السمة الرئيسية للإدارة الحوكمية المستقبلية قد تكون تحت مفهوم الادارة من غير مدير أو كما تعرف بأسم الادارة الحرة، لكن هل الإدارة ممكنة من غير مدير؟ وفي هذه الحالة يجب إن نبين تميز تعدد أنواع الحوكمة التي تختلف عن نماذج صنع القرار في المنظمات الدولية...
تفقد الأنظمة الاقتصادية الحديثة فعاليتها حينما يصبح القطاع العام ضائعاً وبعيداَ عن الحاجات المجتمعية وفاقداً لثقة الجمهور في المؤسسات الهرمية، ومتلاشيا سوقيا فينساب ذلك التلاشي إلى كامل المساحة المجتمعية وبذلك يتضح ومن غير شك انه هنالك حاجة لحدوث تغييرات جذرية وفورية في الجوانب الرئيسة للحكم، ولعدم تمكن الفلسفة السياسية الحديثة والى ألان من النجاح في تقديم حل مناسب للمشاكل المعقدة التي تواجهها البشرية نتجت تغيرات مشاكل ونكبات عالمية ادت إلى ظهور العديد من العقبات الإدارية التي تتطلب مراجعة أساسية، وغالبًا ما تجد الحكومات نفسها في مأزق سياسي وذلك لحقيقة أنه حتى في المجتمعات الديمقراطية الحديثة فإنها تتعرض لضغوط قوية من أجل دعم الإجراءات قصيرة النظر التي وعلى المدى الطويل يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة لان اغلب الدول قد تقع في مأزق تحت ضغط المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والتي تتبع سياسات لا ترضي مصالحها لذا فمن الضروري تكييف الأفكار والمؤسسات كما ويجب تطوير بعض العناصر المشتركة للنهوض بالثقافة والوعي السياسي في كل مكان لتكون بمثابة أساس للحكومات للنهوض بمصالح البشرية في عالم يتزايد بالتكامل.
قد تعني إعادة الهيكلة العالمية أن الحكومات ستواجه باستمرار قضايا ذات توجهات ذات قيمة تتعلق بالعدالة العالمية والبيئية والمجتمعية فلذلك يجب تمكينها من اتخاذ قرارات مسؤولة وفقًا للقواعد المتفق عليها ووفق الأولويات الأخلاقية المعترف بها، وان جميع التدابير المقترحة لتحقيق المثل الأعلى لحكومة حوكمة جديدة تتمثل في توسيع وتعميق نظام التشريعات الدولية، وتعزيز الحوكمة العالمية من خلال إنشاء مؤسسات دولية، كما إن التعليم المناسب والمستوجب للنخب السياسية الجديدة يجب أن يشمل توسيع تفكيرها السياسي بالكامل ليحتوي كل القضايا القانونية والمؤسسية والأنسانية بالإضافة إلى ترك حيز للمشروعات الكبيرة التي سيتم تنفيذها بمنظور طويل الأجل.
السمة الرئيسية للإدارة الحوكمية المستقبلية قد تكون تحت مفهوم الادارة من غير مدير أو كما تعرف بأسم الادارة الحرة، لكن هل الإدارة ممكنة من غير مدير؟ وفي هذه الحالة يجب إن نبين تميز تعدد أنواع الحوكمة التي تختلف عن نماذج صنع القرار في المنظمات الدولية من الإملاءات البسيطة إلى الادارة الشاملة للسوق العالمية، ومع إن الإدارة الحوكمية ستشمل جميع المؤسسات المتاحة والعملية غير إن الدولة وفي ذات الوقت ستستمر في اداء دور دائم وهام كهمزة وصل بين الفاعلين في مراكز وجوانب السياسة العالمية لازالة الخلافات بينهما وتفويض بعض مهامها إلى المجتمع الدولي والهياكل الاقليمية والوطنية الفرعية. وان الحوكمة العالمية ما هي إلا عملية التشكيل المرحلي لنظام مراكز السلطة والحكومات اللا وطنية والعالمية التي يتمثل هدفها النهائي في تحويل النظام الدولي الحالي إلى نظام عالمي جديد، وتتحد مبادئها في تشكيل التقدم الغربي كتطور متواصل ذاتي التسارع قائم على الإنكار الجدلي المتسق للأشكال والتجارب التاريخية السابقة فتؤدي لتحسين تقدم الغرب من خلال بناء تسلسل هرمي عالمي.
تعد تطورات نظريات وممارسات الحكم العالمي المقترنة بمزيد من التوسع في هياكل الحوكمة العالمية الكامنة بضرورة استبدال أنظمة الحكم بتشكيل قوة فوق الوطنية عبر تشكيل نادي النخبة عن طريق ضم فقط الدول الرائدة، وهذا الذي يفسر لما غالباً ما يتم النظر إلى التأثير الإداري على العمليات السياسية في سياق التناقض بين مفاهيم الحكم الفعال والديمقراطية المزاجية، ومن ذلك نجد إن هيكل الحوكمة العالمية عبارة عن مجموعة من العقد التي تسيطر عليها الأنكلوسكسونية العالمية بتوحيدها لمراكز متعددة المستويات والاتصالات وبأشكال قادرة على التأثير على المؤسسات والعمليات السياسية بالإضافة إلى الحكومة والبيروقراطية من خلال مجموعة من الطرق المختلفة الثاقبة للمشاركة السياسية والمؤسسية القانونية والغامضة والكامنة. وهنا تتمثل مجالات التأثير القانوني في السياسة الغربية الخارجية والتوسع الجيوسياسي عبر المشاركة السرية لاستبدال أنظمة القيمة الذاتية للدول المارقة عن نفوذها بأعتبارها متوجبة التغيير لاعتبارها أشياء منقرضة مما قد يؤدي إلى تشكيل المؤسسات السياسات والقيادات والشركات التي تكون على استعداد تام للتصرف لصالح المركز العالمي، فتتناسق المشاركة الكامنة لذلك النشاط وتضفى عليه الشرعية وتشجعه على أن يتفق مع مصالح قيم الدول العظمى بأعتبار إن مصالحها هي مصالح البشرية جمعاء حتى لو خداعا.
في عالم التحول إلى قيم ما بعد الحداثة التي تسببها حالة الرفاه الغربية والتي هي فعليا تقلل من تأثير النمو الاقتصادي، وتبرز مسألة تشريع واقامة مفهوم الدولة البيروقراطية القائمة على وجود حزب سياسي منضبط القلة بينما يكون التجمع منهجه لاستناده على فكرة تحقيق الإنتاج الضخم، إضافة إلى انه اتحاد هرمي من الطراز القديم قائم لتأديه دورا هاما في تعبئة وتنظيم الجماهير لخدمة مصالح غربية، وان أحد أسباب تراجع المؤسسات البيروقراطية الكلاسيكية في المجتمع هو أنها بطبيعتها أقل فعالية في المجتمعات مع القوى العاملة في اطر التكنولوجيا العالية مما كانت عليه في المراحل المبكرة، إضافة إلى سبب آخر هو أنها أصبحت أقل قبولا لدى الناس لذلك كله يجب على الدولة أن تكون في وضع تستطيع فيه تجنب الخضوع للمنظمات الغربية وان تعمل المستحيل كي لا ترهن ذاتها وشعبها للنظريات الحوكمية الغربية.
وليس غريبا إن تصارحنا وذكرنا إن وظائف الدولة تغيرت كثيرا في سياق العولمة وإنها فقدت معظمها لكنها احتفظت بسيطرتها على الأرض والسكان فيما يتعلق باحترام سيادة القانون حتى لو كان ببعضها فئويا، إضافة إلى حرمة الحدود واللوائح كجواز السفر والتأشيرة وتحصيل الضرائب وغيرها، ففي ظل العولمة لم يتم التقليل من مكانة الدول ولم يتم إضعاف الدول ولكن تغيير وظائفها لذا اضحت تؤدي دوراً سوقياً في تكييف نظام الإنتاج الوطني مع متطلبات الحاجة الدولية. وعبر موضوع العولمة تتضح فكرة تآكل مؤسسة الدولة وافتقارها لذا نعتقد أن عمليات التكامل تؤدي وبتسارع إلى انخفاض قيمة دور الدولة، وان التأثير المتزايد للمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية تعزز الترابط بين جميع مسائل السياسة العالمية لتشكل مجتمع يتمتع بالحكم الذاتي العالمي يعمل تحت ذات القواعد والقوانين الموحدة للوائح والمنافع الغربية، وكما نرى إن عدم وضوح سيادة الدول وإضفاء الصبغة والتنازل عن بعض المسائل الجوهرية التي هي في الأصل جزء رئيس من سيادة الدولة سوف ينتقل إلى المنظمات اللا وطنية التي بالتالي ستزيد من دورها لتتجاوز ادوار الدول ومع ان أشكال الاتصال الدولية من البث على الموجات القصيرة واقمار الاتصالات إلى الإنترنت ادت إلى إضعاف سيطرة الدولة على تدفق المعلومات، والحوكمة افعلتها في بعض الامور لكنها عمليا لم تؤدي إلى ألان الدور المهيمن.
ولتناول الشق الحوكمي الاقتصادي فان الاستثمار الأجنبي المباشر يعني الوجود الفعال للشركات الدولية مما يزيد خطر التأثير على الدولة من الخارج عبر مجموعة واسعة من القضايا والتبريرات بدءا من حقوق الإنسان إلى حماية البيئة وصولا إلى امن البلد ذاته، ولذلك تداعيات وأسباب خطيرة تعكس العمليات العميقة لتشكيل البنية السياسية الجديدة للعالم ومع ذلك ففي المرحلة الحالية للعولمة تتبين مواجهة التهديدات العديدة للأمن القومي والذي مع الاسف لا يبدو مهما ولا يأخذ في الاعتبار حتى الحاجة الملحة للجنس البشري لتصحيح وظائف الدولة باعتبارها أهم مؤسسة للنظام السياسي. وقد كانت الحقوق السيادية للدول المعترف بها دوليا تعتبر غير قابلة للانتهاك والتعدي عليها غير شرعي وخاضع للإدانة غير إنه الآن تم ابطال وانتهاك مفهوم السيادة الوطنية إلى حد كبير، ولذلك يتجلى اتساع الفجوة بين السيادة الشرعية للدولة وبين سيادتها الفعلية إلى درجة إنها تخضع للشركات الدولية هي وهياكلها الوطنية والبلدية، مما اوصلنا إلى الارتماء بأحضان مؤسسات دولية تتجاوز الحدود الوطنية معربة عن مصالح عدد محدود من الجهات الفاعلة الدولية والأكثر تأثيرا لذلك يستوجب بالدولة حماية المراكز الوطنية من خطر المصادر العابرة للحدود.
النظرية القائلة بأن في مواجهة المشاكل العالمية تتراجع سيادة الدولة الفردية بزعم أن هناك فئة دولية مستقلة عن السيادة القانونية الدولية، هي باطلة وأن مثل هذه النظريات هي واحدة من المظاهر السلبية للعولمة وان اقتراح التخلي عن سيادة الدولة هو بمثابة التخلي عن مبدأ السلامة الوطنية والإقليمية لها لذا نرى انه لا يجب أن تؤدي المصالح العالمية إلى إنكار سيادة الدولة على أراضيها، وإن سيادة الدولة ليست هرطقة من العصور الماضية، ولا يمكننا تجاهل رغبة الشعب في العيش وفقا لعاداتها وتقاليدها ولقوانينها الوضعية والدينية وغيرها من المعايير، وهكذا أن المجتمع الدولي لا يحق له أن يتجاوز حدود سيادة الدولة، وان الدولة وحدها هي التي تستطيع أن تتحمل طواعية الألتزامات وهذا يأتي من الحق السيادي للدولة كعضو في المجتمع الدولي. غير إن الفكر العولمي يهدف لان يجعل من الدولة الوطنية فكرة عفا عليها الزمن على الرغم من مواصلة احتفاظها بالوظائف العسكرية والسياسية وادارة الأنشطة الإدارية والتنظيمية في مختلف مجالات المجتمع، وعلى الرغم من البغية العولمية في إضعاف مواقفها غير إن الدول ستبقى الجهات الفاعلة الرئيسية في السياسة العالمية على المدى المتوسط، وسوف تؤثر علاقاتها بشكل حاسم في بنية العلاقات الدولية وسيتم تحديد ديناميكيات العمليات السياسية من خلال الاحتياجات الوطنية والدولية للموارد البشرية ولموارد النفط والطاقة ومواجهة المشاكل الإقليمية والجغرافية والاقتصادية والجيوساسية الواقعية.
اضف تعليق