الاعلان أو الإشهار هو أحد الأنشطة الإعلامية التي لا غنى عنها في الأنشطة الاقتصادية من صناعة وتجارة وخدمات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية وكذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات الخيرية والغير ربحية والتي بدون الإعلان عن مجهوداتها لن تحصل على الدعم المجتمعي والتمويل المادي اللازم، لاستمرارها في عملها وأدائها لرسالتها.
أحدَثَ التطور التكنولوجي الذي طرأ على عمليات البث التلفزيوني تغييرات مختلفة على العملية الاتصالية تمثلت بسعة الانتشار وسرعته، فضلا عن تغييرات تتعلق بتطور عمليات الانتاج والاخراج والعرض، وإتاحة المعلومات، وتعدد المصادر، في الوقت نفسه جلب هذا التطور عددا من الصعوبات امام القائم بالاتصال منها تصاعُد قوة وشَراسَة التَنافس على جذب انتباه واهتمام مُستقبِل انتقائي التَعَرُض والتَقَبُل والتأثٌر؛ بعد انفتاح الاجواء والآفاق أمام الثقافات الاخرى التي امتطت صهوة الاثير الطيعة، وان كانت ثقافات مغايرة ودخيلة على الثقافة الاصيلة للمجتمع المستهدف.
وكان للأعلام الاسلامي والفضائيات الدينية نصيبٌ كبيرٌ من تلك التحديات التي ساهَمَت بشكل او بآخر بإضعافها أمام مُتَلقٍ أُتيحت له عِدة بَدائل تُقَدم له ما لذَّ وطاب من البرامج ومن تلك التحديات.
ـ ارتفاع تكاليف العمل التلفزيوني :
يستلزم البث التلفزيوني الفضائي عدداً اكبر من المستلزمات التي يحتاجها البث الارضي، فضلا عن التكاليف اللازمة للتفوق في تلك المنافسة المفروضة على العاملين في الاعلام الفضائي، وقد أصبَحَ التمويل يمثلُ تَحَديا رئيسا بالنسبة للفضائيات الدينية، على عكس الفضائيات الاخرى التي ارتبطت بتحالفات سياسية واقتصادية واعلامية تنفق عليها بسخاء مَنَحَها قُدرةُ البقاء والصمود والتفوق، فضلا عما تجنيه الاخيرة من مردودٍ مادي تَتَحَصلُ عليه من الاعلانات التي لا يستطيع الاعلام الاسلامي ان يتعامل معها ويعرضها على جمهوره لالتزاماته الاخلاقية تجاه عقيدته.
ـ تطور الصنعة الفنية في تقديم الخطاب الإعلامي:
لقد كان لضعف الامكانات المادية أثرٌ واضحٌ على ما تقدمة الفضائيات الدينية من خلال عجزها عن مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة الخاصة بأساليب الانتاج والعرض وكان لذلك التطور( التحدي) انعكاسات كثيرة على شكل ومضمون الرسالة الاعلامية في الفضائيات الدينية نذكر منها الاتي:
1ـ اعتماد الفضائيات الدينية على الموضوعات الجاهزة المتاحة للجميع مثل الأناشيد الاسلامية والادعية والتلاوات المسجلة والتي يعاد عرضها بشكل مستمر مما يولد نوعا من الملل او الاشباع لدى المستقبل قد ينتهي بهجر تلك الفضائيات لصالح أُخرى.
2ـ ضعف الامكانات المادية حال دون اجتذاب الكفاءات الاعلامية الجاهزة والقادرة على تقديم برامج مبتكرة ومغايرة عما تطرحه بقية الفضائيات ، مما دعاها الى الاعتماد على كوادر اعلامية قليلة الخبرات، واحيانا على اقحام بعض المقربين والاصدقاء ممن لا يملكون خبرة اعلامية في العمل الاعلامي.
3ـ ضيق الرسالة مع اتساع وتنوع المستلمين او بعبارة اخرى مَحَليّة الرسالة في فضاء عالمي ، فقد عجزت الفضائيات الدينية عن تغطية اخبار وانشطة العالم الاسلامي الواسع واكتفت بنقل انشطة ومؤسسات قريبة منها او من مكان ادارتها وبثها قد لا تجتذب ولا تعني الا فئة معينة او قريبة من الحدث.
4ـ ضعف الامكانات المادية لمعظمها حال دون تقديمها البرامج الدرامية التي تستقطب المستقبل فضلا عن قلة البرامج الثقافية والترويحية في حين اشارة الكثير من الدراسات الى ان هذه البرامج تأتي بالمرتبة الاولى في مستويات تفضيل الجمهور للبرامج مثل دراسة هيثم عكاب وعقيل هايس عن تعرض الجمهور للفضائيات العراقية والعربية فقد توصلت الدراسة الى ان البرامج الدرامية والثقافية والبرامج الترفيهية احتلت المراتب الأولى في نسبة المشاهدة التلفزيونية ( ).
5ـ قلة البرامج النخبوية المؤثرة او البرامج التفاعلية مع وجود استثناءات قلية والاعتماد على برامج تعد وتقدم باقل التكاليف .
6ـ قلة البرامج الميدانية لما تحتاجه تلك البرامج من جهود عالية ووقت مفتوح وتكاليف باهضه .
7ـ قلة البرامج الترويحية والبرامج الاجتماعية، علما ان البرامج الترفيهية تأتي في المركز الاول في نسبة المشاهدة تليها في الترتيب النسبي البرامج الاجتماعية حسب الاحصائيات الدورية التي تقدمها المراكز المعنية مثل مركز(ماروك متري).
8 ـ قلة البرامج الاخبارية في الفضائيات الدينية على الرغم من اهميتها كونها تساهم في تعميق الوعي لدى الراي العام حول الشؤون المختلفة، ولذلك فرضت بعض الدول مثل الصين على قنواتها الـ 34 ان تبث مالا يقل عن ساعتين من البرامج الاخبارية بين الساعة السادسة صباحا ومنتصف الليل، على أن تبثَّ كل قناة 30 دقيقة من تلك البرامج الإخبارية بين السادسة مساءً والحادية عشرة والنصف ليلا( ).
تذليل الصعوبات ومواجهة التحديات:
ـ تحديات التمويل:
اعتمدت اكثر الفضائيات الدينية على الهبات والمساعدات التي تقدم لها من المؤسسات الخيرية التي تعنى وتسعى بنشر الثقافة الاسلامية وبعض الاغنياء ورجال الاعمال المتدينين، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الاعلانات التي تضعها الفضائيات عن حاجتها الى الدعم، ونحن نرى ان من الافضل الاتجاه الى بدائل اخرى من شانها ان تساهم في تحقيق مردودا ماديا قد يجعلها في غنا عن الهبات والمساعدات، ومن تلك المصادر والبدائل المقترحة.
ـ الاعلانات:
الاعلان أو الإشهار هو أحد الأنشطة الإعلامية التي لا غنى عنها في الأنشطة الاقتصادية من صناعة وتجارة وخدمات وغيرها من الأنشطة الاقتصادية وكذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات الخيرية والغير ربحية والتي بدون الإعلان عن مجهوداتها لن تحصل على الدعم المجتمعي والتمويل المادي اللازم، لاستمرارها في عملها وأدائها لرسالتها.
والاعلان فن شهد تطورات هائلة مع التطور التكنولوجي ودخول الحواسيب والبرامج المتجددة الخاصة بتصميم واخراج الاعلان بأشكال جذابة. وبما ان الاعلان فن فانه يحتاج الى مهارات وخبرات متراكمة ومتجددة قادرة على مواكبة التطور وتقديم نوعا من الابداع في هذا الفن.
ولذلك ننصح هنا الفضائيات الدينية بالاهتمام الاستثنائي بهذا الفن، واجتذاب طاقات وكفاءات قادرة على استقطاب المعلنين، عن طريق التعاون مع الشركات الاعلانية ذات الخبرات العالية القادرة على تقديم استشارات اعلانية كفوءة، وتأسيس علاقات عامة مع المعلنين وصناعة الاعلانات المغرية والجذابة.
علاوة على ما تقدم فإننا ننصح بتطوير الهوية الخاصة بالفضائيات الدينية، وتحويلها من فضائيات ذات هوية خاصة توجه الى فئة دينية معينة او جمهور خاص، الى فضائيات تعنى وتهتم بالجميع فتستقطب بذلك الجميع وهو امر يتماشى مع روح الرسالة التي جاء بها الدين الاسلامي الحنيف ، فالوسيلة الاعلامية المتخصصة لا يمكن ان توجه الى جمهور عام يتصف بالاتساع وانما توجه الى جمهور خاص يتصف بالضيق وان أتسع، والمعلن لا تعنية الرسالة الاعلامية بقدر ما يعنيه انتشار الوسيلة وبالتالي انتشار إعلانه وليكن هذا التحول الايجابي استجابة لروح الرسالة وليس لحاجة الوسيلة و رغبة المعلن.
ـ الرعاية التلفزيونية:
ضرورة توسعة الاعتماد على الرعاية التلفزيونية والتي تعد احدى انوع الاعلانات وتعني الرعاية دعم لحدث، نشاط، شخص أو منظمة مالياً أو تزويدهم بالمنتجات والخدمات مقابل تحقيق المنفعة لكل من الداعم (الشركات) والمدعوم ويهتم الراعي عن طريق رعايته لحدث معين بتعزيز وترويج الاسم التجاري له بطريقة غير تجارية أكثر من اهتمامه بترويج المنتجات، وتعد الرعاية طريقة غير مباشرة للإعلان وتهدف إلى ربط اسم المعلن(الراعي) بماركة معينة، فيقوم الراعي برعاية المواقع والنشاطات التي تجذب عدد كبير من الجمهور الذين يهدف للوصول إليهم، فيضع الشعار المميز له في مكان النشاط دلالة على رعايته لهذا الحدث.
ففي جميع القطاعات تقريباً من جميع الأسواق توجد منافسة شديدة بين الشركات والعلامات التجارية، وفي الغالب لا يمكن التفريق بينها من حيث الجودة والسعر، فتلجـأ الشركات إلى دعم احداث أو فرق مشهورة لتبرز من ضمن الشركات المنافسة وتخلق ميزة استثنائية لعلامتها التجارية( ).
يجدر بالذكر الى ان عددا كبيرا من الفضائيات ذات الإمكانات المادية العالية اعتمدت ومازالت تعتمد على اسلوب الرعاية في دعم برامجها المُكلِفة، منها قناة الجزيرة التي قدمت ومازالت تقدم برنامج الاتجاه المعاكس الذي ترعاه شركة قطر للبترول، وقناة العربية التي تعتمد هي الاخرى على الرعاية المقدمة لها من بعض المعلنين، فضلا عن اعتماد معظم الفضائيات اللبنانية على رعاية البنوك الاهلية والعربية في تقديم برامجها ومنها البرامج الاخبارية .
كما تمكنت بعض القنوات الدينية مثل قناة الزهراء وقناة المهدي على القمر نايل سات من انتاج عدد من البرامج برعاية الجمعية العاملية لأحياء التراث في لبنان منها برنامج رياحين الجنة وبرنامج الطريق الى كربلاء فضلا عن رعاية نفس الجمعية لمسلسلي فاطمة الزهراء عليها السلام وليالي بيشاور.
ايضا افادة قناة اقرأ الدينية هي الاخرى من الرعاية في برنامج دقيقة مع القران الذي تنتجه مؤسسة بحر الاعلام للإنتاج والتوزيع الاعلامي بتمويل من وقف سعيد وعبد العزيز الموسي.
ـ تحديات الصنعة الفنية:
من اجل التغلب على تحديات تطورات الصنعة الاعلامية يتوجب على القنوات الدينية ان تقوم ببعض الاجراءات منها:
1ـ بناء المؤسسات الادارية على أسس علمية رصينة واستقطاب او منح حق الادارة لذوي المهارات والتجارب الناجحة بعيدا عن رغبات المؤسسين في تولي مهمة الادارة المباشرة بدوافع الحرص على رسالية الرسالة.
2ـ تطوير المهارات الذاتية للعاملين في تلك الفضائيات عن طريق التعاون مع مراكز التطوير الاعلامي التي بدأت تنتشر في الآونة الاخيرة او استقطاب الامكانات الجاهزة.
3ـ التعامل مع مؤسسات الانتاج الاعلامي الرصينة لإنتاج برامج اعلامية قادرة على اجتذاب المشاهد مع المحافظة على الخطاب الخاص بالمؤسسة الاعلامية.
4ـ الاهتمام بالبرامج الاخبارية والابتكارية والبرامج الميدانية والترويحية مع ملاحظة ضرورة الاعتدال باستخدام البرامج الترفيهية والترويحية من ناحية.
5ـ الاهتمام بدراسات تقييم وتقويم البرامج المقدمة وقياس رجع الصدى والتأثير.
6ـ توسيع افق الرسالة واهتمامات المرسل وبما يتناسب مع متطلبات البث الفضائي واسع الانتشار.
7ـ مواكبة التطورات التكنولوجية التي تخص العمل التلفزيوني .
8ـ الاهتمام بالبرامج النخبوية والبرامج التفاعلية .
9ـ الاهتمام بالدراما الرسالية الهادفة والتي مازالت كما تشير المؤشرات الى انها قادرة على جذب المشاهد .
10ـ الاعتدال في عرض الموضوعات الجاهزة والابتعاد عن التكرار الممل في البرامج المقدمة.
اضف تعليق