بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.

بحث عن ظاهرة الهجرة الجماعية:

يقول الله تعالى:

((وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ))[1]

الرزق الكريم هو ذلك الرزق الذي يأتي للإنسان بلا تعب ولا مشقة ولا مكابدة نصب اولاً، وهو الذي يصل للإنسان بدون مِنّة ثانياً، اذ قد لا يكون الرزق الذي يحصل عليه الانسان متعوبا عليه لكنه قد يكون مع منة من الصديق او رب العمل او غيرهما.

بل ان للرزق الكريم معنى اوسع من ذلك كله وذلك لان الكريم من كل شيء ماحوى كل فضائله.

فالكريم من الاشخاص: هو ماحوى واحتوى على كل الفضائل والمحاسن ومكارم الاخلاق، وعليه: فالرزق الكريم هو الكامل المتكامل الحسن المتميز الرائع من كل الجهات.

ثم ان الرزق لعله اعم من المادي والمعنوي فيشمل: العلم، والروحانيات وغيرها ايضاً.

وقد وعد الله تعالى المغفرة والرزق الكريم للمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله تعالى.

وحديثنا اليوم سيدور بإذن الله تعالى حول ظاهرة الهجرة الاخيرة التي ندر ان يحدث في التاريخ نظير لها.

ذلك ان هذه الهجرة من البلاد الإسلامية كالعراق وسوريا وشمال افريقيا وغيرها الى البلاد الغربية قد تجاوزت الحدود المعهودة حتى اضحت هجرة جماعية لم يسجل التاريخ لها مثيلاً او ندر ذلك.

ولعل اعظم ظاهرة هجرة جماعية سبقت هذه الهجرة الجماعية كانت في الحرب العالمية الاولى، وعلى أي حال فان الهجرة الواسعة النطاق جداً كما يحدث الان وبطرق مفجعة مهلكة، تعتبر ظاهرة غريبة تعود في مجملها الى اسباب غير انسانية لسياسات عدوانية لدول كبرى وإقليمية.

وهنا نتساءل: هل مؤدى ذلك الى الخير والصلاح ام الشر والشقاء للأفراد المهاجرين او لبلدانهم التي هاجروا منها او للتي هاجروا اليها؟ هذا ما سيتضح من مطاوي هذا البحث والبحوث القادمة ان شاء الله تعالى.

وسيتوجه الخطاب في هذا البحث الى فئات وجهات عديدة حاملاً رسائل متعددة:

وسيكون الكلام مقسما الى أقسام:

فبعض الخطاب: سيكون موجها الى المهاجرين او اللاجئين بأنفسهم وسوف نعمم الحديث للمهجرين قسراً ايضاً.

وبعض الخطاب سيتوجّه للذين تدغدغهم مشاعر الهجرة والذين يعشعش هاجس الهجرة في قرارة أنفسهم.

وهناك خطاب: موجه الى الحكومات الاسلامية ومسؤوليتها اتجاه هذه الظاهرة النادرة والغريبة.

وخطاب آخر: موجه الى الحكومات الغربية بشكل عام.

1- الخطاب الى من تدغدغهم مشاعر الهجرة

نقول لهم: لا تهاجروا ابداً الا اذا اضطررتم الى ذلك اشد الاضطرار ولم تكن هناك مندوحة ولا مناص الا من الهجرة، وضمنتم مع ذلك ان تحفظوا ايمانكم وايمان اولادكم واهليكم في تلك البلاد..

ولعل اكثر الناس غير مضطر للهجرة الى البلاد الاخرى وذلك لان الهجرة الداخلية لاتزال متيسرة للكثيرين، ففي العراق مثلا هناك الكثير من المناطق الآمنة ككربلاء المقدسة والنجف الاشرف وغيرهما، وفي سوريا ايضاً من الممكن للكثيرين الهجرة الى الزينبية المقدسة او بعض المناطق الآمنة الاخرى.

نعم قد تواجه المهاجرين داخلياً بعض المصاعب والمشاكل من سكن ملائم وغيره لكن – وهذاهام جداً- ان المهم حقاً هو ان الإنسان يضمن إيمانه في الهجرة الداخلية وإيمان أولاده، وأسرته الى حد كبير.

اضافة الى انه باق في وطنه وبلده ولم يستجدِ عطف الآخرين من كفار وغيرهم ولم يفعل ما يجعل للكفار عليه يد امتنان وإحسان، وقد قال امير المؤمنين عليه السلام: ((احتج الى من شئت تكن أسيره واستغن عمن شئت تكن نظيره وأحسن الى من شئت تكن أميره))[2]

هذا كله، اضافة الى ان هناك أهدافاً مبيته وراء هذا التخطيط العالمي للهجرة، وهو يأتي كنتيجة طبيعية –ومخطط لها ايضاً- للدعم المقدم من الدول الاقليمية والغربية للمجاميع الارهابية التي تقاتل في العراق وسوريا واليمن، وبعض دول الشمال الافريقي.

وقد صرح حديثاً مسؤولون امريكيون كبار بان الحكومة الامريكية والرئيس الامريكي بالذات هو من يتحمل ولادة داعش الارهابية[3].

هذا وقد أفتى العلماء بحرمة التعرب بعد الهجرة[4] خصوصاً.

ويضاف الى ذلك كله ان هناك استهزاءاً مقيتاً بالمسلمين المهاجرين ففي صحيفة الاندبندنت البريطانية يقول الكاتب المعروف (روبرت فيسك) مخاطباً اللاجئين: اذا كنتم ايها المسلمون ترونا كفارا فلماذا تأتون الى بلداننا؟!!

وهنا نقول: ان أي مسلم يحمل مشاعر الغيرة والحمية لا يقبل بمثل هذا الكلام الجارح والاستهزاء الصارخ، فكيف يقوم بما يجعلهم يستهزؤون بنا؟

ثم يقول روبرت فيسك متبجحا: نعم نحن الغربيون نحمل الكثير من الإنسانية والعدالة ولذا يلجأ الينا المسلمون من الشرق!!

وكلامه يحمل تعريضاً بالإسلام نفسه وليس فقط بالحكومات العميلة للغرب والتي شوهت صورة الاسلام الناصع.

وهناك ايضاً خطر حقيقي يتهدد العوائل المسلمة المهاجرة الى الغرب اذ ليس كل انسان بمقدوره ان يصون ايمانه ودين أولاده وأحفاده ومن يتعلق به بل ان الكثيرين – وان لم يكن الاكثر – يفشلون في هذا الامتحان فشلاً ذريعاً.

موجة تنصير للمهاجرين

وحسب بعض التقارير فان هناك موجة من التنصّر والتحول للمسيحية، فحسب تقرير ذكرته بعض القنوات الشهيرة: " بدأ المهاجرين يدخلون الى المسيحية أفواجا.. "

ويقول القس (مارتينز) والذي يشرف على كنيسة ترينيتي الانجيلية في حي من احياء برلين: (كان معدل الحضور في الكنيسة التي يشرف عليها حوالي 150 شخصاً، لكن العدد الان يصل الى 600 شخص خلال عامين فقط!، وكلهم من اللاجئين والمهاجرين).

ويقوم هذا القس بتعميد المسلمين وسكب الماء على رؤوسهم كما يقوم بإدخالهم في دورات تثقيفية عن المسيحية وآدابها وطقوسها تستمر ثلاثة اشهر وينقض - طوال هذه الدورات ـ بزعمه ـ أسس الإسلام.

بل انه يقول للمسلمين خلال التعميد: هل ستنفصل عن الشيطان وصنائعه الشريرة؟ هل ستنفصل عن الإسلام؟

فيقول المسلم المستسلم له: نعم أتعهد!! ثم يعمِّده القس قائلاً (باسم الاب والابن وروح القدس)!

وكان احدهم يسمى (محمد علي زنوبي) وهو لاجئ من إيران غيّر اسمه الى (مارتن) على يد هذا القس وأصبح مسيحيا!!

وتأسيساً على ذلك كله: نقول لمن يريد الهجرة: لا تهاجر! واستشر الفضلاء من رجال الدين في منطقتك او محلتك وراجع مرجع تقليدك قبل ان تقدم على خطوة مصيرية كهذه.

2- خطابنا الى المهجرين والمهاجرين

وهم المسلمون الموجودون في تلك البلاد بالفعل، وهنا نوجه لهم ثلاث رسائل:

أ- كونوا مثاليين:

أ ـ كونوا مثاليين وأنموذجيين بل نقول: بيّضوا وجوه بلادكم ووطنكم وعشائركم أمام الآخرين، كونوا مثالا للأخلاق المحمدية، ومثالاً للورع والتقوى، ومثالاً للجد والهمة والنشاط والعزيمة، ومثالاً للنزاهة والاستقامة، ومثال للمحبة وخدمة الناس.

وعليكم ان تدعوا الناس الى الإسلام بأخلاقكم السامية حتى يرى منكم العالم الغربي أنموذجاً ساميا للإسلام بحيث لا يرى اهالي تلك البلاد المهاجر المسلم العراقي او السوري او الايراني والافغاني او الجزائري والمصري والتونسي والمغربي او اليمني او الباكستاني او غيرهم عالةً على تلك الدول وضيفا ثقيلا اذا صح التعبير، بل يجب عليكم التحلي بأفضل الاخلاق الدينية والإنسانية، والعشائرية.

ب- كونوا دعاة رساليين

ب ــ كونوا دعاةً رساليين ورسلا لدينكم وبلدانكم الإسلامية، وهذا الأمر يتطلب ان يكون المهاجر منكم مشحونا بالعلم والمعرفة حتى يتمكن من ترجمة رسالات الله تعالى وأخلاق أهل البيت عليهم السلام الى الآخرين من اهالي تلك البلاد الذين لم يروا ولم يسمعوا من الإسلام الا الصورة التي شوهتها التنظيمات الإرهابية المقيتة والحكومات الاستبدادية البغيضة. كما يجب ان تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة كما وصانا الله تعالى في كتابه الكريم ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)) [5]

ج – بادروا بالدفاع عن اوطانكم لحظة الوصول

ابدأ - ايها المهاجر - بالدفاع عن وطنك من لحظة وصولك الى تلك البلاد، فانك رأيت بعينيك الظلم والطغيان وقطع الرؤوس والارهاب الاسود وهتك الاعراض وغير ذلك مما تشيب له الولدان فلا ينبغي لك ان تنسى كل ذلك وتنغمس لا سمح الله ببعض الملذات والملاهي المحرمة بل، حتى المحللة اذ كيف ينشغل باللهو واللعب –حتى المحلل منها– من ترك أهاليه بين انياب الذئاب الضارية؟! حاشاك اخي المسلم ان تكون كذلك.

هذا. ولك قدوات حسنة من المهاجرين الذين سطّروا اروع المواقف النبيلة والانسانية على صفحات التأريخ كما سنشير لاحد النماذج المشرقة بعد قليل.

هذا وان هناك طرقا كثيرة للدفاع عن الاسلام والمسلمين وعن العباد والبلاد وذلك من خلال وسائل الاعلام وعبر المنظمات الحقوقية وبواسطة صناعة للوبيات الضاغطة وقيادة مظاهرات سلمية او غير ذلك.

أنموذجان مشرقان من التاريخ

وهنا نذّكر اخوتنا المهاجرين بأنموذجين مشرقين من التاريخ: احدهما من التاريخ القريب، والاخر من التاريخ البعيد، فمن التاريخ البعيد: جعفر بن أبي طالب (رضوان الله عليه) الاخ الاكبر لأسد الله الغالب علي بن ابي طالب عليهم السلام وسياتي الحديث عنه في المحاضرة اللاحقة ان شاء الله تعالى.

رئيس وزراء تايلند مهاجر شيعي!

واما من التاريخ القريب فان اكثر النماذج اشراقاً هو الشيخ احمد القمي (1543م ـ 1657م)[6] والذي هاجر من قم المقدسة الى تايلند[7] في سنة (1582 م) واستوطن في بانكوك وهو رجل دين عادي في ظاهره لكنه كان مثاليا في اخلاقه وسلوكه وعلمه وخبرويته وقد غير وضع البلاد من خلال ذلك الى درجة ان الناس هناك يقدسونه ويعظمونه وقد توفي ودفن هنالك، فبنوا على مرقده مسجدا ولا زال المسلمون بمختلف مذاهبهم بل والبوذيون ايضاً يزورون مرقده مع انه رجل دين شيعي وقد كتب على قبره انه امامي اثنا عشري، كما ان وزراء تايلند الى يومنا هذا عندما يتم تنصيبهم يقومون بزيارة مرقده مع انهم بوذيون وليسوا مسلمين واصبح ذلك طقسا وطنيا عندهم.

لقد كان الشيخ احمد القمي مهاجراً عادياً لكنه تحول الى رمز وطني لخدماته الجليلة ومواقفه الرائعة بحيث اعطى صورة مشرقة عن دينه وايمانه واخلاقه وعلمه وعمله فاصبح قدوة للآخرين من شتى الملل والطوائف.

ولقد كان الشيخ احمد بعد وصوله الى تايلند قد ابدى كفاءة ادارية عالية كما تمتع بعلاقات طيبة مع الاهالي حتى عُيّن رئيسا للجمارك فأحسن التصرف وقلل المكوس (الضرائب) على البضائع المستوردة وخفف عن الناس، فاشتهر بكفاءته ونزاهته فعيّنه الملك بعد ذلك رئيسا للوزراء فأحسن وافاد واجاد وابدع فاعترف الكل بشخصيته الرائعة.

واللافت أنّ رجلَ دينٍ شيعيٍ هاجر من مدينة قم الى بلد غريب يتحول في فترة الى رئيس للوزراء في تايلند ذات الغالبية البوذية ثم يتحول الى رمز وطني للبلاد.

ونذكر هنا نص ما يقوله بعض المؤرخين:

((... للشيخ القمي الذي هاجر من قم قبرٌ شُيّد عليه مسجد زُيّن بأجمل النقوش الاسلامية ويعتبر مزارا يحترمه جميع المسلمين بشتى طوائفهم ومذاهبهم ويحترمه البوذيون ايضا حيث يقصدونه برجاء تحقيق امالهم، كما يقوم السياسيون عند تنصيبهم بزيارة لهذا القبر.

ويشاهد الزائر للمسجد على القبر ما يدل على مكانة القمي في الثقافة التايلندية، حيث كتب على الحجر الذي وضع على القبر باللغة الانكليزية والتايلندية ما يلي:

"الشيخ احمد رئيس وزراء دولة تايلند في آيوديا في زمن الشاه نارسون المولود في محلة بايين في مدينة قم المولود في 1543م شيعي اثنا عشري")).

ان من يلاحظ حياة هذا الرجل المهاجر لا يسعه الا ان يقف وقفة اجلال واحترام لشخصه وجهوده التي عكس من خلالها صورة مشرقة عن الدين والمذهب فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

لكن مما يؤسف له ان بعض المهاجرين منا الى تلك البلدان لا يكتفي بإهمال العمل لأجل بلاده، بل تراه ينغمس في بعض المحرمات بحيث يتحول الى مظهر المهاجر المتسكع العابث اللاهي ويعكس صورة سيئة عن بلاده ووطنه وعن جذوره الاسلامية.

3- الخطاب الموجّه الى الحكومات الاسلامية

نقول للحكومات الاسلامية: يا ايها الحكام يامن جلستم على كراسي ائمة المسلمين من دون نص من السماء ولا انتخاب من الناس: لا تخذلوا شعوبكم واهاليكم ولا تشمتوا بنا الاعداء ولا تخجلونا امام العالم!!

ان في بلدانكم نعمة وفيرة من نفط وماء وسعة في الارض وغير ذلك فلماذا لا تستوعبون اللاجئين والمهاجرين وهم إخوانكم في الدين؟ بل والكثير منهم اخوانكم في العِرق او في القومية ايضاً!

فلماذا لا تستوعب بلاد الخليج أو مصر او ايران مثلاً مليون لاجئ بل واكثر واكثر واكثر بدل ان يذهبوا الى المانيا او بريطانيا او فرنسا؟

والخطاب موجه لجميع حكومات البلدان الاسلامية وليس السعودية فحسب، لماذا لا تقومون بخطوة انسانية - اسلامية تعكس انسانية الاسلام وتعاليمه السامية لدى الازمات والحروب، وبذلك تربحون ايضاً مكانة وسمعة لأنفسكم في امم العالم!

قد يتهرب بعضهم من ذلك بدعوى ان اللاجئين قد يشكلون عبأ على الاقتصاد لكن هذا ليس مبررا للتهرب عن المسؤولية الكبرى التي بعاتقكم، وان الله هو الرزاق ذو القوة المتين، اضافة ان عدداً من هذه الدول تصرف عشرات المليارات من الدولارات من اجل شن الحروب ونشر الفوضى في بلدان اخرى[8]!!

ولنفرض انكم مضغوطين حالياً بشكل او آخر فهل ذلك يبرر التهرب من مد يد العون لإخوانكم الذين الجأتهم الحروب الى الهرب واللجوء؟

ان ما قام به اهالي النجف وكربلاء والكاظمية والزينبية الكرام من استيعاب اخوانهم المهاجرين من الموصل وصلاح الدين ومناطق سوريا وغيرها يعدّ مثلاً يحتذى به، وذلك شرف عظيم وموقف تأريخي نبيل قام به اهالي هذه المدن المقدسة حيث استوعبوا ما يقرب من مليون مهاجر وبإمكانيات شعبية بسيطة لا تصل ابداً الى وليست امكانات دولة كالسعودية او ايران او سائر دول الخليج.

4- الخطاب الموجّه الى الحكومات الغربية

تتبجح الحكومات الغربية بشعار الإنسانية وبمساعدة اللاجئين حتى ان المانيا مثلا تقول انها خصصت 6 مليارات للاجئين من سوريا والعراق وغيرهما في هذا الموجة الاخيرة من النزوح (2015 م).

نقول لهم:

أ- اوقفوا تصدير السلاح الى بلداننا وسائر بلاد العالم، اوقفوا بيع الاسلحة بعشرات المليارات من الدولارات الى بلادنا والى كافة اطراف النزاع، هذه الاسلحة التي كانت هي السبب المباشر لقتل عشرات الالوف بل ومئات الالوف[9] وتهجير الملايين! وبعد ذلك نحن في غنى عن مساعداتكم للاجئين!

نحن لا نريد منكم الا (بعض العدالة) فقط! فلا تتبجحوا بالإنسانية وتقديم المساعدات وغير ذلك، أليس من ابسط مظاهر العدالة ان تكفوا شركم واسلحتكم عنا؟ وان لا تعقدوا مؤتمرات وندوات تحتضن جماعات ترعى الارهاب وتفتك بالأبرياء بحجة الحرية وحقوق الانسان وتسلموهم الاسلحة والاعتدة وتسهلوا عبورهم من شتى بلدانكم الينا حتى اصبحت بلداننا بؤرة للإرهابيين من شتى الجنسيات والقوميات؟

ومن الواضح اننا لا نشكك بنوايا الشعوب الغربية بما هي شعوب وبما هم اشخاص اذ ان الكثير من الناس هناك لهم نوايا حسنة وطيبة اتجاه اللاجئين، فالخطاب موجه الى حكوماتهم، فنقول لهم:

اننا نطالبكم ببعض العدالة فقط! لا تصدروا السلاح للعالم وللحكومات الجائرة الظالمة ولا للإرهابيين والقتلة، أليست الاسلحة التي يستخدمها داعش وجيش النصرة هي من مصانعكم وشركاتكم؟ أليست الاسلحة التي تستخدمها السعودية لضرب اليمن خرجت من امريكا والمانيا وفرنسا وبريطانيا [10] ثم كيف تتبجح هذه الدول بالإنسانية وحقوق الانسان!

والتقرير التالي الموثق اعظم شاهد على فداحة اجرام الحكومات والشركات الغربية في حق الانسان وحق البشرية جمعاء: (تمكنت روسيا من زيادة حجم صادراتها من الاسلحة خلال الفترة من 2010م ـ 2014 م بنسبة 37% مقارنة بالفترة 2005 ـ 2009 م محافظة على المركز الثاني في التصنيف العالمي كأكبر مصدّر للأسلحة التقليدية، وقد اشارت دراسة (SIPRI)[11] الى ان روسيا باعت أسلحة لنحو 56 دولة في العالم!!...).

ثم يقول: (... المركز الاول بقي من نصيب الولايات المتحدة الامريكية التي رفعت من حجم مبيعاتها من الاسلحة لفترة من (2010 ـ 2014 م) بنسبة 23% وسيطرت الولايات المتحدة على 31% من مبيعات الاسلحة عالميا، حيث باعت اسلحتها لنحو 94 دولة!!).

اما ألمانيا فيقول التقرير عنها: (هذا وجاءت المانيا بالمركز الرابع بعد الصين نتيجة لتراجع حجم صادراتها من الاسلحة للفترة المذكورة بنسبة 34% الا ان الدراسة لفتت الى ان المانيا حازت على عدة طلبيات ضخمة لتوريد الاسلحة في عام 2014 م..) وبعد ذلك نجد الاعلام العالمي والالماني يقيم الدنيا ولا تقعدها لان المانيا قامت بتخصيص عدة مليارات من الدولارات لمساعدة اللاجئين!!

يقول التقرير (وبذلك سيطرت امريكا وروسيا والصين والمانيا وفرنسا على نحو 74% من حجم تجارة الاسلحة في العالم في حين سيطرت الولايات المتحدة وروسيا على 58% من هذه التجارة....).

والغريب ان هذه الدول تتشدد بحظر الاسلحة النووية الا انها لا تعارض بأدنى معارضة انتشار الاسلحة الفتاكة والتقليدية والتي تنتشر بكل ربوع العالم، بل تجد انها هي التي تسارع لبيعها الى مختلف دول العالم!

لماذا يظهر الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف بالسيف وكيف ينتصِر به؟

ان من اعظم مفاخر الاسلام ان الامام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما يظهر فانه سيظهر بالسيف كما هو واضح وهذا هو سرّ العظمة وعمق الانسانية في الرسالة المحمدية العلوية المهدوية، وهو ما يظهر عبر الاجابة على السؤال التالي وهو انه كيف يمكن الانتصار مع وجود هذه الاسلحة النووية والذرية والصاروخية والليزرية المتقدمة وغيرها؟

الجواب: هناك وجهان كل واحد محتمل، وباختصار:

1) إن الإمام بقدرة غيبية يجمد مفعول الأسلحة المتطورة حتى لا يقتل الناس جزافاً مجرمهم وبريئهم.. اما السيف فهو عادل ولا يقتل به الا المقاتل الظالم المعتدي بنفسه حين يشهر سيفه للقتال.. وبذلك يُرجِع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الامور الى موازينها الانسانية العادلة.

2) ان الامام يأتي بتطور علمي متفوق على ما بأيدي الناس من علوم فيبطل بذلك عمل أجهزة العدو الحديثة، ومثاله المعاصر: الفايروسات الالكترونية والبرامج الحاسوبية المتطورة او الاجهزة التي تقوم بالتشويش على الرادارات او غير ذلك.

وسواء كان هذا الاحتمال او ذلك، فانه تجسيد لإنسانية الاسلام وهو منطلق انساني رائع ومفخرة من أعظم مفاخر الاسلام كي لا تصيب نيران الحروب الابرياء من شيوخ ونساء واطفال ومدنيين.

ب – كفوا عن حماية المستبدين

ونقول للحكومات الغربية:

ثانياً: كفوا عن حماية المستبدين والطغاة من حكام البلدان المسلمة وغيرها! ألستم انتم الذين تدعمونهم سياسياً واقتصادياً بشتى انواع السلاح والعتاد؟ فمن اوجد – مثلاً - حكومة ال سعود؟ ومن دعمها؟ ومن ابقاها ولا زال؟ ومن سلَّحها ولازال؟ ومن حماها ولازال؟ الستم انتم؟ وهكذا سائر الطغاة كالسادات والشاهين وصدام وغيرهم.

ج – ارفعوا اليد عن الدفاع الاعمى عن اسرائيل

ثالثا: ارفعوا اليد عن الدفاع الاعمى عن هذه الجرثومة المسماة بإسرائيل والتي زرعتموها في قلب بلاد الاسلام والمسلمين.

فهل تتحملون ان تُزرع دولة قسرا في ربوع بلدانكم في كاليفورنيا مثلاً او في اطراف واشنطن او اطراف لندن وباريس وبون وبرلين وغيرها؟ ام تعتبرون ذلك انتهاكا للسيادة الوطنية مثلاً.

فمن منطلق العدل والإنسانية نقول لكم: ارفعو اليد عن هذا الكيان الغاصب واللاإنساني.

ولو ان منظمات حقوقية انسانية اخذت على عاتقها الضغط المتصاعد على الحكومات الغربية لامكن في خلال عقد او عقدين تحقيق هذه المطالب الحقة الثلاثة او على الاقل التخفيف من غلواء الحكومات الغربية واندفاعها غير العقلائي في تصدير الاسلحة وفي حماية المستبدين وفي الدفاع عن اسرائيل، قال تعالى ((ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا[12])) وقال جل اسمه: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ))[13] ومن القوة قوةُ تخذيل الظَلَمة عن نصر بعضهم بعضاً – استناداً لإطلاق الآية الكريمة او ملاكها على الاقل.

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين

* سلسلة محاضرات في تفسير القرآن الكريم
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/writer10-

....................................

[1]- الانفال 74
[2] - الخصال / ج‏2 / 420 / تسع كلمات تكلم بهن أمير المؤمنين عليه السلام..... ص: 420
[3] - ومنهم رئيس اركان الجيش الامريكي الجنرال راي اوديرنو الذي اقر بان الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن ظهور تنظيم داعش في العراق.
[4] - ولذلك معنيان وسيأتي بحث ذلك لاحقاً باذن الله تعالى.
[5] - سورة النحل - 125
[6] - أي انه عمّر 114 سنة!
[7] - وهي بلد اكثر نفوسها من البوذيين عدد سكانها حسب احصاء ما قبل 2004م يصل الى 65 مليون نسمه، منهم 10% مسلمين، والان يزيد على 66 مليون نسمة (حسب ويكيبيديا)، وكانت تايلند سابقاً تسمى سيام.
[8] - مثل عاصفة الحزم.
[9] - طوال العقدين الاخيرين.
[10] - اول مَصدِّر للأسلحة في العالم هو امريكا ثم تأتي روسيا بالمرتبة الثانية، ثم تأتي الصين ثالثاً،وتحل المانيا رابعاً، وفرنسا خامساً.
[11] - وتجاوز الرقم الاجمالي للمبيعات – حسب بوتين نفسه – 15 مليار دولار!
[12] - سورة الكهف - 89
[13] - سورة الانفال – 60

 

اضف تعليق