وتنطلق هذه الدراسة من رؤية بان نظام عدم الانتشار النووي بشكله الاجمالي لم يشكل فقط حصن لحماية الامن العالمي بل شكل في نفس الوقت نظاما عالميا لحماية البيئة سوء من خلال حظر التجارب النووية او من خلال منع انتشار السلاح النووي او من خلال عقلنة...
الباحث: م.د. عبد الكريم كاظم عجيل- جامعة سومر – كلية القانون
(بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018)
الخلاصة:
امام التطور التكنولوجي زاد اهتمام المجتمعات بالحفاظ على البيئة وهو ما دفع المشرع في مختلف الدول إلى اعتبار البيئة تراثاً مشتركاً للأمة واجب الحماية والمحافظة عليه وعدم الإضرار به. وهذا ما أكدته التشريعات المقارنة في دساتيرها وتشريعاتها وفي الاتفاقيات والإعلانات الدولية وجعلته حقاً من حقوق الإنسان وواجباً من واجبات الدولة.
ويعتبر الانسان المتضرر الاول من تأثير المواد المشعة ولاسيما النووية منها. إذ تتألف معظم مصادر الاشعة الخارجية من الإشعاعات جاما والأشعة الكونية الخطرة جداً. كما ان المصادر الداخلية الناجمة عن تحلل المواد المشعة في الأرض تسبب مشاكل اضافية لا تقل عن المصادر الخارجية، وان نواتج المفاعلات النووية الخطرة كثيرة جداً، ويمكن ان يصدر من هذه المفاعلات أكثر من 1300 نظير، منها مواد مشعة واخرى عناصر مشعة ضعيفة وثالثة عديمة الخطورة وكل مادة تلامس أجزاء المفاعل أثناء عمله تصبح مشعة بما في ذلك الماء وضارة بالإنسان والبيئة، وعادة تهدأ هذه النواتج تدريجياً ويستمر نشاطها الإشعاعي حتى 500 سنة.
وتنطلق هذه الدراسة من رؤية بان نظام عدم الانتشار النووي بشكله الاجمالي لم يشكل فقط حصن لحماية الامن العالمي بل شكل في نفس الوقت نظاما عالميا لحماية البيئة سوء من خلال حظر التجارب النووية او من خلال منع انتشار السلاح النووي او من خلال عقلنة استخدام الذرة وما يستتبعها من امور هي بمجملها تشكل تهديد للنظام البيئي بشكل عام اذا لم تضبط ضمن قواعد قانونية ذات طبيعة الزامية.
المقدمة:
تكمن إشكالية الموضوع بأن أسلحة الدمار الشامل وتحديدا الأسلحة النووية تشكل من حيث استخدامها او تحديثها من خلال اجراء التجارب على الذرة بغية الوصول الى نتائج أسرع وأكثر تدمير تشكل اهم مصدر لتلوث البيئة، فمن يضبط هذا الاستخدام؟ ومن يضبط هذا نقل وتطوير هذه التقنيات؟ او كيف تعامل المجتمع الدولي مع هذه الأسلحة الفتاكة على الانسان والبيئة؟
ولذلك تنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها: (ان نظام عدم الانتشار النووي شكل إطار مهم لحماية البيئة كما شكل إطار اساسي لحماية السلم والامن الدوليين). ونظرا لاتساع نظام عدم الانتشار وكثر المعاهدات والاتفاقيات والنظم واللجان حيث من الصعوبة احصاءها ضمن بحث صغير، لذلك سنتناول بالبحث (معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية 1996)، لما لهما من إثر كبير ومكانه أساسية في نظام عدم الانتشار ولإثرهما الكبير في المحافظة على البيئة.
ولذلك سنقسم هذه الدراسة الى ثلاث مباحث نتناول في المبحث الأول: مفهوم البيئة وماهيتها، ثم نتطرق في المبحث الثاني: لدور الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حماية البيئة، فيما نخصص المبحث الثالث: لدور نظام عدم الانتشار في حماية البيئة، وذلك بدراسة معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1996.
المبحث الأول
مفهوم البيئة وماهيتها
كل دراسة علمية لابد وان تحتوي على مجموعة من المفاهيم والمصطلحات والتي بدون تحديد معناها وماهيتها الدقيقة فلا يمكن لأي باحث الوصول الى نتائج حقيقية وموضوعية، لذلك سنحدد المفاهيم التي نسعى لتوضيح وبيان أسس العلاقة فيما بينها أولا، ثم ننتقل لتوضيح صحت الفرضية التي فرضناها في مقدمة البحث. وعلى ذلك سنتناول في هذا المبحث النقاط الاتية:
أولا// تعريف البيئة: قبل ان ندخل في تعريف البيئة لغةً واصطلاحاً، يجب ان نعَرف علم البيئة Ecology، لقد اشتقت هذه الكلمة عن الكلمة اليونانية Oikos والتي تعني البيت House ثم تطورت مع مرور الزمان فصارت تعني دراسة مجمل العلاقات بين الكائنات الحية من جهة وبيئتها (الماء والهواء والأرض) من جهة أخرى(1).
ان مصطلح البيئة Ecology والبيئة المحيطة Environment يختلف كل منهما عن الاخر فالبيئة المحيطة تعني مجموعة الظروف والمؤثرات الخارجية التي لها تأثيرها في حياة الكائنات الحية بما فيها الانسان، اما مصطلح البيئة فتعني العلم الذي يعني بدراسة أماكن معيشة الكائنات الحية وكل ما يحيط بها(2).
أ) تعريف البيئة لغة:
البيئة في اللغة من الفعل (بوأ)، وله معان عدة، فبوأه منزلا: نزل به إلى سند جبل، وبوأه له وبوأه فيه: هيأه له وانزله ومكن له فيه، (وتبوأ): نزل وأقام (3)، ومنه في القرآن الكريم: (أَنْ تبوأ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(4) أي اتخذوا، والاسم البيئة بمعنى المنزل، وقد ذكر أبن منظور لكلمة (تبوأ) معنيين قريبين من بعضهما: الأول: بمعنى إصلاح المكان وتهيئته للمبيت فيه0 الثاني: النزول والإقامة(5).
ب) تعريف البيئة اصطلاحا:
لم يجمع العلماء والباحثون على تعريف موحد للبيئة فقد تعددت التعريفات بتعدد من تناولها، فمنهم من عرف البيئة على انها الإطار الذي يعيش فيه الإنسان بما يضم من ظاهرات طبيعية، وبشرية، يتأثر ويؤثر بها، ويحصل على مقومات حياته من غذاء وكساء ومأوى، ويمارس فيه علاقاته مع أقرانه من البشر(6).
وقد تبنى مؤتمر ستوكهولم عام 1972م مفهوما للبيئة، يقول: "إنها كل ما يحيط بالإنسان"، وهناك من يذهب الى ان مفهوم البيئة بمعناها الاصطلاحي يمثل الوسط أو المجال المكاني الذي يعيش فيه الإنسان؛ بما يضم من ظواهر طبيعية وبشرية يتأثر بها، ويؤثر فيها. هذا الوسط أو المجال قد يتسع ليشمل منطقة كبيرة جدا، وقد تضيق دائرته ليشمل منطقة صغيرة جدا لا تتعدى رقعة البيت الذي يسكن فيه الإنسان(7).
ثانيا// مفهوم البيئة في القوانين العربية:
عرف المشرع العراق البيئة على انها "المحيط بجميع عناصره الذي تعيش فيه الكائنات الحية والتأثيرات الناجمة عن نشاطات الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"(8).
اما المشرع المصري فقد عرف البيئة انها "المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط بها من هواء وماء وتربة وما يقيمه الإنسان من منشآت (9). غير ان المشرع الأردني ذهب الى ابعد مما ذهب اليه المشرع المصري فقد وسع المحيط البيئي ليشمل الكائنات الحية وغير الحية فقد عرف قانون حماية البيئة الأردني رقم (52) لسنه 2006، البيئة "المحيط الذي يشمل الكائنات الحية وغير الحية وما يحتويه من مواد وما يحيط به من هواء وماء وتربة وتفاعلات أي منها وما يقيمه الانسان من منشئات فيه"(10).
اما المشرع السوري فقد عرف البيئة في قانون البيئة السوري رقم 50 لسنه 2002 انها "المحيط الذي تعيش فيه الاحياء من انسان وحيوان ونبات ويشم الماء والهواء والارض وما يؤثر على ذلك المحيط"(11).
غير ان المشرع القطري ذهب الى ابعد مما ذهب له اقرانه، حيث وسع من مفهوم البيئة وفصل، ففي قانون حماية البيئة القطري رقم 30 لسنه 2002، يعرف البيئة على انها " المحيط الحيوي الذي يشمل الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونبات وكل ما يحيط بها من هواء وماء وتربة، وما يحتويه من مواد صلبة أو سائلة أو غازية أو إشعاعات، وما يقيمه الإنسان من منشآت وما يستحدثه من صناعات أو مبتكرات"(12).
وبناء لما تقدم فالبيئة في المفهوم القانوني تعني: كل ما يحيط بالإنسان من ظروف وتغيرات ومتغيرات فتوجد بيئة حضرية وبيئة طبيعية وبيئة جغرافية وبيئة اجتماعية وبيئة ثقافية وبيئة عمالية وبيئة فضائية الى غير ذلك وهذه فان مفهوم البيئة يختلف باختلاف المتخصص(13)
المبحث الثاني
دور الاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حماية البيئة
تعمل التشريعات كضمانات وقواعد عملية لحماية البيئة سواء على المستوى الوطني والدولي، وعند الحديث عن القانون الدولي للبيئة فأن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بمختلف مستوياتها تشكل اهم اركان ومصادر هذا القانون، ولذلك سنتناول في هذا المبحث المفهوم القانوني حماية البيئة، والقانون الدولي للبيئة ومصادرة:
أولا// المفهوم القانوني لحماية البيئة:
لقد اضحى استمرار الحياة في ارجاء المعمرة رهين بسلامة النظام البيئي من حين كونه وحدة بيئية متكاملة تشمل الكائنات الحية الموجودة في النظام الكوني والتي تتفاعل مع بعضها وفق نظام دقيق ومتوازن يسير في ديناميكية تلقائية لأداء مهامها في الحياة(14).
لقد شكلت الضرورة الملحة لحماية البيئة تحديا مشتركا للقانون الدولي والقانون الداخلي على حد سواء حيث بات جليا بان المعضلات الهائلة والمعقدة منها قائمة ولابد من محاولة حلها بواسطة القواعد القانونية ومن خلال الوسائل والأساليب التنظيمية الدولية والوطنية معا وكان لتطور القواعد الدولية البيئية عظيم الأثر في تطور مفهومه، فأن تطوره النسبي الأخير ينبع من الادراك المتزايد بان البيئة تتعرض للخطر بسبب التزايد المتواصل للتلوث البيئي العابر للحدود والناجم أساسا عن استخدام التكنولوجيا التي تساهم في زيادة التلوث بصورة واضحة على الافراد والمجتمعات(15). ونجد ان المشرع الأردني عرف حماية البيئة بانها المحافظة على مكونات البيئة وعناصرها والارتقاء بها ومنع تدهورها او تلوثها او الاقلال منها ضمن الحدود الامنة من حدوث التلوث وتشمل هذه المكونات الهواء والمياه والتربة والاحياء الطبيعة والانسان ومواردهم(16).
اما المشرع القطري فعد حماية البيئــة بأنها (المحافظة على مكونات البيئة والارتقاء بها ومنع تدهورها أو تلوثها او الإقلال من حدة التلوث، وتشمل هذه المكونات الهواء والبحار والمياه الداخلية بما في ذلك المياه الجوفية والأراضي والمحميات الطبيعية والموارد الطبيعية الأخرى)(17). بينما عرف المشرع السوري حماية البيئة بــ (هي مجموعة النظم والاجراءات التي تكفل استمرار توازن البيئة وتكاملها الانمائي وتحافظ على بيئة سليمة صالحة للاستمتاع بالحياة والاستفادة من الموارد والممتلكات على خير وجه(18)).
وعلى ذلك يقصدر بحماية البيئة المحافظة على مكونات البيئة والارتقاء بها ومنع تدهورها او تلوثها او الاقلال من حدة التلوث وتشمل هذه المكونات الهواء والبحار والمياه الداخلية والجوفية والأراضي والمحميات الطبيعية والموارد الطبيعية الأخرى(19).
ثانيا// القانون الدولي للبيئة ومصادرة:
يتضمن القانون الدولي للبيئة باعتباره أحدث فرع للقانون الدولي، القواعد القانونية التي تهدف الى حماية البيئة كما هو شأن قانون البيئة برمته(20)، وما دمنا بصدد تحديد مصادر القانون الدولي للبيئة، مع بيان دور الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشكل خاص، نجد هنا ان من الضروري تحديد مصادر القانون الدولي العام اولا مع تحديد أهمية المعاهدات الدولية لخصوصيتها في سياق البحث، ثم نعرج لبيان مصادر القانون الدولي للبيئة ثم اهداف القانون الدولي للبيئة.
ان نظام محكمة العدل الدولية قد توصل الى اتفاق عام ضمن المادة 38 على ان ثم ثلاث مصادر رئيسة للقانون الدولي بالإضافة الى وسيلتين فرعيتين لتحديد احكام ذلك القانون وعلى المرء ان يتحول الى تلك المصادر الثالثة وهاتين الوسيلتين الفرعيتين للتثبت من وجود احكام قانون الأمم ومعناها.
اما بخصوص دور المعاهدات الدولية كمصدر للقانون الدولي العام فتعتبر خلافا لوجهات النظر التي كانت سائد قبل 100 سنة مصدرا رئيسيا بل ويعتبرها البعض المصدر الرئيسي للقانون الدولي(21).
ويعتبر القانون الدولي للبيئة احد فروع الجديدة للقانون الدولي العام وقد اتجه العمل بالقانون الدولي في مجال حماية البيئة الى الاجتهاد لتحديد وتهذيب هذا الفرع من فروع القانون الدولي لتحديد ملامحه وتعريفه وصياغة قواعده وانشاء الياته لضمان تنفيذ واحترام قواعده التي تكون جزء من النظام الدولي، كما تلعب نشأة القانون الدولي للبيئة احد المؤشرات الرئيسية لتطور القانون الدولي في صالح البشرية وتلعب الاتفاقيات الدولية وقرارات المنظمات الدولية والاعلانات الصادرة بشأن البيئة وحمايتها ومنع الاضرار بها دورا هاما في استكمال هذا الفرع لملامح تطوره الأساسية(22). وتوجد على الساحة الدولية حاليا أكثر من خمسمائة اتفاقية دولية بالشأن البيئي منها ثلاثمائة وثلاث وعشرون اتفاقية أي 70% منها ذات طابع إقليمي، ويرجع 60% من هذه الاتفاقيات الى الفترة التالية لعام 1982(23).
ولذلك تعتبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية من أبرز المصادر التي يمكن الاستعانة بها لتحديد أنواع الأفعال والتصرفات التي تمثل انتهاكات للبيئة وعناصرها، ويرجع السبب في ذلك الى ان هذه الاعتداءات والانتهاكات غالبا ما تكون ذات طابع دولي، وفي هذا الشأن تعددت هذه المعاهدات وتنوعت من حيث صيانتها وحمايتها كمصدر من مصادر البيئة(24).
وتمثل المعاهدات والاتفاقيات الدولية مصدرا هاما من المصادر القانونية لحماية البيئة، وعلى الرغم من ان جانب من الفقه ذهب الى ان قواعد القانون الدولي للبيئة ما زالت في مرحلة التكوين والتطور، وتعاني من النقص والقصور، فان ذلك لا ينفي أهمية قواعد القانون الدولي العام في تفسير معنى النصوص التشريعية بوصفها المرجع الأساسي لهذا التفسير، اما فيما يخص المبادئ الأساسية للقانون الدولي للبيئة فيمكن ان نؤشر أهمها بـــــ:
1- السيادة الكاملة للدولة على ثرواتها الطبيعية.
2- المسؤولية الدولية عن الاضرار بالبيئة.
3- التعويض عن الاضرار بالبيئة.
4- التعاون الدولي في مجال حماية البيئة.
5- الامتناع عن احداث الاضرار البيئية والتشاور المسبق(25).
كما اشار المشرع العراقي الى أهمية الاتفاقيات الدولية حيث منع في المادة 14 الفقرة الأولى "أولاً: تصريف أية مخلفات سائلة منزلية أو صناعية أو خدمية أو زراعية إلى الموارد المائية الداخلية السطحية والجوفية أو المجالات البحرية العراقية إلا بعد إجراء المعالجات اللازمة عليها بما يضمن مطابقتها للمواصفات المحددة في التشريعات البيئية الوطنية والاتفاقيات الدولية". وبذلك يكون المشرع العراقي قد الزم وعلى حد سواء بين التشريعات البيئية الوطنية والاتفاقيات الدولية فيما يخص معالجة اي مخلفات تشكل خطورة على البيئة حيث شرط ان تكون المعالجة مطابقة للمواصفات المحددة في التشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية(26).
وبناءً لما تقدم يكون هدف القانون الدولي للبيئة بالدرجة الأساس هو حماية البيئة، او توفير الضمانات القانونية لحماية البيئة، أي حماية المحيط الحيوي من أي تدهور او ضرر من شأنه ان يعرض وظائفه الحالية والمستقبلية للخطر، وذلك عبر إرساء قواعد قانونية دولية واضحة الجزاء(27).
المبحث الثالث
دور نظام عدم الانتشار في حماية البيئة
منذ ان ابتدأ عصر استخدام الذرة في مختلف مجالات الحياة ظهرت حالات خطيرة أجبرت العالم على الوقوف عندها منها على سبيل المثال ما حدث في منتصف عام 1945 عندما قامت الولايات المتحدة الامريكية بصنع اول ثلاث قنابل ذرية في التاريخ استخدمت احداها في اول تجربة ذرية واسقطت الآخرتين فوق هيروشيما ونجازاكي في 6 و9 اب 1945، وقد أدى الحادث الى قتل أكثر من مائة ألف مواطن ودمرت تماما أكثر من 75% من مباني البلدتين كما جرح وأصيب حوالي نصف مليون مواطن كانت إصابات 20% مهم بالأمراض الاشعاعية المختلفة. كما ان حادث تسرب كميات من المواد المشعة من أحد المفاعلات في مدينة وندسكيل في المملكة المتحدة وتشرنوبل في الاتحاد السوفيتي سابقا، تعتبر من اهم الحوادث التي جذبت الأنظار الى خطورة استخدام المواد المشعة على البيئة والانسان من حيث أدى الحادث الى تلوث الهواء والتربة والنباتات والماء(28).
وقد جرت العادة على جمع الأسلحة النووية والكيمياوية والبيولوجية بدون التمييز بينها في مجموعة واحدة تحت اسم (أسلحة الدمار الشامل)، على الرغم من الاختلاف الكبير بينها، وتعتبر الأسلحة النووية اكثرها خطورة، حيث يمكن ان تزيد قوتها على اكثر من مليون مرة من قوة المتفجرات التقليدية المساوية لها وزناً، تولد انفجارا عاصفا، اضف الى ذلك ان الانفجارات النووية تولد النيوترونات واشعة غاما، التي يمكنها قتل او ايذاء المعرضين لها لحضه التفجير، ويمكن للأسلحة النووية أيضا ان تولد نشاط اشعاعي طويل الاجل في شكل غبار ذري متساقط يمكنه الانتشار فوق مساحة اكبر بكثير من المساحة المتأثرة بالانفجار العاصف او الحرارة، والغبار الذري المشع يمكنه ان يتسبب في الإصابة بمرض حاد او وفات على مسافات بعيدة من خلال دقائق او ساعات او أيام بعد التفجير ويمكنه ان يؤدي الى مشاكل طبية اجله، على المدى البعيد كالسرطان او الشواذ الوراثية(29).
ونتيجة لتوالي استخدامات الذرة في المجالات المختلفة للحياة وما نجم عن تلك الاستخدامات من اثار سلبية مست حياة العديد من الناس ثارت فئات كثيرة من الشعوب بالعالم تطالب بوقف التجارب الذرية ومنع استخدام الأسلحة الذرية في الحروب، ونجحت تلك الشعوب في الضغط على حكوماتها من اجل منعها او تحديد نشاطاتها في مجال اجراء التجارب الذرية، كما ابتدأ الباحثون والعلماء في جميع انحاء العالم يراقبون هذا الخطر ويدرسون اثاره، وشكلت منظمات دولية عديدة لدراسة اثار الاشتغال بالمصادر والموارد ذات النشاطات الاشعاعية، كما وضعت هذه اللجان توصيات بالحدود القصوى المسموح بها لتركيز هذه المواد ذات النشاط الاشعاعي في بيئة الانسان وفي داخل جسمه (30).
ان أسلحة الدمار الشامل، على ما هي عليه من ترويع، تمثل جزءاً هاما وكبيرا من مشكلات امن العالم، بالإضافة الى ما يحدثه تطويرها من اضرار على البيئة، فالولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق يواجهان عمليات تنظيف هائلة في المنشآت التي كانت تصنع بها أسلحة الدمار الشامل، فالعناصر المشعة والمواد الكيماوية تلوث التربة والرواسب والمياه السطحية والجوفية في معظم المواقع او كلها، واتمام عمليات التنظيف تصل تكلفته الى مئات الملايين من الدولارات(31).
وعلى اثر ذلك ظهر نظام عدم الانتشار النووي والذي هو عبارة عن شبكة من المعاهدات والاتفاقيات والضمانات الخاصة بشأن استخدام الطاقة النووية. وتشكل (الاتفاقيات والمعاهدات، ونظام الموردين، والوكالة الدولية، والمناطق الخالية من الاسلحة النووية، ونظام حظر انتشار تكنولوجيا الصواريخ)، نظام عدم الانتشار النووي بشكل الواسع. وإذا أردنا ان نحدد نظام عدم الانتشار النووي فهو يتمثل في كل ما سبق، ويمثل الإطار الاعرض للمعاهدات المعنية، ونظرا لاتساع نظام عدم الانتشار وتعدد اركانه سينصب بحثنا على بيان دور كل من (معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963، ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية 1996) في حماية البيئة:
اولا// دور معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لعام 1963 في المحافظة على البيئة:
وقعها في موسكو ثلاثة اطراف اصلية في 5 اب 1963، وفتحت امام الدول الأخرى للتوقيع في لندن وموسكو وواشنطن في 8 اب 1963، وأصبحت نافذة في 10 تشرين الأول 1963، والجهات المودع فيها هي الحكومات البريطانية والأمريكية والروسية، ويزيد عدد أعضاءها الان عن 125 دولة، تحظر المعاهدة تنفيذ أي تفجير اختباري لسلاح نووي او أي تفجير نووي اخر حيث تنص على منع التجارب: "أ- في الغلاف الجوي، او خارج حدوده، بما في ذلك الفضاء الخارجي، او تحت الماء، بما في ذلك المياه الإقليمية او أعالي البحار. ب- في أي بيئة أخرى اذا كان مثل هذا التفجير يؤدي الى وجود الحطام الاشعاعي خارج الحدود الإقليمية للدولة التي يجري التفجير تحت سلطتها او سيطرتها"(32).
ان معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية لم تكن في جوهرها معاهدة لمنع الاسلحة النووية او تحسين وتحديث الترسانات النووية التي كانت ما تزال في بداية تطورها، انما كانت (معاهدة بيئية) لتهدئة الرأي العالمي الذي بداء يدرك مخاطر هذه التجارب على البيئة وما تخلفه من اشعاعات(33).
وعلى الرغم ان معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية كانت انجاز مهم على المستوى الدولي لمنع التجارب النووية بعد ان وعى العالم بخطورة هذه التجارب على الانسان والبيئة، غير ان هذه الجهود لم تكن كافية فالمعاهدة لم تمنع اجراء التجارب في باطن الأرض او هذا ما ذهبت الى تفسيره بعض الدول، وهو ما انعكس على اجراء التجارب في باطن الأرض. وعلى الرغم ان المعاهدة قد جاءت ناقصة ولكنها حققت حظر للتجارب النووية ومنعت تطوير الاسلحة النووية، غير ان ما يؤسف له انه خلال المدة الممتدة من عام 1945 وحتى العام 1996، فان الدولتين العظيمتين والدول النووية الاخرى قد اجرت 200 تجربة نووية، فالمعاهدة بقدر ما اوقفت التجارب الذرية في الهواء وتحت الماء، غير انها ام تمنع من تطوير الاسلحة في الميدان اخر حيث سمح في اجراء التجارب في باطن الارض.
وهذا يعني ان التجارب النووية لم تتوقف مما حذا بالدول النامية وعدم الانحياز بوقف هذه التجارب ومما شجع على توقيع على حظر التجارب النووية، هو منع استمرار تلوث البيئة الناجم على التجارب النووية، حيث ان هذه التجارب بصورة عامة لها اثار سلبية على البيئة والصحة العامة وتحمل اثار خطيرة على السكان، مما تحمله من اثار انية ومستقبلية تترك اثارها على الكائنات الحية. فهي تؤثر على سطح الارض من خلال الطبقة الكثيفة من الغبار الذري الناجم عن الانفجار والقادر على محو الحياة من منطقة التفجير. فظل عن التسبب بأثار مناخية تسبب بتدمير طبقة الاوزون التي تسبب امراض خطيرة، فظل عن التغيير المناخي.
ثانيا// دور معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لعام 1996 في المحافظة على البيئة:
هذه المعاهدة وقعت في ايلول عام 1996 وتعد من مستلزمات نظام عدم الانتشار النووي، وقد وقعت بعد جهود طويلة من المفاوضات من اجل اكمال النقص الذي وقع في ميدان حظر التجارب الذرية، حيث ان المعاهدة السابقة (معاهدة الحظر الجزئي للتجارب الذرية عام 1963) قد حظرت التجارب الذرية في الهواء وتحت سطح الماء والفضاء فقط، وقد فتحت للتوقيع عليها في نيويورك في 24 أيلول 1996(34).
ان اهم تعهد للمعاهدة قد جاء في المادة الأولى حيث تنص على " 1- تتعهد كل دولة طرف في المعاهدة بعدم اجراء أي تفجير من اي تفجير من تفجيرات تجارب الاسلحة النووية أو أي تفجير نووي أخرى وبحظر ومنع أي تفجير نووي من هذا القبيل في أي مكان يخضع لولايتها أو سيطرتها" (35).
وهذا الحظر الذي نصت عليه المعاهدة يوحي انها تحمل طابع شمولي بمعنى انها تحظر تجارب الاسلحة جميعها وفي البيئات جميعها، اي ان التفجيرات النووية التي تم حظرها في المعاهدة الحظر الجزئي قد تم توسيعها بشكل واسع لتشمل التجارب تحت الارض ايضا.
ان من مقاصد المعاهدة والتي تعد من الدوافع الرئيسة للتوقيع عليها هي انها يمكن ان تسهم في حماية البيئة، فالرأي العام الدولي اعتبر حظر الاسلحة النووية كانت المهمة الاساسية للدول جميعها لحماية البيئة من التلوث بسبب استمرار التجارب النووية لاسيما بعد ان تسبب الغبار الذري الاشعاعي في قتل أحد افراد اصحاب قوارب الصيد اليابانية في منطقة المحيط الهادي وقد شكلت هذه الحادثة دافع لزيادة اهتمام الرأي العام الدولي بأهمية حظر التجارب الذرية للمحافظة على البيئة، حيث ان حظر التجارب سيعمل على(36):
1. انه يمنع او يحول دون حدوث تلوث طبقات الجو من الغبار الذري وهو ما يمنع حوادث مماثلة كحادثة قارب الصيد الياباني المذكورة.
2. ان الحظر سوف يمنع التطوير المستمر للأسلحة النووية ومن ثم سيقلل احتمالية استخدام هذه الاسلحة والتعويل عليها وهو ما يساهم بالنهاية بالحفاظ على البيئة.
وعليه فإن معاهدة الحظر الشامل جاءت تعبير عن التطلع الدولي لوقف جميع التجارب، وفي جميع البيئات، لأنهاء انتشار مستويات خطيرة من (السقاطة) والغبار الاشعاعي والملوثات التي تحدثها التجارب تحت الارض والتي لها اثار مستقبلية مؤلمة على الجنس البشري. ولذلك فأن الجهود الدولية جميعها المتعلقة بحظر التجارب النووية كانت في البداية تهدف للمحافظة على البيئة.
ومن اجل ان يكون للمعاهدة ذراع تنفيذي يتابع الأهداف التي تسعى المعاهدة لتحقيقها، فقد أنشئت بموجب معاهدة، (منظمة حظر التجارب النووية) لحل مسائل الامتثال للمعاهدة وكمنبر للتشاور والتعاون بين الدول الأطراف، وستصبح المعاهدة عملياتية عندما تصبح نافذة. وتشكلت لجنة تحضرية للتحضير لأعمال المعاهدة، وبخاصة تأسيس نظام المراقبة الدولي، الذي يتم من خلاله نقل البيانات الى مركز البيانات الدولي للمعاهدة(37).
وبذلك تكون المعاهدة قد قامت بمعالجة كل نقص كان موجود بالمعاهدة السابقة، لان هذه المعاهدة أدركت هذه المخاطر واحتاطت لهذه الأمور، ولذلك فان المحافظة على البيئة لابد ان يصبح عمل مشترك من جانب دول العالم ويعد من الاهداف الرئيسة للمعاهدة(38). اذن فالمعاهدة تمم الجهد الدولي وتحقق خطوات مهمة في ميدان نزع الاسلحة النووية والمحافظة على البيئة، عبر الحد من هذه التجارب.
الخاتمة:
لقد اجرت الدول الحائزة على الاسلحة النووية منذ عام 1945 ولغاية عام 1998 (2059) تجربة نووية متعددة الانواع والاحجام وفي مختلف البيئات، اي بمعدل تجربة واحدة لكل 9 ايام وقد عملت هذه التجارب على انتشار مستويات خطيرة من التلوث من (السقاطة) المشعة والغبار الذري التي تسير باتجاه الريح محدثة تلوث في محيط الكرة الأرضية، اما التجارب المنفذة في باطن الارض فهي لا تقل خطورة على تلك التي تجري في الخارج، فكل انفجار ينشر مادة اشعاعية بشكل فعال تحت الارض، فضلاً عن الكثير من التجارب النووية تحتوي على غازات نشطة اشعاعية، ونشرت وزارة الطاقة الامريكية انه منذ العام 1963 فإن (114) تجربة نووية من أصل (123) تجربة تحت الارض قد أطلقت مادة نشطة في الجو مسببة تلوث خطر في الجو.
ونظرا لخطورة هذه التجارب على البيئة، ناهيك على ما تسفره هذه التجارب من نتائج خطيرة تؤدي الى تطوير هذه الأسلحة او صناعة أسلحة جديدة، والتي ستستخدم في نهاية المطاف لتدمير الانسان والبيئة. فقد مارس الرأي العام الدولي ضغط كبيرة على المجتمع الدولي وهو ما أدى الى ضهور مجموعة من التشريعات الوطنية والإقليمية والدولية صيغ بعضها بشكل اتفاقات دولية وإقليمية، شكلت بمجملها نظام عدم الانتشار النووي.
وقد حاولت هذه الدراسة ان تبين مفهوم البيئة وحمايتها وتحديدا من الناحية القانونية، وكيف تعامل المشرع العربية معها، ثم تناولت نظام عدم الانتشار بالتعريف وتحديد ماهيته، وكثرة اركان نظام عدم الانتشار فقد تم دراسة نموذجين، كان لهما الأثر الكبير في حماية البيئة من خلال منع اجراء التجارب النووية ومنع انتشار هذه الأسلحة وتقييد حركتها.
ومن اهم ما توصلت له الدراسة من نتائج هي:
1. تشكل أسلحة الدمار الشامل بمختلف أنواعها، وتحديدا الأسلحة النووية، من اهم التحديات التي تواجه البيئة، حيث كان للتجارب النووية الأكثر الكبير في تدمير البيئة وتلوثها.
2. شكل نظام عدم الانتشار النووي بمختلف اركانه الحصن الأمين امام منع تلوث البيئة وحمايتها من خلال تقييد ومنع اجار التجارب النووية، على الرغم ان هذا النظام قد تطور بشكل بطيء.
ما فيما يخص اهم التوصيات:
1. يجب ان يتحرك المجتمع الدولي بتجاه المزيد من الرعاية للقانون الدولي للبيئة لاستكمال اركانه، وتحديدا تشكل قواعد الزامية واضحة لمن يخالفه.
2. على الشعوب المختلفة الضغط على حكوماتها للتوقيع والتصديق على معاهدات نظام عدم الانتشار.
3. يجب التوعية المجتمع بمفهوم البيئة وكيفية المحافظة علية، كما يجب إضافة مفردة دراسة خاصة بالقانون الدولي للبيئة ضمن مواد كلية القانون والعلوم السياسية.
4. يجب العمل على جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية.
5. على الدول النووية العمل على نقل تقنية استخدام الذرة للأغراض السلمية بشكل منضبط للدول العالم النامي.
اضف تعليق