q
آراء وافكار - دراسات

السلوك الامريكي حيال العراق لمرحلة ما بعد داعش

العودة نحو التغيير

د. عامر هاشم عواد/ جامعة بغداد
د. بيداء محمود احمد/ الجامعة المستنصرية

 

يناقش البحث موضوع السلوك الامريكي حيال العراق للمرحلة القادمة حتى العام 2022. والحقيقة، لا نستطيع الجزم بالمطلق ان هذه المرحلة ستشهد نهاية تنظيم داعش، فكل الاحتمالات مفتوحة، وقد تطول المعركة لسنوات او قد يتم القضاء على داعش في العام القادم، وقد يخرج من بقايا داعش ومن رحم التنظيمات المتشددة تنظيما جديدا بمسمى جديد وبوظائف جديدة، ولكل من هذه الاحتمالات اسبابها كما ان لكل منها نتائجها.

ولكن لنتعامل مع احتمال انتهاء المعركة مع داعش في العام القادم، كيف سيكون السلوك الامريكي حيال العراق وتحديدا السلوك حيال العملية السياسية؟

بدءا الورقة ستركز الحديث عن ثلاث نقاط، الاولى السلوك الامريكي حيال العملية السياسية في العراق منذ عام 2003وحتى الوقت الحاضر، والثانية قراءة للمشاريع الامريكية المطروحة للتعامل مع الوضع السياسي قي العراق، والثالثة نظرة مستقبلية لمآلات السلوك الامريكي وكيف ستتعامل مع الحالة السياسية القادمة.

من المهم وضمن مناقشة موضوع السلوك السياسي الامريكي القول انه انطلق من توجه نحو منطقة الشرق الاوسط ومنها العراق قوامه تغير الانظمة التي وصفتها الولايات المتحدة بالاستبدادية وتدشين الديمقراطية، اذ كان هذين المصطلحين الاكثر صخبا في الخطابات الامريكية،ومع ذلك لم يكن لاحتلال العراق اي علاقة بالديمقراطية، فالحجتين اللتان سوقتا لاحتلاله تتعلق احداهما بادعائهم امتلاكه اسلحة الدمار الشامل، والثانية تتعلق بالعلاقة المزعومة بين النظام الحاكم في العراق وبين تنظيم القاعدة.

الا ان بدء المقاومة العراقية للمحتل الامريكي جعلت مسار الاحتلال ياخذ منحى جديد، كما انه اعاد رسم الخطط الامريكية من جديد، فالقوات اخذت اوامرها بالبقاء، والتدخل الامريكي في الشان الداخلي العراق ازداد، واصبح لابد من تبرير لكل ذلك، وهنا دخل موضوع نشر الديمقراطية على الخط، فتحت هذه الحجة وحجة الحرية وحقوق الانسان عمدت الولايات المتحدة للبحث عن ادوات اخرى للسيطرة والهيمنة بعيدا عن ادوات الاحتلال التقليدي للسيطرة الامبريالية، اذ كانت واشنطن تسعى للهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية على العراق والمنطقة وبسط نفوذها، وكان ما يعلن ان الولايات المتحدة تريد القضاء على الارهاب واحداث التغيير الديمقراطي، وفي سبيل ذلك وجدنا ان الرئيس بوش الابن مثلا قام بتبني ما سمي( استراتيجية تقدمية للحرية) وطلب من الصندوق الوطني للديمقراطية NED تخصيص مبلغ 40 مليون دولار من ميزانية الصندوق المخصصة للشرق الاوسط، وبحساب الارقام فان ذلك يعادل ما تم انفاقه خلال سنوات التغيير في صربيا مجتمعة. وفي سبيل ذلك ايضا روج الوزير كولن باول لما سماها ( المبادرة الامريكية للديمقراطية في العالم العربي) وقد خصصت الادارة الامريكية مبلغ 29 مليون دولار لتنفيذها، واستمر انفاق الاموال التي لم يكن هدفها الحقيقي التحول الديمقراطي بقدر ماكان الهدف ايجاد بيئة داخلية في العراق وبلدان الشرق الاوسط تقبل بالمشاريع الامريكية للمنطقة.

وفي سبيل تحقيق الاهداف ذاتها، ظهرت دراسات كثيرة ترسم للولايات المتحدة مسارات التحرك، لكننا في هذا الصدد نشير الى واحدة من اهم تلك الدراسات رغم قدمها فهي صدرت عام 2003، ونقول اهم لاننا نراها واقعية وقابلة للتطبيق في السنوات القادمة على العراق، تلك الدراسة التي اعدت بناء على طلب من وكالة الاستخبارات الامريكية ، وعنوانها "الاسلام المدني الديمقراطي، الشركاء والمصادر والاستراتيجيات" ، وتكمن اهميتها في انها بمثابة مسح جيولوجي لمعالم المجتمعات الاسلامية من الداخل بحثا عن شريك مستقبلي يمكن ان يحقق المرامي الامريكية، وقد قسمت الدراسة الكتل الاسلامية الفاعلة الى اربع وهي:ّ

1- الاصوليون او الراديكاليون: وهؤلاء يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية المعاصرة.

2- التقليديون: ويسعى هؤلاء نحو مجتمع محافظ، ويرتابون في دعوات الحضارة والابتكار ( ومن بينهم تيار الاسلام السياسي)

3- الحداثيون: يريدون ان يصبح العالم الاسلامي جزءا من الحداثة العالمية وتحديث الاسلام ( ومنهم تيار فتح الله غولن في تركيا).

4- العلمانيون: وقالت الدراسة عنهم انهم افضل من يمكن ان يكونوا شريكا رئيسيا للولايات المتحدة داخل العالم الاسلامي، الا ان الدراسة ذاتها اوصت صانع القرار الامريكي بعدم تفضيل التحالف معهم لسببين: ان اغلبهم ذو توجهات مناهضة للامركة وانهم قوميون او يساريون، وثانيا لان عددهم قليل وهم اقلية داخل تلك المجتمعات. وبالتالي فالدراسة فضلت التعامل مع الاسلاميين، ومالم تذكره الدراسة وفهمته الاداراة الامريكية انها يجب ان تهيء المسرح لتقبل صعود العلمانيين للسلطة، وهذا مافعلته الولايات المتحدة براينا، فالعراق الان مهيء لتقبل صعود العلمانيين لانها اي الولايات المتحدة عمدت الى افشال تجربة الاسلام السياسي ووضعت كل العوائق امام امكانية بناء دولة عراقية متطورة ليصل الشعب لقناعة ان التغيير امر اصبح لازما وان تيارات الاسلام السياسي غير قادرة على النهوض بالعراق.

وعليه نتساءل: بعد 15 عاما من تلك الدراسة هل ستعود الولايات المتحدة للتغيير بالتحالف مع من قالت عنهم انهم الافضل بالنسبة للسياسة الامريكية؟

ان دراسة ماهية السلوك السياسي الامريكي في المدة القادمة تعتمد على عدد من المدخلات على فرض انهاء وجود تنظيم داعش، منها ما يتعلق بالوضع الداخلي في العراق، لا سيما موضوع اقليم كردستان ومستقبل تطيق نتيجة الاستفتاء الذي جرى يوم 25 ايلول عام 2017 وقالت المفوضية الكردية للانتخابات ان نسبة من قال نعم من عدد المشاركين كانت تفوق ال 92 بالمئة باجزاء من العشرة، وما سيجلبه الوضع الجديد من تاثيرات بالقطع لن تكون ايجابية على العملية السياسية في العراق وكذلك على الاوضاع الامنية.

وضمن الحديث عما تقدم، فالولايات المتحدة امام العلن اعنت انها غير موافقة على ماجرى في الاستفتاء، وانها لا تعترف بالنتائج، وهذا ما اصدرته السفارة الامريكية في العراق يوم 29 ايلول، لكن ما خلف الستار يحيلنا للقول ان الولايات المتحدة موافقة على موضوع الاستفتاء لكن الخلاف مع البارزاني حول الزمان والمكان، فلم توافق عليه الان، ولم تكن المناطق المتنازع عليها ضمن الاتفاق، ولكن بالمحصلة وكما كتب السفير الامريكي الاسبق في العراق زلماي خليل زاد او الملك زاد كما يسمونه في واشنطن مقاله الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست الامريكية يوم 25 ايلول بعنوان " لقد صوت الاكراد.. ماذا على واشنطن العمل الان" وقال فيه ان على الولايات المتحدة القبول بالوضع الحالي والتعامل معه كامر واقع والعمل على الحيلولة دون وقوع اي صدام مسلح في المنطقة لان الاكراد هم خير حليف للامريكان.."، وهذا يتفق مع ما اعلنه الجنرال جوزيف دنفورد خلال جلسة مجلس الشيوخ للموافقة عليه رئيسا للاركان يوم 9 حزيران 2015عندما قال ان الاكراد هم القوة البرية الاكبر فعالية في سوريا والعراق وبدأنا في تسليحهم وتدريبهم . ويحضرني هنا ايضا موقف الولايات المتحدة الذي رفض قرار الحكومة العراقية بغلق المجال الجوي في شمال العراق.

ان المثالين اعلاه، مدعومين بما جرى في مؤتمر ميونخ للامن والسياسات الدفاعية يوم 17 شباط 2017 عندما حضر البارزاني بوفد منفصل عن العبادي وكانه رئيس دولة مستقلة واستقبل وعومل كذلك، وعندما نشر تغريدته " احضر لمؤتمر ميونخ بهدف تعزيز العلاقات بين اقليم كردستان وشركائه في التحالف الدولي" فان الولايات المتحدة كانت راضية بكل ذلك وتعامل كردستان وكانها جزء منفصل عن العراق.

ان الولايات المتحدة تعلم بكل ماجرى، بالتالي فما حصل له علاقة بالسلوك الامريكي القادم تجاه العراق، والذي نراه سيكون وفق المعادلة الاتية: ترضية الاكراد في مقابل اجراء تغييرات واسعة في بغداد تخدم المصالح الامريكية والمشروع الامريكي، اولها تغيير على مستوى العملية السياسية اشار له البارزاني بوضوح متفقا مع الامريكان في ذلك فقال " لن اعمل بعد الان مع حكومة طائفية ودينية" كما سماها هو، وهذا يعني ان عودة الاكراد للمشروع يعني اجراء تغييرات سياسية وانهاء هيمنة الاسلام السياسي.

ان السلوك الامريكي القادم تجاه العراق سيركز على عودة الانغماس في الشان العراقي بعد سنوات من الانكفاء للوراء كما ارادت ذلك ادارتي اوباما، وسيكون السلوك الجديد ميالا للتدخل في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية، وما تقوم به اللجنة الامريكية لمكافحة الفساد التي ارسلتها الولايات المتحدة، الا بداية لكشف ملفات كبيرة ستؤثر على مجريات الواقع السياسي في العراق، والولايات المتحدة تهيء المسرح لدورها القادم، داخل منقسم قابل للانفجار في اي لحظة، دفع دول عربية للتدخل في العراق والبحث عن ادوار كانت ممنوعة من تاديتها منذ عام 2003، العمل على تقليل الدور الايراني في العراق، ضبط الدور التركي، عودة جديدة للشركات الامنية الامريكية بلباس ومهمات جديدة، ومن ثم فان العودة للانغماس والتغيير سيشكل العلامة القادمة للسلوك الامريكي تجاه العراق والذي قد ياخذ واحد من اتجاهين،الاتجاه الاول الاعتماد على مجموعة جديدة لحكم العراق تعمد لاعادة ترميمه من جديد ليعود ليمارس دوره المفقود مدعومة بالرضا التركي السياسي، و الدعم الامني الامريكي والمالي الخليجي. اما الاتجاه الثاني فانها ستلجا لتقسيم العراق الى اقليمين كما يؤيد ذلك رئيس الاركان الامريكي دنفورد الذي قال "ان العراق لايصلح ان يقسم سوى لدولتين دولة للشيعة ودولة للاكراد اما السنة فلا يستطيعون انشاء اقليمهم او دولتهم". واذا ما حصل ذلك فاعتقد ان السنة سيلتحقون بدولة كردستان وهناك اصوات تدعو لذلك. او ان الامريكان سيعودون لمشروع جوزيف بايدن وتقسيم العراق لثلاثة اقسام. وفي كل الاحوال فان الاقاليم الجديدة ستعيش المشاكل البينية المتراكمة، ولا ننسى ابدا الدور الاسرائيلي الذي وافق عليه الاكراد علنا بوصفهم الداعم الاكبر لهم، الامر الذي يبنبئ بتغييرات واسعة قد لا تخدم العراق بقدر خدمة المشروع الامريكي القادم في العراق والمنطقة.

واخيرا، فانا نعتقد ان الحكومة لعراقية واعية لكل التهديدات التي تتعرض لوحدة العراق، وهي تهديدات مختلفة التوجهات زمانا ومكانا، منها ماهو داخلي واقليمي ودولي، وكان السيد رئيس الوزراء العبادي اشار لقسم منها صراحة اثناء كلامه في مجلس النواب يوم 27 ايلول 2017 عندما قال ان الصراعات الداخلية عامل بالضد من قوة الدولة في معرض حديثه عن قيام مجموعات مسلحة برفض عودة اهالي جرف الصخر اليها. ان التحديات ستكون من الداخل والخارج، وعلى الحكومة العمل لمواجهتها، وعلى الحكومة ايضا التعامل مع السلوك الامريكي القادم بما يخدم المصلحة العراقية، وهذا يتاتى من وضع استراتيجيات فرعية شاملة متعددة الاوجه والمقاصد، وكذلك الشروع بمشروع وطني داخلي يلم شمل العراقيين لمواجهة الخطط الامريكية والاسرائيلية التي تريد تحويل العراق لمنطقة صراع جديدة توجه الانظار حولها بعيدا عن استمرار المشروع الصهيوني الرامي لاكمال مخططاتها في القدس والمنطقة.

........................................
* بحث مقدم لمؤتمر الاستقرار الأمني والمجتمعي في العراق لمرحلة ما بعد داعش، الذي عقد من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جامعة بغداد، وبالتعاون مع مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام بتاريخ 23/10/2017.

اضف تعليق