إسلاميات - القرآن الكريم

قواعد مفتاحية لمعالجة الكآبة والإحباط والأحزان والأمراض النفسية

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.. (3)

التزود بجرعات السعادة على مدار الأيام بل والساعات بل والدقائق كلما تيسر..، فكما أن الإنسان قد يأكل العسل على شكل جرعات ملعقةً ملعقةً فيستشعر النشاط والقوة والصحة والعافية، كذلك جرعات السعادة تمنحه ذلك كله وأكثر إذ تملأ نفسه تفاؤلاً وطاقة وحيوية وهناءً.. ذلك ان جرعات السعادة تكافح أولاً...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيدنا محمد وأهل بيته الطاهرين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

قال الله العظيم في كتابه الكريم: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[1]، وقال جل اسمه: (الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[2].

وهاتان الآيات تستنبط منهما قواعد كثيرة قد نتطرق لها لاحقاً، لكن موطن الشاهد الآن هو إحدى أهم قواعد علم النفس التي يمكن أن تستلهم[3] من الآيتين الكريمتين، وهي قاعدة (جُرُعات السعادة) كما سيظهر.

موجات الكآبة والقلق و... في العالم في تزايد

وتمهيداً لذلك نقول: لا شك ان موجات الاكتئاب والإحباط واليأس والقلق والأمراض النفسية في العالم في تزايد.. بل ان أعداد المصابين بالجلطات في المخ والقلب في ازدياد مستمر، ومن المعلوم كما يقول العلماء: إن السكتة تنطوي على خطر وفاةٍ عالٍ، والناجون يمكن أن يعانوا من فقد الرؤية و/أو الكلام، ومن الشلل والتخليط؛ ويعاني 15 مليون شخص في العالم من السكتة سنوياً، 5 ملايين منهم يموتون، و5 ملايين آخرين يبقون عاجزين بشكل دائم، مما يضع عبئاً على الأسرة والمجتمع. السكتة غير شائعة لدى الأشخاص دون سن 40 سنة، وعندما تحدث فإن السبب الرئيسي هو ارتفاع ضغط الدم[4].

وهذا الإحصاء إحصاء قديم وستُظهر الإحصاءات الحديثة أرقاماً أعلى كما سيأتي.

كما أفاد استشاري المخ والأعصاب رئيس جمعية الإمارات لطب الأعصاب، انه تظهر الإحصاءات إصابة شخص إلى شخصين في الدولة بجلطات دماغية كل ساعة... وذكر أن نمط الحياة الخاطئ يعتبر أبرز مسببات الجلطات الدماغية، إلى جانب ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وأمراض القلب والشرايين، إضافة إلى التدخين والسمنة، ويعاني من هذه الأمراض أعداد كبيرة في الدولة[5].

بل يرجح تقرير جديد أن يرتفع عدد الوفيات جرّاء السكتة الدماغية في جميع أنحاء العالم بنسبة 50% بحلول عام 2050، إذا لم تتخذ إجراءات مهمة للحد من انتشار السكتة الدماغية وعوامل الخطر المرتبطة بها.

وصدر التقرير الجديد عن المنظمة العالمية للسكتة الدماغية، ولجنة لانسيت لطب الأعصاب، وهي مجموعة جديدة تم تشكيلها للتنبؤ بالآثار الوبائية والاقتصادية للحالة.

وتعد السكتة الدماغية السبب الرئيسي الثاني للوفاة حول العالم، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، إذ تسببت بوفاة 6.6 مليون شخص في عام 2020. ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 9.7 مليون في عام 2050، وفقًا للتقرير[6].

ومن الواضح ان واحداً من أهم عوامل جلطات المخ هو القلق والتوتر والأحزان المتوالية والكآبة المستمكنة.

مفاتيح السعادة

وهنا نتوقف قليلاً لكي نستعرض مجموعة من القواعد المفتاحية الأساسية التي تتكفل بحل هذه المعضلة العالمية المستعصية فنقول:

أولاً: قاعدة جرعات السعادة

القاعدة الأولى: والمفتاح الأول هو: التزود بجرعات السعادة على مدار الأيام بل والساعات بل والدقائق كلما تيسر..، فكما أن الإنسان قد يأكل العسل على شكل جرعات ملعقةً ملعقةً فيستشعر النشاط والقوة والصحة والعافية، كذلك جرعات السعادة تمنحه ذلك كله وأكثر إذ تملأ نفسه تفاؤلاً وطاقة وحيوية وهناءً.. ذلك ان جرعات السعادة تكافح أولاً عوامل الكآبة والقلق واليأس والإحباط والتي تعد أهم مسببات الجلطات الدماغية والقلبية ثم انها تشحن الذهن والعقل بطاقة حيوية بنّاءة وفاعلة.

وقد ذكر بعض العلماء ان الجلطة قد تقع دفعة، وذلك فيما إذا تعرّض المرء إلى صدمة نفسية قوية جداً دفعة واحدة، كما لو سمع فجأة نبأ قتل أعز أولاده أو جميع أهل بيته فإن بعض الناس قد يتحمل ذلك لكن بعضهم لا يتحمل، لكن هذا النوع من الجلطات هو الأقل، أما النوع الأكثر فهو الجلطات التي تحدث على أثر تراكم تدريجي للمآت من دواعي القلق والإحباط، والصدمات الجزئية والصغيرة، التي لا تهدم أية واحدة منها صحة الإنسان النفسية والجسمية ولا تعرضه للخطر، لكنها بتراكمها طوال سنين، وقد تكون عشرة أو عشرين أو ثلاثين سنة، تكون هي السبب في حدوث الجلطة؛ إذ تعمل على تخثّر الدم تدريجياً مسببّة انسداداً تدريجياً لشرايين المخ أو القلب، وعلى هذا قد تكون عشرة آلاف حادثة صغيرة أو متوسطة متوزعة على امتداد عشر سنوات مثلاً، من فشل في امتحان مدرسي أو في مشروع مالي أو تنمّر هذا أو ذاك على الإنسان أو سماع شتائم من هذا أو ذاك وهكذا..، قد تكون بمجموعها هي السبب في توتر أعصاب الإنسان على طول الخط وفي سوء خلقه وحزنه الدائم أو شبه الدائم وفي شعوره، في نوبات متقاربة أو متباعدة باليأس والإحباط مشكِّلةً بذلك كله العامل الحاسم في إصابته في نهاية المطاف بالجلطة الدماغية.. ذلك ان تراكم تلك المصائب يضعف مناعته بشكل خطير على المستوى الشخصي، كما انه يسبب، على المستوى الاجتماعي، توتّر علاقته بالآخرين: بأسرته وزملائه ورؤسائه وجيرانه وغيرهم والذي يزيد، بدوره، الأمر اعضالاً ويحفز بواعث الحزن والقلق والكآبة أكثر فأكثر.

ألوان وأنواع من جرعات السعادة

وهنا تبرز بوضوح أهمية (جُرُعات السعادة)، التي تعمل بالضد تماماً من عوامل التعاسة، وجرعات السعادة التي على كل منا أن يتناولها باستمرار وأن يمارسها دوماً على أنواع كثيرة نشير إلى عدد منها:

1- إنفاق العلم..

2- إنفاق المال..

وكلاهما يشكّل الإجابة على سؤال يطرحه الكثيرون عن سرّ طول عمر مراجع التقليد وكثير من العلماء وكثير من الناس؟ والإجابة السريعة والسهلة هي: ان من الأسرار جرعات السعادة، ذلك أن مرجع التقليد والعالم ينفق من علمه على الناس.. فإنّ جواب المسألة إنفاق.. كما ان التدريس إنفاق.. والتأليف إنفاق.. واللقاء بالناس ومنحهم المشورة إنفاق.. وكل تلك الأمور تشكل جرعات سعادة صحية وآمنة وفاعلة، إذ يستشعر الإنسان عند كل عطاء علمي – معرفي – أخلاقي، الرضا والطمأنينة إذ يجد انه قد قدّم للناس شيئاً مفيداً.. كما اننا نرى العكس صادقاً أيضاً: فلو سألك شخص سؤالاً أمام الناس فعجزت عن الإجابة.. ألا تستشعر المهانة والتعاسة والذل، بدرجة ما؟، والعكس بالعكس: فكلما قدم الأستاذ درساً مفيداً أو مشورة نافعة أو أصلح بين إثنين قام القلب بعملية إنتاج لهرمون الأوكسيتوسين وهو المعروف بهرمون الحب أو هرمون السعادة فيحس الإنسان حينئذٍ عن نفسه بالرضا ويستشعر الفرح والسرور والبهجة.. وتراكم الرضا عبر الجواب على ألوف المسائل وتقديم ألوف الاستشارات، يمنح المرء حصانة، أمام عوامل الكآبة وبواعث الحزن والقلق والاضطراب..

وكذلك حال الطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم فإنهم لو قدّموا خدمات مجانية لـ (20%) من المراجعين المعوزين مثلاً فإن ذلك يمنحهم الرضا والسكينة التي تحافظ على توازنهم النفسي فيكونون أبعد ما يكون عن الانهيار أمام عوامل التعاسة والشقاء. وكذلك الحال في إنفاق الأموال..

قانون نيوتن الفيزياوي الثالث

ولنا أن نستعين بقانون نيوتن الفيزيائي الثالث، بعد تكييفه سيكولوجياً وميتافيزيقياً، وكما يقول الباحثون فإنه يُعرف قانون نيوتن الثالث بالإنجليزية :Newton's Third Law Of Motion، باسم قانون الفعل ورد الفعل، وينص على أنه "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار، ومعاكس له في الاتجاه"، ويعد قانون نيوتن الثالث من أكثر القوانين التي تُطبّق في جميع جوانب الحياة المختلفة[7]،[8]،[9].

ومن الأمثلة على ذلك:

- إطلاق صاروخ: فإنه عندما يتم حرق الوقود داخل الصاروخ، فإن الغازات الناتجة تُدفع بقوة نحو الأسفل (الفعل)، مما يجعل الصاروخ يرتفع نحو الأعلى بقوة مساوية (رد الفعل).

- السير على الأرض: فعندما تمشي، تدفع قدماك الأرض إلى الخلف (الفعل)، والأرض تدفع جسمك إلى الأمام بقوة مساوية ومعاكسة (رد الفعل).

- البالون: فعندما تطلق الهواء من بالون، يتحرك البالون في الاتجاه المعاكس لتدفق الهواء الخارج.

- يسبح السمك في الماء مؤثرًا على المياه بقوة معينة باستخدام زعانفه؛ مما يؤدي إلى توليد قوة رد فعل من المياه على جسم السمكة مساويةً لقوة الزعانف لكن مُعاكسة في الاتجاه، مما يؤدي إلى دفع السمكة للأمام في المياه، وكذلك سباحة الإنسان في البحر الذي يستخدم اليدين بدلًا من الزعانف في نفس الآلية مما يؤدي إلى دفعه للأمام.

وتطير طائرة الهليكوبتر دافعةً الهواء للأسفل بمقدار قوة معين مما يؤدي إلى تأثير الهواء عليها بقوة رد فعل بنفس مقدار قوة دفعها للهواء ولكن للأعلى.

كما تدفع العصافير الهواء للخلف بواسطة أجنحتها عند طيرانها في السماء؛ مما يؤدي إلى دفع الطائر للأمام كقوة رد فعل من الهواء.

كما يرتد الشريط المطاطي عند سحبه بنفس مقدار القوة المؤثرة عليه، لكن بعكس الاتجاه[10]،[11].

تكييف القانون الثالث، سيكولوجياً وميتافيزيقياً

ويمكننا تكييف هذه القاعدة الفيزياوية، سيكولوجياً وميتافيزيقياً، وحينئذٍ سنجد أن تطوراً كبيراً سيحصل لها، إذ ان القانون الفيزياوي يشير إلى أن رد الفعل والقوة المعاكسة ستكون بنفس قوة الفعل والقوة الدافعة (لكن عكس الاتجاه) لكنها غيبياً وسيكولوجياً قد تكون القوة المعاكسة ورد الفعل أقوى بكثير من الفعل، وربما حتى مآت الأضعاف، كما سيظهر.

تعطي مالاً وعلماً وتكسب في المقابل السعادة

وذلك يظهر بوضوح في إنفاق الأموال وإنفاق العلم وكذا جميع أنواع الإنفاق الآتية: فإن الذي ينفق كمية من الأموال على فقير أو يتيم أو على مسجد أو مدرسة أو حسينية أو ميتم، فإن مشابِه قانون نيوتن ينطبق عليه فوراً إذ انه عندما يخرج من جيبه درهماً ويناوله للفقير فإن الفعل هو حركة الإخراج الممتدة منه إلى الفقير، ولكنه في الاتجاه المقابل يكتسب شيئاً أهم بكثير مما أنفقه وهو السعادة.. وتلك لذة كبرى يحرم منها البخلاء وينعم بها الكرماء وكل من ينفق شيئاً إذ يستشعر المنفق بنفس نسبة إنفاقه الرضا عن نفسه والهدوء والطمأنينة والسعادة، حتى مع قطع النظر عن الثواب الكبير والأجر العظيم..

ولذلك فإن الذين يواصلون مسيرة الإنفاق على طول الخط هم أبعد الناس عن الكآبة ذلك انهم يتزودون بجرعات السعادة على امتداد الزمن (إلا لو تناولوا جرعات التعاسة بكميات أكبر، كما لو كانوا فرضاً سيئي الخلق بدرجة عليا أو قاطعين للرحم لا سمح الله) ولذلك فإن من المستحب أن ينفق الإنسان في الليل والنهار جميعاً وفي السر والعلن جميعاً، وذلك قد يكون وجهاً من وجوه قوله تعالى: (الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فإن الليل والنهار يشكلان أجلى تقلبات الأزمان، والسر والعلانية يشكلان حدين لتقلبات حالات الإنسان من ظاهر وباطن وبينهما درجات كثيرة.

وقد ورد في الحديث عن ابن عباس قال: «نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَأَنْفَقَ بِاللَّيْلِ دِرْهَماً وَبِالنَّهَارِ دِرْهَماً سِرّاً وَعَلَانِيَةً»[12]، وهذا يعني انه (عليه السلام) أنفق كل ما يملك إذ كانت له أربعة دراهم فقط، ولا شك انه (عليه السلام) المصداق الأجلى، وان كل واحد منّا يمكنه بقدرٍ أن يغترف من بحر العطاء الإلهي الواسع الزخار.

من أسرار عطاء الناس المذهل في أيام الأربعين

وفي شاهد بارز ملفت نجد الكثير الكثير الكثير جداً من الناس، من فقراء ومستضعفين يجمعون طوال السنة الدرهم فوق الدرهم والدينار فوق الدينار.. هم وأزواجهم وأولادهم.. ويدّخرونها كي ينفقونها طوال أيام الأربعين، على مدار عدة أيام، على الزوار.. على شكل إطعام وإسكان وشتى ألوان الخدمات.. أفترى أن أحداً أجبرهم على ذلك؟ كلا.. ثم كلا؟ أو: افترى انهم يحسون بضيق من ذلك وضغط؟ كلا.. ثم كلا.. بل انهم يستشعرون الفرح والسرور والبهجة والحبور مع كل دينار يدخرونه ثم ينفقونه ولذلك تجدهم، رجالاً ونساءً أطفالاً وشيوخاً، يبتهجون أي ابتهاج بل ويفتخرون أي فخر بخدمة هذا الزائر وذاك.. والمعادلة بسيطة وقوية وفاعلة: انهم يعطون ديناراً ويكسبون في المقابل سعادة وأجراً وفوق ذلك يكسبون عند الله تعالى مقاماً ومن أهل البيت صلوات الله عليهم رضاً ومن المؤمنين محبة، كما يكسبون تماسك الأسرة وتوادها وتعاضدها.. ومن هنا نعلم انه كم يخطئ من يخطّىُ هؤلاء الناس أو من يدّعي حرقة القلب عليهم!

3- إنفاق الابتسامات.. وقد ورد في الحديث «تَبَسُّمُ‏ الرَّجُلِ‏ فِي‏ وَجْهِ‏ أَخِيهِ حَسَنَةٌ، وَصَرْفُ الْقَذَى عَنْهُ حَسَنَةٌ» بل والأكثر من ذلك والأغرب: «وَمَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ»[13]، والذي يعني ان الصلاة المستحبة لمدة سبعين سنة مثلاً في كفّة وإدخال السرور على المؤمن في كفّة، والأخيرة راجحة، وكذا الصوم المستحب والحج المستحب و... في طرف وإدخال السرور في طرف.

فإذا اتخذ الإنسان الابتسامة عنوانا لحياته وواجهة لوجهه.. مع أهله وزوجته وأولاده.. ومع أصدقائه وحتى مع منافسيه ومع أعدائه.. فإنه سيكون أول الرابحين إذ انه ينفق ابتسامة وفي المقابل يكسب السعادة.. وكما سبق فإن الابتسامة تبعث القلب على إفراز هرمون الأوكسيتوسين المسمى بهرمون السعادة وهرمون الحب.. وبذلك يزداد سعادة على سعادة.. ومن هنا ورد «الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ‏ فِي‏ وَجْهِهِ‏، وَحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ»[14].

ولذا فإن من أفضل ما ننصح به كل من يرجع من عمله إلى البيت وهو مثقل بهموم العمل ومشاكله.. انه عندما يصل إلى باب الدار فليقف لحظة واحدة ويتنفس بعمق.. ثم يضع همومه كلها بخارج المنزل (كي يسرقها لص مثلاً!) وليرسم ابتسامة واسعة صادقة على وجهه، عرفاناً بجميل صنع الله به إن رزقه بيتاً يأوي إليه وأسرة.. إلخ، ثم يدخل البيت بروح منشرحة وابتسامة متألقة ويسلم على الجميع بحرارة.. وهنا سيجد بوضوح انه تنتقل منه البهجة إلى أسرته.. فترتد منهم عليه ببهجة مضاعفة.. فينعمون جميعاً بالسعادة المضاعفة حينئذٍ، وذلك على العكس ممن يدخل البيت بوجه مكفهر فإنه يزيد الأجواء توتراً والمشكلة إعضالاً ويحرم نفسه من لذة السعادة والهناء قبل أن يحرم زوجته وأولاده منها.

إذا أحسنت ضاعف الله لك كل أعمالك الصالحة!

ومن أغرب الروايات التي تشكل أكبر البواعث على العطاء والإحسان والإنفاق ما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إِذَا أَحْسَنَ‏ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ ضَاعَفَ اللَّهُ لَهُ عَمَلَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَبْعَمِائَةِ ضِعْفٍ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَ‏ (وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاء)»[15]، وذلك يعني انك إذا أحييت الليل مثلاً كله بالعبادة لمدة عشر سنين فأثابك الله تعالى به فرضاً مليون قصر.. ولو حججت بيت الله خمسين مرة فأثابك الله تعالى به مليار شجرة وحورية.. ولو بنيت ألف مسجد فأثابك الله تعالى بذلك مثلاً ملايين البيوت والبساتين وغيرها، ثم انك بعد ذلك أحسنت حسنة واحدة، كما لو زوّجت شاباً أو شابة أو أصلحت بين إثنين أو وفّرت فرصة عمل لعاطل عن العمل بل: لو ساعدت زوجتك في المنزل، فإن كل تلك المثوبات والأجور السابقة (الملايين من.. والمليارات من...) سوف تضاعف لك سبعمائة ضعفاً!! وذلك من عظيم كرم الله تعالى وجوده وفضله وكرمه.. وهي من أعظم المحفّزات لكي يُحسِن الإنسان دوماً إلى الناس، مهما تجشّم فرضاً من عناء، فإن له إضافة إلى ذلك الأجر العظيم، المردود الكبير النفسي – السيكولوجي.. إذ يحصل بذلك، خاصة إذا تصور هذا الأجر العظيم، على جرعة كبيرة من السعادة.. وانى للاحباط واليأس والقلق والأمراض النفسية أن تتسلل إليه بعد ذلك!

4- تذكر نِعم الله تعالى.. فإن من المستحب أن يتذكّر الإنسان دوماً نِعم الله تعالى عليه وان يعددها واحدة واحدة.. خاصة إذا حاول مرض أو عدو أو خسارة مالية أن تصيبه بالقلق أو اليأس أو الإحباط أو شبه ذلك.. فعليه أن يجلس بهدوء ويغلق عينيه مثلاً ويتذكر نِعم الله تعالى عليه واحدة واحدة.. فإذا أصيب مثلاً بالديسك والسكر والعمى فرضاً.. فعليه أن يعدد النِعم التي لا يزال يتمتع بها: فهو لم يصب بمرض السرطان، الإيدز، ايبولا، الصمم، الخرف، الزهايمر، الجنون... و... و.. وما يعلمه وما لا يعلمه من الأمراض.. ولا تزال يداه ورجلاه وأصابعهما سالمة، وكذا مخه وقلبه وكبده ورئته وكليته.. إلخ.. بل (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها)[16].

وقد ورد في الروايات الشريفة التالية على سجود الشكر عند تذكر النِعم.. وعلى إطالة السجود.. وعلى تكرار السجود عند تذكر كل نعمة وهذه بعض الروايات:

عن عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ فِي سَفَرٍ يَسِيرُ عَلَى‏ نَاقَةٍ لَهُ‏، إِذَ نَزَلَ فَسَجَدَ خَمْسَ سَجَدَاتٍ، فَلَمَّا أَنْ رَكِبَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا رَأَيْنَاكَ صَنَعْتَ شَيْئاً لَمْ تَصْنَعْهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، اسْتَقْبَلَنِي جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) فَبَشَّرَنِي بِبِشَارَاتٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْراً لِكُلِّ بُشْرَى سَجْدَةً»[17].

وعن هشام بن أحمر قال: «كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) فِي بَعْضِ أَطْرَافِ الْمَدِينَةِ إِذْ ثَنَى رِجْلَهُ‏ عَنْ‏ دَابَّتِهِ‏ فَخَرَّ سَاجِداً، فَأَطَالَ وَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَكِبَ دَابَّتَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قَدْ أَطَلْتَ السُّجُودَ؟! فَقَالَ: إِنَّنِي ذَكَرْتُ نِعْمَةً أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْكُرَ رَبِّي»[18].

وعن يونس بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إِذَا ذَكَرَ أَحَدُكُمْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلَى التُّرَابِ شُكْراً لِلَّهِ، فَإِنْ كَانَ‏ رَاكِباً فَلْيَنْزِلْ‏ فَلْيَضَعْ‏ خَدَّهُ عَلَى التُّرَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى النُّزُولِ لِلشُّهْرَةِ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلَى قَرَبُوسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَضَعْ خَدَّهُ عَلَى كَفِّهِ، ثُمَّ لْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ»[19].

إنّ تذكّر نِعم الله تعالى وتعدادها نوع شكر و(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ)[20] وهو إضافة إلى ذلك، يعدّ من أهم جرعات السعادة بل وفوق ذلك يعد من دواعي رضا الله تعالى فإن الله يحب من عبده الصبر في البلاء والشكر في الرخاء وقد ورد «مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِبَلَاءٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ أَلْفِ شَهِيدٍ»[21].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى، وَالصَّبْرُ زِينَةُ الْبَلْوَى‏»[22].

ثانياً: قاعدة ستمضي هذه أيضاً

القاعدة الثانية: قاعدة (ستمضي هذه أيضاً).. وهي من أهم قواعد علم النفس التي تبعثه في الإنسان الطمأنينة وسكون النفس وتبعد عنه القلق والاضطراب واليأس والإحباط.

قصة الملك وفصّ الخاتم العجيب

وهي مشتقة من قصة تاريخية طريفة، وهي: أن ملكاً من حكماء الملوك أُهدي إليه فُصّ ياقوتٍ ثمين جداً (أو زبرجد أو الماس أو ما أشبه من الأحجار الثمينة) فخطر بباله انه يا حبذا لو يكتشف جملة حكمية – نادرة تحك على الفص ويوضع في خاتم فيلبسه في أصبعه شرط أن تمتلك تلك الجملة الخاصية المذهلة التالية وأن تصنع الأعاجيب: فإذا حزن الملك بشدة فنظر إليها زال حزنه.. وإذا غضب بشدة فنظر إليها زال غضبه.. وإذا ابطرته نعمة الـمُلك وأسكره سلطان القدرة بما يخشى منه أن يظلم رعيته، نظر إليها فزال بطره وسكره.. وهكذا.. وحيث انه عجز عن اكتشاف مثل هذه الجملة ذات المفعول السحري طلب جميع الحكماء والوزراء وعرض عليهم الأمر واستشارهم.. فعجزوا.. حتى قال أحدهم بعد تفكير طويل: لقد اكتشفت الجملة ذات المفعول المذهل فقالوا بانبهار: وما هي؟ قال: اكتبوا عليها (ستنقضي هذه أيضاً)!

والسر في ذلك ان هذه الجملة تعني أن المشاكل تمضي وتنقضي كما العمر يمضي وينقضي وكنهر الزمن السيال.. وانها لن تبقى؛ إذ دوام الحال من المحال.. فأنت في ساعةٍ في شدةٍ ثم في ساعة أخرى في رخاء.. وبالعكس.. وأنت يوماً مريض ثم يوماً سليم.. وبالعكس.. ويوماً ملك وسلطان وقد تفقد ذلك كله يوماً.. فإذا كان ذلك كذلك فلماذا تحزن إذا مرضت والمرض مرتحل؟ ولماذا تبطر إذا ملكت والملك زائل؟.. ولئن استمر المرض أو الصحة والملك والقوة أو الضعف والسجن والأسر وغير ذلك، فرضاً لمدة سنين، فإنه ينقطع حتماً ولو بالموت.. فلِمَ البطر ولِمَ الحزن ولِمَ الغضب والزمان متغير.. والأحوال متقلبة والدنيا كلها زائلة؟ نعم لو كنت تعيش مليارات السنين ويستمر معلك المرض أو الملك كل تلك المليارات من السنين لكان لك أن تحزن بالمرض وتبطر، لو لم تكن حكيماً، بالملك، ولكن الواقع هو انك تعيش، غاية الأمر، مائة سنة مثلاً ثم (إما إلى جنةٍ.. إما إلى نارٍ).

فستنقضي هذه أيضاً.. أليس كذلك؟ والمرء إذا كرّس هذا المفهوم في ذهنه، لما أثّر عليه تقلّب الأحوال إلا قليلاً جداً ولربما لم يؤثر عليه أصلاً إذا كانت قناعته بهذه القاعدة قوية جداً.

كان يمتلك 14 مليار دولاراً.. ثم مات.. ثم...

ومن أروع القصص المعبرة عن سرعة مضي الزمن وقاعدة (ستمضي هذه أيضاً) ان أحد كبار الأثرياء في دولة عربية كان يمتلك 14 مليار دولار (وهو رقم خيالي لا يراه أكثر البشر حتى في الأحلام!) ومن شدة ثرائه وبطره كان قد أوصى بصناعة سيارة من الذهب الخالص (لا للاستخدام، بل كديكور في ساحة قصره، وللتفاخر) فلو فرضنا ان وزن السيارة طنّان (الفا كيلو) وفرضنا أن كيلو الذهب يساوي خمسين ألف دولار (ولعله الآن يقارب ثمانين ألف دولار) فهذا يعني أن السيارة كانت تسوى بمفردها مائة مليون دولار! (وقيل انه هو، أو تاجر آخر، كان من بطره قد أمر بصناعة احدى حمامات منزله أي أرضية دورة المياه[23] من الذهب..!!) ثم مات.. فكتب أحدهم على قبره الافتراضي (أنا فلان.. كنت أمتلك 14 مليار دولاراً وكذا وكذا من المقتنيات.. ثم هاأنا ذا، كما ترون، تحت التراب ولم اصطحب معي منها حتى دولاراً واحداً..! (أقول: ولو اصطحب معه أمواله كلها لما نفعته بل كانت عليه وبالاً).

والسؤال هو: ألم تمض أيام ثرائه! لقد مضت ولم يبق ولا تبقى إلا أوزار أعماله!.

ثالثاً: قاعدة التجاهل والتغافل

القاعدة الثالثة: قاعدة التجاهل والتغافل والتناسي، وهي من أهم القواعد الذهبية التي تكفل للإنسان راحة البال وتحرّره من التوتر ومن ثقل الضغوط النفسية المختلفة.. ولنضرب لذلك بعضاً من الأمثلة المهمة من صفحات حياتنا اليومية:

إذا أهانك أحدهم، فتغافل!

أ- فلو سبّك أحدهم أو أهانك أو أثار موجة من الكلام العاصف ضدك، فانك إذا تفاعلتَ مع الحدث، وحسبت له ألف حساب، توترت أعصابك بشدة وتملّكك شعور قوي بالغضب واعتصر قلبك الحزن والأسى.. ولربما دفعك ذلك إلى سلسلة من ردود الأفعال السلبية التي تستدعي بدورها من الطرف الآخر أفعالاً عنيفة.. وسوف تتدحرج الكرة، كرة العداوة والعداوة المضادة والفعل ورد الفعل، وتكبر.. وتكبر أكثر فأكثر.. ولا تكسب من ذلك إلا مزيداً من الآلام والتوتر والضغوط النفسية، بل انك سوف تخسر كثيراً من المكانة والسمعة؛ إذ كلما استمر النزاع والصراع فقد الطرفان مصداقيتهما لدى الأطراف الأخرى غير المتورطة في الصراع، وعلى العكس من ذلك: لو انك تجاهلت إهانته لك.. بل وحاولت نسيانها.. فإنك بالتمرين ستصل عبر جسر التناسي إلى شاطئ النسيان وسوف يؤدي بك التحلّم إلى الـحِلم ولذا ورد «إِذَا لَمْ‏ تَكُنْ‏ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ»[24]، ولذا قال الشاعر:

ولقد أمرُّ على اللئيمِ يسُبُّني --- فمَضَيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يعنيني

وقد كانت هذه واحدة من أهم وصايا السيد الأستاذ الوالد (قدس سره) لي ولغيري: التجاهل والتغافل. ولقد أوصيت الكثيرين بذلك، فمن اذعن والتزم فإنه وإن عانى في البدء من بعض الصعوبة إذ ما أصعب التغافل والتجاهل، لكنه بمرور الزمن اعتاد على ذلك.. والمهم انه عاش حياة هانئة إذ لم يعد سباب الآخرين يشغل باله أبداً، بل وَكَلَهم إلى الله تعالى.

والرائع في الأمر ان ذلك كان له الأثر الإيجابي على الطرف الآخر.. فأقلع أكثرهم عن معاداته وسبابه أو إهانته.. وفترت فورة بعضهم وضعف أثره، وربما بقي النادر على حاله، لكنه نادر حقاً.

وإذا هاجمتك الوسوسة، فتجاهل

ب- ولو ابتليت بالوسوسة فأهملها تماماً وتجاهلها حتماً.. وهو أسلوب فعال جداً.. لأن من يبتلى بالوسوسة في الصلاة أو الطهارة أو غيرها لا يتيسر له عادة التخلص منها إذ انه كلما فكر أكثر تأكد أكثر من نجاسة المكان! والحل هو بأن تخرج رأساً من ملعب الشيطان وذلك عبر التجاهل والتغافل وصرف الذهن عن التفكير في الأمر والبناء على حكم الشرع.. وبذلك تنتصر على الشيطان.. ذلك ان الشيطان إن ناقشته فإنه سيكون، مادامت نفسك متلوثة بمرض الوسوسة، أقوى منك في النقاش وسيقهرك حينئذٍ.. فالحل: أن تخرج من ملعبه تماماً وتطوي الصفحة تماماً.. وهذا ما أشارت إليه الرواية التالية: فعن زرارة وأبي بصير قالا:

«قُلْنَا لَهُ‏ الرَّجُلُ يَشُكُّ كَثِيراً فِي صَلَاتِهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى وَلَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، قَالَ: يُعِيدُ،

قُلْنَا لَهُ: فَإِنَّهُ يَكْثُرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلَّمَا عَادَ شَكَّ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي شَكِّهِ.

ثُمَّ قَالَ: لَا تُعَوِّدُوا الْخَبِيثَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ بِنَقْضِ الصَّلَاةِ فَتُطْمِعُوهُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ خَبِيثٌ يَعْتَادُ لِمَا عُوِّدَ، فَلْيَمْضِ أَحَدُكُمْ فِي الْوَهْمِ، وَلَا يُكْثِرَنَّ نَقْضَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ الشَّكُّ.

قَالَ زُرَارَةُ: ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا يُرِيدُ الْخَبِيثُ أَنْ يُطَاعَ، فَإِذَا عُصِيَ‏ لَمْ‏ يَعُدْ إِلَى أَحَدِكُمْ»[25].

وهو حل فعّال جداً شرط أن تعمل به أياماً متواصلة.. وستجد الثمرة الشهية الحلوة.. وستحصد حينئذٍ الجائزة: الشفاء الكامل من الوسوسة بإذن الله تعالى.

وقد أعطانا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) حلاً مكمّلاً فيما لو عرضت لك وسوسة في الخِلقة.. وهو أن تنظر إلى جانبها الإيجابي فتقول مثلاً ان إيماني هو الذي دفعني للاستياء من هذه الحالة، وذلك أمر حَسَن فعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ!

فَقَالَ لَهُ (عليه السلام): أَتَاكَ‏ الْخَبِيثُ‏ فَقَالَ لَكَ مَنْ خَلَقَكَ؟ فَقُلْتَ: اللَّهُ، فَقَالَ لَكَ: اللَّهُ مَنْ خَلَقَهُ؟

فَقَالَ: إِي وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَكَانَ كَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): ذَاكَ وَاللَّهِ مَحْضُ الْإِيمَانِ»[26].

قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج فقال: حدثني أبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: هَذَا وَاللَّهِ مَحْضُ الْإِيمَانِ، خَوْفَهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ هَلَكَ‏ حَيْثُ‏ عَرَضَ‏ لَهُ‏ ذَلِكَ‏ فِي قَلْبِه‏»[27]، فنفس خوفه وانزعاجه من هذه الحالة هو دليل الإيمان.. فإذا ركزت على هذا الجانب الإيجابي فترة فإنه سرعان ما يولي الشيطان الدبر.

كما علّمنا الإمام الباقر (عليه السلام) دعاء سهلاً نقرؤه، إضافة إلى إهمال باعث الوسوسة، فعن علي بن مهزيار قال: «كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَشْكُو إِلَيْهِ لَمَماً يَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ، فَأَجَابَهُ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ شَاءَ ثَبَّتَكَ فَلَا يَجْعَلُ لِإِبْلِيسَ عَلَيْكَ طَرِيقاً، قَدْ شَكَا قَوْمٌ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) لَمَماً يَعْرِضُ لَهُمْ لَأَنْ‏ تَهْوِيَ‏ بِهِمُ‏ الرِّيحُ‏ أَوْ يُقَطَّعُوا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): أَتَجِدُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ،

فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ ذَلِكَ لَصَرِيحُ الْإِيمَانِ، فَإِذَا وَجَدْتُمُوهُ فَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»[28]، وتكرار هذه الجملة النورانية كفيل باقتلاع جذور الوسوسة من الأعماق!.

قصة الوسواس في نجاسة أرض مدينته كلها

ومن الطريف ان أكثر من واحد كانوا يعانون من الوسوسة في نجاسة مدينتهم كلها!.. قال بعضهم: انني أرى المطر ينزل.. ثم ينقطع.. فتكون الأراضي كلها مبتلة.. وهناك في المنطقة كلاب كثيرة تسرح وتمرح في كل مكان.. وكل الأراضي رطبة مبللة.. فكل مكان لا بد أن يكون متنجساً: إما بملاقاة أرجل الكلاب وأبدانها له عندما تنام على الأرض، أو بمجاورة الأرض المبلّلة بعضها لبعض (أي بسريان الرطوبة النجسة) لذا كان يعيش هؤلاء في عناء إذ يعتبرون الأراضي كلها نجسة أولاً ثم انهم ثانياً يعتبرون الناس كلهم نجسين لأنهم لا يتجنبون تلك الأراضي ثم انهم ثالثاً: يعتبرون البيوت كلها نجسة لأن الناس يدخلون إليها بنفس الأحذية التي وضعوها على تلك الأراضي النجسة!

قلت: هذه وسوسة الشيطان! وإنما النجس هو البقعة التي رأيت الكلب يضع رجله عليها فقط (طبعاً بعد انقطاع المطر وأما اثناء هطوله فإن المطر يطهِّر ما أصابه) أما نجاسة غيره فهي مجرد تحليل عقلي ناشئ من الوسوسة الشديدة ولا حجية له أبداً.

وأضفت: ويدلّ على طهارتها: ان المدينة المنورة لأنها كانت منطقة بساتين فكانت مليئة بالكلاب، بل وكذا مكة وغيرها من البلاد، خاصة الأرياف.. وكان الناس طوال عهد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين أي طوال أكثر من 250 سنة يرون الكلاب قبل وحين وبعد نزول الأمطار تجوب كل مكان.. وكان ذلك كله بمرأى من المعصومين (عليهم السلام) ومشهدهم.. ولم ترد حتى رواية واحدة تقول: اجتنبوا الأراضي كلها.. بل ولا نجد حتى تحذيراً واحداً أبداً.. مما يدل على أن غير ما رأيته بعينك فهو طاهر (أو معفو عنه، أو على رأي بعض نادر ليست الكلاب أصلاً نجسة) فماذا تريد بعد ذلك؟.. وهذا حكم الشارع.. فإنه هو الذي قال: النجس تجنّبه.. وهو بنفسه لم يأمر بتجنب هذه الأراضي بل سكت وأمضى وقرر ورضي.. إذاً فما عليك إلا تجاهل الصوت الشيطاني الداخلي الذي يصدُر لك الأمر وكأنه مقطوع به.. أصرف ذهنك.. ولا تناقشه.. ولو واصلت التجاهل أياماً معدودة لشفيت تماماً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم

http://m-alshirazi.com

.................................................

 [1] سورة يونس: الآية 58.

[2] سورة البقرة: الآية 274.

[3] يلاحظ انه استلهام وليس تفسيراً بمعناه المعروف.

[4] منظمة الصحة العالمية https://www.emro.who.int

[5] https://www.argaam.com

[6] https://arabic.cnn.com

[7] "Newton's Third Law Of Motion", byjus, Retrieved

[8] https://mawdoo3.com

[9] والقوتان متساويتان في المقدار ومتضادتان في الاتجاه.

لكل قوة فعلٍ، قوةُ ردٍ فعل، مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه. القانون الثالث ينص على جميع القوى بين جسمين تكون متساوية في المقدار ومتضادة في الاتجاه: إذا وجد جسم A يؤثر بقوة FA على جسم آخر B، فإن الجسم B يؤثر بقوة FB على الجسم A والقوتين متساويتان في المقدار ومتضادتان في الاتجاه FA = −FB*. يعني القانون الثالث أن القوة المؤثرة هي قوى متبادلة على الاجسام المختلفة**،*** وهذا يعني أنه عندما تؤثر قوة على جسم فلا بد من وجود قوة أخرى مصاحبة لها مساوية لها في المقدار ومضادة لها في الاتجاه. بعض الاحيان فإن مقدار واتجاه القوى يتحدد عن طريق جسم واحد فقط من الجسمين فمثلا عندما يؤثر جسم A على جسم آخر B بقوة فإنه يسمي بالفعل ويؤثر الجسم B على الجسم A بقوة لها نفس المقدار ولكنه في اتجاه مضاد ويسمي برد الفعل. هذا القانون عادة يسمي بقانون الفعل ورد الفعل. في مواقف أخرى يتم حساب مقدار واتجاه القوى عن طريق الجسمين معا وفي هذه الحالة لا نستخدم لفظ الفعل ورد الفعل. كلا القوتين يمكن تسميتهما بالفعل ورد الفعل لأنهما قوتان غير منفصلتين ولا يمكن وجود واحدة دون الأخرى****.

توضيح لقانون نيوتن الثالث بواسطة الفيزيائي والتر لوين*****.

في القانون الثالث تكون القوتان من نفس النوع فمثلا عندما يؤثر الطريق على السيارة بقوة احتكاك فإن السيارة أيضا تؤثر على الطريق بقوة احتكاك أخرى.

يمكن رؤية القانون الثالث عندما يسير شخص فإنه يؤثر على الأرض بقوة وتؤثر عليه الأرض بقوة أيضا لذلك كل من الأرض والشخص يؤثران على بعضهما البعض كذلك يحدث هذا بين الطريق والسيارة. يمكن رؤيته أيضا عندما يكون الشخص في الماء فإن المياه تدفع الشخص للأمام بينما يدفع الشخص الماء للخلف فكلاهما يؤثران على بعضهما******)[9].

* Resnick؛ Halliday؛ Krane (1 ). Physics, Volume ط. 4th). ص. 83.

** C Hellingman (1992). "Newton's third law revisited". Phys. Educ. ج. 27 ع. 2: 112–115. Bibcode:1992PhyEd..27..112H. DOI:10.1088/0031-9120/27/2/011. Quoting Newton in the Principia: It is not one action by which the Sun attracts Jupiter, and another by which Jupiter attracts the Sun; but it is one action by which the Sun and Jupiter mutually endeavour to come nearer together.

*** Resnick؛ Halliday (1977). Physics (ط. Third). John Wiley & Sons. ص. 78–79.

**** Resnick؛ Halliday؛ Krane (1992). Physics, Volume 1 (ط. 4th). ص. 83.

***** والتر لوين, Newton’s First, Second, and Third Laws, Lecture 6. (14:11–16:00).

****** Hewitt (2006), p. 75

******* https://ar.m.wikipedia.org

[10] "15 Examples of newton’s third law of motion", dewwool, Retrieved. Edited

[11] https://mawdoo3.com

[12] بحار الأنوار: ج36 ص63.

[13] الكافي: ج2 ص188.

[14] نهج البلاغة: الحكمة 333.

[15] ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: ص168.

[16] سورة النحل: الآية 18.

[17] الكافي: ج2 ص98.

[18] المصدر.

[19] المصدر.

[20] سورة إبراهيم: الآية 7.

[21] الكافي: ج2 ص92.

[22] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد: ج1 ص300، وعنه بحار الأنوار: ج74 ص420.

[23] التواليت.

[24] الكافي: ج2 ص112.

[25] الكافي: ج3 ص358.

[26] الكافي: ج2 ص425.

[27] المصدر.

[28] المصدر.

اضف تعليق