يتجلى دور القاضي الدستوري في الاصلاح التشريعي من خلال دوره في التفسير وهو في معرض اداء اختصاصاته الدستورية ولاسيما الرقابة على دستورية القوانين اذ يهدف القاضي الدستوري من ذلك الى التقليل من الاحكام الصادرة بعدم الدستورية وذلك من خلال دوره في معالجة الغموض والقصور التشريعي...
د. ليلى حنتوش ناجي-كلية القانون/جامعة بابل
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
يسعى القاضي الدستوري من خلال دوره في الرقابة على دستورية القوانين ان يقوم بالإصلاح التشريعي من خلال تجنب الحكم بعدم الدستورية للقانون المطعون بدستوريته امام القضاء الدستوري على اساس الموازنة بين النص القانوني والهدف من وضعه.
وذلك من خلال اما بسد النقص الموجود في مضمون نص القانون بإضافة ما يكلمه او باستبدال الجزء المخالف للدستور وذلك في اطار دور القاضي الدستوري بالتفسير المنشئ والذي يتجلى اما بتضمين النص بعض الاحكام او من خلال استبدال بعض ما يتضمنه من قواعد بقاعدة او مجموعة القواعد الاخرى بهدف سد النقص الذي جاء به النص او رفع الجزء المخالف وهدف القاضي من ذلك اصلاح القانون المطعون بدستورية وتفادي الحكم بعدم الدستورية.
ولكن يبقى القاضي الدستوري عند قيامه بتفسير النصوص القانونية المطعون بدستورية ان لا يبتعد عن الغاية النهائية من وضعها وانما يتعين دوما ان تحمل مقاصدها على اساس ان الدستور يمثل القواعد التي تقوم عليها وهذا ما اكدته المحكمة الدستورية المصرية في أحد قراراتها والذي جاء فيه ((النصوص التشريعية هو الا تحمل على غير مقاصدها ولا تفسر عباراتها بما يخرجها عن معناها او بما يؤول الى الالتواء بها عن سياقها او يعتبر تشويها لها سواء بفصلها عن موضوعها او مجاوزتها الاغراض المقصود منها)).
كما لا يجوز النظر الى النصوص بما يبتعد عن غايتها النهائية ولا بوصفها هائمة في الفراغ وباعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي وانما يتعين دوما ان تحمل مقاصدها بمراعاة ان الدستور وثيقة تقدميه لا ترتد مفاهيمها الى حقبة ماضية وانما تمثل القواعد التي يقوم عليها والتي صاغتها الارادة الشعبية انطلاقا الى تغيير لا تصد عن التطور افاقة الرحبة (1).
اضافة الى ما تقدم فان القاضي الدستوري ملزم بضرورة اجراء موازنة بين القانون المطعون بدستورية مع النصوص الدستورية وذلك لكون القاضي الدستوري ينظر الى النصوص الدستورية باعتبارها متكاملة ومترابطة وتعمل في اطار وحدة عضوية وبالتالي لا يمكن الفصل بين النصوص التي تنتظمها وحدة الموضوع نظراً لتكامل وترابطها كما وجدنا ان القاضي الدستوري عند قيامة بالتفسير المنشئ هو لا يهدف الى ان يتدخل في السلطة التقديرية للمشرع او ان يحل محلها بل انه حريص كل الحرص على عدم المساس بتلك السلطة التقديرية للمشرع بل انه يعمل على التوفيق بين سلطته في ابتداع التوفيق بين النص والهدف من وضعه والقصور الذي الم به وبين سلطة البرلمان في استقلاله بالعملية التشريعية (2). بهذا فان القاضي الدستوري لا يجعل من نفسه مشرعاً موازيأ للسطلة التشريعية عند قيامه بالتفسير كونه ملزم بان يجري تفسيره للنصوص القانونية في ضوء ارادة المشرع من خلال تحديد مضمون ونطاق القاعدة محل التنازع في اطار الرقابة الدستورية وفي سبيل عقد المقارنة بين القاعدة محل التفسير والقاعدة الدستورية.
ويبدو جليا الدور الاصلاحي للقاضي الدستوري من خلال تدخله في مضمون القاعدة لنص القانون واضافة مايحتاج اليه النص لإزالة النقص الذي ألم بالقانون الصادر من البرلمان حتى يصبح مطابقاً للدستور وبهذا يكون دور القاضي الدستوري هو مراقبة القصور الوارد في القانون ثم سد ما أغفل عنه المشرع.
وهذا ما وجدناه قد تجسد في قضاء المحكمة الدستوري الايطالية والتي بدأت منذ عام 1963 ثم توالت احكامها بهذا الصدد وايضا قضاء المجلس الدستوري الفرنسي اذا اكتشف الفقه الدستوري هذا الاتجاه في قضاء المجلس الدستوري ووصفه بانه سلطة تفسيرية خلاقة تهدف الى اكمال النقص والقصور التشريعية لأجل ان يتلاشى الحكم بعدم الدستورية للقانون المطعون بدستورية.
كذلك ايضا يتجلى الدور الاصلاحي للقاضي الدستوري بقيامة بالتفسير الاستبدالي فانه يصل الى اقصى نقطة في التفسير اذ من خلاله يستخدم القاضي الدستوري هذا النوع ايضا بغرض الوقوف على المضمون القاعدي لنص القانون دون احداث ثمة تغيير في شكل النص ومعالجة هذا الامر تصل بنا الى منتهاها بلا ادنى شك لأنها تحدث تحولا تاما في معنى القانون عن طريق استبدال بعض ما يحتوي النص من قواعد واستبدلها بتفسير قضائي بألفاظ جديدة اكثر اتفاقاً.
ولكن اذا كان التفسير الاستبدالي يميل مثل غيره من بقية التفسيرات الاخرى الى الوفاء بمتطلبات مبدأ الدستورية الا لنه يتصف بهدف مزدوج من خلال موضوعية حيث يهدف الى سحب او استخراج القاعدة المخالفة للدستور او جزء منها من النص التشريعي المطعون عليه من ناحية وادخال قاعدة اخرى تجعله مطابقأ للدستور من ناحية اخرى.
خطة البحث
دور القضاء الدستوري في الاصلاح التشريعي
مقدمة
المبحث الاول: التفسير القضائي بالإضافة الى مضمون نص القانون
المطلب الاول: مسوغات التفسير القضائي بالإضافة
الفرع الاول: معالجة القصور التشريعي
الفرع الثاني: معالجة الغموض التشريعي
المطلب الثاني: تطبيقات التفسير القضائي بالإضافة
الفرع الاول: الاحكام القضائية بالإضافة الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية
الفرع الثاني: الاحكام القضائية بالإضافة الصادرة من المجلس الدستوري الفرنسي
المبحث الثاني: التفسير القضائي باستبدال الجزء المخالف من نص القانون
المطلب الاول: اسلوب التفسير القضائي بالاستبدال
الفرع الاول: سحب الجزء المخالف للدستور من القانون المطعون بدستورية
الفرع الثاني: تعويض الجزء المخالف للدستور بجزء اخر مطابق
المطلب الثاني: تطبيقات التفسير القضائي بالاستبدال
الفرع الاول: الاحكام القضائية بالاستبدال الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية
الفرع الثاني: الاحكام القضائية بالاستبدال الصادرة من المجلس الدستوري الفرنسي
الملخص
يتجلى دور القاضي الدستوري في الاصلاح التشريعي من خلال دوره في التفسير وهو في معرض اداء اختصاصاته الدستورية ولاسيما الرقابة على دستورية القوانين اذ يهدف القاضي الدستوري من ذلك الى التقليل من الاحكام الصادرة بعدم الدستورية وذلك من خلال دوره في معالجة الغموض والقصور التشريعي للنصوص القانونية وذلك باتباع اسلوب التفسير القضائي بالإضافة والتي كانت المحكمة الدستورية الايطالية صاحبة الدور الرائد في هذا المجال ثم اقتفى اثرها كل من المجلس الدستوري الفرنسي والمحكمة الدستورية المصرية ولكن وفقاً لقواعد محددة ونطاق محدد.
كذلك يعمد القاضي الدستوري وهو في معرض دوره الاصلاحي للتشريعات المطعون بدستوريتها والمنظورة أمامه الى التفسير القضائي الاستبدالي والذي يهدف من خلاله الى رفع الجزء المخالف للدستور من القانون المطعون بدستوريته واستبداله بآخر اكثر اتفاقاً مع الدستور ولكن هذا كله دون الخروج عن معنى ومضمون النص القاعدي للقانون الطعين خاصة وان عملية التفسير الدستوري لا تخلط بين النص والقاعدة لأنه النص سابق على عملية التفسير والقاعدة هي نتاج عملية التفسير التي تهدف الى اعطاء النص معنى وبهذا فان القاعدة هي النص المفسر او ثمرة التفسير والقاعدة هي التي يتم تطبيعها فيما بعد، والقاضي الدستوري بهذا الدور حريص كل الحرص على السلطة التقديرية للمشرع فهو يحترم ارادة المشرع ولا يناقضها فيما يقوم به من تفسير بل هدفه تقليل نطاق الاحكام بعدم الدستورية للنصوص القانونية المطعون بدستوريتها أمامه.
ولقد تعرضنا في بحثنا هذا الى تطبيق الدور الاصلاحي التشريعي للقاضي الدستوري في اروقة الاحكام الدستورية الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية صاحبة الفضل في ارساء دعائم هذا الدور وكذلك المجلس الدستوري الفرنسي.
المبحث الاول
التفسير القضائي بالإضافة الى مضمون نص القانون
يقوم التفسير القضائي بالإضافة على اساس التدخل في مضمون القاعدي لنص القانون واضافة ما يحتاج اليه النص لأجل ازالة مايكتنفه من الغموض والنقص والقصور الذي ألم به بعد خروجه من البرلمان ولأجل ان يصبح النص مطابقاً للدستور فهذا النوع من التفسير يمكن القاضي الدستوري من مراقبة الغموض والقصور التشريعي الذي يصيب القانون ومن ثم معالجة هذا الغموض والنقص الذي اغفل عنه المشرع وذلك كله بهدف اثراء المضمون القاعدي لنص القانون عن طريق توسيع مداه والابتعاد به عن الحكم بعدم الدستورية ولعل مرد ذلك الى ان تفسير القاضي الدستوري في اطار الطعون الدستورية يقوم على اساس الثنائية أي بمعنى ضرورة ان تتوافق وتتلاءم القاعدة القانونية مع الدستور أما الطعون العادية فان الامر مختلف اذ يتعلق بواقعة وليس بقانون(3).
وبهذا يظل التفسير القضائي يتسم بالثنائية والتي تنبع من التطابق الذي يبحث عنه القاضي الدستوري بين قاعدتين الاولى التشريعية والثانية الدستورية وبالتالي فانه ينصرف الى معنى كل من الدستور والقانون أي ان التطابق المنشود بين معنيين لا بين نصيين في شكلهما اللفظي او قوتهما الالزامية وبالتالي فان دستورية القانون تتحقق متى استطاع القاضي الدستوري ان يثبت وجود رابطة بين مغزى ومعنى كل من القانون والدستور وبالتالي فان تقرير الدستورية هي بمثابة عملية فكرية تهدف الى التحقق من مدى وجود الترابط بين النصيين الدستوري والتشريعي من حيث المعنى، أي بمعنى ان القاضي الدستوري يبحث عن مضمون القانون ومدى توافقه مع مضمون الدستور ومتى توافق المضمونين عندئذ يقول القاضي الدستوري بتطابق مضمون القانون مع مضمون الدستور وبهذا نجد ان القاضي الدستوري يقوم بعملية فكرية تتحقق بالمقاربة بين المضمونين لأجل تقرير الدستورية(4).
ومن الجدير بالذكر ان الدستورية التي يبحث عنها القاضي والتي نحن بصددها في بحثنا هي الدستورية الداخلية التي تنصرف الى مضمون كل من الدستور والقانون(5).
ومن الجدير بالملاحظة ان التفسير القضائي بالإضافة يؤدي الى احداث ثمة تغيير في شكل النص من خلال معالجة الغموض وسد النقص والقصور الذي يحمله النص الخاضع لرقابة القاضي الدستوري وهذا كله بهدف تلاشي الحكم بعدم دستوريته، لهذا كان من الضروري معرفة اسباب ومسوغات التفسير القضائي بالإضافة ناهيك عن بيان موقف القضاء الدستوري من التفسير بالإضافة ولاسيما موقف كل من المحكمة الدستورية الايطالية والمجلس الدستوري الفرنسي وذلك في مطلبين الاول مكرساً لمعرفة مسوغات التفسير القضائي بالإضافة والثاني لبحث تطبيقات التفسير القضائي بالإضافة.
المطلب الاول
مسوغات التفسير القضائي بالإضافة
لأجل معرفة مسوغات وأسباب التفسير القضائي بالإضافة لابد من الاخذ بنظر الاعتبار ان هذا التفسير جاء لأجل سد النقص والقصور التشريعي ومعالجة الغموض في التشريع والهدف من ذلك هو ان يساهم القاضي الدستوري في العملية التشريعية وحتى تصدر التشريعات متفقة مع احكام الدستور ومما لاشك فيه ان القاضي الدستوري يلجأ لهذا التفسير بهدف احترام ارادة المشرع بحيث ان القانون محل التفسير بعد اعادة تفسيره من جانب القاضي الدستوري يتم اعلان مطابقته للدستور، والقاضي الدستوري في قرارته التفسيرية انما يوازن بين احترام ارادة المشرع من ناحية واحترام احكام المجموعة الدستورية وكفالة الحقوق والحريات(6).
ومن ناحية اخرى فهو يحترم ارادة المشرع بعدم الغاء تشريعاته ويضمن في ذات الوقت احترامه لأحكام الدستور والحقوق والحريات من خلال تلك التفسيرات التي تعد شرطاً لدستورية القانون وبهذا ينجح القاضي الدستوري في ان يوفق بين مؤيدي القانون وهم اعضاء البرلمان الذين قاموا بإعداده بعدم الغائه وبين من يعارضه من خلال التفسير القضائي بالإضافة والذي يعد شرط لدستورية القانون(7)، لهذا سوف نعالج اسباب ومسوغات التفسير القضائي بالإضافة في فرعين الاول لدراسة القصور التشريعي والثاني لبحث الغموض التشريعي.
الفرع الاول
معالجة القصور التشريعي
القصور التشريعي يعني النقص وهو كل حالة يضطر فيها القاضي وهو يرمي لتحقيق العدالة او تثبيت الحق الركون بعيداً عن المعنى الحرفي لنص القانون مستخدماً القياس او مستعيناً بالمبادئ العامة للقانون وغيرها للوصول للحكم المناسب واكمال نصوص القانون(8).
ويعد النقص او القصور من الصفات التي تتصف بها النصوص التشريعية ولعل مرد ذلك الى جملة من الاسباب(9).
ومن الملاحظ ان التفسير القضائي بالإضافة ينسجم عكسياً مع قصور التشريع فكلما كان التشريع اكثر قصوراً كلما نشطت حركة التفسير واتسع نطاق عمل القاضي التفسيري وكلما كان التشريع اكثر دقة وأوسع معالجة كلما تراجع نشاط القاضي التفسيري(10).
والنقص يكون أما بفقدان لفظ او عبارة كان من الواجب تضمينها بنص دستوري او النقص يكون بفقدان حكم في الدستور، وهنا يميز جانب من الفقه الدستوري بين نوعين من القصور هما القصور المطلق والقصور النسبي، فالقصور المطلق هو الذي لا يمكن ان يكون محلاً للرقابة القضائية والسبب في ذلك يعود الى القاعدة التي يمكن الطعن ضدها غير موجودة، أما القصور النسبي فهو الذي يتجلى في الحالات التي يتقيد بها المشرع بالتطبيق الجزئي للدستور وبالتالي يكون القصور النسبي للتشريع محلاً لرقابة القاضي الدستوري(11).
ولكن بالمقابل نجد جانب آخر من الفقه الدستوري يذهب باتجاه امكانية رقابة القاضي الدستوري على القصور التشريعي من خلال الفصل بين النص والقاعدة من خلال تمييز المضامين القاعدية غير الصريحة من خلال سلطته في تفسير النصوص التشريعية(12).
الفرع الثاني
معالجة الغموض التشريعي
يراد بالغموض هو خفاء معنى النص او عدم فهم مقصده وقد تكون صفة الغموض نسبية او قد تكون صفته مطلقة، فالغموض النسبي هو ان يكون اسباغ وصف الغموض او درجته متوقفة على شخص المفسر للنص او الجهة المفسرة له فقد يكون النص نفسه واضحاً عند شخص وغامضاً عند آخر وقد يدعي المفسر ان درجة الغموض ادت الى استحالة تفسير النص، أما الغموض المطلق فهو صفة النص التشريعي بسبب الصياغة التشريعية التي اسبغت عليه الغموض ويكون الادعاء بهذه الصفة مهما اختلف الشخص القائم بالتفسير ولا يفرق حينها ان يكون للغموض صفة للفظ او للنص بمجموع الفاظه بل يرى جانب من الفقه ان صفة الغموض هي الصفة السائدة في كثير من التشريعات مهما يبذل المشرع في صياغتها من جهد واتقان(13)
واسباب الغموض متنوعة لعل اهمها ما يرتبط باستخدام المشرع لعبارات ومصطلحات غير واضحة او ان الغموض يكتنف نية المشرع وغاياته كأن تكون مقدمة النص غير متوافقة وفحواه ونهاياته او ان الالفاظ التي يستخدمها المشرع قد يكون لها اكثر من معنى(14)، وأيضاً من اسباب الغموض ما يرتبط باختيار عبارات مرنة او مبهمة او غير محددة بحدود تفسيرية معينة كذلك ايضاً ما يتعلق بالصياغة التي قد تكون مرنة او مبهمة او متذبذبة مما يؤدي الى غموض النص التشريعي(15).
يهدف القاضي الدستوري من تفسير القاعدة القانونية الى تحقيق امر مهم الا وهو ازالة الغموض والخلاف في حكم القواعد القانونية لمواجهة ما تكشف عنه من فروض ووقائع.
المطلب الثاني
تطبيقات التفسير القضائي بالإضافة
اتجه القضاء الدستوري لغرض معالجة الغموض والنقص القاعدي للنص التشريعي عما يجب ان يكون عليه حتى يتفق مع احكام الدستور وذلك من خلال اسلوب التفسير المكمل او المضيف الذي يتم بإصدار احكام مكملة بالإضافة وذلك في سبيل الوقاية من الغموض والقصور التشريعي لأجل استبعاد كل ما من شأنه ان يؤدي الى تعارض النص مع الدستور في ضوء الهدف الموضوع له في القانون أي ان القاضي الدستوري لا يعمل على تعديل القاعدة موضوع النص ليدمج بها النصوص الجديدة لكونه لا يهدف الى مصادرة السلطة التقديرية للمشرع او سلطة القاضي العادي في التفسير لأنه يسلم بهما كقيدين لصحة وشرعية قراراته التفسيرية وان التفسيرات التي يقوم بها القاضي الدستوري ليس من شأنها اخراج القانون الخاضع للرقابة عن الاطار العام بالنظر لكل من موضوعه والهدف الذي يبتغياه(16).
لهذا نجد ان القاضي الدستوري يعمل على المحافظة على مبدأ الفصل بين السلطات وذلك من خلال الضوابط التي يتقيد بها في هذا الشأن والتي تجعل من سلطته في التقدير والملاءمة سلطة لا تماثل سلطة المشرع وعدم الخوض في ملائمات التشريع بالإضافة الى اعترافه بأن المصلحة العامة هي من سلطة المشرع(17).
وهذا ما تجلى بشكل واضح في الاحكام التفسيرية الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية والمجلس الدستوري الفرنسي وهذا ما سنعالجه في هذا المطلب في فرعين الاول سيكون لبحث الاحكام التفسيرية الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية والثاني سنجعله مخصص لبحث الاحكام التفسيرية الصادرة من المجلس الدستوري الفرنسي.
الفرع الاول
الاحكام التفسيرية الصادر من المحكمة الدستورية الايطالية
تعد الاحكام القضائية بالإضافة التي تلجأ اليها المحكمة الدستورية الايطالية الصورة الاصلية والمتكررة لهذا النوع من القرارات التفسيرية ويتم تصنيف هذه الاحكام التفسيرية بالإضافة ضمن فئة الاحكام التي تحمل وصف التحايلية لأن هذه الاحكام تحدث تحولاً في مغزى القانون دون ان تمس الصياغة النصية له(18).
إن بعض الاحكام تقيد من المجال القاعدي للقانون في حين البعض الآخر يوسع من هذا المجال القاعدي وعلى نحو ادق ان الاحكام المكملة بالإضافة تقرر عدم دستورية ما غفل عنه المشرع مما كان من الواجب النص عليه في القانون، أي ان القانون يخضع للرقابة ليس لما نص عليه القانون صراحة ولكن لما لم ينص عليه القانون لقصور المشرع مما يمكن وصفه بعدم دستورية صمت القانون(19).
ولكن الاحكام التفسيرية بالإضافة لا تقتصر على مواجهة قصور المشرع ولكنها تستخدم كذلك من اجل اصلاح ما يترتب على ذلك من ضرر، أي انها ذات وجهين الاول يتعلق بالجزاء المقرر ضد قصور المشرع ووجه آخر بنيوي يمتد الى ادخال الجزء القاعدي الذي يعاني القصور على نحو ايجابي وذلك من اجل جعل نص القانون التشريعي موافقاً للدستور، في حين منطوق الاحكام التفسيرية بالإضافة يمس الجوهر القاعدة للنص القانوني وان الصياغة السلبية التي تكمن بالنسبة للمحكمة في تقرير عدم دستورية القانون في الجزء الذي لم يوجد فيه نص صريح في القانون خلافاً لما كان من الواجب تقريره(20).
إن من الامثلة على الاحكام التفسيرية بالإضافة الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية والتي بدأت مع عام 1963 نذكر منها على سبيل المثال:
أولاً: الحكم الصادر في سنة 1963 بالرقم (168) والذي قضت فيه المحكمة الدستورية بدستورية المادة (11/ف1) من القانون رقم 195 والصادر في 24/آذار/1958 والذي يتعلق بتنظيم المجلس الاعلى للقضاء فقد استلزم هذا النص مبادرة وزير العدل بالنسبة للمداولات الخاصة بالقضاة وبناء عليه فان هذا النص لا يعد غير دستوري ولكنه سوف يصبح كذلك اذا ما استبعد ضمنياً مبادرة المجلس ذاته.
وبهذا نلاحظ ومع تجميد القاعدة الواردة في النص المطعون ضده المتعلقة بالمبادرة الوزارية فان تقرير عدم دستورية استبعاد مبادرة المجلس الاعلى للقضاء قد اصاب النص بالقصور وبذلك نلاحظ ان المحكمة اضافت الى مبادرة وزير العدل حكماً آخر مقتضاه ضرورة ان يكون البت في هكذا امور ايضاً بناء على مبادرة مجلس القضاء الاعلى (وهي النقص في نص القانون) حتى تتلاشى عدم دستورية القانون محل الطعن من خلال اضافة ما يكمل ما يعانيه القانون من قصور ونقص تشريعي(21).
ثانياً: الحكم الصادر من المحكمة الدستورية الايطالية بالرقم (190) في عام 1970 والخاص باستبعاد الحق في الاستعانة بمحام لحضور استجواب المتهم خلال مرحلة التحقيق الابتدائي، والذي تضمن تدخل المحكمة الدستورية الايطالية للفصل في مدى دستورية المادة (304) من قانون الاجراءات الجنائية الصادر عام 1930 والذي اقر بحق المتهم في الاستعانة بمحام لحضور اعمال الخبرة واجراءات التفتيش في المنازل واجراءات المواجهة، ولكن النص كان قد التزم الصمت بشأن اقرار هذا الحق بالنسبة لإجراءات التحقيق الاخرى وعلى الاخص استجواب المتهم وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية الايطالية بمثابة الاستبعاد لهذا الحق لذا فإنها قررت وفي ضوء مقتضيات مبدأ حقوق الدفاع المنصوص عليه في المادة (24) من الدستور ان النص المطعون ضده غير دستوري من حيث الجزء الذي لم ينص فيه على هذا الحق بخصوص استجواب المتهم وهو ما يعني ان المحكمة تصلح ما ترتب على هذا القصور من الضرر(22).
ثالثاً: حكم المحكمة الدستورية الايطالية بالرقم (3) في عام 1994 وذلك بمناسبة الطعن بدستورية (المادة 132/ف1) من مرسوم رئيس الجمهورية رقم (3) الصادر في 10/1/1957.
في هذا الطعن كان النص المطعون ضده ان من الممكن اعادة المواطن المستقيل الى وظيفته بعد اخذ رأي مجلس الادارة وكذلك المواطن المحال على التقاعد او الذي سقطت عنه بعض الحقوق في الحالات المنصوص عليها في البندين (أ، ب/المادة 127) المتعلقة بقبول القائم بالمهمة بدون الحصول على ترخيص من الوزير والتأخير بلا مبرر في الالتحاق بوظيفته في المهلة المحددة او عدم الاضطلاع بالخدمة المطلوبة خلال مهلة محددة، وقد ركز النص فقط على بعض الفروض دون بعضها الآخر حيث استبعد بعض الفروض من مجال تطبيق النص محل الطعن ومن ثم فان هذه الفروض الاخرى من مجال تطبيق النص محل الطعن ومن ثم فان هذه الفروض الاخرى تشكل عقبة أمام عودة المواطن الى وظيفته وبخلاف الاعفاء للأسباب الصحية الواردة في الموضوع الذي نعرض له توجد حالات اخرى للإعفاء من الوظيفة أما بسبب العجز او لعدم توفر الكفاية لمزاولة الوظيفة او لسقوط الحق في الوظيفة للجمع بين عملين متعارضين او الاقالة فضلاً عن الحالات الاخرى والاكثر استثنائية.
وهذه الفروض قد دفعت المحكمة الدستورية الايطالية الى التأكيد على انه بالنظر الى بحث الاطار القاعدي للموضوع نستنتج من عدم ادراج الاعفاء لأسباب صحية ضمن اسباب توقف الوظيفة التي لا تعارض مع العودة للوظيفة ان النص محل الطعن بالدستورية كان مجرداً من كل مغزى وبحسب المحكمة ان الاعفاء من الوظيفة لأسباب صحية يستند الى حالة مرضية لا دخل لإدارة صاحب المصلحة فيها كما لا تؤخذ بنظر الاعتبار العلوم الطبية الحالية وان هذا الاستبعاد يشكل مساساً ظاهراً بالمبدأ المنصوص عليه في المادة (3) من الدستور وبالتالي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية النص محل الطعن في الجزء الذي لم يدخل ضمن حالات توقف الوظائف وهو الاعفاء من مزاولة الوظيفة لأسباب صحية.
ومن خلال ما تقدم يمكن ان نلخص الاسس الرئيسية لأعمال اسلوب المحكمة الدستورية الايطالية في احكامها بالإضافة هي:
1. اقرار النص الموجود وعدم كفايته للصمود أمام الطعن الدستوري.
2. التصوير المجرد لما يجب ان يكون عليه الحال حتى يمكن اعتبار النص دستورياً.
3. اضافة الجزء الضروري حتى يصبح النص دستورياً.
لهذا فان الحكم بعدم الدستورية نتيجة القصور التشريعي يكشف بصورة غير مباشرة عن القاعدة المتغيبة بمعنى ان يتضمن اضافة غير مباشرة لقاعدة لم يتضمنها النص وذلك عن طريق القياس من القواعد والمبادئ الاخرى المتضمنة في النظام القانوني والذي يقوم بذلك هو المحكمة من خلال الاضافة الجديدة.
وهذا الطابع الثلاثي لنموذج الحكم القضائي هو الذي يشكل الاساس للحكم المكمل بالإضافة ولا يجب ان يخضع للتقدير على الرغم من ضرورة الاشارة الى ان لهذا الطابع ميزتين الاولى تنبع من النص الذي نستقي منه وكذلك القاعدة السلبية موضع الحكم وكذلك من القاعدة الايجابية أما الميزة الثانية تظهر عندما يتم الاستجابة للطلب المقدم بالبطلان لهذه القاعدة السلبية وهذه الاخيرة هي الاساس في بنية الاحكام القضائية بالإضافة لأنه التحول من السلبية الى الايجابية يعد عملية داخلية تخضع للقاضي دون غيره.
الفرع الثاني
الاحكام التفسيرية الصادرة من المجلس الدستوري الفرنسي
يستطيع المجلس الدستوري الفرنسي من خلال آلية التفسير الانشائي ان يملك سلطة تفسيرية خلاقة يستطيع من خلالها ان يكمل النقص والقصور الموجود في القانون الخاضع للرقابة الدستورية حتى يتلاشى الحكم بعدم الدستورية، فالمجلس الدستوري لا يكتفي ببيان اكمال النقص التشريعي سواء من جانب المشرع او السلطات المكلفة بتطبيق القانون وانما يقوم من خلال التفسير الانشائي بعلاج هذا القصور عن طريق اكمال النقص الوارد في النص(23).
ويرى الفقه الدستوري ان عملية التفسير ضرورية وحتمية لممارسة الرقابة الدستورية كما انه ضروري لإسهام المجلس في العملية التشريعية حتى تصدر التشريعات متفقة مع احكام الدستور ولاشك ان المجلس الدستوري من خلال لجوئه الى القرارات التفسيرية يهدف الى احترام ارادة المشرع وبعد اعادة تفسير القانون من جانب المجلس الدستوري يمكن ان يعلن ان القانون اصبح دستوري، ومن الجدير بالذكر ان القانون الذي اعلن المجلس الدستوري مطابقته للدستور ليس هو القانون الذي تم اقراره من المشرع بالضبط وانما هو القانون الذي فسره المجلس الدستوري واضاف اليه ما ينقصه او استبدل بعض قواعده بتفسيرات جديدة من قبل المجلس حتى يصبح متفقاً مع الدستور وقد صدر العديد من القرارات التفسيرية المضيفة لنص القانون المعروض على المجلس واجتهد المجلس في اضافة بعض القواعد القانونية على القانون الطعين لتفادي الحكم عليه بعدم الدستورية وسوف نورد بعض الامثلة لقرارات صادرة عن المجلس الدستوري الفرنسي بهذا الشأن.
أولاً: قرار المجلس (رقم 257-89 الصادر في 25/تموز/1989) بشأن القانون الخاص بالوقاية من حالات الرفض من الوظيفة لأسباب اقتصادية، في هذا القرار نظر المجلس الدستوري في المادة (315-15) من قانون العمل التي تم ادخالها في المادة (29) من القانون المحال الى المجلس والتي تنص على ان النقابات تملك الصلاحية لرفع كافة الدعاوي القضائية لصالح الموظف المرفوض من عمله دون حاجة الى توكيل من صاحب الشأن، ولكن بشرط ان يتم اعلان الموظف بخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول والا يكون قد اعترض على ذلك خلال مهلة خمسة عشر يوماً ,ومن خلال التفسير الانشائي واستناد المجلس الدستوري على الحرية الشخصية للموظف رأى المجلس الدستوري ان القصور التشريعي في هذا النص يكمن في غياب التنويه عن الخطاب المسجل المصحوب بعلم الوصول كما ان المشرع لم يعن ببيان كل التفصيلات والبيانات ومن ثم يستوجب ان يشتمل الخطاب المرسل الى صاحب المصلحة كافة التفاصيل المفيدة بشأن طبيعة وموضوع الدعوى السارية وبصدد دلالة قبوله لها وحقه في وضع نهاية لها في أي لحظة وان القبول الضمني لها من جانب الموظف صاحب الشأن لا تؤخذ في الاعتبار الا اذا برهنت النقابة من خلال رفع الدعوى على ان الموظف كان على علم بصفة شخصية بالخطاب المشتمل على البيانات السابق ذكرها.
إن القانون محل الطعن لم يكن يتضمن هذه الضوابط المهمة وغير الصريحة في نص القانون محل الطعن بالدستورية بيد ان المجلس الدستوري ومن خلال آلية التفسير بالإضافة بوضعه هذه الاضافة للنص القانوني قرر ان هذا النص بهذا الشكل يعد غير مخالف للدستور ودعم المجلس موقفه بالاستناد الى الحرية الشخصية للموظف والتي يتضمنها الدستور واشار المجلس في هذا القرار الى فكرة الاغفال التشريعي(24).
ثانياً: قرار المجلس رقم (96-383) الصادر في 6/11/1996 وفي هذا القرار اكمل المجلس الدستوري وعلى ضوء المتطلبات الدستورية نصوص القانون المتعلق بإعطاء الحق في ان يبادر الموظف بالتدخل في تفاوض محدود بناء على وكالة من النقابة خارج الشركة في هذا الموضوع كان النص محل الطعن بالدستورية قد اقتصر على وضع المبدأ بحيث ان الاتفاقات الخاصة بفرع الشركة يمكن ان تنص على ان يقوم المفوضون عن شؤون الموظفين بالعمل كمفوض نقابي لدى واحد او اكثر من النقابات ولكن الخارجة عن الشركة وذلك في حالة غياب المفوضين النقابيين وفي الشركات التي لا يقل عدد الموظفين بها عن خمسين موظفاً وبذلك من الممكن اعطاء وكالة صريحة لواحد او اكثر من الموظفين لإجراء مفاوضة محددة وفي سبيل التوفيق بين هذه المنظومة والمتطلبات المنصوص عليها في (الفقرة الثامنة من مقدمة دستور الجمهورية الرابعة 1946)(25) عمل المجلس الدستوري على اصلاح القصور في القانون محل الرقابة حيث يبين في ذلك ان تحديد شروط ممارسة الوكالة بالتفاوض يجب ان يشتمل بالضرورة على طرق تعيين الموظف مع الاخذ في الاعتبار الاثار المترتبة على وجود ذات الوكالة وعلى الاخص الالتزام المفروض على الموكل بتنفيذ الالتزامات التي تعاقد عليها وكيله وفقاً للسلطة المخولة اليه وعلى الموكل ان يبين بنود التفويض والالتزامات بالتبصر المفروضة على الوكيل وان يبين كذلك الشروط التي يستطيع فيها الموكل ان ينهي الوكالة في اي لحظة(26).
المبحث الثاني
التفسير القضائي باستبدال الجزء المخالف من نص القانون
في هذا النوع من التفسير نصل الى اقصى نقطة من التفسير اذ من خلاله يستخدم القاضي الدستوري هذا النوع بهدف الوقوف عند المضمون القاعدي لنص القانون دون احداث تغيير في شكل النص ومعالجة هذا الامر لتصل الى اقصى نقطة بدون شك لكونها تحدث تحولاً تاماً في معنى القانون عن طريق استبدال بعض ما يحتويه النص من قواعد واستبدالها بتفسير قضائي بألفاظ جديدة اكثر اتفاقاً ولما كان هذا التفسير مثل باقي التفسيرات يهدف الى الوفاء بمتطلبات الدستورية الا انه يتصف بكونه يسعى الى هدف مزدوج من خلال موضوعه حيث يهدف الى سحب او استخراج القاعدة المخالفة للدستور او جزء منها من النص التشريعي المطعون عليه من ناحية وادخال قاعدة اخرى تجعله مطابقا للدستور من ناحية اخرى وهذه هي الاحكام التفسيرية الاستبدالية(27).
وهذا ما سنعالجه في مطلبين الاول سيكون مخصص لتوضيح اسلوب التفسير القضائي بالاستبدال في حين سنجعل المطلب الثاني لبيان اهم تطبيقات التفسير القضائي بالاستبدال وذلك في ضوء الاحكام التفسيرية الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية وكذلك المجلس الدستوري الفرنسي.
المطلب الاول
اسلوب التفسير القضائي بالاستبدال
يتضمن هذا الاسلوب استبدال المعنى الذي يحمله النص بمعنى آخر يأتي به القاضي الدستوري حتى ولو قام باستبداله بعبارات والفاظ من عنده تكون اكثر تعبيراً عن المعنى المراد من النص وهذا يفترض وجود قاعدة قانونية مكتوبة ثم استبدالها لأنها بالشكل الذي خرجت به تعد غير دستورية وهذه اقصى درجة يملكها القاضي الدستوري وهو يقوم بتفسير النص(28). لذلك سوف نحاول دراسة هذا الاسلوب في التفسير في فرعين الاول سنجعله مكرساً لبحث كيفية سحب الجزء المخالف للدستور من القانون المطعون بدستوريته في حين سيكون الفرع الثاني لبحث كيفية تعويض الجزء المخالف للدستور بجزء آخر مطابق.
الفرع الاول
سحب الجزء المخالف للدستور من القانون المطعون بدستورية
تفترض آلية التفسير الاستبدالي بداية وجود قاعدة او جزء من قاعدة مخالفة للدستور في النص المطعون بدستورية أمام القاضي الدستوري وهنا في سبيل اقرار وترسيخ مبدأ الدستورية كان من الضروري ان يقوم القاضي الدستوري بتعيين وسحب الجزء القاعدي لتغير دستوري من نص القانون وبهذا نلاحظ مدى الاختلاف بين التفسير القضائي بالإضافة عن التفسير القضائي بالاستبدال اذ ان الاول يهدف الى معالجة النقص والقصور التشريعي (القاعدة السلبية) أما التفسير بالاستبدال فانه يستنبط من النص قاعدة ايجابية مخالفة للدستور عليه فاذا كانت آلية التفسير المكمل بالإضافة تفترض عدم دستورية القانون في الجانب الذي لم يتناوله المشرع فان آلية التفسير الاستبدالي تفترض ان القانون غير دستوري ولكن عن الذي نص عليه صراحة، ولكن لو تم التوقف عند هذا الحد وتم سحب القاعدة او الجزء غير الدستوري فان آلية التفسير عند ذلك تحدث نوعاً من الفراغ القاعدي متى تم تطبيقها بمعنى ان النص محل الطعن لم يعد كافياً للتعبير عن معنى متناسق ومن ثم تظهر ضرورة سد هذا الفراغ الذي حدث نتيجة سحب القاعدة غير الدستورية من النص غير الدستوري وذلك عن طريق ادخال قاعدة مطابقة للدستور في هذا النص ذاته حتى يتم تجنب البطلان الذي يلحق النص(29).
الفرع الثاني
تعويض الجزء المخالف للدستور بجزء آخر مطابق
تتمثل المرحلة الثانية من التفسير القضائي بالاستبدال من خلال استبدال القاعدة غير الدستورية بقاعدة اخرى تكون قادرة على ان تتجاوز بنص القانون المطعون بدستورية وتخلصه من الحكم بالبطلان نظراً لعدم دستورية وبهذا يختلف التفسير القضائي بالاستبدال عن التفسير المكمل بالإضافة لكونه يستبعد القاعدة غير الدستورية من نص القانون وادخال قاعدة جديدة اخرى دستورية لهذا فان التفسير بالاستبدال يحدث تحولاً في المضمون القاعدي لنص القانون محل الطعن بعدم الدستورية بما يحقق الامان القانوني من خلال استبدال قاعدة باخرى متضمنة في نص القانون هذا كله في ضوء احكام الدستور(30).
المطلب الثاني
تطبيقات التفسير القضائي بالاستبدال
اختلف تطبيق التفسير القضائي بالاستبدال في القضاء الدستوري وذلك حسب رؤية القاضي الدستوري ففي ايطاليا نجد ان المحكمة الدستورية الايطالية عند استخدام آلية التفسير الاستبدالي قررت اللجوء الى البطلان في سبيل جعل احكامها البديلة للقاعدة او لجزء الذي تم استبعاده من النص الخاضع للرقابة واستبداله بأخر في سبيل تحقيق الامان القانوني، أما في فرنسا فان المجلس الدستوري الفرنسي يلجأ الى استخدام اسلوب التفسير الاستبدالي للنص الخاضع للرقابة ولكن في سبيل مطابقة القرارات يشترط المجلس للموافقة الدستورية اشارات تفسيرية استبدالية تتوقف الدستورية على مراعاتها اثناء تنفيذه وهو ما يعرف بالقرارات المطابقة بشرط التفسير ويتوصل من خلال ذلك الى نفس اهداف المحكمة الدستورية الايطالية. عليه سوف نحاول في هذا المطلب ان نعرف موقف كل من المحكمة الدستورية الايطالية والمجلس الدستوري الفرنسي بصدد التفسير القضائي بالاستبدال وذلك في فرعين الاول مخصص لبيان موقف المحكمة الدستورية الايطالية والثاني سنجعله لبحث موقف المجلس الدستوري الفرنسي من التفسير القضائي بالاستبدال.
الفرع الاول
الاحكام التفسيرية بالاستبدال الصادرة من المحكمة الدستورية الايطالية
مما لاشك فيه ان الفضل يعود الى المحكمة الدستورية الايطالية في صدور الاحكام التفسيرية بالاستبدال وذلك على اثر تبنيها لأحكام التفسير بالإضافة ولكن عندما يكون القانون مشتمل على قاعدة معينة بينما متطلبات الدستورية تفترض ان يشتمل ذات القانون على قاعدة اخرى فان المحكمة الدستورية الايطالية تستطيع في هذه الفرضية ان تستخدم نوع من البطلان الجزئي لأجل ابدال القواعد لذلك توصف هذه الاحكام في ايطاليا بالأحكام الاستبدالية فالمحكمة هنا تقوم بالقضاء بعدم دستورية نص القانون في الجزء الذي ينص او يتناول قاعدة معينة لا تتفق مع الدستور واحلال معنى اخر محلها يتفق معه فهدف القاضي هو الوصول الى جوهر النص دون ان يؤدي في احيان كثيرة الى المساس بألفاظ النص ذاته وبهذا يتميز التفسير الاستبدالي عن التفسير بالإضافة كون الاخير لا يحدث حالة فراغ قاعدي لأن هذه الحالة قائمة مسبقاً نتيجة القصور التشريعي الذي يسعى الحكم المكمل بالإضافة الى معالجته من ابرز تطبيقات الحكم الاستبدالي في قضاء الحكمة الدستورية الايطالية والمتضمن الالغاء او الابطال الجزئي:
أولاً: حكم المحكمة الدستورية الايطالية رقم (15) الصادر في 17/2/1969 بخصوص مدى دستورية (المادة 313/ف3) من قانون العقوبات الايطالي جاء في فحوى هذه المادة والتي هي محل الطعن بعدم الدستورية على ان يملك وزير العدل السلطة لترخيص مباشرة الدعاوي ضد جنح اهانة المحكمة الدستورية ولكن هذا الاختصاص المحجوز لوزير العدل تعارض بشكل ظاهر مع الدستور وعلى الاخص بالنظر الى الوضع المستقل والذاتي المقرر للمحكمة الدستورية وكذلك بالنظر الى ان طبيعة وظائف المحكمة الدستورية التي يجب ممارستها وفقاً للمادة (134) من الدستور والمادة (25) من القانون الدستوري رقم (1) الصادر في 11/3/1953، وبالرغم من ذلك فان المحكمة لم تقتصر على تقرير عدم الدستورية الظاهرة بل تمسكت ببيان القاعدة الوحيدة التي استجابت للمتطلبات الدستورية ومن ثم فان المحكمة الدستورية قد قصدت بذلك الى ان تشير الى ان وظائفها على نحو ما هو محدد في الدستور بخصوصها تنطلق جميعها من مبدأ اساسي وحيد هو ضمان وتفعيل مبدأ الشرعية على المستوى العملي وان التنظيم الجديد للدولة قد امتد على المستوى الدستوري عن طريق اخضاع قرارات الساسة في الدولة لاحترام القواعد الدستورية وكذلك العلاقات بين الساسة والدولة والاقليم، وهكذا فقد قدرت المحكمة الدستورية ان من المناط بها وحدها ودون غيرها ترخيص مباشرة الدعاوي الجنائية بشأن جنحة اهانة المحكمة الدستورية وبالتالي تقرير عدم دستورية المادة محل الطعن بالدستورية في الجزء الذي يرخص مباشرة الدعاوي الجنائية في هذا الصدد لوزير العدل بدلاً من تقريرها للمحكمة ذاتها(31).
ومن خلال هذا الحكم نلاحظ ان المحكمة الدستورية الايطالية اعملت آلية التفسير الاستبدالي من خلال سحب القاعدة غير الدستورية اختصاص وزير العدل بمباشرة الدعوى الجنائية ضد جريمة اهانة المحكمة الدستورية وادخال قاعدة موافقة للدستور وهي اختصاص المحكمة الدستورية ذاتها بمباشرة هذا الحق دون وزير العدل.
ثانياً: حكم المحكمة الدستورية الايطالية رقم (76) الصادر سنة 1993 في مدى دستورية المادة (23/ف1) من قانون الاجراءات الجنائية والتي تقضي بأن قاضي الموضوع اذا ما قدر عدم اختصاصه بنظر المسألة المعروضة عليه فانه يأمر بإحالة الموضوع الى القاضي المختص، الا ان المحكمة رأت ان هذا الضابط معيب بعدم الدستورية لأن تقرير عدم الاختصاص في وجهة نظر المحكمة يكشف في حد ذاته عن انتهاك للقواعد الاجرائية والجنائية التي تقوم عليها توزيع الاختصاصات بحسب الموضوع والمخالفة هنا لا تخص فقط تحديد المختص بممارسة الاختصاص القضائي ولكنها تمس كذلك جوهر الدعوى الجنائية وتأسيساً على قانون الاجراءات الجنائية يملك المتهم حق طلب محاكمته وفق اجراءات خاصة وان احالة الاوراق الى المحكمة المختصة بدلاً من احالتها الى النيابة العامة يحرمه من تقديم هذا الطلب الى النيابة العامة الامر الذي ينطوي على اخلال بحقوق الدفاع ولهذا السبب ووفقاً لمبدأ حقوق الدفاع المقررة في المادة (24) من الدستور فان المحكمة الدستورية قدرت ان في حالة تقرير القاضي الذي ينظر الدعوى عدم اختصاصه فان احالة الاجراءات تم أمام النيابه العامة وليس أمام القاضي المختص لأن ذلك يتيح للمتهم ان يقرر من جديد ما اذا كان اللجوء الى الاجراءات الخاصة سوف يكون مفيداً له من عدمه وبناء عليه اعلنت المحكمة عدم دستورية المادة محل الطعن من قانون الاجراءات الجنائية وذلك في الجزء الذي نص على "حينما يقرر قاضي المحكمة عدم اختصاصه في المسألة التي ينظرها فانه يأمر بنقل الملف الى القاضي المختص بدلاً من نقله الى النيابة العامة لدى هذا الاخير"(32)
وبهذا نخلص من الاحكام السابقة الى ان المحكمة الدستورية الايطالية لم تتردد في اللجوء الى اسلوب التفسير الاستبدالي كونه وسيلة فعالة لتصحيح الاخطاء المادية والتي يرتكبها المشرع حينما تؤدي الى انتهاك الدستور.
الفرع الثاني
الاحكام التفسيرية بالاستبدال للمجلس الدستوري الفرنسي
لقد كان اسلوب التفسير الاستبدالي الذي يتبعه المجلس الدستوري الفرنسي مختلف تماماً عن اسلوب المحكمة الدستورية الايطالية فمن باب ضمان بقائه في اداء مهمته في الرقابة على دستورية القوانين فقد اقتفى اثر المحكمة الدستورية الالمانية في تحقيق اهداف التفسير الاستبدالي وذلك عن طريق اصدار احكام برفض الطعن والحكم بدستورية النص الخاضع للرقابة بعد تفسيره بصورة تتفق واحكام الدستور وذلك من خلال ما يعرف بالأحكام الصادرة بالدستورية بشرط مراعاة التفسير الاستبدالي(33).
ويرجح الفقه الدستوري سبب لجوء المجلس الدستوري لهذا الاسلوب يكمن في كون اداة البطلان التي تتبعها المحكمة الدستورية الايطالية غير متاحة له دون المساس بالنصوص القانونية وعلى الرغم من ان المجلس الدستوري لم يختر هذه الاداة كما لا يميل الى تكريس اللجوء الى آلية التفسير الاستبدالي لكنه يستطيع ومن خلال آلية الرفض ان يضع تحفظات على التفسير الاستبدالي لنص القانون دون التوسع في تطبيق آليته وبالتالي فان سحب القاعدة المخالفة للدستور يتم بصورة ضمنية مع اداة الرفض ومن ثم ادخال قاعدة جديدة في النص مكان القاعدة غير الدستورية حيث ان المجلس يحدد هذه القاعدة الجديدة على ضوء الدستور حيث يبين المجلس وخلافاً لما يذهب اليه الطاعنون بالدستورية الى ان النص لن يكون غير دستوري اذا ما جرى تفسيره على النحو الذي يحدده المجلس الدستوري وفي مثل هذه الطروف تبدو عملية الاستبدال لقاعدة مكان اخرى مسألة في غاية التحايل(34).
ومن القرارات التي صدرت عن المجلس الدستوري بصورة التفسير الاستبدالي باتباع اداة الرفض الحكم رقم (76-67) في 15/تموز/1976 والخاص بملف الموظفين حيث فصل المجلس الدستوري في القانون الصادر بشأن تعديل الامر الصادر في 1959 بخصوص النظام الاساسي العام للموظفين الذي نص بخصوص المسابقات الداخلية على ان اللجنة تستطيع ان تكمل تقديرها من خلال الرجوع الى الملفات الفردية للمرشحين وفي خطاب الاحالة الى المجلس الدستوري المقدم من بعض اعضاء مجلس الشيوخ الطاعنين بالدستورية ضد هذا القانون وعلى الاخص بشأن هذا النص علاوة على ان هذا الامر يؤدي الى عدم احترام سرية الاختبارات لأن مبدأ المساواة بين المرشحين سوف يختل لأن اللجنة لن تلزم بالرجوع الى الملفات الفردية لأن هذا الامر سوف يكون محض اختيار لها تملك اللجوء اليه من عدمه كذلك اوضحوا ان اللجنة لا تملك الوقت الكافي لنظر جميع الملفات، لأن بعض المرشحين هم وحدهم من سيستفيد من نظر ملفاتهم(35).
ومن خلال هذا الحكم نستدل على التفسير الاستبدالي من خلال تقرير اللجنة الاطلاع على الملفات الفردية يجب ان يرتكز على ملفات جميع المرشحين ومن ثم وعلى هذا التفسير الذي قال به المجلس الدستوري لن تتعارض هذه النصوص مع مبدأ المساواة في المعاملة بين الموظفين وذلك لأن حق اللجنة في الاطلاع على بعض الملفات يصح التزام بالاطلاع على كافة الملفات.
من الجدير بالذكر ان المحكمة الدستورية المصرية قد اخذت بالتفسير الاستبدالي في بعض قراراتها الى تفسير النص القانوني الخاضع لرقابتها بصورة تضمن تطابقه مع الدستور تفادياً للحكم بعدم الدستورية ولكن سلطتها في هذا الشأن لم تصل الى سلطة المحكمة الدستورية الايطالية ولا سلطة المجلس الدستوري الفرنسي بالضبط لأنه كانت وجهة نظر المحكمة الدستورية المصرية هو عدم جواز اتخاذ التفسير ذريعة لتصويب الاخطاء التي وقع فيها المشرع او مواجهة نتائج لم تكن في نية المشرع حين تشريع النص القانوني علاوة على ذلك عدم رغبتها في تفسير النص بطريقة لا تحتمها عبارات النص او لا تستقيم مع فحواه(36).
الخاتمة
إن دور القاضي الدستوري بالإصلاح التشريعي انما يهدف الى تقليل نطاق احكام عدم الدستورية وذلك من خلال أما معالجة الغموض والقصور التشريعي للنصوص القانونية وذلك باتباع اسلوب التفسير بالإضافة الى النصوص القانونية ولكن وفقاً للضوابط التي ذكرناها في بحثنا، او معالجة القاعدة المخالفة للدستور والواردة في نص القانون المطعون بدستوريته من خلال اسلوب التفسير الاستبدالي والذي يهدف الى سحب القاعدة المخالفة وادراج قاعدة مطابقة للدستور والذي يهدف من خلال القاضي الدستوري الى اصلاح النص وتخليصه من الحكم بعدم الدستورية مع مراعاة السلطة التقديرية للمشرع واحترام ارادة المشرع ولكن هذا الدور للقاضي الدستوري لا يكون على درجة واحدة من الاهمية بل انه يتباين بتباين الاداة التي يمتلكها القاضي الدستوري في ذلك حيث وجدنا ان المحكمة الدستورية الايطالية كانت ذات دور مؤثر وكبير في عملية الاصلاح التشريعي لعل ذلك مرده الى الوسائل التي تمتلكها بهذا الصدد.
ولكن رغم ذلك يبقى دور المجلس الدستوري الفرنسي هو الآخر ذو اهمية في اثراء الجوهر القاعدي لنص القانون محل الطعن وذلك في سبيل تجنب الحكم بعدم الدستورية بعد اصلاح القصور التشريعي من خلال ادخال قاعدة جديدة توفق بطبيعتها بين نص القانون محل الطعن والدستور هذا فيما يتعلق بالتفسير القضائي بالإضافة، أما التفسير القضائي بالاستبدال كذلك نجد ان دور المحكمة الدستورية الايطالية كان اكثر جراءة من خلال اتباع آلية البطلان للقاعدة المخالفة للدستور واستبدالها بأخرى مطابقة للدستور بحيث يكون النص بالكامل قابل للتطبيق دون الحاجة الى تدخل المشرع.
أما موقف المجلس الدستوري من التفسير الاستبدالي فقد كان اقل اثراً ولكنه يبقى وسيلة لتفادي الحكم بعدم الدستورية لنص القانون الطعين كونه يستخدم اداة الرفض وليس البطلان كما في الدستورية الايطالية وذلك من خلال سلطته بإصدار ما يعرف بالأحكام الصادرة بالدستورية شرط مراعاة التفسير الاستبدالي.
اضف تعليق