الموظف الدولي هو أحد العناصر الفاعلة في منظمة الأمم المتحدة، ويفترض به ممارسة عمله فيها بعيداً عن التبعية أو الارتباط بدولته الام وظيفياً، على الرغم من تمتعه برابطة الجنسية منها. لذلك، هذا البحث هدف لإجراء مقاربة لواقع الموظفين العاملين في منظمة الأمم المتحدة ولمدى...
اعداد: م. د. محمد مصطفى قادر الجشعمي/م. كنعان محمد محمود المفرجي-جامعة كركوك -كلية القانون والعلوم السياسية
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
الملخص
الموظف الدولي هو أحد العناصر الفاعلة في منظمة الأمم المتحدة، ويفترض به ممارسة عمله فيها بعيداً عن التبعية أو الارتباط بدولته الام وظيفياً، على الرغم من تمتعه برابطة الجنسية منها. لذلك، هذا البحث هدف لإجراء مقاربة لواقع الموظفين العاملين في منظمة الأمم المتحدة ولمدى امكانية اخضاعهم لقواعد المسؤولية الادارية الدولية، واجراء تحليل نقدي لمسؤولية الأمم المتحدة في محاسبة المقصرين من موظفيها.
ولأنه من البحوث النوعية اعتمد البحث منهج تحليل النصوص مستفيداً من المصادر الثانوية الموجودة في مكتبة كلية القانون والعلوم السياسية في جامعة كركوك من جهة وعلى المصادر المتوفرة على شبكة الانترنت من جهة اخرى. بالاضافة إلى اعتماده على نصوص بعض الاتفاقيات الدولية كميثاق الأمم المتحدة لعام 1945. اذ توصل البحث إلى ان الموظف الدولي العامل في منظمة الأمم المتحدة ملزم بأداء واجبات وظيفته، كما أن عليه السعي لتحقيق اهدافها والابتعاد عن تغليب المصالحة الشخصية، وعليه معاملة جميع اعضاء المنظمة على قدم المساواة في الحقوق والواجبات، والا تحققت المسؤولية عن اي ضرر يصدر عن مخالفته لأعمال وظيفته، وللطرف المتضرر الحق في تحريك الاجراءات القانونية في حق منظمة الأمم المتحدة وموظفيها طبقاً لقواعد الشرعية الدولية وحجم الأثار المتحققة عن انحراف الموظف الدولي.
الكلمات المفتاحية: الموظف الدولي، الأمم المتحدة، مجلس الامن الدولي، القانون الاداري الدولي.
المقدمة
الموظف الدولي الذي تنطبق عليه احكام القانون الاداري الدولي هو من "يعمل في خدمة احدى المنظمات الدولية -الامم المتحدة وغيرها من المنظمات- لأداء وظيفة دائمة، خاضعاً في كل مايتعلق بعلاقاته بها للنظام القانوني المفصل، الذي تضعه المنظمة لتنظيم مركزه ومركز زملائه وليس لقانون وطني معين."[1] لذلك، يكون الموظف الدولي مستقلاً عن دولته صاحبة السيادة، ويمتع بالحياد، ويلتزم بالسرية والكتمان في كل شؤون وظيفته[2] وذلك يعد من المسلمات بسبب طبيعة المهام الموكلة اليه[3] وعلى نفس النسق، فالموظف العامل في منظمة الأمم المتحدة ليس له حق تلقي التعليمات والاوامر المباشرة وغير المباشرة على حد سواء -خاصة تلك المتعلقة بأعمال وظيفته الدولية- من حكومة دولته او في مراعاة مصالحها الضيقة على حساب المصالح الدولية.[4]
فالموظف الدولي ملزم بأسس ومقومات النزاهة التي تتطلبها الاحكام الدولية والقواعد القانونية المنظمة لوظيفته في منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب ضرورة معاملة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على قدم المساواة سواء من حيث الحقوق المكتسبة أو الواجبات المفترضة المفروضة على كل الدول. فيجب على الموظف الدولي ان لايستكين امام ضغوط الاطراف الدولية بشكل يؤثر على قراراته وعلى سعيه باتجاه تحقيق اهداف المنظمة. فضلاً عن، ضرورة الحفاظ على مصالح الدول المشروعة ضمن نطاق الاجراءات التي تتطلبها طبيعة وظيفته، والا تحقتت المسؤولية الادارية الدولية عن الضرر المتحقق او المفترض تحققه نتيجة مخالفته أعمال الوظيفة الأدارية الدولية. كأثر مباشر لانحراف الموظف عن سبيل الشرعية القانونية الدولية.[5]
لذلك، ولبيان الاثر القانوني لانحراف موظف منظمة الأمم المتحدة عن العمل وفق قواعد الشرعية الدولية وتسليط الضوء على الطرف الذي يقع عليه وزر ذلك الانحراف. تم تقسيم هذه الدراسة على مبحثين. الاول خصص لبيان حقوق وواجبات الموظف الدولي العامل في منظمة الأمم المتحدة، اما البحث الثاني فلبيان الاثر القانوني لعدم التزام الموظف في الأمم المتحدة بقواعد الشرعية الدولية.
المبحث الاول
حقوق وواجبات الموظف الدولي العامل في منظمة الأمم المتحدة
أبعاد الوظيفة الدولية في صورتها المستقلة تجلت وتحدد مفهومها، في منظمة الأمم المتحدة، اي بعيداً عن اسس ارتباطاته الوطنية الداخلية للدول، اي دولة الجنسية الام، منذ انشاء سكرتارية منظمة عصبة الأمم عام 1920، كما تجلى التكييف القانوني لحدود الوظيفة الدولية ومعالمها بواسطة اراء الفقهاء وتطور العمل الاداري الدولي. حيث تطورت القواعد والاحكام المنظمة لآليات وشكل ونوع اجهزة الادارات الدولية وطبيعة الاعمال الموكلة اليها وتحديد نظمها القانونية المنظمة لعملها. تلك القواعد والاحكام التي تستمد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعقودة لتحقيق هذا الهدف. بالاضافة إلى مواثيق المنظمات الدولية ولوائحها التنظيمية والقرارات التي تصدر ضمن اطار او في ظل احكام القانون الاداري الدولي.[6]
فالوظيفة الدولية شهدت تطوراً كبيراً في العصر الحديث بعد النضوج الذي اصبحت عليه طبيعة عمل الموظف الدولي والنظم القانونية المنظمة لمديات الوظيفة الدولية، إلى جانب اتساع حجم النشاطات التي تؤديها الأمم المتحدة. إلى جانب حالة ازدياد حجم ونوع النزاعات الدولية والقضايا الدولية المنبثقة عنها والتي يفترض عرضها على منظمة الأمم المتحدة او ما يتفرع عنها من اجهزة واذرع لتسيير شؤونها.[7]
لكن إذا كان الموظف الدولي يعمل في خدمة منظمة دولية معينة، مثلاً، على وجه الدوام والاستقرار، كالموظف العامل في منظمة الأمم المتحدة، فالموظف الدولي حينها يكون خاضع لها وحدها ويعمل تحت اشرافها المباشر او من خلال اجهزتها المتخصصة.[8] فالموظف الدولي يعمل ويخضع لنظام قانوني خاص بالمنظمة الدولية، يتولى بيان حقوق الموظف وواجباته الادارية الدولية وليس لقانون او لنظام قانوني محلي خاص بوطنه الام. وموظف الامم المتحدة، هو "وصف يطلق على كل من يتولى اداء عمل مهم لصالحها بصورة دائمة ومستمرة".[9]
من جهة كما ان علاقته بمنظمة الأمم المتحدة لاتخرج عن حدود واحكام قواعد الشرعية الدولية طبقاً للنظام الوظيفي في الأمم المتحدة.[10] اي التي تضعه منظمة الأمم المتحدة لتنظيم العلاقة بينها وبين العاملين فيها. لذلك، فإن الاختلاف بين موظفي الأمم المتحدة من جهة عن ممثلي الدول الاعضاء فيها من جهة اخرى يظهر بوضوح على الرغم من وحدة المكان الذي يعمل فيه كلا الطرفين. اذ يلتقي موظفو الامم المتحدة وممثلو الدول الاعضاء تحت مظلة وفي نطاق تنظيم دولي موحد.[11] لكن موظفي الأمم المتحدة ملتزمون بالنظام القانوني الداخلي المنظم لوظيفتهم فيها، بمعزل عن التنظيم الاداري الوظيفي الوطني الخاص بدولهم، في حين أن التزام ممثلي الدول يبقى قائم بقوانين دولهم الأصلية على الرغم من ضرورة احترامهم والتزامهم بمقررات الأمم المتحدة ونظامها الداخلي وحسب طبيعة تلك الالتزامات القانونية الدولية، او من حيث مدى تعلقها بأعمال الارادة الدولية.[12]
فممثل الدولة، اذاً يمارس عمله الوظيفي بازدواجية، من حيث واجب المشاركة في تحقيق الأهداف التي تعمل الأمم المتحدة كمنظمة دولية باتجاه الوصول اليها وضمان الحماية القانونية الدولية لها. دون ان يؤثر على واجبه الأصيل في العمل بشكل أكثر الزام نحو تحقيق اهداف ومصالح دولته الأم داخل اروقة منظمة الأمم المتحدة بحيث يعمل على تغليب تلك المصالح على مصالح المجتمع الدولي الأخرى. فممثل الدولة العضو في المنظمة ملزم بالتخلي عن تحقيق اي هدف او مصلحة تتعارض مع اهداف ومصالح دولته. كما ان مهمة تعين واختيار ممثلي الدول الاعضاء هو من اختصاص حصرية للدول الأعضاء وليس على المنظمة الا تصديق اوراق اعتمادهم طبقاً لشروط محددة تضعها المنظمات الدولية دون التأثير في قرار الدول الأصيل الذي تم بموجبه اختيار ممثل الدولة لضمان انسيابية اكثر في العمل الدولي. لذلك، أن آثار -المسؤولية الدولية- تصرفات ممثلي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تنصرف إلى دولهم وليس على الأمم المتحدة.
ولمزيد من البحث في حقوق وواجبات الموظف الدولي العامل في منظمة الأمم المتحدة فقد قسم هذا المبحث على مطلبين. الاول منهما تم تحديده لدراسة المركز القانوني وتحديد طبيعة الاعمال التي يؤديها الموظف التابع للأمم المتحدة، اما المطلب الثاني فقد خصص للنظر في المعيار المحدد لمدى انحراف موظف الأمم المتحدة من عدمه عن الحدود المشروعة طبقاً لأعمال وظيفته.
المطلب الاول: المركز القانوني وطبيعة الاعمال التي يؤديها موظف الأمم المتحدة
مركز الموظف الدولي من الناحية القانونية بوجه عام والموظف في الأمم المتحدة على وجه الخصوص يرتبط مع ضرورة توافر جملة شروط موضوعية. وهي تلك التي تتمحور حولها حقوق والتزامات الموظف الدولي. وهذا يعد معيار ثابت، تحدده طبيعة الوظيفة الدولية وصفاتها في جميع المنظمات الدولية العالمية والدولية الإقليمية وليس حكراً على الأمم المتحدة فقط.[13]
فتطور العلاقات الدولية والمجتمع الدولي باتجاه معالجة ورعاية المصالح المشتركة للدول الاعضاء في المجتمع الدولي (الأمم المتحدة)، رافقه تطور دور الامانة العامة للمنظمات والمؤتمرات الدولية ومنها منظمة الأمم المتحدة.[14] فعلى سبيل المثال، كان العمل الدولي قائم في الماضي باعتبار الدولة صاحبة الضيافة للمؤتمر الدولي، من الناحية العرفية، هي المسؤولة عن تعيين الامين العام للمؤتمر الدولي من بين موظفيها (من مواطني الدولة). ولايتطلب تحقيق ذلك الا قيام تلك الدولة بإجراء مداولات مبسطة مع رؤساء وفود الدول المشاركة او ممثليها في المؤتمر الدولي، وكان ذلك لتجنب الاعتراض وللحصول على موافقتها حسب سياقات دبلوماسية معينة بينها.[15] فالامين العام للمؤتمر الدولي، آنذاك، كان يؤدي ادوار ووظائف تكاد تكون ذات طبيعة شكلية فقط، من حيث ان تلك الأدوار كانت تتعلق بإدارة المؤتمر، وتفعيل الاجراءات الدبلوماسية من الناحية الشكلية، كتزويد الحاضرين بمستلزمات المؤتمر اللوجستية كمحاور المؤتمر والدراسات والبحوث وتنظيم اوقات الجلسات من حيث الوقت الكلي المحدد للمؤتمر أو ذلك الذي يحدد لكل وفد أو ممثل الدولة وغيرها من مستلزمات. اما دور الامانة العامة اليوم فهو يكاد يوصف بأنه دور تنفيذي ذا صبغة عملية. بحيث فرض واقع دولي، تمثل باستخدام عدد كبير من الموظفين الدوليين وتم إعطائهم امتيازات دولية فرضتها طبيعة الوظيفة الدولية، كالحصانة والحقوق الدبلوماسية الاخرى، ومن دول مختلفة. فالموظف الدولي، في الأمم المتحدة، يتمتع باستقلال ذاتي في تسيير شؤون وظيفته ولا يخضع للقانون الاداري الوطني لدولته.[16]
فالمركز القانوني الدولي لموظف منظمة الأمم المتحدة يرتكز على ضرورة التوازن بين الحياد واداء واجبات وظيفته الدولية او الانحراف عنها بشكل يؤدي إلى الاخلال بقواعد الشرعية القانونية الدولية التي توجب انفاذ المسائلة القانونية.[17] لكن يبقى لطبيعة نظام العضوية في مجس الامن الدولي اثر مباشر على مجموعة من المعايير الدولية التي من المفترض ان تكون محمية في نظام قانوني دولي قائم على اساس المساواة في السيادة بين الدول الأعضاء، لأن تمثيل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي هو تمثيل غير متوازن ولا يعتمد على اسس ديمقراطية مستقرة في التعامل بين الدول الأعضاء في المجتمع الدولي.
لذلك، يبقى عامل او معيار الحياد يمثل معيار هش مقارنة بطبيعة العلاقات الدولية داخل مجلس الامن الدولي. أن هذا يتطلب ضرورة ايجاد جهة رقابية دولية داخل الأمم المتحدة تتولى نتلك المهمة او تتولى صلاحية توافر هذا المعيار من عدمه في سلوك ممثلي الدول الأعضاء او الدول دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي. كما تتولى تلك الجهة، أيضاً، مهمة مراقبة مدى مطابقة استخدام حق الاعتراض (الفيتو) مع قواعد الشرعية الدولية في كل مرة يستخدم فيها حق الاعتراض على مشاريع القرارات الدولية، اذا ماعجز المجتمع الدولي عن ايقاف والغاء العمل بـ(حق) الاعتراض الذي منحته الدول دائمة العضوية لنفسها أبان تأسيس الأمم المتحدة وخلال مداولات تثبيت أسسها الدولية. حيث استغلت الولايات المتحدة الامريكية ارهاصات الخوف، آنذاك، من امكانية نشوب حرب عالمية ثالثة، ولرغبتها في الحفاظ على مكتسبات النصر التي تحققت على واقع المجازر التي عاشتها الدول نتيجة الحرب العالمية الثانية،[18] فوضعت الدول المنتصرة ومنها الولايات المتحدة شروطها وكأنها شروط المنتصر في الحرب، بحيث تم تقنينها والزم بيها جميع اعضاء المجتمع الدولي على حد سواء.
المطلب الثاني: المعيار المحدد لمدى انحراف موظف الأمم المتحدة من عدمه عن الحدود المشروعة طبقاً لأعمال وظيفته
الموظف الدولي يعد من العناصر الفاعلة في منظمة الأمم المتحدة، نتيجة لطبيعة الاعمال الدولية الموكلة اليه واهميتها. لذلك، تخضع الوظيفة الدولية لضوابط والتزامات مستقرة في التعامل الدولي، لضبط سلوك موظف الأمم المتحدة وكضامنة لحسن اداء الوظيفة الادارية الدولية فيها.
فقد تم تقنين مبدأ "ضرورة الحصول على أعلى مستوى من المقدرة والكفاءة والنزاهة عند اختيار واستخدام الموظفين الدوليين وتحديد شروط خدمتهم الوظيفية، على ان يراعى عند اختيارهم اكبر قدر من المراعاة لعنصر التوازن في التوزيع الجغرافي."[19] وهذا ما أخذت به معظم المنظمات الدولية العالمية والإقليمية وهدفت لأعماله، بل اعتبرته من خصائص الوظيفة الدولية من الناحية الشكلية على اقل تقدير.[20]
كما ان هذا المبدأ نفسه، مثل الدافع الذي دفع العديد من الفقهاء المتخصصون بدراسة الشؤون والعلاقات الدولية إلى التحذير من الممارسات التي تلجأ اليها بعض الدول في منظمة الأمم المتحدة على وجه الخصوص، خاصة ذات الثقل والنفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري. حيث تسعى من خلال تلك المميزات التي تتمتع بها للضغط باتجاه ترشيح شخصيات معينة تابعة لها وخاضعة لنفوذها بغض النظر عن حقوق بقية اعضاء المجموعة الدولية من الدول. اي ممن ترغب الدول (الكبرى) في تعيينهم من رعاياها او رعايا حلفائها من الدول واستبعادها من لاترضى عنهم.[21]
فعلى سبيل المثال، للولايات المتحدة الأمريكية السبق في عملية استغلال قوتها ونفوذها الذي تمتعت به على المستوى الدولي، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، للتأثير في القرارات او الاجراءات التي تتعلق بشؤون الأمم المتحدة. فمارست الضغط السياسي على "ترجيف لي" حتى يتسنى لها ابعاد من تشك الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة بإدارتها آنذاك، بأنهم من معتنقي المذهب الماركسي من العاملين كموظفين في الأمم المتحدة. حيث أصدر "ترجيف لي" امراً بفصل احد عشر شخص من الكادر الاداري للأمم المتحدة في سنة 1952. لكن قامت المحكمة الادارية للأمم المتحدة بإصدار قرار حكم ببطلان الاجراءات المتخذة بحق الموظفين سابقي الذكر وتعويضهم بمبلغ قدره 179420 US$.[22] فاذا كان من حق الموظفين العاملين في الأمم المتحدة المسائلة عن الحيف الذي اصابهم نتيجة قصور وانحراف الامين العام الاسبق للأمم المتحدة، فإن من الاجدر ان تكون الاجراءات المتبعة في انصاف الدول الاعضاء في الأمم المتحدة عن اي اثر سلبي يتولد عن انحراف احد موظفي الأمم المتحدة، ومحاولة جبر الضرر.
لذلك، يعد استغلال بعض الدول الاعضاء في الأمم المتحدة وخاصة من الدول الاعضاء في مجلس الا منفذيها داخل اروقة المنظمة امر خطير يستلزم وضع حد له، ومحاولة ايجاد الحلول الناجعة لمثل هذه المعضلة السياسية لخطورة اثارها على مبادئ القانون الدولي العام وقواعده المرعية. بل يجب ان يكون من اولويات وضرورات اصلاح مجلس الامن الدولي. وفي اشارة لما سبق ذكره، أكد الدكتور سرحان على ان "غزو الوظائف الدولية من جانب موظفي عدد قليل من الدول يؤدي إلى ان يحتل موظفو هذه الدولأيضاً الوظائف العليا في الادارات العليا ومايترتب على ذلك من نقل عادات واساليب العمل في الادارات الوطنية وهو امر مضر للغاية بفاعلية الادارات الدولية."[23]
فمسألة ايجاد توازن بين اعضاء الأمم المتحدة ومجلس الامن على وجه الخصوص داخل منظمة الأمم المتحدة هو امر غاية في الاهمية. اي من حيث تمثيل جميع الدول الاعضاء في الأمم المتحدة، بل هو شرط جوهري ويعد من الشروط الموضوعية للوظيفة الدولية، على قدم المساواة مع ضرورة توافر المقدرة العلمية والنزاهة الشخصية في الشخص المرشح.[24]
بالاضافة إلى ماسبق بيانه، فمن المتعارف عليه ان احكام القانون الدولي لها السلطة العليا لإخضاع الشؤون والنزاعات الدولية لسلطانها. فتلك الاحكام يفترض على منظمة الأمم المتحدة مراعاتها والالتزام بها عند مباشرة إجراءاتها في حل النزاعات الدولية او التحقيق في مسألة معينة، وهذا المعنى اكده ميثاق الأمم المتحدة في العديد من نصوصه. حيث اكدت نصوص الميثاق علىمنع تعريض سلامة الدولة واستقلالها السياسي للخطر. ورفض الميثاق الاستناد على اي ظرف او ذريعة تسمح بمثل هكذا منحى. لأن في ذلك خطر على الامن والسلم الدوليين. كما اكدت اللجنة الخاصة بمبادئ القانون الدولي أيضاً سمو الاحكام والقواعد القانونية الدولية على سواها من احكام.[25]
من ماسبق، يبدو ان على الموظف الدولي ان يعمل بشكل مستقل عن دولته ويتناسى عند النظر في القضايا والنزاعات الدولية مصالح دولته الام، وان يكون ولائه المطلق لمنظمة الأمم المتحدة وتغليب مصلحتها على كافة المصالح الاخرى. فالموظف في الأمم المتحدة يجب عليه العمل وفق التعليمات والاوامر طبقاً لطبيعة الجهاز التابع للأمم المتحدة او من رؤسائه العاملين فيها، طبقاً للتسلسل الوظيفي (التسلسل الهرمي) بموجب النظام القانوني للعمل في المنظمة. وان يحافظ على كل مايتصل بأسرار الوظيفة في الأمم المتحدة، فليس له الادلاء بأي من المعلومات ذات الطبيعة السرية، يطلع عليها بحكم وظيفته، ويمنع منعا باتاً استغلال اي من المعلومات التي بين يديه لتحقيق المنافع الخاصة او لأي دولة من الدول الاعضاء في الأمم المتحدة.[26] وان يتحرى موظف الأمم المتحدة بقواعد اللياقة اثناء خدمته فيها، والالتزام بأرفع الاساليب الدبلوماسية في التعامل وعلى سنامها النزاهة ومتطلباتها.
ويبقى حياد[27] الموظف الدولي من العاملين في الأمم المتحدة يمثل ابرز معيار لتحديد مدى تحقق مسؤولية الموظف الدولي وفيما اذى كان تصرفه موجباً لمسائلة الأمم المتحدة من عدمه. فموظف الأمم المتحدة ملزم بالركون إلى الحياد التام في عمله، بين اعضاء الأمم المتحدة من حيث المعاملة بتساو في كل مايتعلق بأعمال وظيفته دون تمييز او تفضيل بينهم.[28]حيث اكدت المادة 17ى من النظام القانوني لموظفي المنظمة، وذلك من خلال جملة من الواجبات والالتزامات الموكلة لموظفيها. والتي الزمت فيها الأمم المتحدة موظفيها عوضاً عن ماسبق بالتفرغ التام لأعمال الوظيفة الدولية في الأمم المتحدة.[29]
وحياد الموظف الدولي، هو وصف للموظف الدولي الذي لاينظم لطرف دون اخر في العلاقة او النزاع القانوني الدولي. ويمكن ارجاع اساس الحياة من الناحية القانونية إلى سطوة القضاء الفرنسي.[30]حيث الزم الموظف الدولي بمراعات مقتضيات واجب الحياد. كذلك الزم القضاء الفرنسي ادارة المرفق الدولي بواجب احترام النظام القانوني المنظم لعلاقتها بالموظف الدولي وعلى ضرورة ايفاء ادارة المرفق بالتعهدات المتبادلة طبقاً للنظام القانوني المنظم لطبيعة الادارة في المرفق نفسه. فأعطي الحياد حينها مفهوم التحفظ.[31] واريد به معنى ممارسة الوظيفة الدولية العامة بتجرد وبمعزل عن الاهواء الشخصية والضيقة. اي التزام معيار الموضوعية في ممارسة الوظيفة الدولية بغض النظر عن الاختلافات السياسية او الفلسفية او الدينية للأشخاص وافكارهم العقائدية. فالحياد هو امتناع الموظف عن اظهار او التعبير عن آرائه الذاتية والشخصية او في تسخير المرفق الدولي العام او الوظيفة الادارية الدولية لاستحصال منافع مادية والكسب غير المشروع.
المبحث الثاني
الاثر القانوني لعدم التزام موظف الأمم المتحدة بقواعد الشرعية الدولية
لما كان الموظف الدولي لدى منظمة الأمم المتحدة يعمل من اجل انجاز اهدافها، ويتلقى اوامره منها، وانه من المفترض عليه ممارسة عمله باستقلال تام عن القانون الوطني لدولته الام. لذلك يمكن مسائلته عن كل مايصدر عنه من تصرفات امام المنظمة، لكن ماهو مدى امكانية مسائلة الموظف عن الاضرار التي قد يسببها في مصالح الدول الاخرى؟ ومن هي الجهة التي تتولى استحصال حقوقها المنتهكة؟
لذلك، ولبحث الاثر القانوني لعدم التزام موظف الأمم المتحدة بقواعد الشرعية الدولية قسم هذا المبحث على مطلبين، حيث اقتصر المطلب الاول لبيان مسؤولية موظف الأمم المتحدة عند اخلاله بواجبات وظيفته، في حين جاء المطلب الثاني لبحث مسؤولية منظمة الأمم المتحدة عن اعمال موظفيها.
المطلب الاول: مسؤولية موظف الأمم المتحدة عند اخلاله بواجباب وظيفته
بشكل عام، من الثابت في الفقه القانوني، ان الحق والواجب متلازمان ويمثل احدهما سبب وجود الاخر.[32] اي يؤدي تحقق وجود احدهما إلى تحقق وجود الاخر وفرضه. وهذا يبدو اكثر وضوحاً من خلال التأمل في نظرية الحق ونطاقها القانوني.[33] فتقرير حق لشخص معين يفرض عليه او على اخرين واجب الالتزام به يحقق اكتساب ذلك الحق، من حيث القدرة لأدائه او في عدم التعرض لمحتواه. وكذلك هو الحال عند الزام شخص بتنفيذ واجب معين، فهو يمثل بالتأكيد وسيلة لاقتضاء حق وبغض النظر عن كون هذا الحق هو لشخص أخر او للشخص نفسه.[34] لذلك يمثل انحراف الموظف الدولي خلل حقيقي قد يؤثر على وضوح علاقة التلازم في الوصول إلى الحقوق من جهة وتحمل الالتزامات والواجبات من جهة اخرى.
فلما كانت اثار تصرفات ممثلي الدول الاعضاء في منظمة الأمم المتحدة تنصرف إلى دولهم، فبالتأكيد اثار تصرفات الموظف في منظمة الأمم المتحدة تنعكس على المنظمة ذاتها، لأنه يمارس عمله باسمها ولحسابها. فالامتيازات التي يتمتع بها موظف الأمم المتحدة كالحصانة، كانت قد قررت له كضمانه مسبقة من المنظمة على تحملها مسؤولية اعمال موظفيها. مما يعني انطباق قواعد واحكام القانون الاداري الدولي[35] على اي نزاع يثار بسبب مخالفة الموظف الدولي وانحرافه عن مهام وظيفته، لأن القانون الدولي العام يتولى مهمة تنظيم العلاقة بين اشخاص القانون الدولي كالدول والمنظمات الدولية فقط.
ان وجود القانون الاداري الدولي لايعني بأي حال من الاحوال، منع المنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة من تنظيم العلاقة بينها وبين موظفيها من خلال نظام قانوني معين. فلحد الان يمكن الجزم انه لايوجد نظام قانوني او قانون موحد يخضع له الموظفين الدوليين ومنهم موظفي الأمم المتحدة. فكل منظمة تتولى تنظيم العلاقة بموظفيها لذلك تعدد الانظمة القانونية المعنية بتنظيم مثل تلك العلاقات بتعدد وتنوع المنظمات الدولية. لذلك، تعد مهمة توحيد النظم القانونية الدولية المعتمدة في تنظيم العلاقات بين المنظمات الدولية وموظفيها امر مهم. من اجل ضمان الحقوق وتحديد ادق للالتزامات التي يتحملها الموظف الدولي، وحتى يمكن معه تحقيق قدرة دولية اكبر في مسائلة المنظمات الدولية عن اعمال موظفيها. اذ لازالت الشكوك تثار عن الدور الذي قام به موظفي الأمم المتحدة في العراق منذ غزو العراق للكويت، وحجم الانتهاكات التي مست سيادة العراق الوطنية نتيجة حجم الامتيازات التي تمتع بها موظفي فرق التفتيش والضبابية التي خيمت على اعمالهم طوال فترة اعمالهم في العراق.[36]
فالموظف الدولي، الذي يمارس اعمال وظيفته في منظمة الأمم المتحدة، يتحمل وحده عبء تجنب الانزلاق في كل مايعتبر اخلالاً بالمعايير والقواعد المنظمة لطبيعة علاقته داخل النظام الاداري للمنظمة والمنظمة ذاتها. اي اخلالاً بواجباته الوظيفية، وبغض النظر عن كون هذا الاخلال ناتج عن فعل ايجابي ام تصرف سلبي. كما ان المسؤولية الادارية تعتبر قائمة بمعزل عن انتظار النتائج المترتبة عن انحراف الموظف، من حيث توفر عنصر الضرر ام لا.
فعلى الرغم من ان الضرر هو حقيقة متوقعة ومفترضة باعتباره اثر من اثار الاخلال بواجبات الوظيفة. لكن من هو الطرف الذي سيتحمل مثل تلك الاثار؟ اذا ما اصابت حقوق جوهرية لأي من الدول الاعضاء او اصابت وقوضت سيادة الدول كما حدث في العراق بعد اخضاع العراق لسلسلة من القرارات الدولية المكملة بعضها لبعض لإخراج الجيش العراقي ومؤسساته الادارية من الكويت بعد غزو سنة 1990 واستمرار اصدار وتنفيذ تلك القرارات باتجاه نزع اسلحة العراق حتى غزوه من قبل تحالف دولي قادته الولايات المتحدة الامريكية، وطبيعة الدور الذي قام به موظفو الأمم المتحدة طوال الفترة الممتدة من صدور اول قرار دولي ضد العراق نتيجة ازمة غزو العراق للكويت، وحجم الضرر الذي اصاب الشعب العراقي عوضاً عن الاركان الاخرى المكونة للعراق كدولة.[37] هل هو الموظف الدولي ام منظمة الأمم المتحددة ام كلاهما معاً؟
من هنا يبدو أن، إنحراف موظف الأمم المتحدة معناه انه قد انتهك معياراً محدداً، كالنزاهة او الحياد وغيره من شروط الالتزام بواجبات الوظيفة الدولية، على الرغم من ادراكه لطبيعة وواجبات الوظيفة. لكن اذا ما احدث هذا الانحراف اثراً سلبياً في حق احد اعضاء المنظمة الدولية او اشخاص القانون الدولي، هنا لابد من قيام المسؤولية الدولية في حق الموظف. اي حق الجهة المتضررة في المطالبة بمحاسبة الموظف اعلاه واصلاح الضرر او التعويض عنه. لأن المعنى القانوني للانحراف يندرج تحت معنى الفعل الذي من شأن ارتكابه الحاق ضرر بفرد او جماعة.
فطبقاً "لبول ويلبر تابان" ان الانحراف هو "مجموع المخالفات المرتكبة، والمشهر بها، والمتكررة، والمعاقب عليها قانوناً."[38] لذلك، فانحراف الموظف في منظمة الأمم المتحدة هو استغلال وظيفته لتحقيق منافع ذاتية او جماعية لصالحه دولته الام او غيرها بشكل مناف للنظام القانوني المنظم لطبيعة العلاقة بينه وبين منظمة الأمم المتحدة، ولقواعد النزاهة، بغض النظر عن كون سبب انحراف الموظف بدافع شخصي ام نتيجة لضغوط من اطراف دولية اخرى مورست ضده. ويبقى الاثر السلبي المترتب على انحراف الموظف الذي يصيب احد اشخاص القانون الدولي العام من جهة، ورغبة الطرف المتضرر من ذلك الانحراف في اصلاح الضرر المتحقق او استحصال التعويض سبباً مشروعاً لقيام المسؤولية الدولية في حق الموظف،[39] بل قد يمتد لمسائلة منظمة الأمم المتحدة ذاتها عن الاضرار.
المطلب الثاني: مسؤولية منظمة الأمم المتحدة عن اعمال موظفيها
إن منظمة الأمم المتحدة هي مرفق دولي، يعد ميثاقها من المعاهدات الشارعة بين الدول، ويمثل كل من حفظ السلم والامن الدوليين وتعبيد سبل السلام من خلال فض النزاعات الدولية بالوسائل السلمية سنام اهدافها. تلك الاهداف تتطلب توافر مجموعة من الاجهزة الدولية والادارات التي تعمل على ادارة المنظمة.[40] بالاضافة إلى ضرورة توافر اشخاص طبيعيين ومجموعة من الوسائل القانونية حتى يمكن انتاج اثر قانوني مباشر لأعمال وتصرفات المنظمة في مواجهة الدول والافراد والاجهزة الدولية الاخرى.[41]
لذلك، فقد اصبح من الضروري استعانة الأمم المتحدة بلجان دائمة ومؤقتة حسب طبيعة الاعمال في ساحة عملها الدولية ومتطلبات ادائها. فأهداف المنظمة ومبادئها واحكام ميثاقها تتطلب عمل دولي مكثف. فاذا ما اقررنا بصحة ماتقدم لابد لتحقيق ذلك من حيث الموازنة بين بين الاهداف والاعمال الموكلة إلى منظمة الأمم المتحدة، يصبح الاعتماد على اشخاص طبيعيين يعبرون عن ارادتها القانونية ويتولون مهمة ادارة المهام الدولية الموكلة اليها في اطار احكام الوظيفة الادارية الدولية.
ويمكن الحكم على مدى فاعلية منظمة الأمم المتحدة واي منظمة دولية أخرى من خلال الدور الذي يمارسه موظفوها في اطار سعيهم لتحقيق اهدافها والنهوض بمهامها ومسؤولياتها الدولية. فمركزهم يمثل جزء من البنيان الاساسي للمنظمة، الدعامة والركيزة الاساسية لها، عند الحاجة إلى مقاربة متطلبات نجاح منظمة الأمم المتحدة في تحقيق اهدافها ومدى نجاحها في ذلك.
مما سبق بيانه، يبدو على نحو لايقبل الشك، انه لابد على منظمة الأمم المتحدة وضع آليات قانونية تنظيمية داخل النظام القانوني الاداري الدولي لها، وللمجتمع الدولي ككل على حد سواء. بحيث يكون هدفه الدفع باتجاه فاعلية اكبر لأحكام قواعد الوظيفة الادارية الدولية، وبشكل يضبط سلوك الموظف الدولي ويحدد نطاق مسؤوليته من ناحية ومسؤولية المنظمة الدولية من ناحية اخرى عن كل عمل تقوم به، وبشكل خاص الاعمال والاجراءات التي يبدو فيها ان هناك مخالفة مباشرة او ضمنية لقواعد الشرعية الدولية.
الخاتمة
انحراف الموظف الدولي هو استغلال الموظف لوظيفته الدولية بهدف تحقيق منافع ذاتية شخصية او جماعية او ضيقة كتغليب مصالح الدولة التي ينتمي اليها، بعيداً عن مستلزمات النزاهة واحكام النظام القانوني المنظم لطبيعة وظيفته، وبغض النظر عن كون سبب انحراف الموظف تم بدافع شخصي منه ام نتيجة ضغوط دولية او وطنية مورست عليه من قبل طرف دولي اخر او من قبل حكومة دولته الام.
كما ان المركز القانوني للموظف في منظمة الأمم المتحدة يرتكز على التوازن من خلال حياد الموظف عند اداء واجبات وظيفته او الانحراف عنها بشكل يؤدي إلى الاخلال بقواعد الشرعية الدولية ومن ثم يوجب المسائلة القانونية. لأن الاثر السلبي هو امر مفترض وقوعه بمجرد انحراف الموظف عن قواعد الشرعية الدولية المتعلقة بأعمال وظيفته على الرغم من ادراكه لواجبات وحدود الوظيفة الدولية، التي يحكمها اصلاً النظام القانوني المنظم لعلاقة الموظف بمنظمة الأمم المتحدة. لذلك، ان اثار تصرفات الموظف في منظمة الأمم المتحدة تنعكس على المنظمة ذاتها، فالموظف مارس عمله باسمها ولحسابها ومن المفترض انه خاضع لرقابة اجهزتها.
فالثابت في الفقه القانوني، ان الحق والواجب متلازمان ويمثل وجود وتحقق أحدهما سبب وجود الاخر. اي يؤدي تحقق وجود احدهما إلى تحقق وجود الاخر وفرضه. وهذا يبدو اكثر وضوحاً من خلال التأمل في نظرية الحق ونطاقها القانوني الدولي. فتقرير حق لشخص معين يفرض عليه او على اشخاص اخرين واجب الالتزام به حتى يتحقق اكتساب ذلك الحق. من حيث القدرة لأدائه او في عدم التعرض لمحتواه. وكذلك هو الحال عند الزام شخص بتنفيذ واجب معين، فهو يمثل بالتأكيد وسيلة لاقتضاء حق وبغض النظر عن كون هذا الحق هو لشخص أخر او للشخص نفسه. لذلك ان الانحراف في اداء الواجب قد يؤدي إلى ضبابية في الوصول إلى الحق والعكس صحيح.
ويبدو انه من الصعوبة الوصول إلى الحياد في عمل موظف الأمم المتحدة، في ظل الظروف الدولية الحالية، مالم يتوافر نظام قانوني عام موحد يخضع له موظفي الأمم المتحدة وغيره من موظفي المنظمات الدولية الاخرى، حتى تخضع له المنظمة الدولية وموظفيها على حد سواء. لذلك، الأمم المتحدة اليوم مطالبة ان تكون اكثر شفافية في معالجة شؤونها وكبح سياسات تغليب مصالح فئة دولية معينة على مصالح المجتمع الدولي ككل.
اضف تعليق