العدد الكبير من الأقمار الاصطناعية، والطائرات من دون طيّار، والأجهزة التي يستخدمها الأشخاص تجعل من حياتنا مراقبة بشكل متكامل وتولد بيانات ضخمة عن حياتنا وعن سلوكياتنا، في إجابة عن معنى الإنسانية بعد تدخل الذكاء الاصطناعي في كل المجالات. التطور السريع في استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي...
يشكل الذكاء الاصطناعي تحولات كبرى في مسيرة الإنسانية ويعزز تطبيق تكنولوجيا متطورة تتفهم حاجات البشر، ويفوق تأثيره ما أحدثه اكتشاف واستخدام الطاقة الكهربائية، موضوع أثاره بيتر ديمانديز مؤسس ورئيس مجلس الإدارة التنفيذي لمؤسسة "إكس برايز" خلال جلسة حوارية صباحية ضمن القمة العالمية للحكومات.
وأكد ديمانديز خلال الجلسة التي ضمت عدداً من المهتمين بموضوع مستقبل الإنسانية في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أن التعليم في الماضي كان المجال الوحيد الذي يمكّن الإنسان من تحديد توجهاته، في حين أن المستقبل يحمل تحدياً أكبر، بسبب دخول التكنولوجيا في جميع مناحي الحياة.
وأوضح أن مجالات الرعاية الصحية والعمل والتعليم ستتغير باستخدام التكنولوجيا، بحيث سيستخدم الأشخاص جهازاً ذكياً واحداً يساعده على إتمام كل هذه المهام، من دون أن يتحرك من مكانه.
وقال إن الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي قادوا إلى تقنيات وخدمات مستحدثة ومبتكرة مثل تقنية التعرف على الوجه، ومساعد "غوغل"، وغيرها حيث أصبحوا يتفهمون حاجاتنا وأفكارنا وسلوكياتنا.
واعتبر ديمانديز أن النظام التعليمي الحالي قديم وغير مجدي، بسبب استخدام أساليب تم ابتداعها منذ مئات السنين، والمستقبل سيقضي على النظام الحالي، ليلبي التعليم المتخصص حاجات كل شخص، ويعمل على تقوية ضعفه في مواد مختلفة.
وأشار إلى أن العدد الكبير من الأقمار الاصطناعية، والطائرات من دون طيّار، والأجهزة التي يستخدمها الأشخاص تجعل من حياتنا مراقبة بشكل متكامل وتولد بيانات ضخمة عن حياتنا وعن سلوكياتنا، في إجابة عن معنى الإنسانية بعد تدخل الذكاء الاصطناعي في كل المجالات.
وأضاف أن التطور السريع في استخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يرتقي بجودة حياة الأفراد، عبر الحد من أسباب الفقر والكوارث الطبيعية والمخاطر البيئية والصحية، إلا أنه قد يتسبب بمخاطر لا يدركها الأفراد اليوم، ليكون أحد أهم الموضوعات المستقبلية بين الحكومات وشركات التقنية الكبرى.
تعزيز أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي
قال كونستانينوس كاراكاليوس العضو المنتدب لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات IEEE، إن الاجتماعات التي يشهدها المنتدى العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي في القمة العالمية للحكومات منحت الفرصة للتعاون المشترك وتبادل الأفكار والخبرات لوضع أطر مدروسة هدفها تعزيز الشفافية والمسؤولية الأخلاقية في استخدامات الذكاء الاصطناعي للمستقبل، وإتاحة الفرصة من جديد لاستعادة الهوية الرقمية كي لا نكون عبيداً للتكنولوجيا، مؤكداً ضرورة خلق إطار حوكمة مدروس يحمي حقوق مستخدمي التكنولوجيا وخاصة الأطفال.
وأشار معز شقشوق ممثل اللجنة العالمية لأخلاقيات المعارف العلمية والتكنولوجية "كوميست" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" إلى أن دور اللجنة يتمثل في دعم وتمكين الخبراء من مختلف أنحاء العالم لوضع منهجيات عمل يسترشد بها صناع القرار في القطاعات التكنولوجية والعلمية، لتكون بمثابة مرجعية أخلاقية تحترم كرامة الإنسان وحريته وحقوقه.
وأكد أنه لا يوجد أداة فردية قادرة لوحدها على التعامل مع الآفاق الواسعة لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وأن نجاح الحوار العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي في القمة يسهم في وضع الفرص المستقبلية في إطار إنساني عبر تمكين الأفراد وتوعيتهم، معلناً أن اليونسكو ستطلق في أبريل 2019 معايير داعمة لهذا التوجه العالمي.
وقال ممثل اللجنة رفيعة المستوى حول التعاون الرقمي التابعة للأمين العام للأمم المتحدة، أمانديب سينغ، إن العالم اليوم يحتاج إلى ثلاثة ركائز عمل أساسية في التحول الرقمي هي الأخلاقيات وتقييم الفرص وإدراك الأولويات التي تهم الإنسان، لافتاً إلى أن لجنة التحول الرقمي وضعت مجموعة توصيات رئيسية هدفها تعزيز الاندماج، والتوعية، وتقييم المبادئ والعمل عليها، والحوكمة، والأمن، والاستفادة من البيانات، بما يضمن حوكمة سليمة للتحول الرقمي، ويساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، ويرسي معايير أخلاقية أساسية ستكون العنصر الأهم لنجاح الذكاء الاصطناعي مستقبلاً.
وقال جوناثان ووتزل من مؤسسة ماكنزي إن تأسيس قاعدة بيانات عالمية للذكاء الاصطناعي يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهناك حماس عالمي كبير لهذا التوجه، حيث أيد أكثر من 90 بالمئة من الدول والمؤسسات والحكومات التي طرحنا هذا السؤال هذا المشروع، لكن علينا أن نتفق على أفضل آلية لحوكمة هذا البنك العالمي لبيانات الذكاء الاصطناعي بما يعزز فرصنا المستقبلية وتعلمنا بالتجربة حتى نصل في المحصلة إلى صيغة توظفه لخدمة الإنسان.
حوكمة الذكاء الاصطناعي
ماذا لو قرر أحد عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي في العالم إسناد مهمة إعداد خوارزمية شاملة إلى فريق مبرمجيه المحترفين لفتح أبواب بياناتنا على مصراعيها أمام الراغبين في معرفة أدق تفاصيل حياتنا الخاصة لأهدافهم التجارية؟
ماذا لو أصبحت شبكات الحواسيب العملاقة قادرة من تلقاء نفسها ودون توجيه بشري مباشر على عقد صفقات مالية لتحليل وتصنيف بيانات أكثر من ملياري مشترك، ومن ثم التواصل مع كل واحد منهم حسب اهتماماته، لتعرض عليه مبلغاً مالياً شهرياً مقابل إجابته على بعض الأسئلة حول بيانات شخصية "بسيطة"؟
بالطبع، سيكون لدينا الخيار كمستخدمين راشدين ومدركين لحقوقنا ومسؤولياتنا أن نختار التواصل مع تلك الآلة التي تحاورنا باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو أن نرفض الأمر من أساسه بكل بساطة.
لكن ماذا عن مئات الملايين من الأطفال والمراهقين د تحت السن القانونية المؤهلة لعقد مثل هذه الصفقة، والتنبه إلى مخاطرها المحتملة عليهم وعلى خصوصيتهم وخصوصية أفراد عائلاتهم وأصدقائهم؟
هذه الفرضية ليست خيالاً علمياً من إحدى الروايات أو الأفلام، بل قصة حدثت فعلياً على أرض الواقع وتسببت مطلع العام الحالي بضجة كبيرة على مستوى العالم، حين عمد موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي إلى إطلاق برمجية متقدمة تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلّم الآلة تحت اسم "فيسبوك ريسيرتش" أو "فيسبوك للأبحاث" لتخزين بيانات تفاعلات وتفضيلات مشتركيها عبر الهواتف الذكية مقابل دفع 20 دولاراً شهرياً لكل مشترك يوافق على تحميل البرمجية ومشاركة بياناته.
ذكاء الآلة في هذه الحالة لم يجد ما يقيده قوانين أو ما ينظّمه من معايير، ولم يميّز بين الشخص المؤهل قانونياً لعقد صفقة تجارية، وطفل أو مراهق دون سن 18 عاماً، قد يرى مبلغ العشرين دولاراً ثروة صغيرة مقابل بعض البيانات التي لا يدرك مدى أهميتها وأثرها على حياته ومحيطه في حال إساءة استخدامها.
عمدت "فيسبوك" إلى سحب البرمجية من التداول وإلغاء العملية برمّـتها، لكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ ماذا لو عمدت شركات أخرى إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل التعرّف على الوجوه، أو تقنيات الحوسبة السلوكية، أو غيرها من تقنيات مستقبلية لا نعلم عنها لاقتحام حيّزنا الفردي الشخصي أو خصوصية أطفالنا دون استئذان؟
واستجابة لهذه التساؤلات المشروعة، ولأن الذكاء الاصطناعي يكتب مرحلة جديدة في تاريخ البشرية فإنه يحتاج شأن كل القطاعات إلى قوانين ناظمة وتشريعات وأطر عمل واضحة، وهذا ما يناقشه "المنتدى العالمي لحكومة الذكاء الاصطناعي" ضمن "القمة العالمية للحكومات"، الذي يجمع خبراء الذكاء الاصطناعي وصناع السياسات والمسؤولين الحكوميين والأكاديميين لوضع سياسات عادلة وشفافة ومرنة متفاعلة مع المتغيرات لحوكمة الذكاء الاصطناعي.
التوعية أولاً
ولأن غاية المنتدى العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي منذ انطلاقته الأولى كانت تحقيق الاستفادة القصوى من الذكاء الاصطناعي لخدمة مستقبل الإنسان، يحرص المنتدى في دورة هذا العام على استضافة الخبراء والمختصين من مختلف أنحاء العالم لوضع تعريفات واضحة ومقبولة قانونياً وأخلاقياً، تعزز وعي الأفراد والمجتمعات، وتتيح لثورة تقنيات الذكاء الاصطناعي مواصلة ازدهارها مستقبلاً.
ويبحث المنتدى في تأسيس قاعدة بيانات عالمية مشتركة تحمي خصوصية بيانات الأفراد، وتحترم سيادة الدول، وتحمي في الوقت نفسه حقوق الملكية الفكرية لمبتكري تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات، لما فيه تعزيز الثقة في مخرجاته لخدمة مواطني العالم في كل مكان.
وتمثّل قاعدة البيانات الموحدة بنك معلومات مشتركا ومفتوحا لخدمة الإنسانية، يعمل وفق آلية شفافة واضحة يتم التوافق عليها بين الخبراء والمختصين والقانونيين في محطات دولية محورية، مثل القمة العالمية للحكومات التي أصبحت مختبراً عالمياً لابتكار مبادرات تؤسس للمستقبل، وتوحد الجهود، وتنسق السياسات، لتطوير عمل حكومي أكثر إنتاجية وكفاءة على مستوى العالم.
ويهدف المنتدى من خلال اللقاءات التخصصية للخبراء من كافة القطاعات إلى توفير بيئة حيوية داعمة ومنظومة حوكمة موثوقة تعزز فوائد الذكاء الاصطناعي في مختلف مجالات المستقبل، من التجارة الإلكترونية، إلى أتمتة الصناعة والخدمات، وصولاً إلى توظيف الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل البيانات الضخمة لتوقع الأمراض المقبلة والاستعداد لها استباقياً، واستقراء الظواهر المناخية وتأثيراتها على التنوع الحيوي والبيئة والمحاصيل الزراعية.
ويشارك في اجتماعات وجلسات "المنتدى العالمي لحوكمة الذكاء الاصطناعي"، أكثر من 250 خبيراً ومتخصصا في مختلف مجالات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي يناقشون سبل حوكمة الذكاء الاصطناعي وتعزيز دوره المستقبلي في تعزيز التنمية وتطوير قدرات الأفراد والمجتمعات، وخلق فرص عمل جديدة نوعية تعتمد على تكامل الإنسان والآلة لبناء مستقبل أفضل.
اضف تعليق