ان تاريخ العلاقات العراقية السعودية كاندوما تحيطه الشكوك المتبادلة والصراع اكثر من علاقات تقوم على اساس التفاهم المشترك المفيد في تنمية العلاقات بين دولتين جارتين مسلمتين وعربيتين تربطهما روابط تاريخية عريقة الجذور وامتدادات جامعة، حيث ان العلاقات منذ النشأة العراقية عام 1921 والسعودية عام 1932 ولحد الان توصف بعدم الاستقرار،وان حالات التعاون الحقيقي هي بدافع المصلحة الحقيقية.

وبعد التغيير عام 2003 تبنت السعودية مشروعا يشجع العراقيين لتبني برنامج وطني يقوم على اساس التصالح مع النفس حيث دعمت السعودية اجتماع للقوى السياسية في القاهرة عام 2004 ولكن في النهاية اثبت هذا الاجتماع فشله وهو فشل تسبب باندلاع صراعات طائفية راح ضحيتها الالاف من العراقيين، كما تبنت السعودية جمع اطراف عراقية عام 2006 وانتهى الاجتماع بما عرف بوثيقة مكة والتي دعت الى منع الاحتراب بين اهل السنة والشيعة في العراق.

والتطور الاخر حصل عندما عينت السعودية سفيرا جديدا لها في العراق (ثامر السبهان) في عام 2015 والذي لم يستمر طويلا بسبب المشاكل التي تسبب بها بسبب تصريحاته التي عدتها اطرافا عراقية مسيئة للعراق وتدخلا في شأنه الداخلي، كما شهدت العلاقات العراقية السعودية نقلة نوعية بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد في 25 شباط 2017 واعقبها زيارة وفد عراقي للرياض في منتصف اذار 2017، كما ان التوقيت نفسه شهد تفاعلا تكاتفت فيه القوى الدولية والاقليمية على محاربة ارهاب داعش في كل من العراق وسوريا، وترجم هذا التكاتف في عمليات تحرير مدينة الموصل العراقية من التنظيم الارهابي وسط دعم من التحالف الدولي.

والتساؤل هنا هو هل تمتلك السعودية رؤية واضحة تجاه العراق الجديد ام ستبقى رهينة العقد التاريخية التي ميزت سياستها تجاه العراق، حيث ان السياسة السعودية تأثرت وما زالت بثلاث عقد (المذهب والنفط والثقل الحضاري للعراق) لاختلاف هويتها المذهبية التي ترى فيها السعودية نقيضا لشرعيتها الوهابية التي تحكم باسمها ولمواردها الطبيعية واحتياطها النفطي الهائل ولكتلتها الحضارية والثقافية ولموقعها الستراتيجي الرابط بين العالمين العربي الاسلامي الاوربي. وفي الوقت نفسه هنالك علاقة مترابطه بين وجود استراتيجيتين (السعودية والايرانية) تتنازعان النفوذ الشرق اوسطي، ويشكل العراق المنطلق لهذا التنازع ومد النفوذ.

ومما تقدم يمكن القول ان العراق امام فرصه لبناء لعلاقات سياسية وامنية واقتصادية قوية مع المملكة العرربية السعودية وذلك لوجود مصالح مشتركة تفرض التنسيق المشترك بين البلدين بما يسهم في استقرارهما ورخائهما، فضلا عن توفر الظروف الملائمة للانطلاق من جديد نحو علاقات ثنائية متينة وقوية مع توافر الارادة السياسية لدى البلدين في هذه المرحلة.

وقد تناول المبحث الاول تاريخ العلاقات العراقية السعودية قبل عام 2003، حيث التغيير الذي حصل في طبيعة السلطة السياسية في العراق بعد عام 1958 ، اذ اخذت العلاقات بين البلدين منحى مختلف لاسيما بعد مطالبة العراق استعادة الكويت عام 1961، حيث كانت السعودية من اهم الدول التي وقعت بالضد من هذه المطالبة وارسلت قوات سعودية الى الكويت لحمايتها من هجوم القوات العراقية وادى ذلك الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين العراق والسعودية، ولم تشهد العلاقات تطورا ملحوظا الا في سبعينيات القرن الماضي من خلال ترسيم حدود المنطقة المحايدة بين السعودية والعراق وتقاسم ايراداتها النفطية.

ولابد من الاشارة الى ان السعودية لم تسمح للعراق بالانضمام الى مجلس التعاون الخليجي لكي لا يكون منافس للسعودية اقليميا تحت اي ظرف كان، وبالرغم من ذلك كانت السعودية اهم الداعمين للجانب العراقي في حربة مع ايران عام 1980 فقدمت مساعداتها المادية والمعنوية للوقوف بوجه التوجهات الايرانية، كما وصلت ايجابية العلاقات الى درجة قيام ملك السعودية (فهد بن عبد العزيز) بزيارة العراق عام 1989 فاقدم العراق على تلك الخطوة لاجل كسب الجانب السعودي وازالة الشك الذي ينتابه تجاه العراق بعد حرب دامت ثمان سنوات مع ايران.

وفي الثاني من اب 1990 اندلعة ازمة الكويت لتنتهي العلاقات الودية بين العراق والمملكة العربية السعودية بالرغم من ان الاخيرة عملت على لعب دور الوسيط بين العراق والكويت ودعت الى عقد اجتماع لتسوية الازمة بين البلدين وتم عقد الاجتماع في جدة، لكن دخول القوات العراقية الى الكويت ولد انطباعا لدى السلطة الحاكمة في السعودية بان الخطوة التالية للقوات العراقية ستكون احتلال السعودية والاطاحة بالعائلة الحاكمة وتغيير نظام الحكم كما تم في الكويت.

اما المبحث الثاني فقد تناول تطور العلاقات العراقية السعودية بعد عام 2003، اذ استعرض ابرز المحطات المتعلقة بالزيارات المتبادلة بين البلدين والمبادرات والاتفاقات التي ابرمت في حينها، كما تناول ابرز الاشكاليات في العلاقات العراقية السعودية التي تمثلت بالعامل النفطي الذي يمثل خلافا جوهريا بين العراق والمملكة حيث يؤكد السعوديون دائما ان المملكة ستستخدم ثقلها في السوق للاحتفاظ باسعار ثابته ومعقولة اذا حاول اخرون رفعها الى معدلات يعتبرها السعوديون غير معقولة، بينما ارتفاع الاسعار في العراق تساعده في معالجة مشكلة ديونه واحتياجات تعميره وكذلك جلب الموارد اللازمة لرفع القدرة الانتاجية العراقية. فضلا عن العامل الديني والعقائدي الواضح والجلي بين البلدين لاسيما على مستوى القيادة، وكذلك العامل السياسي الذي ارتبط بتغيير النظام السياسي في العراق وما مثله من تهديد للتوازن في المنطقة وربما انعكاس التغيير في العراق الى الدفع باتجاه تعزيز الهوية المذهبية للاقلية الشيعية في المملكة.

كما تم التطرق الى تأثير المتغير الايراني في العلاقات العراقية السعودية، اذ لعبت ايران ادوار كثيرة متعددة في العراق فهي على علاقة تاريخية مع المؤسسة الدينية الراقية او لنقل مع جزء منها وهي في الوقت نفسه ذات روابط وثيقة مع العديد من الاحزاب السياسية العراقية، وان الحضور الايراني يمكن تلمسه في العديد من المؤسسات المجتمعية والخدمية المنتشرة عبر العديد من مدن العراق ومحافظاته.

اما المبحث الثالث فقد تناول فرص وتحديات تطور العلاقات العراقة السعودية، من خلال التركيز على الفرص المتاحة امام العراق والمتمثلة بالفرص السياسية والاقتصادية، وكذلك الفرص المتاحة امام المملكة السعودية والمتمثلة بالفرص السياسية والامنية، فضلا عن تناول اهم التحديات التي تواجه العلاقات بين البلدين والمتمثلة بـ(التباين بين نظام وقيادة الدولتين، وجود الحشد الشعبي الذي تعده السعودية مواليا لإيران، غياب الثقة المتبادلة واختلاف الأجندة، التحدي الإيراني).

ومما تقدم يمكن القول ان تاريخ العلاقات العراقية السعودية امتاز بعدم الاستقرار وذلك بسبب التنافس الاقليمي بين البلدين ولعب دور مهم في المنطقة ولم تشهد العلاقات تحسنا ملموسا الا في فترة الحرب العراقية الايرانية من عام 1980 الى عام 1988، حيث كانت السعودية من الداعمين الرئيسيين للعراق، ومع انتهاء الحرب بدأ العداء بين العراق ومحيطه الخليجي بسبب السياسات التي اتبعتها الدول الخليجية حول تخفيض اسعار النفط، وبقيت العلاقات مقطوعة حتى عام 2003، وبعد ذلك شهدت تطورات وزيارات متبادلة بين البلدين لم ترتقي الى المستوى المرجو، كما شهد عام 2015 تعيين سفير جديد للمملكة في العراق والذي امتازت فترة تمثيله بعدم رضى واعتراض وصل الى الطلب من المملكة باستبداله، اما عام 2017، فقد شهد تطورات كبيرة من خلال زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في شباط 2017، وكذلك زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي في تموز 2017، وان انفتاح السعودية جاء مع بدأ المرحلة الاخيرة في الحرب على داعش الارهابية وفي ظل تحقيق نصر كبير باستعادة مدينة الموصل، ويمكن القول ان تحسين العلاقات بين العراق والسعودية لا يعني انهاء النفوذ الايراني -لان هدف الانفتاح هو لاحتواء الجانب الايراني في العراق- حيث تشكل ايران فاعلا رئيسيا في العراق وذلك لان هنالك روابط تارخية وجغرافية وثقافية بين الدولتين.

ومن خلال استعراض اهم الفرص التي يمكن استثمارها لتطوير العلاقات بين البلدين يمكن القول ان البيئة السياسية على المستوى الاقليمي والمحلي تشجع تطوير هذه العلاقات والانطلاق بها الى مستويات اكبر لتاخذ الطابع الاستراتيجي بما يخدم اهداف ومصالح الدولتين.

........................................

* بحث مقدم لمؤتمر الاستقرار الأمني والمجتمعي في العراق لمرحلة ما بعد داعش، الذي عقد من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جامعة بغداد، وبالتعاون مع مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام بتاريخ 23/10/2017.

اضف تعليق