نعني به حركة النّصوص من سابق إلى لاحق، أو حركة النصوص وانسيابها وتداخلها بين بعضها في التعانق بين العبارات اتساقاً وانسجاماً (سبكاً وحبكاً)، إذ يقوم منشيء النص بطلب إرواء نصِّه وسقايته من نصٍّ سابق، وهذا يعتمد على قوَّة الحفظ والحصيلة اللغوية وتمكّن الباث من سبك النصوص في نصِّه...
بقلم: الأستاذ الدكتور صفاء حسين لطيف-الأستاذ المساعد الدكتور خالد عبد النبي الأسدي
كلية العلوم الإسلامية/ جامعة كربلاء

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد لله على مننه التي أسبغها على عباده، وله الشكر على آلائه التي أكرم بها خلقه دون أن ينظر إلى أعمالهم، والصلاة والسلام على خير من وطئ الثرى، وبلغ موضعاً لم يبلغه قبله نبي مرسل ولا ملك مقرَّب ولا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، دنى فتدلَّى فكان قاب قوسين أو أدنى، عند سدرة المنتهى، ورأى من آيات ربه الكبرى التي اختصه بها الله دون الورى، وعلى آله الذين أذهب الله عنهم الرجس ولم يدع للدنس إليهم من سبيل.

وبعد..

إذا منَّ الله على باحث في العلوم الأكاديمية؛ وفقه للدخول إلى جنات القرآن الكريم ليشمَّ أريج الجمال اللغوي والعلمي ليزداد إيماناً مع إيمانه، فيحير إلى أي روضة يدخل؟! وإلى أي شجرة يقصد؟؟ وإلى أي ثمرة يجني؟!، فنشكر الله الذي هدانا إلى استنباط عنوانات من كتابه العزيز لتكونَ مفاتيح نلج فيها إلى مغاليق العلوم الأكاديمية.

سبب اختيار العنوان

 كتاب الله عزَّ وجل خزينة علمية ومنظومة حياتية متكاملة لا يدنو إليها الشك أو الريب، وإيماناً منَّا بقصدية الحركة والصوت والتركيب اللفظي والتركيب الجملي ومنه إلى العبارة وإلى النص... ولفترة طويلة نعمل على الاستدعاءات النصية والاستسقاء الذي يوظفه الكاتب في نصوصه بمفاهيم عدَّة كــ(التناص، والأثر القرآني، والقرآنية وغيرها من المصطلحات القريبة من هذه المفاهيم)؛ وقد وضعنا اليد على عيوب هذه المصطلحات وعشوائية تطبيقها وبيان ضعف المصطلحات الخاصة بآلياتها التطبيقية، وهذا ما دعانا إلى استقراء النصوص القرآنية لاختيار عنوان ينطبق على المفهوم والتطبيق، فكان الاختيار من قوله تعالى:

، إذ الاستسقاء هو (طلب السقاية) والنص الذي يطلب نصَّاً آخراً هو استسقاء نصي، وكذلك الآليات التي اخترناها للتطبيق حسب ما بيَّناه في التمهيد الذي كان مهاداً تعريفيَّاً لمفاصل العنوان والآليات.

الصعوبات التي واجهة البحث

 اختيار المصطلحات من الآيات القرآنية كان لها الأثر البالغ في توجيه المفاهيم، فاختيارها من الآيات المختارة كانت تشكل صعوبة في الاختيار والتحديد والتوضيح، وكذلك استقراء المصادر واستخراج المواطن الخاصة بالتطبيق، بالإضافة إلى تشجير المصطلح.

أهم الروافد المعرفية للبحث

 وكانت الروافد المعرفية التي أغنت البحث منها تفسيرية وحديثية ولغوية ودواوين شعرية، وكتب الادب من رسائل وقصص وروايات ومسرحيات وغيرها، فكانت هذه المصادر هي المرجعيات الثقافية التي استعان البحث بها واستقى مادَّته الخام منها.

التـَّمْـهِـيْد: مـِــهَادٌ تــَعْرِيـْفِي
الاسْتِسْقَاءُ النَّصِّيّ بَيْنَ التَّأْسِيْسِ وَالإجْرَاءِ

 توطئة..

 ما تزال الخطى تسير متوازيةً بين الخطاب النقدي ـ منذ القدم وحتى الآن ـ والخطاب الأدبي، والعلاقة بينهما وطيدة لا تنفك ولم يُصبها الركود أو الضمور لحد الآن، ويحاول الخطاب النقدي استيعاب متغيرات عالم الأدب المتسارعة، ليواكب حالات البناء التركيبي الجديدة الناتجة من قبل المبدعين، التي لم تنتمي لجنس بعينه؛ وإنَّما استطاعت شمول – بإبداع –الأجناس الأدبية باختلافها، رغم تداخلها وتشابهها، فكان المطلوب من النقد استيعاب المنهج الجديد ويتعامل معه بوصفه بناء تركيبياً متنوِّعاً ينتمي إلى الأجناس الأدبية(1).

 ومن مهام النقد الأكاديمي رصد تلك العناصر التي تأخذ على عاتقها تشكيل النصوص وبنائها، وبيان فضاءات إنتاجها، والمعين الذي استقى مادته منه؛ لذا تُعدُّ آلية التناص ـ أو النصوصية أو التنصيص ـ أداة من الأدوات النقدية، وقمينةٌ بالبحث في تاريخ حركة إبداع النصوص، وفاعليتها على ما تؤديه تجديداً في مستوى الإنتاج والتسنين والتأويل، وكذلك بيان المستوى الدلالي والأثر الإبداعي الجمالي، ولهذا نعدَّ موضوع التناص ـ كما أسلفنا ـ من آليات الدراسات النقدية، لمَّا ابتعدت أكثر الدراسات الأدبية عن مفهوم تكوين المسنون (النص) وبادرت إلى عزله في محمولاته الأدبية واللفظية السياقية (الشكلية)؛ رجعت مرة أخرى بثوبٍ جديد لترفع من مكانة النص الأدبي الذي تكوَّن عبر مخاض تناسله وألم توالده من نصوص سابقة له، وراحت تهتم بالعلاقة بين الباث والمستقبِل بالنص(2)، وعلاقتهما بسياق النص الداخلي (البنية العميقة) والخارجي (البنية السطحية). 

 وطبيعة الدراسات الإنسانية تنماز بالمرونة في المصطلحات من حيث الأنماط التطبيقية مما انتج مجموعة من المصطلحات تتفرع عن رافد واحد كما في التعالق النصِّي الذي انتهى به المطاف إلى مفهوم التناص، و برز مفهوم التناص بين المصطلح والإجراء حديثاً ولكنَّ جذوره تمتد إلى أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الآن، ولكن بمصطلحات مختلفة، فكانت لمساته الأولى عند العرب الأوائل إبَّان نشوء العلوم الخاصَّة في النصوص المقدَّسة.

 إلَّا أنَّه في بادئ الأمر كان مذموماً عند النقاد لذا وسموه بــ (الانتحال)، وكتب بهذا المصطلح كبار النقاد، وألمع من درس هذه القضية؛ ابن سلام الجمحي ت(231هـ) في كتابه الشهير (طبقات فحول الشعراء)(3)، وظهرت بعد ذلك مجموعة من المؤلفات بعنوان (السرقات)، وبعد القرن الثالث الهجري خفَّت وطأة النقاد والاحتدام الدائر بين الدارسين؛ فاطلقوا عليه تسمية (الاقتباس والتضمين)، وقد قسموا هذين المصطلحين على مباشر وغير مباشر، ويعني ذلك (توارد الخواطر) أو الإعجاب بنص سابق، فرُفعَ قلم الذم عن هذا المفهوم.

 وهذا لا يعني التزام النقاد جميعاً برفع الحرج عنه؛ بل كان المتصدرون للعلوم يقبلون بهذين المصطلحين وبذلك رفعت كلمة الانتحال، وكان على يد الجرجاني والآمدي والشريف الجرجاني وغيرهم، ثمَّ قطع هذا المفهوم شوطاً ليس بالسهل في المجابهة بين القبول والرد، والأخذ والرفض، إلى أن استوى عوده وأصبحَ علماً مستقلَّاً بذاته وكُتبت فيه مجموعة من الأبحاث في القرون السابع والثامن والتاسع الهجري، والذين حلُّوا هذه العقدة وأطلقوا العنان للاقتباس والتضمين في أدبهم هم الأندلسيون، فكانوا أبناءً بارِّين للشعراء العباسيين في السير على خُطاهم، وكان أدبهم نسخة عن الأدب العباسي؛ لذا وصفهم الدكتور مصطفى الشكعة بقوله: "إنَّ علاقة الأدب الأندلسي بالأدب العباسي كعلاقة الطالب والأستاذ" أي: إنَّ الأندلسيين أخذوا من أساتذتهم وتأثروا بهم فكان لزاماً عليهم أن نهلوا من أفكارهم وعلومهم وأدبهم على مستوى الكلمة والمعنى؛ إلَّا أنَّهم فتحوا باب الاقتباس على مصراعيه تحت مظلةِ: (قل ما تريد ولا تخشى مما يُقال عنك)، ولم يأخذهم نقد الناقدين في ذلك، ونقلوا أدب العباسيين إلى الغرب بثوبه القشيب وفي إطار منمَّق.

 بعد ذلك ظهر مصطلح (الأثر، أو التأثُّر والتأثير) فانتقل الاقتباس إلى مصطلح (الأثر) انتقالة لم تكن بالعسيرة بل لاقت قبولاً وإقبالاً كبيراً من قبل الكتَّاب، ولعلَّ (الأثر القرآني) هو الأبرز والأكثر تداولاً في هذا المضمار، فانبرا الباحثون الجدد إلى البحث فيه، فوُلدت منه مجموعة من الدراسات الأكاديمية الحديثة (رسائل وأطاريح) تحملُ هذا المصطلح، منها على سبيل التمثيل لا الحصر (الأثر القرآني في نهج البلاغة) أطروحة دكتوراه للأستاذ الدكتور عباس علي حسين الفحام، و(الأثر القرآني في شعر السيد رضا الهندي) أطروحة دكتوراه للدكتور ظاهر الموسوي و (الأثر القرآني في حكايات ألف ليلة وليلة) لأحمد السيد النجار، و (أثر القصة القرآنية في الشعر العربي الحديث) لحسن المطلب المجالي، وغيرها من الدراسات الحديثة.

 أما في ستينات القرن الماضي جاء مصطلح(التَّنَاصُّ، أو التعالق النصي المترجم من بالإنجليزية: Intertextuality) في الأدب العربي؛ هو مصطلح نقدي يقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص، وهو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى(4)، وهي لا تعني تأثير نص في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نص تضميناته من نصوص سابقة؛ بل عنت في ذلك: تفاعل أنظمة أسلوبية، وتشمل العلاقات التناصية وإعادة الترتيب، والإيماء أو التلميح المتعلق بالموضوع أو البنية والتحويل والمحاكاة. وهو من أهم الأساليب النقدية الشعرية المعاصرة وقد تزايدت أهمية المصطلح في النظريات البنيوية وما بعد البنيوية. وهو من المصطلحات والمفاهيم السيميائية الحديثة وهو مفهوم إجرائي يساهم في تفكيك سنن النصوص (الخطابات) ومرجعيتها وتعالقها بنصوص أخرى وهو بذلك مصطلح أريد به تقاطع النصوص وتداخلها ثم الحوار والتفاعل فيما بينها. فأصبح مفهوم (التناص) واضحاً بحسب البلغارية كريستيفا (تداخل النصوص في النص الجديد أو التعالق النصي)- وهو يختلف عن السرقات الأدبية أو (التناص) حسب مصطلح الشاعر والناقد الفلسطيني عزالدين المناصرة)(5).

 وظهر حديثاً مصطلح الاستدعاء، وهو المرادف لمفهوم التناص وكان يتعكَّز على ما جاء به التناص، إلَّا أنَّنا وجدناه هجيناً في تطبيق آليَّاته؛ إذ يمازج بين آليات الاقتباس وآليات التناص.

الاستسقاء بين التأسيس والإجراء

 يرتئي البحث أن يؤصِّلَ لمصطلح جديد مستنبط من أشرف وأنبل وأفضل نصٍّ عربي وهو القرآن الكريم، ولعلَّ القارئ الكريم يقول: ما الفرق بينه وبين المصطلحات التي سبقته؟

 الجواب: سيكون لهذا المصطلح أنواع خاصَّة وآليات خاصَّة مُقسَّمة بحسب النوع الذي تنتمي إليه ولا يُجوِّز اختلاط المفاهيم العامة في التطبيق، فعلى الباحث أن يختارَ محوراً معيَّناً من محاور الاستسقاء النصِّي، وقبل بيان هذه المحاور علينا أن نضع حدَّاً للاستسقاء النَّصي..

 حدُّ الاستسقاء: جرت عادة البحث العلمي أنَّه يضع اليد على الحد اللغوي ومن ثم ينتقل إلى بيان المصطلح بياناً اصطلاحيَّاً بحسب ما يراه الواضع.

 الاستسقاء في اللغة: فهو مزيد على سقى يسقي سِقاية من "سَقَيتُهُ ماء، إذا أَعْطَيْتُهُ ماء يشربه، ويقال: سَقَاه الله الغيث وَأَسقاه، ويقال: سَقَى بطنه يَسْقِيْ، إذا استَسْقَى"(6)، فــ"السين والقاف والحرف المعتل أصل واحد، وهو إشراب الشيء الماء وما أشبهه... والسقاية: الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم، والسقاية: الصُواع"(7)، واستسقى: من السقاية مسبوقة بطلب، فهي طلب السقاية ومنها قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}{الأعراف/160}، وقد استقينا المصطلح من هذه الآية المباركة.

 الاستسقاء النَّصي في الاصطلاح: نعني به حركة النّصوص من سابق إلى لاحق، أو حركة النصوص وانسيابها وتداخلها بين بعضها في التعانق بين العبارات اتساقاً وانسجاماً (سبكاً وحبكاً)، إذ يقوم منشيء النص بطلب إرواء نصِّه وسقايته من نصٍّ سابق، وهذا يعتمد على قوَّة الحفظ والحصيلة اللغوية وتمكّن الباث من سبك النصوص في نصِّه، فيكون:

1- بين نصِّ سابقٍ ونصٍّ لاحق، أي بين قديمٍ وحديث.

2- بين نصٍّ ونصٍّ في المدَّة الزمنية نفسها.

3- الاستسقاء الذاتي؛ وهذا يكون تناصاً بين نصوص الكاتبِ نفسه، وفي هذا يكون الأمر نسبيَّاً.

 أنواع الاستسقاء النَّصِّي:

 أشرنا إلى أنّ هذا المصطلح تنضوي تحته أنواع ولهذه الأنواع آليات لابدّض من مراعاتها في التطبيقات النصِّية، وهذه الأنواع:

1ـــ الاستسقاء المعرفي الإنساني: وهو الاستسقاء الخاص بالنصوص الإنسانية دون العلمية وينقسم على:

 أ ـــ الاستسقاء المعرفي الديني: وهذا الاستسقاء يكون خاصَّا في النصوص الدينية (القرآنية والحديثية الروائية).

 ب ـــ الاستسقاء المعرفي الفكري: إمَّا هذا النوع من الاستسقاء سيكون خاصَّا في اللغة والأدب(الشعر والنثر)، وكذلك تدخل فيه الفروع الإنسانية الأخرى (التاريخ، الاجتماع، الفلسفة، المنطق، القانون...).

2ـــ الاستسقاء المعرفي العلمي: يختصّ هذا الاستسقاء ببيان النصوص العلمية (النظرية والتجريبية)؛ حيث يُبيِّن مدى استسقاء النصوص من المعرفية العلمية، وهذا ما يكون محل دراسته الأبحاث العلمية.

 ملاحظة: على الباحث التمييز بين النصوص الإنسانية والعلمية وتحديد وجهة بحثه، فعلى سبيل المثال: عند دراسة نصٍّ معيَّن وهذا النص قد استسقى قصَّة ذي القرنين فعلى الباحث أن يجد مدى انسجام النص مع أفعال ذي القرنين، فما فعله ذو القرنين كان يميل إلى جانب الهندسة والإعمار؛ فهو ينتمي إلى الاستسقاء المعرفي العلمي؛ فلا يدرسه في الجانب الإنساني، إي: أنَّ الشاعرَ مثلاً يذكر ذا القرنين في موضع المدح لرجل لم يُحسن صنعة البناء فعلى الباحث بيان القطع الموضوعي بين أفعال ذي القرنين والشخص الممدوح، فيتحول عمله من وصفي إلى نقدي، فهذا لُب عملنا في هذا المصطلح وأنواعه وآلياته فهذا العمل يعتمد على قوَّة الملاحظة والتدقيق في ماهيَّة توظيف النصوص بهذه الآليات.

 أو يمدحُ الشاعر إمرأة سياسية بقوله: أنتِ نازك الملائكة في هذا العصر، فعلى الباحث بيان عدم الانسجام بين الموصوف والموصوف لها.

 فإذا تمَّ فهم هذا المعنى من الاستسقاء بنوعيه؛ ينطلق الباحث بعد ذلك بتطبيق الآليات الخاصة بالاستسقاء على النصِّ الذي يُريد دراسته.

 آليات الاستسقاء النَّصي

 الاستسقاء النَّصِّي حاله حال المصطلحات الأخرى لابدَّ له من آليَّات لتطبيقه علىى النصوص؛ ولذا نقترح أن تكون الآليات:

1ــ التدويل: نقترح هذا اللفظ بدلاً عن (الاجترار التناصّي)؛ فهذا القانون من أكثر قوانين التناص جدلاً بين الناقدين؛ لأنَّ معنى الاجترار في اللغة العربية هو ((الجِرَّةُ: جِرَّةُ البعير حين يَجْتَرُّها فَيَقْرِضُها ثم يَكُ ظِمُها. الجوهري: الجِرَّةُ، بالكسر، ما يخرجه البعير للاجْتِرار. واحْتَرَّ البعير: من الجِرَّةِ، وكل ذي كَرِشٍ يَجْتَرُّ.))(8)، فهو مأخوذ اجترار الحيوان بعد بلع الطعام، فاللفظ لا يدلُّ على معنى المقصود، فاجترار الحيوان يكون عن فراغ في فمه، أمَّا المعنى لمفهوم القانون يعني تدويل النصوص وتكريرها لفظاً ومعنى، أو أجزاء من اللفظ مع بقاء المعنى، أو تبديل الألفاظ مع بقاء المعنى، فالبحث يُحبِّذُ لفظ (التدويل) بدلاً عن (الاجترار) حتى ينطبق العنوان والمعنون.

 والتدويل: مصطلح استقيناه من قوله تعالى: { وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}{آل عمران/140}، ودَوَلَ في اللغة: "يدَّلُّ على تحوّل الشيء من مكان إلى مكان... وتداول القوم الشيء بينهم؛ إذا صار من بعضهم البعض"(9)، وهذا ينطبق تماماً مع مفهوم إعادة النصوص دون تغيير أو تبديلٍ أو تحوير أو تحويل.

2ـــ التأليف أو التوليف: وهو مؤالفة أو التوليف بين ألفاظ النص السابق والفاظ النص الجديد، فتكون ملامح النص القديم بائنة من ألفاظه المتفرقة في النص الجديد، فلا يفقد النص القديم جميع ألفاظه في النص الجديد وإنَّما تبقى منها ما تُشير إلى عائديته إلى أصله، وهذا المصطلح استسقيناه من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}{آل عمران/103}. فالائتلاف هو استسقاء ألفاظ سابقة وتوائمها مع ألفاظ جديدة لتكوين نصٍّ مُبدع.

3ـــ الارتشاف: وهو عملية ارتضاع المعنى وصياغته بكلمات جديدة، وهو في اللغة من "ارتشف، رشف، رضع أو ارتضع (وبالأسبانية عند الكالا بالمعنى نفسه: chotar، chupar humor) أو رشف شيئا فشيئا (بوشر)."(10)، وإلى هذا المعنى يذهب أحمد مختار عمر في قوله: "ارتشف الماءَ ونحوه: رشَفَه؛ مصَّه بشفتيه مبالغًا في ذلك لا يشرب إلا ارتشافًا."(11)، ومن هذا المعنى استقينا المصطلح ليتم حبك العنوان بالمعنون.

Rectangle: Rounded Corners: الاستسقاء النصِّي بعد بما تقدَّم نُشير إلى المفهوم العام وما يتفرع منه لنظرية الاستسقاء النصي في المخطط الآتي: 

 {img_1}

 {img_2}

 وبهذين المخططين تكون فكرة النظرية قد اكتملت وبعدها ننتقل للتطبيقات، علماً سنقتصر على الأمثلة دون تشعب.

المآخذ على المصطلحات المشابهة

1-التناص: نظرية التناص هي نظرية أدبية طُورت من قبل الناقد الأدبي الفرنسي جيرار جينيت في السبعينيات. هذه النظرية تهدف إلى دراسة العلاقات بين النصوص الأدبية المختلفة.

 على الرغم من أهمية نظرية التناص في دراسة الأدب، إلا أن هناك بعض العيوب التي يمكن أن تُلاحظ في هذه النظرية، ومنها:

* المآخذ الرئيسة

1. الغموض والتعقيد: نظرية التناص تُعد نظرية معقدة وغامضة، مما يجعل من الصعب فهمها وتطبيقها.

2. الانفتاح على التفسيرات المختلفة: نظرية التناص تتيح للقارئ تفسير النصوص الأدبية بشكل مختلف، مما قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة أو غير دقيقة.

3. التركيز على العلاقات بين النصوص: نظرية التناص تركز على العلاقات بين النصوص الأدبية المختلفة، مما قد يؤدي إلى إهمال السياق التاريخي والثقافي للنصوص.

4. الاعتماد على الذوق الشخصي: نظرية التناص تعتمد على الذوق الشخصي للقارئ، مما قد يؤدي إلى تفسيرات خاطئة أو غير دقيقة.

5. المحدودية في تطبيقها: نظرية التناص لا يمكن تطبيقها على جميع النصوص الأدبية، خاصة النصوص التي لا تحتوي على عناصر تناصية واضحة.

6ـــ مصطلح (التناص): هذا المصطلح يدل على الأخذ والعطاء وهو فقير للتطبيق على النص القرآني، لأنَّ القرآن الكريم لا يأخذ.

7ــ مصطلحات الآليات: مصطلحات الآليات على استفهام كالاجترار الذي لا ينطبق على المفهوم، وكذلك الحوار والامتصاص.

* النقاط الضعيفة في نظرية التناص

1. الاعتماد على المفاهيم النظرية: نظرية التناص تعتمد على مفاهيم نظرية معقدة، مما يجعل من الصعب فهمها وتطبيقها.

2. الغموض في تعريف التناص: تعريف التناص في نظرية التناص غير واضح تمامًا، مما يجعل من الصعب تحديد ما يعتبر تناصًا وما لا يعتبر.

3. النقص في التطبيق العملي: نظرية التناص لا تقدم تطبيقات عملية واضحة لتحليل النصوص الأدبية.

4ـ عشوائية التطبيق: نجد التطبيق العملي يمزج بين المفاهيم النصية، الجزئي يتداخل في الكلي وكذلك المعنوي، واللغوي مع الديني والاجتماعي... وهكذا.

 رغم هذه العيوب، فإن نظرية التناص لا تزال نظرية مهمة في دراسة الأدب، وتقدم أدوات مفيدة لتحليل النصوص الأدبية.

 ففي العيوب الرئيسة الغموض والتعقيد ممكن بجزئيات قليلة والانفتاح على التفسيرات يحدد وفق ثقافة المتلقي والباحث والعلاقات بين النصوص لها أبعاداً تاريخية وثقافية لأنَّنا نبحث في التناص عن الشخصيات والأحداث التاريخية التي تحيلنا إلى معرفة الاتصال بين النصوص، وأما الذوق الشخصي فله أبعاده المختلفة بين الجميع مما يجعل الانفتاح أكثر واوسع وهذا ما أرادته كريستيفا، وأما عن النقاط الضعيفة فالتناص فعلا يعتمد على المفاهيم؛ لكن كريستيفا جعلت المجال مفتوحاً لأنها أدركت أن مجال العمل له يجب أن يكون واسعاً ولم تحدده بأطر ضيقة.

2-الأثر القرآني: هو التأثير الذي يخلفه القرآن الكريم على الفرد والمجتمع عبر النصوص، على الرغم من أهمية الأثر القرآني في تشكيل النص الذي تم توظيفه فيه، إلا أن هناك بعض العيوب التي يمكن أن تظهر في تطبيق الأثر القرآني، ومنها:

المآخذ الرئيسة

1. الانحراف عن المعاني الحقيقية: يمكن أن يحدث انحراف عن المعاني الحقيقية للقرآن الكريم عند تطبيقه على النصوص.

2. التفسير الخاطئ: يمكن أن يحدث تفسير خاطئ للقرآن الكريم عند عدم وجود فهم صحيح للمعاني والسياق.

3. الاستعمال الفوضوي: يمكن أن يُستعمل القرآن الكريم لأغراض شتى دون النظر إلى القدسية، مما يؤدي إلى تشويه المعاني الحقيقية.

4. الانقسام والخلاف: تداخل المصطلحات التطبيقية بين مفاهيم الاقتباس والتضمين من جهة؛ وآليات الأثر القرآني من جهة أخرى.

5. الغموض والتعقيد: يمكن أن يكون الأثر القرآني غامضًا ومعقدًا عند عدم وجود فهم صحيح للمعاني والسياق، وهذا ما وجداناه بكثرة في البحوث الخاصَّة في الأثر القرآني.

6. النقص في التطبيق العملي: يمكن أن يكون الأثر القرآني ناقصًا في التطبيق العملي عند عدم وجود فهم صحيح للمعاني والسياق.

3-القرآنية: أهم الآخذ على هذا المفهوم؛ هو المصطلح الرئيس، فهو ضيق جدّاً والدراسة فيه لا تعدو البحث الصغير، أمَّا الآليات التي اعتمدت عليها القرآنية، فهي هجين من آليات التناص وآليات الأثر القرآني، مما أربك البحث فيها عند التطبيق، والدراسات التي طبَّقت هذه النظرية انمازت بالعيوب الآتية:

1ــ انحسار البحث في القرآن الكريم: وقد وجدنا بعض الدراسات حاولت بطريقة أو بأخرى توسيع دائرة البحث لغرض التنويع، لذا سيطر عليها الاسهاب.

2ــ تشتيت المتلقي بين مفاهيم القرآنية: فالباحث يُشير إلى القصة القرآنية وإلى النص الخالي من القصة كل على حدة وفي التطبيق نجد الخلط واضحاً نتيجة التضييق البحثي.

3ــ القرآنية المحوَّرة: لا تعدو أنها خليط من مصطلح التناص (الحوار) والاثر القرآني (الجزئي)، والتوليف بين المصطلحين سلخ الفكرة من مفهومها.

4ــ لا يمكن أن تُطبق هذه النظرية على البحوث الدينية أو اللغوية الأخرى، فلا يمكن أن نطبقها الحديث أو الرواية المعصومية، أو ما يختص بالجانب اللغوي والأدبي، لأنَّها تتعارض والمصطلح الرئيس.

5ــ القرآنية: تُطبَّق على التوظيف القرآني؛ فإذا بحثنا في الحديث يجب أن تُغيَّر إلى مصطلح (الحديثية)، وإذا كان بالإمكان تغيير المصطلح سنواجه مشكلة أكبر وهي: إذا درسنا الأمثال ماذا سنطلق من مصطلح؟؟، وإذا درسنا الخطب؟؟ وإذا درسنا المقال؟؟!!.... وهكذا يتضح افتقار هذا المصطلح وآلياته للمفهوم الخاص بالغرض.

 وغيرها من المصطلحات التي لا تخلو من مآخذ، فارتأينا أن نضع هذه النظرية ونحدد تقسيماتها لنوجه البحث فيها، والله ولي التوفيق..

نظرية الاستسقاء النَّصي (المعرفي الإنساني)

توطئة..

 يختصُّ هذا المفهوم ببيان الاستسقاء النصِّي المعرفي للعلوم الإنسانية، وهي العلوم التي تختص بالعلوم النظرية التي لا تخضع لمختبرات علمية أو تجريبية ينتج بوساطتها تفاعلات كيميائية أو الحصول على حيثيات فيزياوية وغيرها مما يُسمَّى بالعلوم الصرفة؛ وإنَّما يختص بالاستسقاء بين النصوص الجمالية اللغوية وبيان تفاعلاتها وكيفية انتاجها لنصٍّ جديدٍ يشعُّ منه الجمال الفني والقصدية المعرفية، حيث تنفتح النصوص وتتفاعل مع بعضها ـــ وهي على ذلك منذ القدم ــــ، وكل نص هو فضاء مفتوح قابل للاندماج والتفاعل مع غيره من النصوص، فالاستسقاء النصي يمثل الحضور المشترك بين نصين أو أكثر، بموجب الثقافة الواسعة والتفاعل النصي، الذي يتمظهر في إقامة النص لعلاقات مع نصوص أخرى، وهذه العلاقات تتيح للنص السابق الظهور فيصبح للنص ذات مستقلة.

 ومن هذا المنطلق يشرع البحث بالتطبيق في هذه النظرية وعلى محاور عدَّة؛ لأنَّها واسعة ومتشعبة بحسب أنواعها، أي: إنَّنا إذا شرعنا بالبحث في الاستسقاء المعرفي الإنساني بلونه (الديني) سنلتزم بذلك أثناء التطبيق ونبعد كا ما هو لا ينتمي لهذا اللون، وكذلك إذا بحثنا في لونه (الفكري) سنبتعد عن الديني تماماً لأنَّ ذلك يُخالف ما ألزمنا النظرية بها في عتبتها التمهيدية.

 أمَّا الآليات؛ فستُطبَّق على جميع الألوان المعرفية النصيَّة لأنَّها أساس التطبيقات التي سيتخذها الباحث مغرزاً يغزل بوساطتها الثوب البحثي القشيب، فسيكون التدويل والتوليف والارتشاف، وشي الجماليات النصِّية توشِّي البحث في الاستسقاء النصِّي.

الاستسقاء النصِّي المعرفي الإنساني

 في هذا المبحث سندرس الاستسقاء النصي المعرفي الإنساني بشكل عام، نريد القول: إنَّه بالإمكان دراسة النصوص الإنسانية بشكل عام تحت المسمَّى الإطاري لمفهوم (المعرفي الإنساني) وهنا سيكون بالإمكان التوليف البحثي بين النصوص، ولكن هذا سيكون البحث فيه متشعباً، فعلى الباحث أن يُقسِّم بحثه على:

المبحث الأول
الاستسقاء المعرفي الديني

 وفي هذا القسم يدرسه من جانبين:

 أوَّلاً: القرآني: وهنا يُقسِّمه على (الاستسقاء بالتعبير القرآني والاستسقاء بالقصص القرآني) ويجب التفريق بينهما وعدم الخلط بين العبارة القرآنية الخالية من القصة من جهة؛ والقصَّة القرآنية من جهة أُخرى.

1ــ التعبير القرآني: نقصد بالتعبير القرآني؛ السياقات القرآنية خارج نطاق القصص التي وردت في القرآن الكريم.

أمثلة تطبيقية: التعبير القرآني:

التدويل من التعبير القرآني في (الشعر):

 مثل قول الشاعر: [من المتدارك]

عُذراً يا قيُّومَ العصرِ---إنَّ الإنسانَ لفي خُسرِ(12)

 فعجز البيت تدويل من قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ }{العصر/2}.

 وكذلك ما جاء في قول الشاعر: [من الكامل]

يا أَيُّها الراجون َ منهُ شفاعةً---صلُّوا عليهِ وسلِّموا تسليما(13)

 فعجز البيت تدويل من قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }{الأحزاب/56}، هذا في الشعر.

التدويل من التعبير القرآني في النثر:

 أمَّا في النثر، مثل ما جاء في خطبة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيقول: " فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ؟ اَلرَّسُولُ ص؟ عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ وَ قَالَ وَ فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ ذَكَرَ أَنَّ اَلْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لاَ اِخْتِلاَفَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِاَللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً"(14)، إذ استشهد الإمام (عليه السلام) بمجموعة من الآيات المباركات تدويلاً وتوليفاً وارتشافاً، إلَّا أنَّنا سنذكر التدويل فقط، فالإمام (عليه السلام في النص آنف الذكر ذكر قوله تعالى:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} {الأنعام/38}، وقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}{النساء/82}، وهذا تدويل نصِّيٌّ من هذه السور المباركة.

التوليف مع التعبير القرآني (في الشعر):

التوليف ليس في الكلمات فقط وإنَّما إذا تم تغيير الحروف أو الحركات خرج النص من التدويل إلى التوليف، مثل قول الشاعر: [من الطويل]

ولولاه ما قلنا ولا قال قائلٌ---لمالكِ يوم الدينِ إيَّاك نعبدُ(15)

 قام الشاعر بالتوليف مع القرآن الكريم من قوله تعالى: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }{الفاتحة/5}.

 وكذلك قول الشاعر: [من الرمل]

إنَّه مَن ينقلب ليس يضرُّ الــــــــــــــــــــله شيئاً وسيجزي الشاكرينا(16)

وهو توليف مع قوله تعالى: {وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}{آل عمران/144}، ورغم التبديل البسيط بين الكلمات؛ خرج النص من التدويل إلى التوليف.

 ومنه قول الشاعر: [من الكامل]

اللهُ زادَ مــحــمــــداً تــــكــريـــمـــــا---وحباهُ فضلاً من لدنه عظيما

 واختصَّه في المرسلينَ كريما---ذا رأفـةٌ بـالـمُـؤمـنـين رحيما(17)

 هذان البيتان جميعها في كلِّ شطر منهما هو توليف مع آية مباركة، فالشطر الأول من البيت الأول توليف مع قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }{التكوير/19}، والشطر الثاني توليف مع قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}{القلم/4}.

 أمَّا صدر البيت الثاني توليف مع قوله تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}{الأحزاب/40}، وعجز البيت الثاني هو توليف مع قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }{التوبة/128}، ولا نريد الخوض بجماليات التدويل والتوليف بقدر ما نريد منه غرض الاستشهاد والتطبيق.

التوليف مع التعبير القرآني في (النثر):

 مثل قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "...مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَ رَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ وَ أَخْوَفُهُمْ لَكَ وَ أَقْرَبُهُمْ مِنْكَ لَمْ يَسْكُنُوا اَلْأَصْلاَبَ وَ لَمْ يُضَمَّنُوا اَلْأَرْحَامَ وَ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ وَ لَمْ يَشْعَبْهُمْ رَيْبُ اَلْمَنُونِ وَ إِنَّهُمْ عَلَى مَكَانِهِمْ مِنْكَ وَ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَكَ وَ اِسْتِجْمَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِيكَ وَ كَثْرَةِ طَاعَتِهِمْ لَكَ وَ قِلَّةِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ أَمْرِكَ لَوْ عَايَنُوا كُنْهَ مَا خَفِيَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ لَحَقَّرُوا أَعْمَالَهُمْ وَ لَزَرَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَ لَعَرَفُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَ لَمْ يُطِيعُوكَ حَقَّ طَاعَتِكَ"(18)، في هذا النص المبارك نجد توليفاً كثيراً مع الآيات القرآنية الشريفة، منها مع قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}{فاطر/1}، وكذلك مع قوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ}{المرسلات/20}، ومنه توليف مع قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}{الطور/30}، وغيرها. لذا أي تغيير في كلمات النَّص حتى على مستوى الحركة يخرج الاستسقاء النصي من آلية التدويل إلى آلية التوليف.

الارتشاف من التعبير القرآني (الشعر):

 يُشترط بالارتشاف ذوبان النص السابق بكلِّيَّته سوى المعنى داخل النص الجديد، من ذلك ما جاء في قول الإمام أمير مؤمنين (عليه السلام): [من الطويل]

 لـعـمـروكَ مـا الإسـلامُ إلَّا بدينهِ---فلا تدعِ التقوى اتكالاً على النسب

 فقد رفعَ الإسلامُ سلمانَ فارسٍ---وقد وضعَ الشركُ الشريفَ أبا لهب(19)

 هذان البيتان هما ارتشاف من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }{الحجرات/13}، ولم نجد من ألفاظ الآية شيئاً في البيتين سوى المعنى العام للآية.

الارتشاف من التعبير القرآني في (النثر):

 في هذا الموضوع يجب أن نستعمل ذات الأمر في الشعر، وهذا أسهل بكثير مما في النظم، مثالنا على ذلك قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر (رضوان الله تعالى عليه): "إِيَّاكَ وَ اَلدِّمَاءَ وَ سَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ وَ لاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ وَ لاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ وَ اِنْقِطَاعِ مُدَّةٍ مِنْ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا"(20)، وهذا القول ارتشاف من قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}{المائدة/32}، فهذه أمثلة توضيحية ومن أراد لذلك مسلكاً فدونه النصوص التي لا حصر لها في التراث العربي.

2ــ القصص القرآني: في هذا المضمار يستوجب على الباحث البحث في ما يتعلَّق بالقصص القرآني ويبتعد عن كل ما ليس له صلة بها، وأمثلة ذلك بالآليات المستعملة:

التدويل من القصص القرآني في (الشعر):

 مثل قول الشاعر: [من المتدارك]

أمفلَّجُ ثغركَ أم جوهر---ورحيقُ رضابكَ أم سُكَّر

قد قالَ لثغركَ صانعهُ---إنَّا أعطيناكَ الكوثر(21)

 فهو استسقاء تدويلي من قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} {الكوثر/1}، وهذه الآية المباركة نزلت ردَّاً على ادعاء العاص بن وائل السهمي الذي نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنَّه أبتر لا عقِبَ له(22)، فالاستسقاء التدويلي في هذين البيتين مُستقى من القصَّة القرآنية.

التدويل من القصص القرآني في (النثر):

 مثل قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ اَلْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ فَإِنَّ اَلنَّاسَ قَدِ اِجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ شِبَعُهَا قَصِيرٌ وَ جُوعُهَا طَوِيلٌ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّمَا يَجْمَعُ اَلنَّاسَ اَلرِّضَا وَ اَلسُّخْطُ وَ إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ؟ ثَمُودَ؟ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَعَمَّهُمُ اَللَّهُ بِالْعَذَابِ لَمَّا عَمُّوهُ بِالرِّضَا فَقَالَ سُبْحَانَهُ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ"(23)، إذ نجد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يُدوّل الآية المباركة: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ}{الشعراء/157}، في ختام النص ليُشير إلى القصَّة القرآنية بتمامها لغرض العظة والعبرة.

التوليف مع القصص القرآني في (الشعر):

 مثل قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): [من الطويل]

أبا لهبٍ تبَّتْ يداكَ أبا لهبْ---وتبَّتْ يداها تلكَ حمَّالةُ الحطبْ(24)

 وهذا البيت توليف مع قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ {1} مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ {2} سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ {3} وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ {4} فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ}{المسد/5}، وقصَّة أبي لهب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) معروفة من الخذلان وإسلامه لقريش وتخلِّيه عنه، فوالف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بين ألفاظ نصِّه وألفاظ الآيات القرآنية المباركة.

 وكذلك قول محمد بن ادريس الشافعي في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمَّا سُئلَ عنه قال: [مجزوء الرجز]

إنَّا عبيدٌ لفتى---أُنْزلَ فيه (هل اتى)

إلى متى أكتمه---إلى متى إلى متى(25)

 فولَّف الشاعر بين ألفاظه وألفاظ سورة الإنسان في قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} {الإنسان/1}، التي نزلت مدحاً لأهل بيت النبوَّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي في تلك القصَّة المعروفة من صومهم ومجيء المسكين واليتيم والأسير وإطعامهم، فاستطاع الشاعر أن يختزل القصَّة في كلمتين وأحال بوساطتهما إلى القصَّة.

توليف القصَّة القرآنية مع (النثر):

 مثل وصيَّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه في قوله: "تَعَاهَدُوا أَمْرَ اَلصَّلاَةِ وَ حَافِظُوا عَلَيْهَا وَ اِسْتَكْثِرُوا مِنْهَا وَ تَقَرَّبُوا بِهَا فَإِنَّهَا كانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً"(26)، إذ والف الإمام (عليه السلام) وصيَّته مع قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا }{النساء/103}، فاتخذ الإمام (عليه السلام) من الآية المباركة منطلقاً إلى الحث والإرشاد وحضّ الناس على الالتزام بالصلاة مع ذكر بعض ألفاظ الآية المباركة.

ارتشاف القصَّة القرآنية في (الشعر):

مثل قول الشاعر [من الطويل]

سلامٌ على مَن ساقَ جبريل نحو الــــ براقِ وقالَ: اركب كرمتَ موفَّدا(27)

 فارتشف الشاعر قصَّة الإسراء والمعراج وصاغها بألفاظه دون ذكر لأيِّ لفظ صريح لهذه القصَّة، إلَّا أنَّ القارئ لمَّا يقع نظره على ألفاظ البيت يُحيله المعنى العام إلى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }{الإسراء/1}، من دون تفكر أو تدبر في البيت.

الارتشاف من القصَّة القرآنية في (النثر):

 ما جاء عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في زرارة بن أعين، قال لابن زرارة: " اقرأ مني على والدك السلام وقل له: إني إنما أعيبك دفاعاً عنك فإن الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربته وحمدنا أمره بإدخال الأذى عليه وقتله ويحمدون كل من عبناه فأعيبك لأنك اشتهرت بنا وبميلك إلينا فعبتك ليحمدوا أمرك ويكون بذلك دفع شرهم عنك"(28)، والإمام الصادق (عليه السلام) في ذمِّ زرارة بن أعين أراد الحفاظ على حياته كما حافظ الخضر (عليه السلام) على سفينة المساكين التي خرقها في قوله تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا }{الكهف/71} إلى أن أفصح الخضر (عليه السلام)عن سبب الخرق في قوله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}{الكهف/79}، وهذا كان من شأن أهل البيت في الحفاظ على أصحابهم، فكان الارتشاف من القصَّة القرآنية لغرض الحفاظ على أرواح الناس المقرَّبين.

 إلى هنا نستطيع القول بتمام مفاصل موضوع الاستسقاء النصي المعرفي الديني بقسمه (القرآني).

 ثانيا: الروائي:

 وهنا يُقسَّم على (الاستسقاء النصي من الحديث النبوي، والاستسقاء النصي من الحديث الإمامي) ويدخل في ذلك (الحديث القدسي)؛ لأنَّه ينماز بالألفاظ النبوية والمعنى الإلهي. وسيكون التطبيق بحسب الآليات التي اتبعناها في القسم الديني (القرآني).

 التدويل للحديث الشريف في النصوص الأدبية:

 يرد هذا اللون من في كثير من النصوص الأدبية واللغوية عبر الاستشهاد بالحديث النبوي او الرواية المعصومة الواردة من طريق آل محمد (صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين)، من ذلك ما جاء في قول الشاعر: [من الرمل]

أيُّ عيدٍ مثل هذا اليومِ فينا---رضيَّ الله به الإسلامَ دينا

بلَّغَ الهادي به ما أنزلَ الــــــــــــــــله في شأنِ أميرِ المؤمنينا

 قـائــلاً: إنَّ عـــلـيّـَاً وارثـي---ووزيري وإمامِ المسلمينا(29)

 فكانَ البيتُ الثالث تدويلاً من قول رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): " إن لكل نبي وصيا ووارثا، وإن عليا وصيي ووارثي"(30)

 وكذلك ما جاء في قول الشاعر: [مجزوء الرجز]

نـبيُّـــنــا مـــحـمـــــدُ---مـن الـعـلا مــؤيَّدُ

وفاطمٌ خير النسا---لها ولاء الأنفسا

 عليُّنا خيرُ البشر---ومَن أبى فقد كفر(31)

 فصدر البيت الثاني تدويلاً من قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): " خَيْرُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ: مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ."(32).

 وعجز البيت الثالث تدويلاً من رواية الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه رضوان الله تعالى في أماليه بأسناده عن أبي الزبير المكي قال: رأيت جابرا متوكأ على عصاه وهو يدور في سكك الأنصار ومجالسهم، وهو يقول عن النبي صلى الله عليه وآله: "علي خير البشر فمن أبى فقد كفر، يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حب علي بن أبي طالب، فمن أبي فانظروا في شأن أمه"(33). فقد اكتمل مفهوم التدويل من الرواية الشريفة في الشعر.

 أمَّا التدويل في النصوص الأدبية الأخرى كما جاء في قول أمير البلاغة والكلام الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمَّا احتجَّى على أهل السقيفة الثانية التي نتج عنها تعيين عثمان بن عفَّان خليفة لعمر؛ فقال: " أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة. غيري؟ قالوا اللهم لا. وقوله صلى الله عليه وآله: انت أخي في الدنيا والآخرة، ومن كنت مولاه فعلي مولاه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، وأنا مدينة العلم وعلي بابها. "(34)، وغيرها من التصوص الأدبية التي جاء فيها التدويل من الحديث الشريف، وما ذكرناه للتمثيل لا للحصر.

التوليف مع الحديث المعصوم:

 جاء هذا اللون من الاستسقاء النَّصي كثيراً في النصوص الأدبية، مثل قول الشاعر: [من البسيط]

 نبئت أن أبانا كان عن أنس---يروي حديثاً عجيباً معجبا عجبا

 في طائر جاء مشويا به بشر---يـومـا وكــان رســول الله مـحـتجبا

أدناه منه فلما أن رآه دعا---ربا قريبا لأهل الخير منتجبا

ادخل إلي أحب الخلق كلهم---طرا إليك فأعطاه الذي طلبا

فاغتر بالباب مغترا فقال لهم كذا---من ذا وكان وراء الباب مرتقبا

من ذا فقال علي قال إن له---شأنا له اهتم منه اليوم فاحتجبا

فقال لا تحجبن مني أبا حسن---يوما وأبصر في أسراره الغضبا

من رده المرة الأولى وقال له---لج واحمد الله وأقبل كل ما وهبا

أهلا وسهلا بخلصاني وذي ثقتي---ومن له الحب من رب السما وجبا

وقال ثم رسول الله يا أنس---ماذا أصاب بك التخليط مكتسبا

ماذا دعاك إلى أن صار خالصتي وخير قومي لديك اليوم محتجبا

فقال يا خير خلق الله كلهم---أردت حين دعوت الله مطلبا

بأن يكون من الأنصار ذاك لكي---يكون ذاك لنا في قومنا حسبا(35)

 فهذه الأبيات فيها توليف مع قصَّة الحديث المشهور (بالطائر المشوي)، وهو كالآتي:

 جاء عن عبد الملك بن عمير، عن انس قال: " أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طائر فوضع بين يديه، فقال: اَللّهُم ائتني باَحب خلقك اليك يأكل معي، فجاء علي فدَق الباب، فقلت: مَن ذا؟ فقال: انا علي، فقلت: اِن النبي(صلى الله عليه وآله) على حاجة، فرجع ثلاث مرات كل ذلك يجيء، قال: فضَرب الباب برجله فدخل، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما حبسَك؟ قال: جئتُ ثلاث مرات كل ذلك يقول: النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما حملك على ذلك؟ قال: قلت: كنتُ أحب أن يكون رجلا من قومي"(36). فوالف الشاعر بين القصَّة والحديث الوارد فيها وبين كلماته في الأبيات التي ذكرنا.

 ومن ذلك أيضاً ما جاء في توليف السيد رضا الهندي في قصيدته مع قول الإمام الحسين (عليه السلام) يقول الهندي: [من الكامل]

لـم أنـسهُ إذ قـامَ فـيهم خـاطبا---فــإذا هـمُ لا يـملكونَ خـطابا

يـدعو ألـستُ أنـا ابنَ بنتِ نبيّكم---ومـلاذكم إن صـرفُ دهـرٍ نابا

هـل جـئتُ في دينِ النبيّ ببدعة--- أمْ كـنـتُ فـي أحـكامهِ مـرتابا

أمْ لـم يـوصِّ بنا النبيُّ وأودعَ الـــــــــــــــــــــــثـقـلينِ فـيـكم عـترةً وكـتابا

إن لـم تـدينوا بـالمعادِ فراجعوا---أحـسـابكم إن كـنـتمُ أعـرابـا

فـغدوا حـيارى لا يـرونَ لوعظه---إلاّ الأسـنَّـةَ والـسـهامَ جـوابا

 حـتى إذا أسـفت عـلوجُ أُمـيّة---أن لا تـرى قـلبَ الـنبيّ مُصابا(37)

 وهذه الأبيات فيها توليف مع خطاب الإمام الحسين (عليه السلام) في قوله: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم، و ارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا."(38)، فوالف الشاعر بين ألفاظ الإمام الحسين (عليه السلام) وبين ألفاظه في النص الشعري داخل إطار المعنى ذاته.

 الارتشاف من الحديث المعصوم

 كما اشرنا إلى أنّ الارتشاف هو ارتضاع المعنى دون ذكر لفظ من ألفاظ النص المستسقى منه، وهذا كثير جداً في النصوص العربية ولكنَّه ينماز عن الآليات الأخر باستلزام وجود العلم الغزير والحصافة في استخراج النص، مثل قول الشاعر: [من المتقارب]

فيا ابن البتول وحــســبي بـها---ضماناً على كل مـــا أدّعـــي(39)

 فقد ارتشف الشاعر معنى قول الإمام الباقر (عليه السلام) في السيدة الزهراء (عليها السلام) في قوله لجابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه): "والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردئ"(40)، فكان البيت في سبيل النداء الذي خرج إلى الدعاء والتمني بأن يكون من هؤلاء الذين تلتقطهم السيدة الزهراء (عليها السلام) من دون أن يذكر لفظاً من ألفاظ النص المستسقى منه.

 ومن ذلك ما جاء في قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهدهِ لمالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه): " وَ لاَ يَكُونَنَّ اَلْمُحْسِنُ وَ اَلْمُسِي ءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لِأَهْلِ اَلْإِحْسَانِ فِي اَلْإِحْسَانِ وَ تَدْرِيباً لِأَهْلِ اَلْإِسَاءَةِ عَلَى اَلْإِسَاءَةِ"(41)، وهذا القول المبارك هوارتشاف من قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " فأَعْطِ كُلَّ ذِيْ حَقٍّ حَقَّهُ"(42)، فالمعنى حاصل مع التفصيل في نصِّ امير المؤمنين (عليه السلام) وهو ارتضاعٌ كامل لنصِّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذا على سبيل التمثيل؛ فالنصوص كثيرة جداً.

 وإلى هذا الحد ينتهي مفهوم الاستسقاء النصي المعرفي في لونه الديني.

المبحث الثاني
الاستسقاء المعرفي (الفكري)

الفكري:

 كما تقدَّم؛ أنَّنا فصلنا بين الديني والفكري وخصصنا الديني بالقرآني والروائي وما يتعلق بالدين فقط، أمَّا ما يخص الفكري فسندرس فيه العلوم الإنسانية الأخرى كالشعر والنثر والتاريخ وغيرها بحسب ما يحوي هذا المفهوم، ونُكرر ما ذكرنا سابقاً: سنورد الأمثلة على سبيل الاستشهاد لا الحصر لغرض تثبيت الفكرة وبيانها فقط؛ ومن طريقها نرسم خارطة للباحثين للسير على منالها إن شاء الله تعالى، وما عملنا هذا إلا بسبب ملاحظتنا للخلط الذي حصل ويحصل في البحوث الأكاديمية فأردنا الفصل بين المفاهيم الاستسقائية، وهذا اللون المعرفي يُدرس فيه:

 أ ـ الشعر: وهذا ينقسم على: (الاستسقاء النصي في الشعر العمودي، والاستسقاء النصي في الشعر الحر)، وعلى الآليات المتَّبعة في الاستشقاء النصي سيكون:

المحور الأوَّل:
الاستسقاء النصي (الفكري) في الشعر العمودي.
 التدويل في الشعر العمودي:

 كثيراً ما يأتي الشعراء بالتدويل الشعري من شعر غيرهم؛ إمَّا أن يكون ذلك بقصد ــ لتحبيذ الشاعر شعر غيره فيسقي نصَّه الشعري ببيتٍ أو بيتين من غيره أو يُشطِّر شعر غيره أو يُخمسه ــ أو يأتي بشطر من بيت لشاعر آخر دون قصد؛ إذ يتسلل إلى أبياته شعر شاعر أحبَّه وحفظ شعره فينساب البيت في القصيدة دون أن يشعر، وهذه الألوان تجعل من النصِّ الشعري لوحة فنيَّة كلوحة الموزائيك، من ذلك ما جاء في تخميسة عند الشاعر رضا الموسوي الهندي، في قوله: [من البسيط]

ساقَ المطايا بنا للشام حادينا---ولا مُحامٍ لنا إلَّا أعادينا

لم يبقَ من أخوتي حامٍ فيحمينا---(أضحى التنائي بديلا من تدانينا

وناب عن طيب لقيانا تجافينا)(43)

 فقد دوَّل الشاعر بيتاً من ابن زيدون الأندلسي في قصيدته التي نظمها في ولَّادة بنت المستكفئ وذلك في قوله: [من البسيط]

أضحى التنائي بديلا من تدانينا---وناب عن طيب لقيانا تجافينا(44)

 وليس هذا البيت فحسب وإنَّما خمَّس القصيدة بأكملها، وقوَّة شاعرية الشاعر الهندي لا يكاد يكشفها غير الناقد الحصيف أو الذي اطلع على قصيدة ابن زيدون، ولا نريد أن نشير إلى جماليات التوظيف بقدر بيان المفهوم.

 وعلى سبيل التدويل للبيت داخل القصيدة؛ ما جاء في قصيدة الشيخ جابر الكاظمي في قوله: [من الرمل]

مــيّــِتٌ مـات له الدين أسى---وانطوى لمَّا انطوى تحت الثرى

(لو رسول اللهِ يُحيى(45) بعده---قـعـد الـيــــوم عــــــليـــــــه للــــعزا)(46)

 البيت الثاني تدويل من قصيدة الشريف الرضي في رثائه للإمام الحسين (عليه السلام)، من قصيدته الشهيرة التي مطلعها: [من الرمل]

كربلا لا زلتِ كرباً وبلا---ما لقي عندكِ آل المصطفى

.........................................

(لو رسول اللهِ يُحيا بعده---قـــعـــد الــــيـــوم عـــلــيـه للعزا)(47)

 وهذا ما أشرنا إليه آنفاً بأنَّ انجذاب الشعراء لشعر شاعر ما واستذواق أشعاره وحفظها؛ يؤدي بهم إلى تدويل أبياتهم في النصوص الجديدة.

 أمَّا التدويل على سبيل التشطير، ما جاء في قول الشاعر: [من البسيط]

(مــا كـــل ما يــتـمـنَّـــى المرء يُدركه)---فــربَّــمــا فـي الــتــمـني خــانــه الزمنُ

تجري الرياحُ على عكس الزمان كما---(تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفن)(48)

 فالشطر الاوَّل من البيت الأوَّل هو للمتنبي (أحمد بن الحسين) وعجزه هو الشطر الثاني من البيت الثاني، وهذا التشطير من قصيدة المتنبي التي يقول في مطلعها:

بــمَ الـــتــعلل لا أهــلٌ ولا وطـنُ---ولا نـــديـــمٌ ولا كـــأسٌ ولا ســـكــنُ

......................................

ما كل ما يتمنَّى المرء يُدركه---تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفن(49)

 وجرى هذا البيت مجرى الامثال على لسان العرب، فشطَّره الشاعر في بيتيه الَّلذين ذكرناهما على سبيل التدويل.

 والتدويل أيضاً جاء بالشطر الواحد وهذا كثير في الشعر، كما في قول الشاعر: [من الطويل]

ويا قلبُ هل يشفيك شيء من الردى---(كفى بك داءً أن ترى الموتَ شافيا)(50)

 فعجز البيت هو تدويل من قصيدة للمتنبي في قوله:

كفى بك داءً أن ترى الموتَ شافيا---وحسبُ المنايا أن يكنَّ أمانيا(51)

 فاستسقى الشاعر شطراً من بيت المتنبي ووظفه في قصيدته من باب الاستحسان أو توشية القصيدة بهذا الشطر.

 أمَّا التدويل بالمنهوك، وهو أن يأتي الشاعر بثلثي بيتٍ من شاعرٍ ثانٍ ويوظفه في قصيدته، ومثل ذلك ما جاء في قول الهندي: [مجزوء الكامل]

مَن أرتجي منه الصفا---إن كانَ ودُّكَ ليس يصفو

 أأخــي مـــا عــوَّدتــنـي---منك الجفا فإلى مَ تجفو(52)

 فالبيت الثاني هو تدويل منهوك من قصيدة الشاعر محمد شريف الكاظمي الذي يقول في قصيدته التي مطلعها: [من الكامل]

قف بالطفوف وجد بفيضِ الأدمعِ ---إن كنتَ ذا حُزنٍ وقلبٍ موجعِ

................................................

أأخي ما عوَّدتني منك الجفا---فإلى مَ تجفوني وتجفو مَن معي(53)

 فالشاعر الهندي قام بالاستسقاء النصي لثلثي البيت ووظفه في قصيدته، ولعلَّ هذا العمل هو من أصعب ألوان التوظيف النصي في النصوص التدويلية، وهو ينم عن قوَّة وحذق وجزالة وتمكن عند الشاعر في كيفية تطويع النصوص القديمة.

-التوليف في الشعر العمودي

 ورد هذا اللون في قول الشاعر علي الهندي: [من المتدارك]

فاقبل يا ساقي الكوثر ما---قد قلَّ بمدحكَ من شعري

 واشفع لي يوم الدين بما---أكثرتُ لجهلي من وزري(54)

 فهذان البيتان فيهما توليف مع قول الشاعر السيد رضا الهندي: [من المتدارك]

 مَن طوَّل فيكَ مدائحه---عـن أدنـــى واجـبــهـــا قــــصَّر

 فاقبل يا كعبة آمالي---من هدي مديحي ما استيسر(55)

 والتوليف واضح بين الشاعر الأول والشاعر الثاني، فالمعنى يُشير إلى المشابهة والمضمون هو هو.

 وكذلك ما جاء في قول الشاعر علي الهندي: [من المتدارك]

كم كنتُ أُأَمَّل أن أحظى---باليسرِ على أثر العسرِ(56)

 وهذا البيت فيه توليف مع قول الشاعر السيد رضا الهندي: [من الطويل]

ولكن عُقبى كل ضيقٍ وشدَّة---رخاء وإنَّ العسر من بعدهِ يسرُ(57)

 فقد والف الشاعر بين كلمات والده وصاغ منها بيته بطريقة جديدة.

الارتشاف في الشعر العمودي

 على الرغم من دقَّة هذا الأمر إلّضا أنَّ الباحث الحصيف يجد هذا اللون في كثير من القصائد، وسنذكر نماذج مما وقع في يدنا على سبيل التمثيل، من ذلك ما جاء في قول الشاعر عبود جودي الحلي: [من الكامل]

مهما تواترت المصائب والبلا---هانت إذا ذُكرت مصيبة كربلا(58)

 وهذا المعنى نجده قد ارتُشف من قول الشاعرالشيخ علي الأعسم: [من الكامل]

أنست رزيَّتكم رزايانا التي---سلفت وهوَّنت الرزايا الآتية(59)

والارتشاف بين البيتين واضح وجلي، ولا نريد بيان الجماليات التي نثرها الشاعر بارتشافه للمعنى، إذ نترك ذلك للباحثين، ومهمتنا هنا التأسيس وبيان الإجراء.

 ومثل ذلك ما جاء في قول الشاعر: [من الخفيف]

يا كتابي بلِّغ سلامي إلى مَن---لا يزال السلام مني عليه

 ثمَّ خبِّره إنَّ لي منه شكوى---غير أنَّي شكوتُ منه إليه(60)

 وهذا ارتشافٌ دقيق من قول المتنبي: [من البسيط)

يا أعدلَ الناس إلَّا في مخاصمتي---فيك الخصامُ وأنت الخصمُ والحكمُ(61)

 إذ ارتشف الشاعر المعنى من المتنبي وصاغه بكلماته فأخرجه شعراً جديداً، ولا ينكشف هذا الأمر إلَّا مَن كانت لهُ معرفة بالنص السابق، فالاستسقاء النصي في آلية الارتشاف دقيق يحتاج إلى معرفة واسعة.

 ومثل ذلك نجده في قول الشاعر عباس الأعسم: [من الطويل]

ويا حـبَّـذا أيَّـامنا بـمحجَّـرٍ مضت---طـلــــقـــــةً فــــي مـــلــتــقى مطـــلق الثــــغــرِ

بها سـمـحت أيدي الزمان بحالة---لها ينطوي الوشي على حنق الصدرِ

 لثمتُ بها من ليلة الوصل شامة---بها تزدهي من حُسنها وجنة الدهر(62)

 وهذه الأبيات ارتشاف لمعناها من الشاعر عمر بن أبي ربيعة في قوله: [من الخفيف]

 تذكرتُ قولها لي لدى الميلِ---وكفَّـت دمـــوعهـا أن تمورا

 أسـأل الله عـــالم الـــغيب أن---ترجع يا حِبُّ سالماً مأجورا

 إن تكن ليلتي بنعمان طالت---فبما قد يكون ليلي قصيرا(63)

 وهكذا؛ على الباحثين استقراء النصوص استقراءً دقيقاً ليستخرجوا مخابئها وما تكتنزه من الارتشاف للنصوص الأخرى.

المحور الثاني:
الاستسقاء النصي في الشعر الحر (شعر التفعيلة)
 التدويل في الشعر الحر

 الشعر الحر حاله حال النصوص الأدبية الأخرى فيه من الاستسقاء النصي كثير، وهو يعتمد على الصورة الشعرية بالأساس، ومن ذلك ما نجدع عند الشاعر أحمد مطر في قوله:

وصباحها يعلو

ألا أيها الليل الطويل

ألا انجل

يأيها الليل الطويل

ألا انجل

والليل في النزع الأخير

هوى بقوته الوهن

وهوت قصور ظلامه

وهوت ملايين النجوم

فعرشه يلقى غدا

ليباع في سوق النهار بلا ثمن(64)

 فعمل الشاعر على تدويل شطر من معلقة امرئ القيس وهو قوله: [من الطويل]

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل---بصبحٍ وما الأصباح منك بأمثلِ(65)

 فاستسقى الشاعر الشطر الأول من البيت ووظفه على طريقة التدويل النصي بالاستسقاء النصي التدويلي.

 وكذلك ما جاء في قول الشاعر:

لم أألفْ الأبراجَ مُنذُ طفولتي

لكنّها هي علَّمتني حوتَها والثورَ لي

في كُلِّ يومٍ أرتأي

لأطالعَ الأبراجَ حتى قد وجدتها موئلي

لو كان حبُّها صادقاً؟ فقول قولي من حبيبِ ومنزلي

[نقِّل فؤادكَ حيثُ شئتَ من الهوى

ما الحُبُّ إلّا للحبيب الأوَّلِ]

وحفظت صوت البلبلِ

وطرقتُ أوتار الحُلي

ولعبتُ بالنردِ الذي ما كان يروي مسائلي(66)

 فما بين المعقوفتين هو تدويل من قول أبي تمام: [من الكامل]

نقِّل فؤادكَ حيثُ شئتَ من الهوى---ما الحُبُّ إلّا للحبيب الأوَّلِ(67)

 وهو تدويل نصي بلا تغيير أو تحويل أو تبديل، وهذا ما نُريد بيانه من أنَّ الاستسقاء النصي يجب أن يُوجه في البحث ولا يُخلط كخلطة عطَّار، فلكل صنفٍ تصنيفه الخاص ولا يجوز التعدي من صنف على آخر.

التوليف في الشعر الحر

 التوليف جاء كثيراً في الشعر الحر، إلَّا أنَّا نأتي بالشواهد على شبيل الاستشهاد وليس الحصر، وعلى هدى ما سرنا عليه فيما سبق، من ذلك ما جاء في قول الشاعر المغربي المعاصر (السرغيني):

كان يـوم الآخـرة.

يضيع فيه الوجه واليدان واللسان.

يضيع في ضبابة الإنسان(68)

 وهو توليف مع قول المتنبي: [من الوافر]

ولكنَّ الفتى العربي فينا غريب الوجه واليد واللسانِ(69)

 فوالف الشاعر بين ألفاظ المتنبي وألفاظه دون أن يشعر المتلقي الذي لا يعرف البيت المستسقى منه بطريقة التوليف.

الارتشاف في الشعر الحر

 في الشعر الحر كثير من السياقات التي تشير إلى الأدب السابق عن النص الحر، سواء أكان ذلك عن قصد أو من دون قصد، من ذلك ما نجده في قول الشاعر بليزر أبيض:

سجل..

أنا عربيٌّ

وتعرفني

مكاتبُ التحقيق والجلادُ والمخفر

أنا عربي

وأنكرُ أنَّني حيٌّ

مخافة أنَّني أُقبر(70)

 وهو ارتشاف من قول محمود درويش:

أنا العربي

سُلبت كرومُ أجدادي

وأرضاً كنتُ أفلحها

أنا وجميعُ أولادي(71)

 ومن ذلك قول الشاعر:

أينَ الملوكُ والتي كانت تنادي الريحَ والمسرا

وأينَ تلكَ السابحاتُ والتي تقطعُ آثار الرُّبى والماء والصحرا

وأينَ ذاك الجبرُ والصغانُ القسرُ

وأينَ كلُّ الجبروتِ والطخا والعيطلُ التبرُ

وأينَ ذاكَ اللهو والتيجانُ والقصرُ

وأينَ ثمَّ أينَ ثمَّ أينْ

صار رذاذاً تحت عرشِ زينبَ الكبرى

بل وهباءً في ذرى ذبيحِها الحُسين(72)

 وهذه الأشطر ارتشاف من قول الشاعر السوري محمد مجذوب في قوله: [من الكامل]

أين القصور أبا يزيد ولهوهــــــــــا---والصافنات وزهوها والســــــــؤددُ

اين الدهاء نحرت عزته علـــــــــى---أعتاب دنيا زهوهـــا لاينفـــــــــدُ

آثرت فانيها على الـــــحق الـــــذي---هو لو علمت علىالزمـــــان مخلدُ

تلك البهارج قد مضت لسبيلهـــــــا---وبقيت وحدك عبرةتتجــــــــــــددُ

هذا ضريحك لو بصرت ببؤســــه---لأسـال مدمعَكَ المصيرُ الأســـــودُ

كتل من الترب المهين بخــــــــربةٍ---سـكر الذباب بها فــــراح يعــــربدُ

 خفيت معالمها على زوارهــــــــــا---فـكأنها في مجهــل لايقصـــــــــــدُ(73)

 وغيرها من النصوص التي وردت على سبيل الارتشاف من قصائد أخرى، وبهذا القدر التوضيحي نكتفي لبيان المطلب ولا نريد الإسهاب أو الإكثار من التطبيقات بقدر ما نريد التمثيل.

ب ــ النثر: وهذا ينقسم بحسب أقسام النصوص النثرية من (خطب والرسائل، مقامة، مسرحية، رواية، قصّة، قصَّة قصيرة، خاطرة، وغيرها)، وعلى ذلك سنذكر أمثلة لغرذ بيان المطلب ولا نريد الإسهاب في التفصيل.

1-الخطب والرسائل: انماز العصر الإسلامي عن العصر الذي سبقه بعلو كعب الخطب على كعب الشعر، وذلك لأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يكن شاعراً فكانت دعوته المباركة بطريقة الخطب، وسار الصحابة على نهجه في ذلك، وفي هذا المطلب سنذكر الاستسقاء النصي الشعري في الخطب.

-التدويل الشعري في الخطب والرسائل: تبقى الآليات التي استكشفنا بوساطتها الاستسقاء النصي في النصوص السابقة سارية المفعول في هذا اللون الأدبي، وقد ورد التدويل الشعري في الخطب كثيراً من ذلك ما نجده في قول أمير المؤمنين (عليه السلام): "...حَتَّى مَضَى اَلْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلاَنٍ بَعْدَهُ:

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا--- وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ..."(74)، إذ استسقى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بيتاً من قصيدة الأعشى (ميمون بن قيس) من قصيدته التي مطلعها: [من السريع]

شاقتكَ من قتلة أطلالها---بالشطِّ فالوتر إلى حاجر(75)

 والبيت الذي جاء في نصِّ أمير المؤمنين هو البيت السابع والخمسون من قصيدة الأعشى، وكأن الإمام (عليه السلام) أراد من هذا الاستسقاء بيان ما فعله حيَّان مع جابر فعله الخليفة الأول مع الثاني، فكان التوظيف بطريقة التدويل.

-التوليف الشعري في الخطب والرسائل

 ورد التوليف في الخطب والرسائل كثيراً؛ لا سيما التوليف القرآني والحديثي (الروائي)، وهنا نريد أن نقتصر على بيانه في الخطب فيما جاء مع الشعر فقط، من ذلك ما جاء في نتاج ابن أبي الخصال النثري في قوله: "...فالله نظرة هبوبها ومسراها، ويا أنعمها ريحاً ما أخطرها وأسرها، تفتح باليمن يمينها ويسرها، ألذ في الاجفان من سنة كراها..."(76) وهذا القول توليف مع قول الشاعر ابن عمَار الأندلسي: [من الكامل]

أندى على الأكباد من قطر الندى---وألذُّ في الأجفان من سنة الكرى(77)

 فكان التوليف بين النص الخطابي وبيت بيت محمد بن عمَّار الأندلسي واضحاً، إذ والف ابن أبي الخصال بين رسالته وبين شعر ابن عمار على الرغم من أنَّهما يعيشون فيحقبة زمنية واحدة مما يُشعر بالتواؤم المعرفي بين أبناء أدب تلك الحقبة.

الارتشاف الأدبي في الخطب والرسائل

 الآلية التي يصعب على الباحثين تطبيقها في كل مورد وفق هذه النظرية بسبب إحكام مفهومها مِن أنَّ النص المستسقي لا يوجد فيه كلمة من النص المستسقى منه، وهذا بحاجة إلى ثقافة للباحث كبيرة يستعين بها في تفكيك النصوص.

 على قدر معرفتها المحدودة نجد هذا اللون في خطبة لأبي المغيرة ابن حزم الأندلسي في قوله: "...تنبه الدهر من رقدته، وحلَّ من عقدته، وقبِلني، وأظهر الرضا عني، وقال: دونكما جمع فقد سمح، وإليكَ فقد دنا، ما كان في المنى، فطرتُ بجناح الارتياح، وركبتُ إلى الغمام كواهل الرياح.."(78)، ونجد في هذا النص ارتشافاً من قول ابن هانيء الاندلسي في بيته الذي يقول: [من الكامل]

وركبتُ شأو مأربٍ ومطالب---حتى امتطيتُ إلى الغمامِ الريحا(79)

 فلم يُحضر الكاتب ألفاظ البيت بقدر ما استعان بمعناه ووظفه في نصِّه بطريقة ارتضاعه للمعنى وتوظيفه في سياق خطبته.

 هذا ما أردنا الإشارة إليه على سبيل التمثيل لا التطبيق التام؛ لأنَّ ذلك يستدعي الإطناب في الموضوع والبحث في صدد التأسيس وبيان كيفية الإجراء لا الدراسة الكاملة.

2-المقامة: وهي فن من فنون الأدب النثري اشتهر في العصر العباسي على يد بديع الزمان الهمذاني والحريري وغيرهما، و" هي نوع من الأدب القصصي يُعرض بطريقة بليغة ومسجوعة تنقلها شخصيةٌ خيالية؛ قد تكون ماكرة تسعى بين الناس لتحتال عليها فيكسبون منهم النقود، لتنتهي بعد ذلك بعبرة أو نكتة دينية"(80)، ولها عناصر حالها حال القصَّة ولكنها تنماز بوجازتها. وبحسب الآليات التي طبقناها فيما سبق نجريها على المقامة العربية.

 التدويل في المقامة

وهذا اللون نجده في مقامة الهمذاني المسماة بــ(المقامة الجرجانية)؛ إذ يقول فيها: "وفينا مقاماتٌ حسان وجههم---وأندية ينتابها القول والفعلُ

على مكثريهم رزق مَن يعتريهمُ ---وعند المقلين السماحة والبذلُ"(81)

 وهذان البيتان هما تدويل مباشر من قصيدة زهير بن أبي سُلمى التي مطلعها: من الطويل]

صحا القلب عن سلمى وقد كان لا يسلو---وأقفر من سلمى التعانيق والثقلُ(82)

 فكان الاستسقاء النصي في هذا النص تدويلياً مباشراً استسقى بديع الزمان الهمذاني بيتين من قصيدة زهير بن أبي سلمى ووظفهما في مقامته المسمَّاة (الجرجانية).

 التوليف في المقامة

 جاء التوليف في المقامة الأدبية بشكل كبير، فسنذكر مثالاً واحداً للبيان لا للحصر؛ كي لا نُطيل المقاف فيها، فجاء هذا اللون الاستسقائي في قول الحريري:

ونديم محضته صدق ودي---إذ توهمته صديقا حميما

ثم أوليته قطيعة قال--- حين ألفيته صديدا حميما(83)

 نجد هذا القول فيه توليف مع قول ابن زهر الأندلسي في قوله: [من الرمل]

وَنَديمٌ همت في غُرّته ---وشربت ال ا رح من ا رحته

كلما استيقظ من سكرته---جذب الزق إليه واتكأ(84)

 فاستسقى الحريري أشطر مقامته من بيت ابن زهر الأشبيلي دون أن يذكر النص الأصلي.

الارتشاف في المقامة

 نجد هذا اللول على سبيل المثال في قول عديع الزمان الهمذاني في المقامة (البشريَّة):

هزرتُ له الحسامَ فخلتُ أنِّي---سللتُ به لدى الظلماء فجرا(85)

 وهذا البيت مُرتشفٌ من قول بشار بن برد الذي يقول فيه: [من الطويل]

كأنَّ مثار النقع فوق رؤوسنا---وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه(86)

 وهكذا يتم تطبيق آليات الاستقصاء النصي على المقامة العربية، وما ذكرناه للتمثيل.

3-المسرحية الأدبية: نشأ الفن المسرحي عند جميع الشعوب؛ بدءاً من الهنود، وعند الصينيين وعند اليونان والرومان في ظل المعابد كجزء من ألوان العبادة التي يقومون بها، ثمّ تطوَّر حين انفصل عن المعبد إلى الحياة فصار فنَّاً مستقلاً عن المعبد لمَّا اندثر المعبد نفسه كما حدث ذلك للمصريين القدماء؛ أي عهد الفراعنة.

 فلم يحفظ لنا التاريخ شيئاً عن وجود درامات عند العرب في وثنيتهم الجاهلية، ولعلّ مرد ذلك إلى أن الوثنية العربية لم تكن أصلية، إذ هي في الواقع صورة مشوَّهة من دين قائم على التوحيد هو دين إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)؛ ولذلك لم تتكون لها تقاليد عميقة كما كان شأن الوثنيات الأخرى.

 هذا الدين القيِّم هو دين التوحيد الذي يجعل التقديس لله وحده ولا يعترف بتقديس من سواه من الأشخاص؛ ولذلك تعذر عند العرب وجود التمثيل، بمعناه المعروف لدى الأمم التي تدين بتعدد الآلهة وتقديسها واسناد الصفات البشرية إليها إذ كان معظم هؤلاء الآلهة في الأصل من البشر ممن كانوا ملوكاً أو أبطالاً في تارريخهم لمَّا ماتوا اتخذوهم آلهة وعبدوهم(87).

 بدأت المسرحية في العالم العربي ببيروت في منتصف القرن التاسع عشر على نطاق ضيق، وكان رائدها الأول مارون النقاش، فكان يقوم برحلات تجارية كثيرة زار في بعضها إيطاليا وهناك شهد تمثيل بعض المسرحيات فشُغفَ بهذا الفن، ولمَّا عاد إلى بيروت شعر بدافعٍ قوي يدفعه إليه فاتخذه هواية أدبية وألَّف فرقة من بعض الشبَّان وفي سنة 1847م مثَّل معه في بيته أوَّل مسرحية له بعنوان (البخيل) دعا إليه وجوه المدينة وقدم لها بخطبة(88)، فكانت بدايات المسرحية ودخولها إلى العالم العربية الذي كان منطوياً على نفسه في تلك العصور.

 بعد ذلك؛ نشا المسرح العربي وكتب فيه أساطين الأدب فلاقى رواجاً كبيراً وابرى له الشعراء والسيناريست ودعموه بنتاجاتهم الفنية، كأمثال أحمد شوقي وأمين الخولي وعبد الرمن الشرقاوي وغيرهم، وهذا الفن لا يخلو من الاستسقاء النصي؛ لذا نشير إلى هذا الاستسقاء على سبيل التمثيل لا الحصر.

التدويل الأدبي في المسرحية

 جاء هذا اللون الادبي في المسرحية كثيراً مثل ما جاء في مسرحية ملحمة الإباء... عاشوراء سُلَّمُ الإرتقاء:

صال بهم زُهير

وهو يُنادي فيهمُ

 (أنا زهيـر وأنـا ابـن الـقـينِ

أذودكم بالسيفِ عن حسينِ)(89)

 فما بين الأقواس هو رجز قاله زهير بن لقين(90) يوم الطف لمَّا برز إلى جيش عمر بن سعد(91)، فالكاتب استسقى بيتين من رجز زهير بن لقين ووظفهما في مسرحيته على الرغم أن المسرحية كلها شعرية؛ إلَّا أنَّه جاء بالشطرين على سبيل التدويل النصي دون العبث بهما أو توليفهما مع كلامه.

التوليف الأدبي في المسرحية

 هذا اللون جاء كثيراً في المسرحيات؛ بالخصوص ما جاء في المسرحيات الشعرية، مثل قول عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته:

"مَن مبلغٌ عني الحُسين نصيحتي ألَّا يجيء إلى العراق

نكث الرجالُ بعهدهم إنَّ العهود هنا شقاق"(92)

 فالبيت الأوَّل هو توليف مع بيت محمد بن إدريس الشافعي في قوله:

فمن مبلغٌ عني الحسين رسالة---وإن كرهتها أنفسٌ وقلوبُ(93)

 فاستسقى عبد الرحمن الشرقاوي معنى بيت الشافعي مع بعض كلماته وولَّفها في بيته أثناء الحوارية واستلزاماتها، ولربما جاء التوليف عفو الخاطر؛ إلَّا أن الباحث يقتنص التوليفات في ثنايا النصوص وهذا هو عملهم.

الارتشاف الأدبي في المسرحية

 وردت هذه الثيمة الجمالية في المسرحيات على نطاقٍ واسع، وعلى سبيل المثال جاء في مسرحية (ملحمة الإباء..... عاشوراء سُلَّم الإرتقاء)، وهي مسرحية شعرية جسَّدت المسيرة الحسينية من الخروج إلى الاستشهاد، فجاء في حوارية الإمام الحسين (عليه السلام) مع جيش عمر بن سعد قوله:

يا ويلكم

لمَ العدا لآلِ بيت المصطفى؟؟!

فهل تركتُ حقَّا

أم سُنَّةً بدلتُها

أم شِرعةً غيَّرتُها

أتعرفوني مَن أنا؟!!

أتعرفونَ مَن أبي؟؟!!(94)

 وهو ارتشاف من قصيدة السيد رضا الهندي الموسوي في قوله: [من الكامل]

يدعو ألستُ أنا ابن بنت نبيّكم---وملاذكم إن صرف دهر نابا

هل جئتُ في دين النبي ببدعة---أم كنتُ في أحكامهِ مُرتابا

أم لم يُوصِ بنا النبي وأودع الــــــــــــــــــــــــــثقلين فيكم عترة وكتابا(95)

 إذ استسقى نص المسرحية من أبيات الهندي عصارة ما جاء فيها، وهذا اللون ينماز عن التدويل والتوليف بالدقّة والثقافة العالية، لأنَّ الباحث إذا لم تكن له معرفة بالنصَّين (الراشف والمرتشف) لم يستطع استجلاب النصين للحكم عليهما.

 ملاحظة: إذا اختار الباحث البحث في المفهوم المعرفي الإنساني بصورة عامَّة فسيكون له الحق أن يُزاوج بين الاستسقاءات بشرط الإشارة إليها في مقدِّمة البحث، مثلاً يقول: سيكون بحثنا بالاستسقاء الديني (القرآني) والفكري(الشعري)، وبهذا له الحق أن يستخرج النصوص القرآنية من الشعر بحسب الآليات التي وُضعت للاستسقاء النصي. وسيتضح الأمر في التطبيقات.

 وهكذا يتم تطبيق نظرية الاستسقاء النصي، فما ذكرناه للتمثيل لا للحصر، فهو لبيان التطبيق الآلي، وعليه يتم السير وتطبيق الآليات الخاصة بالاستسقاء على النصوص المراد البحث فيها.

والحمد لله رب العالمين......

الخاتمة

 بعد هذه الرحلة الممتعة في النصوص الدينية والأدبية خرجنا بنتائج نوجزها بالآتي:

1-انمازت هذه النظرية عن المفاهيم القريبة منها بالتقسيم والتحديد والترتيب والبناء.

2-جاءت المصطلحات فيها مستقاة من اللغة العربية والنص القرآني، فأصل النظرية بمفهومها العام هي تنتمي لنصٍّ قرآني ذكرناه في التأصيل، ومصطلحات الآليات كلها عربية بامتياز.

3-حاولنا تشجير النظرية وآلياتها ليسهل حفظها وبيان تطبيقاتها.

4-وضع تعريفات خاصَّة بالمفاهيم الجديدة تنسجم واللفظة المنتقاة للمفهوم.

5-اقتصرت تطبيقات النظرية على مثالٍ أو مثالين للتوضيح فقط لا للتطبيق الكلِّي.

6-حذَّرت وتحذر النظرية من الخلط بين المفاهيم في البحث لأنَّها تسلخ الروح من جسد المفهوم فيصبح هشيماً تذروه رياح العبث.

7-فصلت النظرية بين الاستسقاء الديني الصرف عن الاستسقاء الأدبي الصرف؛ وأعطت الحرية للباحث بالمزاوجة شريطه التنبيه لذلك.

..............................................

الهوامش 

[1) يُنظر: التناص معياراً نقديَّاً ـ شعر أحمد مطر إنموذجاً: 6.

[2) يُنظر: آفاق التناصية المفهوم والمنظور: 60، التناص معياراً نقديَّاً ـ شعر أحمد مطر إنموذجاً:7.

[3) يُنظر: طبقات فحور الشعراء: 1/68.

[4) يُنظر: علم النص: 48.

[5) يُنظر: التناص بين الأصالة والحداثة، (مقال)، د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي، موقع كلية العلوم الإسلامية، جامعة كربلاء.

[6) إصلاح المنطق: 1/195.

[7) مقاييس اللغة: 3/84.

[8) لسان العرب، مادة (جرر)

[9) مقاييس اللغة: 2/314، يُنظر: أساس البلاغة: 1/143، لسان العرب، مادة (دول)، المعجم القرآني: 2/130.

[10) تكملة المعاجم العربية: 10/76.

[11) معجم اللغة العربية المعاصرة: 2/896.

[12) نسمات من عبق الفرات: 55.

[13) ديوان ابن الجنان الأنصاري الأندلسي: 149

[14) نهج البلاغة، شرح محمد عبده: 50.

[15) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 18

[16) المصدر نفسه: 32.

[17) ديوان ابن الجنَّان الأنصاري الاندلسي: 149.

[18) نهج البلاغة، محمد عبده: 169.

[19) ديوان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): 36.

[20) نهج البلاغة، محمد عبدة: 434.

[21) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 20

[22) تفسير نور الثقلين: 10/227.

[23) نهج البلاغة، محمد عبده: 316.

[24) ديوان الإمام علي بن أبي طالب: 36.

[25) ديوان الإمام الشافعي: 19ـ 20.

[26) نهج البلاغة، محمد عبده: 314.

[27) ديوان ابن الجنان الأنصاري الأندلسي: 81.

[28) اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي: 1/349.

[29) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 32.

[30) كشف الغمة: ١ / ١١٤ عن أبي بريدة.

[31) نسمات من عبق الفرات: 183.

[32) الأمالي للشيخ الصدوق: 234

[33) أمالي الصدوق: ٦٨.

[34) شرح نهج البلاغة: 1/117.

[35) ديوان السيد الحميري: 21ــ22.

[36) المستدرك على الصحيحين: 3/130.

[37) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 42.

[38) مقتل الإمام الحسين عليه السَّلام، القزويني: 280.

[39) القصائد الخالدات: 128.

[40) بحار الأنوار: 43/67.

[41) نهج البلاغة، محمد عبده: 420.

[42) صحيح سنن الترمذي، شرح الالباني: 2413.

[43) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 48.

[44) ديوان ابن زيدون: 9.

[45) كذا في الأصل، وفي ديوان الشريف الرضي (يحيا) وهو الصواب. يُنظر: ديوان الشريف الرضي: 1/35.

[46) ديوان الشيخ جابر الكاظمي: 345.

[47) ديوان الشريف الرضي: 1/35.

[48) ديوان العلامة الشيخ عباس الأعسم: 261.

[49) ديوان المتنبي: 471-472.

[50) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 123.

[51) ديوان المتنبي: 441.

[52) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 98.

[53) ديوان الشيخ محمد شريف الكاظمي: 213.

[54) الكوكب الدري: 485.

[55) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 22.

[56) الكوكب الدري: 483.

[57) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 26.

[58) في رحاب كربلاء: 31.

[59) الكوكب الدري: 445.

[60) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي: 96.

[61) ديوان المتنبي: 332.

[62) ديوان العلامة الشيخ عباس الأعسم: 105.

[63) ديوان عمر بن أبي ربيعة: 160.

[64) الأعمال الشعرية الكاملة: 131.

[65) ديوان امرئ القيس: 49.

[66) نسمات من عبق الفرات: 163.

[67) ديوان أبي تمام: 2/7.

[68) التناص في ديوان (طقس النزيف الأخير) لموسى الكسواني: 55.

[69) شرح ديوان المتنبي:1499.

[70) بليزر أبيض (18/9/2002.) سجل أنا عربي. متاح على الرابط:الدخول تاريخ، http://www.alsakher.com/showthread.php?t=94262

[71) أوراق الزيتون، محمود درويش: 49.

[72) نسمات من عبق الفرات: 150-151

[73) وكالة أنباء براثا: http://burathanews.com/arabic/poetry/185228

[74) نهج البلاغة، محمد عبده: 31.

[75) ديوان الأعشى الأكبر: 109.

[76) رسائل ابن أبي الخصال:178.

[77) ديوان محمد بن عمَّار الأندلسي: 190.

[78) الذخيرة، في محاسن أهل الجزيرة: 1/156.

[79) ديوان ابن هانيء الأندلسي: 68.

[80) المقامة في الأدب العربي والآداب العالمية: 20.

[81) شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني: 48.

[82) ديوان زهير بن أبي سُلمى: 78.

[83) كتاب المقامات، المقامة السنجارية: 73.

[84) الموشحات الأندلسية: 254.

[85) شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني: 474.

[86) ديوان بشار بن برد: 167

[87) يُنظر: فن المسرحية وسعته في الأدب العربي: 23-24.

[88) المصدر نفسه: 26.

[89) ملحمة الإباء.... عاشوراء سُلَّم الارتقاء: 148.

[90) زهير بن لقين، أحد أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) برز يوم الطف يذود عن حُرم آل محمد (صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين)، وقُتل دونهم.

[91) عمر بن سعد بن أبي وقاص: قائد جيش يزيد بن معاوية في معركة كربلاء الخالدة وهو أول مَن رمى النار على مخيّم أبي الشهداء وقال مقولته الشهيرة: اشهدوا لي عند الأمير أنَّي أول من رمى خيام الحسين.

[92) الحسين ثائراً، عبد الرحمن الشرقاوي: 86.

[93)ديوان الإمام الشافعي: 24.

[94) ملحمة الإباء: 229.

[95) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي:42.

......................................................

المصادر

القرآن الكريم

 اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ (رجال الكشي)، محمد بن الحسن نصير الدين الطوسي ت(460هـ)، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ايران، ط1، 1427هـ.

 الأعمال الشعرية الكاملة، أحمد مطر، لندن، ط2، 2003م.

 آفاق التناصية المفهوم والمنظور، ترجمة: د. محمد خير البقاعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، 1998.

 الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي ت(460هـ) دار الثقافة، قم، ايران، ط1، 1414هــ.

 بحار الأنوار الجامعة لدرر الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي ت(1111هـ)، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط5، 1988م.

 بليزر أبيض (18/9/2002.) سجل أنا عربي. متاح على الرابط:الدخول تاريخ، http://www.alsakher.com/showthread.php?t=94262

 تفسير نور الثقلين، عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ت(1112هـ)، تحقيق: السيد علي عاشور، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان، ط1، 2001م.

 تكملة المعاجم العربية، رينهارت بيتر آن دُوزِي (المتوفى: 1300هـ)، نقله إلى العربية وعلق عليه:، جـ 1 - 8: محمَّد سَليم النعَيمي، جـ 9، 10: جمال الخياط، وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، الطبعة: الأولى، من 1979 - 2000 م.

 التناص بين الأصالة والحداثة، (مقال)، د. خالد عبد النبي عيدان الأسدي، مقع كلية العلوم الإسلامية، جامعة كربلاء.

 التناص في ديوان (طقس النزيف الأخير) لموسى الكسواني، (رسالة)، خولة فرادي، كلية الآداب واللغات، قسم الآداب واللغة العربية، الجزائر، 2016.

 التناص معياراً نقديَّاً ـ شعر أحمد مطر إنموذجاً ـ، أحمد عباس كامل الأزرقي، (رسالة ماجستير)، كليَّة الآداب، جامعة ذي قار، 2010م.

 الحسين ثائراً، عبد الرمن الشرقاوي، لا توجد معرومات أخرى في الكتاب.

 الحسين شهيدا، عبد الرحمن الشرقاوي، لا توجد معلومات أخرى في الكتاب.

 ديوان ابن الجنان الأنصاري، تحقيق: منجد مصطفى بهجت، المكتبة الوطنية، بغداد، ط1، 1989م.

 ديوان ابن زيدون، تحقيق: كرم البستاني، دار صادر، بيروت، ط3، 2007م.

 ديوان ابن هانيء الأندلسي، محمد بن هانيء الأندلسي، شرح: حمدو أحمد طمَّاس، دار المعرفة، بيروت، ط1، 2005م.

 ديوان أبي تمام، شرح وتقديم: إيمان البقاعي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 2000م.

 ديوان الأعشى الأكبر، شرح: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 2005م.

 ديوان الإمام الشافعي، اعتنى به: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط4، 2007م.

 ديوان الإمام علي بن أبي طالب، تحقيق: د. يحيى مراد، مؤسسة المختار للنشر، القاهرة، مصر، ط1، 2006م.

 ديوان السيد الحميري، إسماعيل بن محمد الحميري ت(173هـ)، تقديم: نواف الجراح، دار صادر، بيروت، لبنان، ط1، 1999م.

 ديوان السيد رضا الموسوي الهندي، جمعه: السيد موسى الموسوي، مؤسسة الثقلين، دمشق، سوريا، ط2، 2008م.

 ديوان الشريف الرضي، تصحيح وترتيب: أحمد عباس الأزهري، مؤسسة الأعلمي، بيروت، د.ط، د.ت.

 ديوان الشيخ جابر الكاظمي، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، منشورات المكتبة العلمية، دار المعارف، بغداد، ط1، 1964م.

 ديوان العلامة الشيخ عباس الأعسم، تقديم وتعليق: عبد الرزاق الأعسم، انتشارات الاعتصام، النجف الأشرف، ط1، 2008م.

 ديوان المتنبي، شرح عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي، 1980.

 ديوان بشار بن برد، شرح: صلاح الدين الهواري، دار ومكتبة الهلال، بيروت، د.ط، 1998م.

 ديوان زهير بن أبي سلمى، شرح: حمدو طماس: دار المعرفة، بيروت، ط2، 2005م.

 ديوان عمر بن أبي ربيعة، دار صادر، بيروت، ط3، 2003م.

 ديوان محمد بن عمَّار الأندلسي، أبو بكر محمد بن عمار المهري الأندلسي (ت478هـ) تحقيق: صلاح خالص، مطبعة الهدى، بغداد، 1957م.

 الذخيرة، في محاسن أهل الجزيرة، ابن بسَّام أبو الحسن الشنتريني، تحقيق: احسان عباس، دار العربي للكتاب، ليبيا، د.ط، 1975.

 رسائل ابن أبي الخصال، ابن أبي الخصال الأندلسي، تحقيق: محمد رضوان الداية، دار الفكر، دمشق، سوريا، ط1، 1988م.

 سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي (ت:279هـ)، مطبعة المصطفى البابي الحلبي، (د.ط)، القاهرة،1937م.

 شرح ديوان المتنبي، شرح وتقديم: عبد الرحمن البرقوقي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، مصر، (د. ط)، 2012.

 شرح مقامات بديع الزمان الهمذاني، محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.

 طبقات فحول الشعراء، محمد بن سلام الجمحي، (ت231هـ)، شرح: محمود محمد شاكر، دار المدني، جدَّة، السعودية، د.ط، د.ت.

 علم النص، جوليا كرستيفا، تر: فريدة الزاهي – مراجعة: عبد الجليل ناظم دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط1، 1991.

 فن المسرحية وسعته في الأدب العربي، محمد سراج الدين، الجامعة الإسلامية العالمية، شيتاغونغ، 2006م.

 في رحاب كربلاء، عبود جودي الحلي، دار الرقيم، كربلاء المقدسة، ط1، 2018م.

 القصائد الخالدات، محمد عباس الدراجي، مكتبة الأمير، بغداد، العراق، د.ط، 1989م.

 كتاب المقامات، المقامة السنجارية، أبو القاسم بن علي بن محمد بن عثمان الحريري، أردو كائيد، د.ط، 1882م.

 الكوكف الدري من شعراء الغري، الشيخ علي الخاقاني، ذوي القربى، النجف الأشرف، ط1، 1427هـ.

 لسان العرب، ابن منظور جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم الأفريقي المصري(ت:711هــ)، دار صادر، (د.ط)، بيروت،1990م.

 المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله الحاكم النيسابوري ت(405هـ)، وبذيله: التلخيص للذهبي، دار المعرفة، بيروت، ط2، 1418هـ.

 المقامة في الأدب العربي والآداب العالمية، مهيمن حاجي زاده، مجلة اللغة العربية وآدابها، أذربيجان، 2004م.

 مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا (ت:395هـ)، تحقيق: عبد السلام هارون، منشورات مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، قم، 1404هـ.

 مقتل الإمام الحسين عليه السَّلام، الخطيب العلامة السيد محمد كاظم القزويني، مؤسسة الأميري، النجف الأشرف، د.ط، د.ت.

 ملحمة الإباء.... عاشوراء سُلَّم الإرتقاء، خالد عبد النبي الأسدي، مخطوط. 

 الموشحات الأندلسية، محمد زكريا عناني، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 2005م.

 نسمات من عبق الفرات، خالد عبد النبي الأسدي، فوريو، بغداد، ط1، 2023م.

 نهج البلاغة، الإمام علي (عليه السلام)، جمع: الشريف الرضي ت(406هـ)، شرح: الشيخ محمد عبدة، مؤسسة المختار، القاهرة، ط2، 2008م.

 نهج البلاغة، الإمام علي (عليه السلام) ت(40هـ)، جمع: الشريف الرضي ت(406هـ)، شرح: صبحي الصالح، الهجرة، قم، ايران، ط1، 1414هـ.

......................................

Abstract

The Book of God Almighty is a scientific treasure and a comprehensive system of life، beyond doubt or suspicion. Believing in the intentionality of movement، sound، verbal and syntactic structures، and from there to the phrase and the text... for a long time، we have been working on the textual invocations and the inferences that the writer employs in his texts، using various concepts such as (intertextuality، Quranic influence، Quranicness، and other terms similar to these concepts).

We have identified the flaws in these terms and the randomness of their application، and demonstrated the weakness of the terms specific to their application mechanisms. This is what prompted us to examine the Qur’anic texts to choose a title that applies to the concept and application. The choice was from the Almighty’s saying: {And when Moses asked for water for his people، We said، "Strike the stone with your staff." Then twelve springs gushed forth from it. Each people knew their place of drinking. Eat and drink from the provision of Allah، and do not commit abuse on the earth، spreading corruption.} {Al-Baqarah/60}

...because the istisqa’ is (a request for water) and the text that requests another text is a textual istisqa’، as well as the mechanisms that we chose for application according to what we explained in the introduction، which was an introductory introduction to the joints of the title and the mechanisms.

اضف تعليق