي جامعة كاليفورنيا في امريكا 209،080طالب
وفي الجامعة العثمانية في حيدر أباد في الهند التي تأسست عام 1918 بلغ عدد الطلاب 300،000 طالب.
وفي جامعة مدينة نيويورك فان عدد الطلاب هو 269،114.
وفي الجامعة الوطنية للتعليم عن بعد في اسبانيا، يبلغ عدد الطلاب 260،079 طالب.
وفي جامعة ولاية نيويورك 467،845 طالب
وفي جامعة البنجاب فى لاهور في باكستان التي تأسست 1882م 450،000 طالب
في جامعة دلهي في الهند 400،000 طالب.
أرقام أكبر فأكبر!
في جامعة العلامة اقبال المفتوحة في إسلام اباد في الباكستان (اسست سنة 1974م) بلغ عدد الطلاب فيها 1،326،948 طالب!
وفي جامعة الاناضول أسكي شهر في تركيا 1،374،343 طالب.
في جامعة (بيام نور) في طهران 818،150 طالب.
وفي جامعة آزاد الإسلامية بطهران بلغ عدد الطلاب 1.900.000.
وفوق ذلك كله: في جامعة انديرا غاندي الوطنية المفتوحة في دلهي في الهند (اسست 1985م) بلغ عدد الطلاب فيها 3.500،000 طالب (ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف طالب)!!
استنتاج واستنهاض
من خلال هذه الأرقام الكبيرة في استعداد الآخرين وإعدادهم في المجالات المادية والدنيوية والإنسانية، يمكننا التعرف على مدى حاجة حوزاتنا ومدارسنا الدينية إلى التطوير والترشيد في (البعد الكمي) لتتناسب مع حجم التحديات ومع حجم الحاجات الملحة.
ومن هنا نجد ان الغرب ثم الحكومات، هو (وهي) من يقود الحياة لان لديه (ولديها) اعداد ضخمة من الناحية الكمية ([34]) من صنّاع الحياة المدنية ومن الذين إذا تخرجوا أمسكوا بمقدرات البلاد طوعاً أو كرهاً، ومن الواضح ان للكمية – فكيف إذا أضيفت لها الكيفية – كلمة فصلاً في عالم الدنيا، اللهم إلا بحدود معينة ولذا قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)([35]).
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
اضف تعليق