الواقع الفلسطيني الراهن والذي وصل إلى طريق مسدود إن لم يكن الفشل سواء بالنسبة لمشروع السلام الفلسطيني أو مشروع المقاومة، يرجع في جزء كبير منه لاتفاقات أوسلو التي استطاع الكيان الصهيوني توظفيها لفرض وقائع على الأرض. هل ما زالت العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين محكومة بهذه الاتفاقيات...
مقدمة
بعد مرور سبعة وعشرين عاماً على توقيع اتفاق أوسلو والمعروف رسمياً باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي يوم 13 من سبتمبر 1993فإن حالة من الغموض واللُبس تكتنف الحالة السياسية الفلسطينية الرسمية، سواء من حيث التحولات التي طرأت على النظام السياسي ومكوناته ووظائفه، أو من حيث طبيعة العلاقة التي تربط الفلسطينيين بالإسرائيليين، خصوصاً بعد وصول المفاوضات الرسمية لطريق مسدود وانتقال راعي التسوية –الولايات المتحدة الامريكية- من دور الوسيط إلى الشريك للإسرائيليين وانقلابه على حل الدولتين من خلال طرح الرئيس ترامب صفقة القرن، ثم إعلان القيادة الفلسطينية بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.[1]
الواقع الفلسطيني الراهن والذي وصل إلى طريق مسدود إن لم يكن الفشل سواء بالنسبة لمشروع السلام الفلسطيني أو مشروع المقاومة، يرجع في جزء كبير منه لاتفاقات أوسلو التي استطاع الكيان الصهيوني توظفيها لفرض وقائع على الأرض لا تتطابق مع نصوصها.
إشكالية البحث تدور حول التساؤلات التالية: هل ما زالت العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين محكومة بهذه الاتفاقيات، أم أن الكيان الصهيوني فرض واقعاً على الأرض يتجاوز كل الاتفاقات الموقعة؟ وأين الخلل في تسوية أوسلو؟ وما هي البدائل المتاحة أمام الفلسطينيين للخروج من تبعات أوسلو؟ وسبب التردد الرسمي الفلسطيني في اتخاذ خطوات عملية جريئة إما باتجاه الانتقال فعلياً نحو الدولة ووضع حد لاتفاقية أوسلو وملحقاتها وما أفرزت من وقائع ميدانية، أو العودة لمرحلة التحرر الوطني بجعل العلاقة التي تربط الفلسطينيين بإسرائيل علاقة شعب خاضع للاحتلال بدولة احتلال؟.
مقاربة التساؤلات أعلاه تتطلب بداية قراءة موضوعية للاتفاقات الموقعة مع إسرائيل من حيث معرفة ملابسات توقيع اتفاقات التسوية وحقيقة الموقف الإسرائيلي من وراء دخول عملية التسوية، وهل أن السلوك الإسرائيلي الحالي يُعتبر خرقاً لنصوص الاتفاقية ومتعارضاً مع منطلقات التسوية؟ أم أنه سلوك منسجم مع الرؤية الإسرائيلية الأولى للتسوية ومع قراءة إسرائيلية لنصوص الاتفاقات الموقعة وهي نصوص على درجة من الغموض مما أتاح للكيان الصهيوني تفسيرها بما يحلو لها؟ أيضا أين أخطأ الفلسطينيون سواء في توقيع الاتفاقية أو في كيفية تعاملهم مع التطبيق؟ وهل كان للفلسطينيين – السلطة والمعارضة -دور فيما وصلت إليه الأمور من انغلاق أفق التسوية؟.
سنحاول مقاربة هذه الإشكالات من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: تسوية اتفاقية أوسلو: مراهنات متعارضة
المحور الثاني: هل فشلت تسوية أوسلو بالفعل؟
المحور الثالث: الاستراتيجية الوطنية البديلة
المحور الأول
اتفاقية أوسلو وملحقاتها: مراهنات متعارضة
لم يكن الدخول بعملية التسوية تعبيراً عن قناعة حقيقية لمختلف الأطراف بالتوصل للسلام، فما جرى كان مشروعاً لتسوية سياسية وإن كان البعض يأمل أن تؤدي العملية في نهاية المطاف إلى سلام. كان لكل طرف –الفلسطينيون والإسرائيليون– مبرراته وأهدافه الخاصة، وإن كنا نعتقد أن الرغبة الفلسطينية بالسلام وخصوصا لدى الرئيس أبو عمار وحركة فتح كانت حاضرة أكثر مما هي عند الإسرائيليين. ربما كان رئيس وزراء إسرائيل اسحق رابين جادا في التوصل إلى صيغة ما لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي إلا أن أغلبية النخب السياسية والمجتمع الإسرائيلي لم يكونوا مهيئين للسلام الحقيقي.[2]
أولا: المراهنة الإسرائيلية من وراء توقيع اتفاقية أوسلو
ما ألت إليه أمور التسوية التي انطلقت مع اتفاق أوسلو تؤكد أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية لم يكونا جادين في التوصل إلى سلام يقوم على أساس تمكين الفلسطينيين من دولة مستقلة في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، بل كانت لهما منطلقات وأهداف مغايرة وهي:
1- تغيير طبيعة الصراع. ذلك أن نجاح إسرائيل في أن تكون اتفاقات التسوية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 فقط معناه تغيير الرواية الفلسطينية وفرض الرواية الصهيونية بأن الصراع بدأ مع حرب 1967 وليس مع حرب 1948، وهذا معناه تكريس شريعة الاحتلال الإسرائيلي لـ 78% من فلسطين.[3]
2- محاولة إغلاق ملف القضية الفلسطينية نهائياً بإضفاء صفة شرعية على الوجود الصهيوني في فلسطين وفي المنطقة العربية، وذلك باستدراج الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات للتوقيع على وثيقة تعترف بحق الصهاينة بالوجود وباعتماد نهج التسوية السياسية الثنائية.
3- المراهنة دخول منظمة التحرير في عملية التسوية سيلزمها بمواقف يصعب التخلي عنها لاحقا، منها: إنهاء الصراع ووقف النشاط الثوري الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني والتخلي عن أي مطالب أو حقوق مستقبلية سواء بالنسبة لسكان الأرض المحتلة أو فلسطينيي الخارج.
4- الكيان الصهيوني ومعه الولايات المتحدة الأمريكية كانا يراهنان بأن الوضع العربي والدولي السائد آنذاك يمثل فرصة سانحة لترتيب الأوضاع في المنطقة بما يخدم أهدافهما وتغيير طبيعة الصراع وإدارته.[4]
5- محاولة إثارة الشقاق داخل الصف الفلسطيني، وتأليب الشعب الفلسطيني وخصوصا خارج الأرض المحتلة على منظمة التحرير.[5]
6- المراهنة بأن التسوية ضمن شروطهما قد تؤدي إلى اندلاع حرب أهلية وانهيار النظام السياسي الفلسطيني سواء كان السلطة المُزمع قيامها أو منظمة التحرير.[6]
7- تكريس إقليمية القضية الفلسطينية من خلال المراهنة بأن الرابطة بين الفلسطينيين ومحيطهم العربي والإسلامي ستتزعزع ولن يصبح لها محل إذا رأى العرب والمسلمون أن أصحاب القضية أنفسهم انعزلوا بقضيتهم عن الأمة العربية والإسلامية وقبلوا بالشروط الصهيونية الأمريكية واقفلوا ملف قضيتهم، في هذه الحالة ستصبح أي مطالب عربية مستقبلية، رسمية أو جماهيرية، بتحرير فلسطين، وكأنها تدَخُل في شؤون الغير.
8- تعزيز مقولة حياد الولايات المتحدة الأمريكية في الصراع العربي –الصهيوني، وتحسين صورتها لدى المواطن وإضفاء صفة الحياد على سياستها وإظهارها بأنها أوفت بوعودها إبان حرب الخليج بفرض الشرعية الدولية على الكيان الصهيوني كما فرضتها على العراق !.
9- تطبيع العلاقات مع الدول العربية، اعتقادا منهم أن تسوية الخلاف مع الفلسطينيين أو مجرد الدخول في عملية سياسية معهم سيكسر المقاطعة العربية والإسلامية لإسرائيل، وهو ما جرى بالفعل.[7]
ثانيا: المراهنة الفلسطينية
في تقييمنا للموقف الرسمي الفلسطيني من عملية التسوية وللاتفاقات الموقعة مع إسرائيل يجب التفريق بين مرحلتين أو نوعين من التقييم، الأول تقييم موقف منظمة التحرير من الدخول بعملية التسوية، وما إن كان الدخول بعملية التسوية والتوقيع على الاتفاقات الموقعة أمراً صائباً أم لا؟ والتقييم الثاني لآلية إدارة المفاوضات قُبَيل التوقيع على الاتفاقية، والممارسة الفلسطينية مع الاتفاقات الموقعة وكيفية تصرُف السلطة والمعارضة بعد التوقيع على الاتفاقات.
1- بالنسبة لملابسات التوقيع على اتفاقات التسوية
كما سبق الذكر لم يكن ولوج منظمة التحرير لعملية التسوية خياراً مريحاً أو تتويجا لانتصارات حاسمة، دون تجاهل دور الانتفاضة 1978 في استنهاض الحالة الوطنية ولفت أنظار العالم إلى ما يجري في فلسطين، بل كان ممراً إجبارياً أو محاولة لوقف الانهيار والتراجع الذي أصاب القضية الفلسطينية بسبب الاختلال في النظامين العربي والدولي مما أثر سلبا على القضية الفلسطينية.
المشروع الوطني كما تمت صياغته في الميثاق الوطني وفي أدبيات فصائل منظمة التحرير كان متأثرا ومعبرا عن طبيعة مرحلة الستينيات، من حيث وجود حالة وطنية صاعدة ومد قومي ثوري عربي ووجود معسكر اشتراكي ومنظومة دول عدم الانحياز. عليه كان المشروع الوطني الأول سواء من حيث الهدف – تحرير كل فلسطين – أو وسيلة تحقيقه – الكفاح المسلح – محصلة مشاريع في مشروع واحد: المشروع الوطني، المشروع القومي العربي، المشروع التحرري العالمي، وكانت مراهنة الفلسطينيين على الحلفاء أكثر من مراهنتهم على أنفسهم.[8]
ما بين تأسيس المشروع الوطني مع منظمة التحرير وتوقيع اتفاقات التسوية مع إسرائيل حدثت انهيارات زعزعت مرتكزات ومكونات المشروع الوطني من أهمها: -
1- تفكك البعد القومي العربي بداية مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل 1979، حرب الخليج الثانية بحيث لم تعد القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى بالنسبة للأنظمة العربية على أقل تقدير.[9]
2- انهيار المعسكر الاشتراكي – الحليف الاستراتيجي للثورة الفلسطينية – ومعه تراجعت منظومة دول عدم الانحياز.
3- انزلاق الثورة الفلسطينية كطرف مباشر أو غير مباشر في عدة حروب ومواجهات مع أنظمة عربية: كأحداث الأردن 1970 والحرب الأهلية في لبنان 1975-1982، وحرب الخليج الثانية 1991.
4- محاصرة الثورة الفلسطينية بعد حرب الخليج الثانية بسبب اتهام الرئيس أبو عمار بدعم الموقف العراقي، وكان حصاراً مالياً وسياسياً شديداً.
5- ظهور حركة حماس من خارج منظمة التحرير الفلسطينية وبداية تعامل دول وحركات عربية وإسلامية معها دون الرجوع لمنظمة التحرير.
6- تغلغل فكر التسوية عند غالبية الدول العربية ورغبتها في إيجاد تسوية سياسية للصراع مع إسرائيل وخصوصا بعد حرب الخليج الثانية وتداعياتها، وهنا نلاحظ أن مؤتمر مدريد للسلام 1991 سبق توقيع اتفاقية أوسلو، ولو لم يكن مؤتمر مدريد ما كانت اتفاقية أوسلو.
كل ذلك أضعف من قوة الثورة الفلسطينية، وبقي الفلسطينيون وحيدين في الميدان، الأمر الذي كشف الهوة الواسعة بين أهداف المشروع الوطني الأول والممكنات الفلسطينية، وكان مطلوب تدفيع الثورة الفلسطينية الثمن على سياسات وممارسات لم تكن خاطئة تماما بقدر ما كانت محصلة لتحالفات وتوازنات تلك المرحلة. وقد حاولت القيادة الفلسطينية التكيف مع هذه الاختلالات مع الحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني من خلال نهج الواقعية السياسية وإعادة النظر في أهداف النضال الفلسطيني وطرق تحقيقها.[10]
لا نعتقد أن القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة ارتكبت أخطاء استراتيجية كبيرة كان عدم ارتكابها سيغير من مسار الأحداث بشكل جذري، فما جرى كان نتيجة متغيرات عربية ودولية وليس نتيجة تقصير فلسطيني. إلا أن ذلك لا يمنع من القول بوجود خلل وأوجه تقصير في الجانب الفلسطيني جعلت قدرة النظام السياسي الفلسطيني ضعيفة في مواجهة المتغيرات المحيطة به، مثل تغلغل المال السياسي مما أوجد أشكالا من الفساد، وغياب المحاسبة للفاسدين، وترهل بنية الفصائل، بالإضافة إلى عدم حدوث مراجعات استراتيجية بعد كل أزمة مرت بها الثورة الفلسطينية. ومع ذلك كانت لتلك المرحلة حصيلة مهمة وهي استنهاض الحالة الوطنية والاعتراف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في قمة الرباط 1974 والاعتراف بها مراقبا في الأمم المتحدة.
2- خلل في عملية المفاوضات وفي إدارة السلطة ما بعد توقيع اتفاقات التسوية
في الوقت الذي كان فيه فريق فلسطيني من الداخل بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي يقود مفاوضات علنية كانت منظمة التحرير تجري مفاوضات سرية في أوسلو، كان مهندساها محمود عباس واحمد قريع مع عدد محدود من السياسيين. بسبب خشية قيادة منظمة التحرير من التوصل لتفاهمات مع قيادات الداخل وتهميش منظمة التحرير الفلسطينية، تحركت القيادة بسرعة لتلوِّح للأمريكيين والإسرائيليين بالاستعداد لتقديم تنازلات كان من الصعب على فلسطينيي الداخل تقديمها، ومن جانب آخر كانت واشنطن وإسرائيل تريدان أن تكون منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني هي الجهة التي توقع على أية اتفاقية تسوية سواء لإنهاء الصراع أو تغيير طبيعته ونهج إدارته.
لم يكن الخلل في سرية المفاوضات فقط بل أيضا في تفرد أشخاص معينين بعملية المفاوضات وفي البحث بقضايا مصيرية دون توافق فلسطيني حتى داخل منظمة التحرير بل حتى داخل حركة فتح نفسها، ودون خبرة لهؤلاء بكثير من الملفات التي تم التفاوض عليها. بينما كان الوفد الإسرائيلي مدعوما بلجان متخصصة في كل المجالات. الأمر الذي أنتج اتفاقية أوسلو ولواحقها بصياغات مبهمة وتقبل أكثر من تفسير وغالباً ما كانت إسرائيل تفسرها لصالحها لأنه كان لها اليد الطولى في وضع هذه النصوص.
بسبب سرية المفاوضات والخوف من تهميش المنظمة أُسنِد أمر المفاوضات لسياسيين من حركة فتح وقلة من خارجها، وغالبية هؤلاء كانوا يعيشون خارج فلسطين وليس لهم أية خبرة أو معلومات حول جغرافيا الأرضي المحتلة وأسماء المناطق والقرى، وتجمعات المياه الجوفية الخ، وقد تسربت بعض المعلومات المثيرة للسخرية والألم معا، تدل على الجهل الكبير لهؤلاء السياسيين بالأمور التي كانوا يتفاوضون عليها، مع حسن نية في تعاملهم مع الإسرائيليين الذين كانوا يعيشون في فلسطين ويملكون الجغرافيا ويعرفون كل صغيرة وكبيرة من جغرافيا فلسطين ما فوق الأرض وما تحتها.
ما بعد توقيع اتفاقية أوسلو سادت حالة من الإرباك وعدم الوضوح في كيفية التصرف والتعامل مع الواقع الجديد في ظل وجود سلطة فلسطينية وما عليها من استحقاقات بمقتضى الاتفاقات الموقعة. كانت أهم مظاهر هذا الإرباك انقسام الساحة الفلسطينية انقساماً حاداً ما بين من يؤيد عملية التسوية ويراهن عليها كفرصة ومنعطف مصيري يمكن المراهنة عليها للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا الطرف الفلسطيني تعامل مع اتفاقات الحكم الذاتي المؤقت أو ترتيبات المرحلة الانتقالية وكأنها اتفاقات سلام، الأمر الذي دفع بكثير من الفلسطينيين والعرب إلى التعامل مع إسرائيل وكأنها شريك سلام والتعامل مع الصراع برمته وكأنه حُسم وأصبح من مخلفات الماضي.
في المقابل رفض آخرون – حركة حماس والجهاد الإسلامي وقوى أخرى وشخصيات من داخل منظمة التحرير -هذه المراهنة واعتبروا الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وقيام السلطة الفلسطينية خروجاً عن الثوابت الوطنية ونهجا استسلامياً، ولم يقتصر الأمر على خلافات سياسية ونظرية بل تعدى ذلك إلى ما يشبه الانشقاق داخل منظمة التحرير وتشكيل جبهة وطنية معارضة لـ (نهج أوسلو) وقيام قوى المعارضة وخصوصا حركة حماس بعمليات عسكرية في عمق إسرائيل في أوقات دقيقة كانت تمر فيها المفاوضات.
بالإضافة التي التحديات التي واجهت السلطة من معارضيها ظهرت أشكال من الفساد وسوء الإدارة في السلطة فاقمت من مشاكلها. صحيح أنه لم يكن فساداً كبيراً، إلا أن واشنطن والغرب وظفوا الحديث عن فساد السلطة للتضييق على الرئيس أبو عمار وإجباره على إدخال تعديلات دستورية تحد من صلاحياته. [11]
بشكل عام يمكن الإشارة إلى أوجه الخلل في التعامل الفلسطيني الرسمي مع عملية التسوية منذ بداياتها وكذلك التداعيات السلبية لاتفاقية أوسلو وتطبيقاتها، وهي تتراوح ما بين الأخطاء الاستراتيجية والخلل في الإدارة، وعدم وضوح الرؤية والموقف:
1- القبول بدخول عملية التسوية على أساس قراري مجلس الأمن 224 و338 فقط وتجاهل بقية قرارات الشرعية الدولية، كقرار التقسيم 181 وقرار حق العودة 194 وعديد القرارات التي تتحدث عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه بمقاومة الاحتلال الخ. وهذا يتعارض مع إعلان قيام الدولة في الجزائر 1988 الذي قَبِل الدخول بعملية التسوية على أساس كل قرارات الشرعية الدولية.
2- القبول بأن تكون المفاوضات تحت رعاية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية فقط دون إشراف دولي أو محاولة تشريع الاتفاقية بقرار دولي من مجلس الأمن، الأمر الذي أسقط عن اتفاقية أوسلو صفة الاتفاقية الدولية.
3- تأجيل قضايا الوضع النهائي وهي قضايا استراتيجية، مما جعل المفاوضات تشكل غطاء للاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.
4- الاعتراف المتبادل كان بين دولة الكيان الصهيوني ومنظمة التحرير، فيما كان يُفترض أن يكون الاعتراف بعد نهاية المفاوضات مقابل اعتراف الكيان الصهيوني بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967.
5- القبول بالمفاوضات واستمرارها لسنوات مع استمرار الاستيطان والتهويد.
6- استمرار المفاوضات دون مرجعية واضحة أو هدف واضح.[12]
7- استمرار نفس الفريق المفاوض تقريباً واقتصاره على حركة فتح.
8- عدم تحيين فكرة الدولة مباشرة بعد نهاية المرحلة الانتقالية مايو 1999.
9- رهن الاقتصاد الفلسطيني كليا بالاحتلال من خلال بروتوكول باريس الاقتصادي.
10- المراهنة كليا على الخارج سواء تعلق الأمر بالشرعية الدولية أو الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية، مع غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع الشرعية الدولية، وماذا بعد الذهاب لمحكمة الجنايات الدولية؟.
11- إهمال القيادة في عهد الرئيس أبو مازن للعمل الشعبي بل وعدم الثقة بقدرات الشعب ولو من خلال أشكال من المقاومة السلمية. هذا ما خلق فجوة ما بين القيادة والشعب لم تستطع الرواتب والإغراءات المالية أن تملأها.
12- تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها سياسياً ومالياً لحساب السلطة الوطنية لدرجة أن منظمة التحرير بكل فصائلها أصبحت تعتاش من ميزانية السلطة الفلسطينية.
13- إضعاف حركة فتح سواء كحركة تحرر وطني أو كحزب سلطة ودولة، وجعل سقفها السياسي نفس السقف السياسي للسلطة.
14- غياب أو ضعف مؤسسة القيادة وتمركز كل شيء بيد الرئيس أبو عمار ثم أبو مازن.
15- تمركز الرئاسات بيد واحدة – رئاسة الدولة ورئاسة منظمة التحرير ورئاسة السلطة ورئاسة حركة فتح.
16- قوة تأثير نخبة سياسية اقتصادية من خارج المدرسة الوطنية على عملية اتخاذ القرار.
17- استمرار التنسيق الأمني بنفس الوتيرة والضوابط التي كانت في بداية التسوية بالرغم من تنصل إسرائيل من عملية التسوية.
18- الصراع على السلطة بدلا من الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال.
19- كسر حالة العداء أو تمييعها بين الشعب ومغتصبي أرضه. هذا أمر خطير لأن استمرار حالة العداء للخصم وتعبئة الشعب ضده يعتبر أحد أدوات المواجهة وحصانة للشعب من الاختراق الفكري والثقافي ومنع التطبيع مع الاحتلال.
20- بسبب التحولات التي طرأت على النخبة السياسية وبسبب تعثر عملية التسوية وتراجع خيار المقاومة، فقد سادت قناعات عند كثيرين من النخب السياسية بأن السلطة هي نهاية المطاف، لذا تعاملوا مع السلطة ليس كأداة نضالية بل كمصدر للرزق ومراكمة الثروة وتشكلت نخب سياسية اقتصادية في الضفة وغزة راكمت الثروات وأصبحت مستعدة للقتال من أجل السلطة حفاظا على مصالحها الشخصية.
21- تحويل الفدائيين والثوار إلى موظفين وكَتَبة يتقاضون رواتب من سلطة تموَّلَ من الخارج، وتحت إشراف ورقابة الاحتلال !. بدأ الأمر مع منتسبي حركة فتح وفصائل منظمة التحرير ثم انتقل لمنتسبي حركة حماس.
22- قطع طريق العودة إلى نهج المقاومة. لأن السلطة حلت محل حالة التحرر الوطني ولأن حركة فتح تحولت لحزب سلطة في الضفة الغربية وحركة حماس تحولت لسلطة في قطاع غزة، فإن المقاومة حتى السلمية منها باتت تتعارض وتهدد مصالح السلطتين الحاكمتين، لأن المقاومة تستدعي تدخل جيش الاحتلال مما قد يؤدي لإنهاء السلطتين، وبالتالي أصبحت السلطة والحفاظ عليها عائقا أمام مهمة المقاومة والتحرير.
23- إهمال فلسطينيي الخارج.
24- سوء إدارة ملف الانقسام.
25- تزاوج السلطة والثروة سواء في غزة أو الضفة.
المحور الثاني
هل فشلت تسوية أوسلو بالفعل؟
بالرغم من كل التصريحات الفلسطينية والإسرائيلية التي تُعلن نهاية مشروع التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا أن الوقائع على الأرض التي أوجدتها الاتفاقات الموقعة: كبناء جدار الفصل، استمرار الاستيطان، تغيير الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى، التنسيق الأمني، التداخل الاقتصادي، الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة والمحاولات الجارية لتكريس الهدنة في قطاع غزة، بالإضافة إلى الجدل الدائر في الأوساط الفلسطينية عما إن كان من المصلحة الوطنية إنهاء السلطة الفلسطينية أم الحفاظ عليها لأنها أوجدت مكتسبات يجب الحفاظ عليها، كل ذلك يجعل الحديث عن فشل اتفاقات التسوية أو تجاهل تداعياتها أمراً صعباً، كم يتباين مفهوم الفشل والنجاح عند كل طرف من طرفي التسوية.
إن أي حديث عن الفشل والنجاح يبقى نسبيا نظراً للأسباب المُشار إليها ولعدم وجود مشاريع تسوية سياسية بديلة، ولأن القول بفشل التسوية قد يكون صحيحا بالنسبة للفلسطينيين ولكنه ليس كذلك بالنسبة للطرف الثاني الذي لم يكن راغباً بالفعل في إنجاز تسوية تؤسس لسلام عادل يلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية -دولة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس الشرقية مع إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين ـ-وعليه فإن الفشل من وجهة نظر الفلسطينيين يعني عدم تحقق هذا الهدف، مع أن هذا الهدف لم يتم ذكره في أية من الاتفاقات الموقعة ولم يلتزم الطرف الثاني بأي يوم من الأيام.
سواء أسميناه فشلاً أم تعثراً أم إدارة مغايرة للصراع، فإن تحديات كبيرة تواجه الخروج نهائياً من التزامات أوسلو أو عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل انطلاق مسلسل التسوية، لأن واشنطن وتل أبيب أخذتا في الحسبان بداية أن الفلسطينيين سيكتشفون حقيقة ما يحاك لقضيتهم الوطنية تحت شعار التسوية وبالتالي قد يرتدون عنها. عليه خلقت واشنطن وإسرائيل وقائع ومناخاً سياسياً لقطع طريق العودة، كما يلي:
1- احتكار واشنطن مسار المفاوضات وإدارة الأزمة، لأنها لا تريد أن تظهر بمظهر الفاشل في تحقيق السلام العادل مع أنها غير راغبة فيه، ومع كل إدارة أمريكية يتم طرح تصورات للحل بما فيها صفقة القرن مع الرئيس ترامب لا تخرج عن المبادئ الأساسية لأوسلو.
3- لم تبرز قوى دولية يمكنها انتزاع زمام مبادرة السلام من يد واشنطن، بل إن اللجنة الرباعية أصبحت مهمشةً وملحقة بواشنطن فيما كان يفترض حسب تمثيلها للاتحاد الأوروبي والروس والأمم المتحدة وواشنطن أن ترعى العملية السلمية، وفشلت كل الجهود الأوروبية لطرح مبادرات تسوية سياسية.
4- الوقائع التي فرضتها دولة الاحتلال على الأرض كالاستيطان المتعاظم والمستمر وبناء الجدار وتهويد القدس والطرق الالتفافية والحواجز، جعل عودة الأمور إلى ما كانت عليه أمراً مستحيلاً حتى وإن أعلن الفلسطينيون فشل عملية التسوية وتخليهم عن الالتزام بالاتفاقات الموقعة بشأنها.
5- وجود سلطة ومؤسسات وحكومة فلسطينية تقوم بمهام يُفترض أن تقوم بها دولة الاحتلال سواء تعلق الأمر بالمسؤولية عن إعاشة الشعب الخاضع لاحتلال أو فرض النظام والقانون أو التنسيق الأمني، ما جعل الاحتلال لا يشكل عبئاً على الإسرائيليين، وتردد السلطة في التمرد على هذا الوضع.
6- تحويل غالبية الشعب الفلسطيني لجموع تعيش على راتب السلطة والمساعدات الخارجية التي تستمر ما استمرت السلطة وحكومتها ملتزمة بالتسوية وبالمفاوضات، بغض النظر عن الممارسات الإسرائيلية المدمرة لفرص السلام وللمشروع الوطني.[13]
7- تحوُّل بعض مكونات النخبة السياسية لنخب مصالح ومشاريع اقتصادية مرتبطة بإسرائيل وبدول الجوار ودول خارجية، بحيث أصبحت هذه النخب التي يفترض أنها تحمل وتحمي المشروع الوطني معنية بالحفاظ على مصالحها وامتيازاتها وليس الدفاع عن المشروع الوطني أو التصادم مع سلطات الاحتلال.
8- انقسام حاد وغير مسبوق في الصف الفلسطيني نتيجة انقلاب حركة حماس في يونيو 2007 وتعززه تدخلات خارجية، مما ألغى استقلالية القرار الوطني وجعل المشروع الوطني واستقلالية القرار الوطني مجرد شعارات.
9- فصل غزة عن الضفة وقيام حكومة في كل منطقة معادية للأخرى وتسعى لشرعنة وجودها على حساب وحدة الشعب والأرض.
10- التهدئة ما بين دولة الاحتلال وحركة حماس في غزة مهدت لنوع من التعايش السلمي والاعتراف الواقعي بين الطرفين وتأبيد حالة الفصل ما بين الضفة وغزة.
11- استمرار القيادة الفلسطينية بالتلويح بإمكانية العودة لطاولة المفاوضات في حالة التزام إسرائيل ببعض الشروط.
12- والأهم من كل ذلك فشل الفلسطينيين في بناء استراتيجية عمل وطني سواء على مستوى قيادة وحدة وطنية أو استراتيجية مقاومة تملأ الفراغ الذي قد ينتج عن انهيار التسوية أو حل السلطة أو رداً على صفقة القرن.
من كل ذلك يمكن الاستنتاج بأن القوى المتحكمة بمسار عملية التسوية لن تعلن عن فشلها بشكل نهائي، حتى منظمة التحرير لم تُقدِم على ذلك بالرغم من سنوح عدة فرص للخروج من تبعات أوسلو وأهمها:
1- نهاية المرحلة الانتقالية في مايو 1999، وآنذاك كان الرئيس أبو عمار يريد إنهاء أوسلو والإعلان عن الدولة إلا أن ضغوطاً دولية وعربية مورست عليه وخصوصاً من الرئيس المصري مبارك الذي هدد بعدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
2- فشل لقاء كامب ديفيد 2 بين الرئيس أبو عمار والرئيس الأمريكي كلنتون ورئيس وزراء الكيان الصهيوني ايهود باراك واندلاع الانتفاضة الثانية 2000 ثم اجتياح الضفة الغربية بعملية السور الواقي في مارس 2002.
3- وفاة أبو عمار في نوفمبر 2004 نتيجة تسميمه من طرف الإسرائيليين.
4- توقف المفاوضات 2010 نتيجة مواصلة الاستيطان وعدم التزام إسرائيل بالاتفاقات الموقعة.
5- عند تصويت الجمعية العامة في نوفمبر 2012 بأغلبية الأصوات (134) على الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة.
6- عند إعلان الرئيس الأمريكي ترامب في 6 ديسمبر 2017 الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ثم نقل مقر السفارة بالفعل من تل أبيب إلى القدس.
7- الإعلان عن صفقة القرن 28 يناير 2020 بدون حضور الفلسطينيين أو التنسيق معهم.
8- إعلان نتنياهو عن نيته بضم مناطق من الضفة الغربية لإسرائيل والتوافق على ذلك ضمن حكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها بين نتنياهو غانتس.
إلا أن القياد الفلسطينية لم تحسم أمرها وتعلن رسمياً الخروج من اتفاقية أوسلو وسحب اعترافها بإسرائيل. حتى بعد قرار القيادة الفلسطينية بأنها في حل من الاتفاقات الموقعة، وإن بدا خارج سياق التسوية فهو جزء من عملية إعادة صياغة تسوية أوسلو وتحسين شروط التفاوض، أو فلنقل بأن التسوية أصبحت كالحرباء تغير مصطلحاتها وأسسها حسب تغير الظروف والأحوال وحسب الديناميكيات التي تولدها التسوية نفسها.
كثيرون تحدثوا وما زالوا يتحدثون عن فشل السياسة الأمريكية ومشاريعها في الشرق الأوسط وعلى رأسها تسوية أوسلو ولو لم تفشل أوسلو ما كانت واشنطن طرحت مبادرة جديدة، وفي ظني أن واشنطن لم تفشل بل انجزت كثيرا من أهدافها في المنطقة فيما يتعلق بمصالح إسرائيل من خلال اتفاقية أوسلو وتداعياتها عربيا ودولياً، وواقع حال العرب والفلسطينيين اليوم مقارنة بواقع إسرائيل والمصالح الامريكية يؤكد ذلك،فإسرائيل تعيش عصرها الذهبي منذ تأسيسها 1948 حيث لا توجد مصادر تهديد حقيقي لها تأتيها عبر حدودها – ما كانت تسمى دول الطوق - والنظام السياسي الفلسطيني، الآن وفي ظل الانقسام ومع نفس النخب السياسية الحاكمة،أبعد ما يكون عن تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل، كما أن كثيراً من الدول التي كانت صديقة وحليفة للفلسطينيين أصبحت تعترف بالكيان الصهيوني بل ولبعضها علاقات استراتيجية معه، ومشروع صفقة القرن إن نجح فسيبنى على ما حققه اتفاق أوسلو للإسرائيليين.
ما فشل هي المراهنة الفلسطينية مشاريع التسوية وعلى رأسها تسوية أوسلو، وفشل المراهنة على حسن النية بالإدارة الأمريكية كوسيط نزيه في التسوية مع إسرائيل.
إدارة ترامب غير معنية بالسلام لا في فلسطين ولا في أية منطقة في العالم بل إن ما تروم هو إدارة الصراعات لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية، ما دامت الصراعات والحروب خارج أراضيها ونفقاتها تأتي من أموال الدول المتصارعة نفسها أو بابتزاز حلفائها المُهدَدين من هذه الصراعات، كما أن هذه الحروب منحت الجيش الأمريكي فرصة و ساحة تدريب حقيقية وباللحم الحي لاختبار أسلحته المتطورة، دون تجاهل صفقات الأسلحة المُقدرة بمئات مليارات الدولارات، هذا بالإضافة إلى تحسين مواقعها الجيوستراتيجية في مواجهة منافسيها وخصومها الكبار كروسيا والصين وأوروبا.
مشروع التسوية الجديد والمسمى صفقة القرن لا يخرج عن سابقيه من حيث استراتيجية إدارة الصراع وإعادة الأطراف، وخصوصاً الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى طاولة المفاوضات، والمهم صمود الفلسطينيين وعدم خضوعهم للابتزاز، فإسرائيل وواشنطن يملكون ولا شك المال والسلاح ولكنهم لا يملكون الحق في التصرف بمصير الشعب الفلسطيني، فالقرار عند الفلسطينيين وخصوصا عند الجهة الممثلة لهم رسميا ودوليا منظمة التحرير الفلسطينية.
المحور الثالث
الاستراتيجية الوطنية البديلة
كرد على تعثر المفاوضات 2010 روجت منظمة التحرير وعلى لسان الرئيس أبو مازن خطاباً مفاده أن لديها خيارات متعددة لمواجهة إسرائيل والرد على عدم التزام إسرائيل بالاتفاقات الموقعة، بل تحدثت القيادة عن سبعة خيارات تبدأ بالذهاب إلى الأمم المتحدة وتنتهي بتسليم المفاتيح وتحميل إسرائيل كدولة احتلال المسؤولية عن الأراضي الفلسطينية، وقد لمح الرئيس أبو مازن في خطابه في الأمم المتحدة في شهر سبتمبر 2015 إلى تعثر عملية التسوية وعدم التزام إسرائيل بالاتفاقات الموقعة، والاستعداد الفلسطيني لتجاوزها إن لم يتم تدارك الأمر بسرعة.
مع استمرار إسرائيل في سياساتها العدوانية والاستيطانية وما تجده من دعم غير مشروط من إدارة الرئيس الأمريكي ترامب وخصوصا بعد الإعلان عن صفقة القرن، وبعد تيقن القيادة الفلسطينية باستحالة الحصول على اعتراف كامل بالدولة الفلسطينية من خلال مجلس الأمن، قررت القيادة الانصياع لقرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بإعادة النظر بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وهكذا وفي خطاب متلفز بعد اجتماع القيادة يوم الثلاثاء 20 مايو 2020 أعلن في خطاب بثه التلفزيون بعد اجتماع للقيادة الفلسطينية في رام الله: "إن منظمة التحرير الفلسطينية، ودولة فلسطين قد أصبحت اليوم في حل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية"... وأن "على سلطة الاحتلال الإسرائيلي ابتداء من الآن، أن تتحمل جمع المسؤوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال في أرض دولة فلسطين المحتلة، وبكل ما يترتب على ذلك من آثار وتبعات وتداعيات".
فهل يعني هذا أن القيادة الفلسطينية حسمت أمرها بتجاوز حقبة أوسلو؟ وإن كان الأمر كذلك فما هو البديل؟
أولا: ماذا بعد وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل؟
الإجراءات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية من خلال (التحلل) من الاتفاقات مع إسرائيل وإن كانت خطوة في الطريق الصحيح إلا أنها أقرب لردود الفعل الانفعالية ما دامت غير مبنية على استراتيجية وطنية للمواجهة ولم يتم التنسيق بشأنها عربياً أو دولياً ولم تقطع نهائيا مع اتفاقية أوسلو، وهي حتى الآن أحدثت قلقاً في الساحة الفلسطينية وخصوصاً عند المواطنين المعتمدين على السلطة وخدماتها أكثر من القلق الذي أحدثته عند الإسرائيليين أو دولياً.
في ظل خروج قطاع غزة من ساحة الفعل الوطني بعد سيطرة حركة حماس عليه ثم توقيعها هدنة مع إسرائيل وصيرورة القطاع مجرد مراقب للأحداث وانتظار حركة حماس انهيار السلطة الوطنية لتحل سلطتها في غزة محلها، وفي ظل شبه غياب لنصف الشعب الفلسطيني في الشتات عن ساحة المواجهة والتأثير المباشر على الاحتلال، وفي ظل الوضع الاقتصادي المتردي في الضفة وتقطيع أوصالها وغياب حراك شعبي واسع أو مقاومة فاعلة، وفي حالة استمرار الانقسام وغياب أي حديث أو تحرك نحو الوحدة الوطنية ووضع استراتيجية وطنية للمواجهة... فإن أقصى ما يمكن أن تؤدي إليه قرارات القيادة لن يخرج عن سياق السيناريوهات التالية:
1- دفع إسرائيل لتأجيل ضم الأراضي أو أن تلجأ إلى ضمها بطرق ملتوية وبدون إعلان رسمي.
2- أن يتدخل وسطاء لإقناع إسرائيل بوقف الضم مقابل العودة لطاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة من الطرفين أو التطبيع العربي مقابل تجميد الضم كما جرى بالنسبة للإمارات والبحرين.
3- أن تنفذ إسرائيل سياسة الضم وتستمر القيادة الفلسطينية على موقفها المعلَن بالتحلل من الاتفاقات الموقعة، مع تنسيق خفي للحفاظ على السلطة ومنع انهيارها، وهناك أطراف من السلطة وخارجها مستعدة للتعامل مع حكومة نتياهو حتى ولو ضم مناطق من الضفة.
4- سيناريو انهيار السلطة. وهذا سيحدث في حال استمرار القيادة الفلسطينية على موقفها المعلن برفض صفقة ترامب وضم الأراضي والقطيعة مع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، واستمرار توقف السلطة عن تقديم الخدمات للمواطنين ولجوء هؤلاء مباشرة للإدارة المدنية الإسرائيلية لتدبير أمورهم الحياتية.
بمعنى أن كل السيناريوهات غير مريحة ولا يبدو في الأفق القريب مؤشرات على أحداث أو اختراقات يمكنها تحسين المعادلة القائمة وتصويب المسار بما يعزز الموقف الوطني الفلسطيني. وفي هذا السياق نأمل أن تُعيد القيادة الفلسطينية النظر في مراهناتها على الأمور التالية: -
1- المراهنة على انتخابات أمريكية قد تأتي برئيس جديد له سياسة معارضة للسياسة الإسرائيلية وأكثر تفهماً للمطالب الفلسطينية.
2- المراهنة على تحرك أو مبادرة دولية للتسوية في الشرق الأوسط بعيداً عن الإدارة الأمريكية. حيث كل دول العالم وخصوصاً الكبرى منها إما أنها منشغلة بمشاكلها الداخلية وبالانهيار الاقتصادي الناتج عن وباء الكورونا، أو أنها تقر بأن ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجال مغلق للإدارة الامريكية.
3- المراهنة على اختراقات على مستوى الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية لأن لهاتين المؤسستين سقفاً لا يمكنهما تجاوزه.
4- المراهنة على انتفاضة أو ثورة شعبية عارمة، ولو كان هناك إمكانية لحدوث ذلك لحدث منذ سنوات أو على الأقل عندما أعلنت القيادة أنها في حل من الالتزام بالاتفاقات الموقعة، والأمر لا يرجع لأن الشعب استكان واستسلم بل لغياب طليعة قيادية لهكذا حراك وضعف الثقة بين الطبقة السياسية والشعب والإعلان عن تشكيل قيادة وطنية موحدة كأحد مخرجات لقاء بيروت- رام الله لن ينجح إن بقيت الأمور بيد نفس الطبقة السياسية الحاكمة في الضفة وغزة.
5- المراهنة على أن قرار القيادة بوقف العمل بالاتفاقات سيحرج ويُخيف إسرائيل، ونعتقد أن هذا الأمر كان وارداً قبل سنوات أما الآن فإسرائيل هيأت الأوضاع للتعامل مع حالة غياب أو انهيار السلطة الوطنية، كما أنها متأكدة أن السلطة لن تنهار وأن هناك من سيواصل التعامل معها.
قرار القيادة وإن حرك حالة السكون والترقب وتجاوب مع مطالب شعبية إلا أنه يبقى خطوة صغيرة يجب البناء عليها، ليس بمزيد من القرارات القيادية الفوقية بل بحراك شعبي على الأرض ومن جميع القوى السياسية، وعلى قوى المقاومة بدلاً من أن تنتظر الخطوة التالية من القيادة عليها أن تأخذ هي الخطوة التالية وخصوصاً بعد وقف التنسيق الأمني، لأن صفقة ترامب وضم الأراضي ليست موجهة ضد القيادة الفلسطينية فقط بل تشكل تهديداً للمشروع الوطني بل وللوجود الوطني في فلسطين.
يبدو أن الأمور تسير على عكس إرادة القيادة والشعب الفلسطيني، ففي الوقت الذي لاحت فيه بوادر تصويب الوضع الفلسطيني الداخلية لمواجهة الكيان الصهيوني والسياسة الامريكية جاءت الطعنة من الجانب العربي حيث أقدمت الإمارات العربية والبحرين على تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني برعاية أمريكية وبترحيب من دول عربية نافذة كمصر والعربية السعودية والأردن، الأمر الذي يتطلب من الفلسطينيين مزيداً من الاعتماد على الذات وسرعة الخروج من مربع الانقسام وهو ما تم التأكيد عليه في لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية ما بين بيروت ورام الله.
ثانياً: بدائل أوسلو أو الاستراتيجية الوطنية المطلوبة
كل القوى السياسية والمجتمعية باتت تطالب باستنهاض الحالة الوطنية ومواجهة تحديات فشل الاتفاقات الموقعة[14] وضرورة التحرر من قيودها، فإن الأمر يتطلب وجود استراتيجية وطنية وميثاق وطني جديد.
المفهوم العلمي والصحيح للاستراتيجية في المنعطفات المصيرية وفي حالة كالحالة الفلسطينية يجب أن تتضمن مراجعة شاملة لمجمل المسيرة الوطنية، من سلوكيات وأيديولوجيات وثقافات وأفكار ومسلمات وبنى تنظيمية وشبكة علاقات وتحالفات، لأنها كلها تتحمل المسؤولية عما وصلنا إليه، وليس مجرد اتفاقات مصالحة شكلية بين حركتي فتح وحماس.
وعندما نقول ونطالب بمراجعة استراتيجية لأنه منذ دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر (دورة إعلان الاستقلال) في الخامس عشر من نوفمبر 1988 لم يجري أي لقاء وطني توافقي جدي ولم تحدث أية مراجعة استراتيجية حتى داخل منظمة التحرير، بالرغم من الأحداث الجِسام التي مرت على القضية الوطنية، واستمر النظام السياسي يعاني من حالة تخبط وتيه ومراهنة على الخارج وتجريبية قاتلة وما يصدر عنه مجرد ردود أفعال وقرارات لا تنفذ غالباً.
الاستراتيجية المطلوبة لا تغرق بالمشاكل الآنية بل تتعامل مع جذورها ومسبباتها الحقيقية. والاستراتيجية رؤية وتخطيط ومنهج في العمل تحيط بكل المصالح الوطنية وما يهددها من مخاطر، تربط الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل، تنطلق من رؤية علمية للواقع بكل مكوناته وتشابكاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، محليا ودوليا. إنها فن التوفيق بين الإمكانات الوطنية بكل مكوناتها من جانب والأهداف من جانب آخر. هذه الاستراتيجية هي الأساس الذي تقوم عليه سياسات الدول والكيانات السياسية العقلانية. الاستراتيجية تؤسَس على المصلحة الوطنية العليا أو ثوابت الأمة التي هي محل توافق وطني ولا تخضع لألاعيب السياسيين ومناوراتهم.
أهم مكونات استراتيجية حركات التحرر الوطني هو توافق أغلبية الشعب والكيانات السياسية على الأهداف الوطنية وعلى الوسائل أو الأدوات التي تضمن تحقيقها، ودائما يرتبط نجاح أو فشل الاستراتيجية ليس باختلال موازين القوى مع العدو بل بمدى وجود مؤسسة قيادة قادرة على تعبئة الشعب وحشده حول برنامجها الوطني، وفي وجود وحدة وطنية.
لأن الاستراتيجية ملزِمة للكل الوطني فإنها تستهدف كل مكونات النظام السياسي من الرئاسة حتى الأحزاب. ونظرا لأن مكونات النظام السياسي جزء من الأزمة بل سببا رئيسا لها، فهي غير مؤهلة لوحدها لوضع هذه الاستراتيجية.
في المنعطفات التاريخية وعندما تكون الأمة والوطن في خطر فإن الأمر يحتاج لوقفة مراجعة شاملة لمعتقدات وأيديولوجيات وسياسات وطابوات وبرادغمات تعايش معها وتعود عليها الشعب لعقود حتى توَهَّم أنها مسلمات وحقائق وأن النصر والتحرير لن يتأتيا إلا بها ومن خلالها. هذه المراجعة والاستراتيجية الجديدة قد تضر بمصالح فئات عديدة، ولكنها ضرورية حتى يستفيق الشعب من غفوته ومن المراهنات المريحة نفسياً، والمنافية للعقلانية السياسية والمدمرة لمصلحة الوطن عملياً.
وفي هذا السياق، فالاستراتيجية الوطنية المطلوبة يجب أن تضع محل النقاش قضايا بعضها كان بمثابة مسلمات عند انطلاق الثورة الفلسطينية في منتصف الستينيات وأخرى تم اصطناعها أو ترويجها لاحقاً كمسلمات وحقائق. والمراجعة ليس بهدف التجاوز والقطيعة معها أو الحكم القاطع بأنها غير صحيحة أو أصبحت متجاوَزة، بل بهدف التمحيص وإعادة النظر للتأكد من مدى ثباتها وموائمتها في ظل المتغيرات المتسارعة في العالم، وأهم هذه القضايا أو (المسلمات): -
1- عدم حل القضية الفلسطينية يهدد السلام العالمي.
2- إسرائيل المصدر الرئيس الذي يهدد أمن واستقرار السلام العالمي.
3- اليهود يسيطرون على العالم ويوجهون سياساته.
4- البعد القومي للقضية الفلسطينية، وفلسطين قضية العرب الأولى.
5- البعد الإسلامي والقدس خط أحمر بالنسبة للمسلمين.
6- ستقام الدولة الفلسطينية من خلال الشرعية الدولية والأمم المتحدة.
7- المقاومة والجهاد المقدس الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.
8- القيادات السياسية على صواب وتحقق انجازات سواء في مجال المقاومة العسكرية الجهادية في غزة أو في مجال العمل السياسي والدبلوماسي للسلطة.
9- الانقسام سببه خلافات فتح وحماس.
10- منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني.
بناء على إعادة تقييم (المسلمات) السابقة يمكن صياغة الاستراتيجية المطلوبة التي تحتاج حضور كل المكونات السياسية من داخل منظمة التحرير ومن خارجها.
وهذه بعض الخطوط العريضة يمكن التفكير فيها كأساس للاستراتيجية الوطنية المطلوبة:
1- لأن الطبقة السياسية في غزة والضفة وصلت لطريق مسدود ولا يمكن المراهنة عليها في وضعها الحالي للرد على مشروع تصفية القضية، يجب إجراء الانتخابات العامة على كافة مستوياتها: التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
2- انجاز الوحدة الوطنية بأسرع وقت، ووضع حد لمهزلة حوارات المصالحة بالشكل الذي كانت تجري عليه طوال عشرة أعوام، وهذا يتطلب تغيير الأسس والمنطلقات التي تقوم عليها الحوارات، وتغيير الأشخاص المكلفين بها.
3- التوافق وطنياً على تحديد الهدف الاستراتيجي النهائي والأهداف المرحلية.
4- إعادة صياغة العلاقات الفلسطينية مع العالمين العربي والإسلامي على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار السياسة الواقعية وليس الاعتبارات الأيديولوجية القومية والعلاقات التاريخية فقط.
5- إعادة النظر في المراهنة المبالَغ فيها لمنظمة التحرير على الشرعية الدولية ومحكمة الجنايات الدولية.
6- إعادة النظر بمفهوم المقاومة واستراتيجيتها، لأن ما يجري على حدود قطاع غزة لا علاقة له بالمقاومة بل يسيء لها ويُسخِّفُها، كما أن العمليات الفدائية الفردية في الضفة الغربية لا تكفي.
7- مع ضرورة الاستمرار بالتمسك بنهج السلام والتسوية السياسية العادلة إلا أنه مطلوب إعادة النظر بالنهج المتبع في التعامل مع التسوية والشرعية الدولية وبمن يتولى أمرهما.
8- الحسم في موضوع السلطة الفلسطينية وما ارتبط بها من اتفاقات وبروتوكولات، وهل ما زالت ضرورة ومصلحة وطنية؟ وإن كانت كذلك فكيف نجعلها نقطة انطلاق نحو الدولة؟ وإن لم تكن كذلك فما هو البديل لها؟.
ربما بعض مكونات الطبقة السياسية ملمة بكل ما سبق ومقتنعة به إلا أنها غير قادرة على تنفيذه مباشرة بفعل بنيتها وارتباطاتها ومصالحها، وخصوصاً أن قرارات وتصريحات صدرت عن القيادات والمؤسسات الرسمية والحزبية طالبت أكثر من مرة بالأخذ ببعض هذه العناصر ولكن دون جدوى، وحتى لقاء أمناء الفصائل الأخير لم يتخذ أي قرارات عملية واكتفى بتشكيل لجان.
ومع ذلك، فلن نفقد الأمل لأننا نلمس حالة غضب وتمرد عند الشعب، وجذوة وطنية خامدة عن البعض من الطبقة السياسية ممن لا يرغبون بأن ينهوا حياتهم بوصمة الخيانة. حتى وإن لم تستجب الطبقة السياسية لهذه الاستراتيجية وغيرها من النصائح والمقترحات التي قدمتها أكثر من جهة وطنية فقد تكون الحرب الأهلية ضرورة وطنية وهذا ما نخشاه وما لا نريده.
خاتمة
إن لم يتم تدارك الأمر بالاتفاق على برنامج واستراتيجية وطنية كمرجعية لعمل النظام السياسي الفلسطيني في ظل المتغيرات العربية والدولية المفتوحة على كل الاحتمالات، فستستمر القضية الفلسطينية في حالة تيه وسيسير النظام السياسي نحو مزيد من التفكك، وما نخشاه وما لا نتمنى حدوثه، أن حركة فتح ومنظمة التحرير لن تبقيا موحدتين وستسيران نحو مزيد من التآكل والتخبط، والسلطة الوطنية ستتحول لجابي ضرائب ومقَدِم خدمات لتسيير الحياة اليومية للمواطنين مع تنسق أمني مع الاحتلال دون أي مضمون وطني تحرري، وحركة حماس ستشهد مزيدا من الانحسار وفقدان الشعبية والتحول إلى حكم شمولي استبدادي كلما توغلت في السلطة والحكم واستمرت ملتزمة بالتهدئة، وقد نشهد ظهور العديد من التيارات أو الأحزاب بمسميات المستقلين أو أية مسميات أخرى يقودها رجال أعمال من الداخل ومن الشتات، إلا أن هذه القوى لن تشكل استنهاضا للحالة الوطنية بل ستزيد من التيه ومن فرص تدخل أطراف خارجية.
إن كان اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية وما تسرب من معلومات عن تشكيل قيادة وطنية لمقاومة شعبية أوجدا بعض الأمل في التغيير، إلا أن كل حراك في ظل وجود نفس الطبقة السياسية لن يتجاوز كونه زوبعة في فنجان ولن يحقق إلا مصالح للسلطتين والحكومتين القائمتين في غزة والضفة ومحاولة منهم لإطالة أمد وجودهم في السلطة والظهور بمظهر البطولة.
وتبقى الكلمة الأخيرة للشعب وصبره وصموده ومقاومته، فلا التطبيع العربي مع كيان الاحتلال ولا مناورات الأحزاب الفلسطينية وفشلها وتقاعسها يمكنهم إنهاء الصراع في فلسطين وفي الشرق الأوسط، وما دام الشعب الفلسطيني لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء وما دامت الشعوب العربية لم تقل كلمتها والعالم العربي يمور بأحداث متسارعة، فالأمل يبقى حاضراً والنصر آت لا محالة.
اضف تعليق