الحقيقة المرة ان مستقبل مصر في خطر بسبب سد النهضة، وعدم التوصل الى اتفاقات تضمن تدفق مياه النيل بما يمنع من حصول الجفاف، او ان يؤثر على السد العالي الذي يعتمد عليه المصريون في توليد الطاقة الكهربائية، الغريب ان الخطوات المصرية لحد الان غير فعالة مع امتلاكها الخيرات العديدة...
الماء سر استمرار الحياة على الارض، ومع فقده تتوقف الحياة تماما، وكانت تزهر الارض وتظهر الحضارات في الاماكن التي يتواجد فيها الانهار والبحيرات، فالماء هو ميزان بزوغ فجر الانسانية، أصبح الماء في الالفية الثالثة من وسائل الضغط الذي تمارسه بعض الدول، في سلوك بعيد عن القيم الإنسانية وصورة صارخة للأنانية، الحديث في مقالنا اليوم عن مشكلة اهل مصر مع السد الذي أقيم على منابع نهر النيل في اثيوبيا!
قطع الماء هو التهديد الذي تمارسه بعض الدول، كتركيا مع العراق، واثيوبيا مع مصر، وهو تهديد للأمن القومي وتهديد لحياة الشعوب.
ان الخلاف حول سد النهضة هو جزء من نزاع طويل الأمد بين مصر والسودان (دول المصب) من ناحية، وإثيوبيا ودول النهر من ناحية أخرى، حول مياه النيل، والتي تعتبر شريان الحياة للملايين من الناس، الذين يعيشون في مصر والسودان، على الرغم من الخلافات الشديدة تواصل إثيوبيا المضي قدمًا في بناء السد، بحجة أن مشروع الطاقة الكهرومائية، وانه سيحسن بشكل كبير سبل العيش في المنطقة على نطاق أوسع.
الحقيقة المرة ان مستقبل مصر في خطر بسبب سد النهضة، وعدم التوصل الى اتفاقات تضمن تدفق مياه النيل بما يمنع من حصول الجفاف، او ان يؤثر على السد العالي الذي يعتمد عليه المصريون في توليد الطاقة الكهربائية، الغريب ان الخطوات المصرية لحد الان غير فعالة مع امتلاكها الخيرات العديدة.
سد النهضة وما يمثله للأثيوبيين
لنتكلم قليلا عن قصة سد النهضة وما يمثله للأثيوبيين، فهو يعتبر مشروع قومي كبير لتوليد الكهرباء، ويكون خير عون للمساعدة في النهضة الاقتصادية المنتظرة ﻟﻠﺒﻼﺩ، حيث الافكار في عملية تصدير الكهرباء الى دول الجوار، مما يظهر إثيوبيا كقوة اقليمية في القرن الافريقي، وقد وجدت اثيوبيا ان تستقوي بأمريكا واسرائيل كي تحقق اهدافها، خصوصا انها وجدت الدعم الكبير في سبيل قطع ماء نهر النيل عن المصريين.
ان اثيوبيا لا تعتمد على نهر النيل في الزراعة بسبب الامطار السنوية الوفيرة، لذلك عملية حجز مياه نهر النيل عن مصر بهدف تحقيق الربح الاقتصادي مستقبلي، او تأتي الارباح مثلا عبر تنفيذ سياسات القوى العالمية، بالضغط على مصر، مقابل الحصول على منح واستثمارات ومشاريع ضخمة.
الاصل هو اتفاقية 1959
يجب ان تكون اتفاقية عام 59 حجر الاساس لأي تفاوض يجريه المصريين، فقد زادت اتفاقية عام 1959 من مخصصات المياه لكل من مصر والسودان. وتم رفع مخصصات مصر المائية من 48 مليار متر مكعب إلى55.5 مليار متر مكعب والسودان من 4 مليار متر مكعب إلى 18.5 مليار متر مكعب، ونصت الاتفاقية على أنه في حالة حدوث زيادة في متوسط إنتاجية المياه، يجب تقاسم العائد المتزايد بالتساوي بين دولتي المصب (أي مصر والسودان)، وعلى الرغم من أن مصر جادلت بإصرار بأن اتفاقية 1959 بين مصر والسودان والتي منحت مصر حق النقض على مشروعات نهر النيل المستقبلية، هي الإطار القانوني لتخصيص مياه النيل، إلا أن إثيوبيا ترفض هذه الحجة.
مصر أصرت على احترام حقوق المياه التي حصلت عليها من خلال اتفاقية 1959 ويشار إليها باسم اتفاقية مياه النيل، وعدم تنفيذ أي مشروع بناء على نهر النيل أو أي من روافده بدون الحصول على موافقة مسبقة من القاهرة، بينما جادلت الدول الواقعة على ضفاف النهر، مثل إثيوبيا، بأنها ليست ملزمة بهذه الاتفاقيات لأنها لم تكن طرف فيها.
الازمة في ثلاث نقاط
يمكن تحديد ثلاث نقاط مهمة للازمة وهي:
اولا: ان حصة مصر تبلغ 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويا منعام 1959 ولم تتغير الى يومنا هذا في عام 2021، وكان عدد سكان مصر لا يزيد عن 30 مليون، الان تعداد سكان مصر يقترب من 90 مليون! فكيف تسد هذه الحصة احتياجات مصر المائية الآن من الزراعة والتنمية والمياه النقية، لذلك على المصريين الاسراع في التفاوض لزيادة حصتهم عبر التفاوض الامثل، والا وقعت الكارثة.
ثانيا: هنالك حقيقة سيئة تتمثل بكون دول حوض النيل تفتقر الى التعاون الإيجابي فيما بينها؟ بلا لاختلاف وبكافة المجالات، وتتصاعد الخلافات السياسية في ازمنة متقاربة، وجميع مبادرات حوض النيل على المستوى السياسي والاقتصادي لم ترتقى الى درجة التعاون، كما تعانى معظم دول حوض النيل من معدلات تنمية منخفضة جدا.
ثالثا: ان انخفاض منسوب المياه يهدد بصورة مباشرة توليد الكهرباء من السد العالي، في ازمة مستقبلية للطاقة والكهرباء ستحصل لمصر، مما يؤثر على انخفاض الانتاج وتأثير ذلك على الناتج المحلى الإجمالي للمصر، فالمستقبل معه رعب كبير.
اتفاقية الانتكاس المصري
في23 من شهر اذار عام 2015 وقع اتفاق حول إعلان المبادئ في الخرطوم، بين جمهورية مصر وجمهورية أثيوبيا وجمهورية السودان، وتضمن الاتفاق ورقة تشمل 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة، وتم التوقيع عليها من قبل الدول الثلاث، ومرفق بها ورقة شارحة حول إيجابيات الاتفاق وانعكاساته على علاقات الدول الثلاث.
الاتفاقية هي عبارة عن مبادئ، ويرى الكثيرون انها اعطت الشرعية المصرية لبناء سد النهضة، وهو اهم مكسب تفاوضي لأثيوبيا!
وكعادته الاعلام المصري فقد صور الاتفاقية على انها انجاز عظيم غير مبسوق! ولكن الأمر يتعلق بمستقبل مخيف ينتظر المصريين، نتيجة اعطاء الشرعية لبناء سد النهضة.
ولنتوقف عند المبدأ الثالث من الاتفاقية وهو "مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن" حيث نص على: ((سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن)) جمل فضفاضة لا يمكن من خلالها جلب الحقوق، لأنها لا تلزم الاخر بشيء محدد، ويتضمن المبدأ جملة عجيبة اخرى: ((اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض))، كيف يتم التخفيف؟ ومن يقرر حجم الاضرار؟ لم يحدد مسائل التعويض بل جعله قضية مفتوحة للمناقشات المستقبلية! هكذا فشل المفاوض المصري وفرط بحقه التاريخي، والقادم اسوء اذا بقي الحال من دون تعديل.
طريقة الرد المصرية الممكنة
هنا نطرح وسائل الضغط المتاحة لمصر، فهي تمتلك العديد من الخيرات التي من خلالها يمكنها الضغط على اثيوبيا، ومنها:
1- فتح قنوات اتصال مع ارتيريا العدو اللدود لأثيوبيا.
2- فتح قنوات اتصال مع المعارضة الاثيوبية.
3- فتح قنوات اتصال والتفاوض والضغط على الجهات المانحة.
4- التصعيد للجهات الدولية لإيقاف المشروع.
5- مساعدة اثيوبيا في ايجاد بدائل للتوليد الكهرباء.
6- يجب على مصر وضع قوانين رادعة للحماية نهر النيل، فلا يجوز ان تلعب مصر دور كبير في صراع مائي ولا تهتم بالمياه وحماية نهر النيل في الداخل.
7- كما يجب البحث عن بدائل للتوفير المياه النقية ومياه الزراعة والاهتمام بالبحوث العلمية، للزيادة انتاجية الأراضي الزراعية والتنقيب عن استخدام الحلول المائية الاستراتيجية.
اضف تعليق