q

تستند الإستراتيجية العظمى إلى أسس فكرية تحمل معها افتراضات حرجة، الافتراضات هي الأفكار المهمة وقد تكون ضمنية في كثير من الأحيان لدى صانعي السياسات فيما يتعلق بطبيعة البيئة الدولية والدور الذي تلعبه بلدانهم في تلك البيئة، فهي نظريات حول كيفية عمل العالم، ونظريات حول الكيفية التي ستنتج بعض الإجراءات جزءاً من النتيجة المرجوة أو رد الفعل.

إن الغرض من هذه الإجراءات في الشؤون الدولية هو التأكيد بأنه كلما كانت تلك الافتراضات أكثر واقعية كلما كانت فرصة أكبر لنجاح الاستراتيجية العظمى، وكلما ازدادت الهشاشة كلما زاد خطر حدوث خيبة الأمل وتكون النتيجة النهائية هي الفشل، ولذلك، فمن الأهمية بمكان أن يقوم واضعو السياسات وخبراء الإستراتيجية بجعل افتراضاتهم الأساسية واضحة وأن يستجوبوا بشكل دوري ويقومون باختبار تلك الافتراضات التي تعتبر ضرورة حيوية لغاية اليوم، فمنذ نهاية الحرب الباردة أتبعت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية عالمية متسقة وناجحة عموما تهدف إلى إدامة الأسبقية الدولية الأمريكية، وتوطيد وتوسيع النظام الدولي الليبرالي وتجنب ظهور تهديدات جديدة أو متجددة لهذا النظام.

مع ذلك اليوم هنالك شكوك متنامية فيما إذا كانت هذه الإستراتيجية وأعمدتها الفكرية سوف تبقى قوية كما كانت قبل ربع قرن، تجدد صراع القوى الكبرى وتجدد التعارض الآيديولوجي وعدم الاستقرار في المناطق الرئيسة في العالم وضعف التحالفات التقليدية وظواهر أخرى زادت من مخاطر التهديد للمصالح الأمريكية وبروز أسئلة أساسية حول مدى صلاحية الإستراتجية الأمريكية العظمى.

تكشف هذه الورقة بأن الأعمدة الفكرية للإستراتيجية الأمريكية على المستوى العالمي وفي المناطق المهمة منه يجري التشديد عليها بشكل كبير اليوم، هذا لا يعني بأن جميع الافتراضات تدعم الإستراتيجية الأمريكية العظمى، حيث يجري تآكلها بشكل كبير، إن تلك الافتراضات التي تتعرض للضغط وصلت إلى نقطة الإنهيار، أو أن التغييرات العالمية في السنوات الأخيرة كانت غير مواتية بشكل موحد للولايات المتحدة الأمريكية، أياً من هذه الأمور قد تكون صحيحة، كما أنه لا يعني بالضرورة، على الولايات المتحدة أن تفعل ذلك بإعادة النظر بشكل كبير أو دراماتيكي في إستراتيجيتها العظمى في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

التكيف البناء هو دائما ممكن، وعادة ما تناقش إستراتيجيات بديلة، مثل مفهوم (التوازن خارج المجال)، الذي يستند على افتراضات أكثر هدوءا. ولكن ما هو صحيح أن عدداً كبيرا من الافتراضات الحرجة تأتي تحت شك كبير، وذلك بسبب تغير الحقائق الجيوسياسية وتطور نظرة عالمية لصانعي السياسات، يمكن أن تصبح الأبعاد الرئيسة للإستراتيجية الأمريكية العظمى أكثر صعوبة في السنوات القادمة في حالة التراجع في الاستثمارات أو في إجراء التعديلات المطلوبة.

وبقدر ما هو مهم فإن التحليل المقدم هنا يؤكد أن مناقشات الإستراتيجية الأمريكية العظمى سوف تحتاج إلى أن تكون متناغمة على نحو متزايد مع متانة أو هشاشة الافتراضات التي تشكل المركز المفاهيمي للدور الأمريكي العالمي.

فإذا كانت الولايات المتحدة تسعى لتجنب الإستراتيجية المدمرة التي يمكن أن تحدث عندما لا تظهر بشكل واضح الافتراضات الضعيفة والتي يمكن اختبارها وبالنظر إلى المستقبل فإننا نرى أن ستة خطوات محددة قد تكون مفيدة في جعل الولايات المتحدة والإستراتيجية العظمى والتخطيط الإستراتيجي أكثر مرونة في الوقت الذي تتغير فيه البيئة العالمية بسرعة وبطريقة غير مواتية في كثير من الأحيان، وهذه الخطوات هي كالتالي:

أولاً: تقليص جذري ليس من الضروري اليوم، ولكن التشبث بحقائق قديمة في ظل تغير الظروف العالمية هي وصفة متاحة، والهدف الرئيسي الذي ينبغي أن يتبعه صانعو السياسات الأمريكية هو السعي للحفاظ على أقصى درجة ممكنة، بأن تكون الإستراتيجية العظمى متسقة والعمل بشكل معقول على مدى ربع قرن الماضي، في حين تفهم أيضا درجة معينة من التكيف الهادف -فيما يتعلق بسياسات محددة، ومستوى الموارد اللازمة، أو كليهما، سيكون بلا شك ضرورياً.

ثانياً: متابعة التعويضات والتحوطات، عندما تكون الافتراضات تحت الضغط، يكون ذلك عادة بسبب الإتجاهات السلبية في البيئة الدولية. مهمة الإستراتيجيين الأمريكيين هو متابعة المبادرات التي يمكن أن تعوض أو تخفف من التيارات غير المواتية. وقد تكون هذه المبادرات تشمل إعادة الإستثمار في الدفاع للتعويض عن الإتجاهات غير المواتية في الأرصدة العسكرية الإقليمية، أو تعويض الإنخفاض النسبي للحلفاء التقليديين من خلال إقامة شراكات جديدة مع قوى ودية وديناميكية خارج هيكل التحالف الأمريكي التقليدي.

ثالثاً: إنخفاض مضاعف في الإتجاهات الإيجابية، للحفاظ على موقفها الجيوسياسي، يجب على الولايات المتحدة أن تستفيد إلى أقصى حد من تلك القوى العالمية التي تعمل حالياً معها ويمكن أن يعني المضي قدما في الثورة الصخرية على أمل تعظيم طاقة أمريكا وتقليل النفوذ والتأثير الجغرافي - الإقتصادي لروسيا والأنظمة المعادية الأخرى، أو ذلك يمكن أن يؤدي إلى دفع متضافر لنقل العلاقات بين الولايات المتحدة والهند إلى مستوى أعلى من التعاون الإستراتيجي. بغض النظر عن مبادرة محددة، وتحديد الإستثمار بقوة في المناطق التي يتم تقويض الافتراضات فيها بطريقة جيدة.

رابعا: إن المزيد من الموارد سيكون ضرورياً ومع تقويض الافتراضات، فإن نفس مستوى الإستثمار الإستراتيجي يؤدي إلى خفض المكاسب الهامشية، إذا أرادت الولايات المتحدة أن تتجنب فشل الإستراتيجية العظمى منطقيا تحتاج إلى زيادة مستويات إستثمارها، وهذا صحيح ليس فقط فيما يتعلق بالدفاع ولكن أيضا فيما يتعلق بالإستخبارات والمساعدة الخارجية والدبلوماسية وغيرها من أدوات الحكم الأمريكي.

خامسا: النظر في (ماذا لو) تم وضع خطط الطوارئ، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى أولاً تنشيط إستراتيجية ما بعد الحرب الباردة، ولكن كيف يمكن أن تتغير الإستراتيجية العظمى في الولايات المتحدة إذا كانت أساسية، فإن الافتراضات ينبغي أن تزيد من الضعف وربما تكون غير حيوية؟. ماذا لو كانت الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الحفاظ على أرصدة عسكرية مقبولة في جميع المناطق الإستراتيجية الرئيسة الثلاثة؟، ماذا إذا أصبح من المستحيل التعامل مع كوريا الشمالية النووية؟، العمل من خلال هذه القضايا يمكن أن يساعد المسؤولين الأمريكيين بوضع المعالجة المطلوبة حال حدوثها ويمكن أيضا أن تحفز التفكير الإبداعي الذي يمكن أن يحسن من جودة الإستراتيجية الأمريكية حتى لو لم يحدث شيء.

سادسا: الإنخراط في تمارين افتراضية أكثر صراحة ومتكررة ومتطورة، إن افتراضات الإختبار مهمة بشكل خاص في الأوقات التي تكون فيها الحقائق طويلة الأمد، المحللون داخل وخارج الحكومة بحاجة إلى إجراء عمل أعمق وأكثر دقة، وعلى أساس أكثر إنتظام، والتي يمكن أن توفر المزيد من الدقة التحليلية حيث تكون الافتراضات الرئيسة تحت الضغط، ويمكن أن تساعد في تحديد نقاط التحول حيث يمكن أن تصبح هذه الافتراضات ببساطة غير مستدامة، وستكون لهذه الجهود أهمية حيوية لحفظ تقييمات الإستراتيجية الأمريكية العظمى وتجنب المفاجئات الإستراتيجية غير السارة التي يمكن أن تنتج عندما لا يتم دفع الإنتباه إلى التحقق من الافتراضات الحرجة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2017Ⓒ
http://mcsr.net

.............................
-HAL BRANDS-PETER FEAVER-WILLIAM INBODEN-PAUL D. MILLER
-CRITICAL ASSUMPTIONS AND AMERICAN GRAND STRATEGY, the Center for Strategic and Budgetary Assessments, 2017.

اضف تعليق