تيمنا بذكرى مولد الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آله، عقد مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات ملتقاه الشهري في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (اغتيال المواطنة جريمة ترتكب في وضح النهار)، وذلك ضمن برامج مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام في كربلاء المقدسة الأسبوعية، بحضور نخبة من الباحثين الأكاديميين والقانونيين.
أدار الجلسة الفكرية الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء- كلية القانون والباحث في مركز ادم، والذي أوضح "إن المواطنة واحدة من أهم المبادئ التي تسعى إليها الإنسانية جمعاء باعتبارها مبدءا ساميا، وهذا ما سعت إليه إعلانات حقوق الإنسان الصادرة من الأمم المتحدة في العام (48) او العهدين الدوليين، وقد جاءت بعبارات واسعة وليست محددة لتؤسس من خلال ذلك إلى الحقوق والحريات بشكلها الأعم والأشمل".
"وبطبيعة الحال ان المفهوم المواطنة يأتي من الوطن، وبالتالي ان تعريف المواطنة يكاد ان يؤسس للعلاقة القانونية بين طرفين الفرد من جهة والدولة من جهة أخرى، وقد تترتب على ذلك آثار يمكن وصفها بأنها عبارة عن جملة من الحقوق والالتزامات المتبادلة، وعلى هذا الأساس فالمواطن سوف يتمتع بجملة من الحقوق التي تكفلها له الدولة بل يكفلها الدستور ان صح ذلك الوصف، وهذه الحقوق الكثيرة تكاد ان تتجلى بمعاني الحق بالحياة بالحرية بالمساواة بالعدالة وغيرها من الحقوق الأخرى".
يضيف الحسيني "الا ان هناك من يؤكد على حق الجنسية باعتبارها الرابط او الواسطة بين المواطن والدولة، فإزاء هذه الحقوق بالتأكيد هناك واجبات تقع على عاتق المواطن، ومن اولى تلك الحقوق هي الدفاع عن حياض الوطن اذا ما تعرض لخطر داخلي او خارجي، وكذلك يتحمل قسطا من الأعباء العامة على شكل دفع الضرائب او الرسوم وايضا حماية النظام القائم في الدولة ونسميه النظام العام، وهنالك التزامات تقع على المواطن كان يكون الدفاع عن النظام العام وعن الآداب العامة ويحمي الأموال العامة، اليوم الدستور العراقي في المادة (27) يقول الاموال العامة لها حرمة وحمايتها واجب على كل مواطن ولم يقل واجب على الدولة".
يكمل الحسيني" والدولة من جانب اخر عليها واجبات وهي ملزمة بان تهيئ سبل العيش الكريم للمواطن حتى يبقى محتفظا بمواطنته، فالمواطنة مبدا وليست حقا محددا مثل الحقوق الاخرى باعتبار انها تقوم على اسس معنوية وغير مرئية،
ومن هنا نجد ان للمواطنة من جانب الدولة هنالك لها مقومات:
- المقوم السياسي؛ على الدولة ان تضمن للمواطنين حرية ممارسة الحقوق والحريات السياسية في اختيار الهيئات العامة الحاكمة في الدولة بكل حرية واريحية.
- المقوم الاقتصادي؛ فالدولة وفق الدستور العراقي في المادة (29) و(30) ملزمة بان تكفل للمواطن حرية العمل ورعاية الشباب وكبار السن ورعاية الارامل وغيرها من الفئات الاجتماعية، حتى لا يفقد هؤلاء الثقة بدولتهم وبالتالي تذوب في داخلهم روح المواطنة او تضعف.
- المقوم الاجتماعي؛ وهو يرمز الى الحفاظ على الروابط الاجتماعية والحفاظ على الأسس الاجتماعية التي يبنى عليها المجتمع لاسيما المجتمع العراقي المحافظ والشرقي والإسلامي والعربي له قيم ومبادئ تختلف ربما عن بقية القيم والأعراف التي تنتمي اليها مجتمعات اخرى، ومن هنا تنهض مسؤولية الدولة في ان تتصدي لكل ما يعكر هذه القيم السامية التي يعتز بها ابناء البلد، على شاكلة ما يحدث على الانترنيت من تذوب لهذه القيم من خلال بعض المواقع والقنوات والممارسات والأفكار الهدامة.
- المقوم الثقافي؛ هو أيضا عنوان مهم من عناوين المواطنة فلابد من الحفاظ على هوية هذا الشعب وثقافته وحضارته قيمه، كل هذه المسميات عوامل فاعلة بالنسبة للمواطن ويعتز بها وعلى الدولة واجب تنميتها.
هذا وقد أشار الحسيني "إلى إن هناك بعض الممارسات من قبل الأحزاب السياسية في العراق ومن قبل بعض من انتسب الي المؤسسات العامة التشريعية والتنفيذية في العراق، هذه المؤسسات واقعا تعمد الى ان تغتال المواطن، او بمعنى ادق هي تذيب في داخل الإنسان هذه القيم او تجعل هذا الإنسان ينظر الى القيم على انها مجرد كلمات مكتوبة في الدستور ولوائح وإعلانات حقوق الإنسان".
يسترسل الحسيني "فالبعض من تلك الأفعال والسلوكيات لا يحترم عقول العراقيين فيدعي المحافظة على المصلحة العامة وعلى المال العام، في حين تدل الوقائع الثابتة بأنهم يقدمون المصلحة الخاصة والحزبية والفئوية والشخصية، ويضرب الفساد المالي والإداري في أطناب السياسيين والطبقة السياسية في العراق، وبالتالي محاولة اظهار من هو حريص على المال العام والمصلحة العامة ما هي الا ادعاءات لا يسندها الواقع، وحينئذ بسلوكهم هذا سوف يجعلون الشباب يتأثر بمحاولة الكذب هذه، وعلى هذا الاساس ينحسر الحس الوطني والشعور بالمواطنة والشعور بالبلد وهموم البلد وما الى ذلك وهذا ما نخشاه".
وتطرق الحسيني ايضا "الى ان الوقائع والحقائق الحياتية اثبتت بان الشعب العراقي بعد(9/4) لبى نداء الوطن بشيبه وشبابه لنصرة الوطن عندما استصرخه، لكننا نخشى على هذا البلد من ان تضعف هذه المثل والقيم مع مرور الوقت، وذلك بسبب ما تمثله الانحرافات الكبيرة على صعيد المؤسسات الكبيرة في واقعنا العراقي وهي تتمثل..
أولا- "الانحرافات تشريعية على صعيد البرلمان العراقي فالبرلمان اليوم يستهلك من ميزانية الدولة المليارات، في حين انه قد نحى القوانين التي لها علاقة ومساس مباشر بحياة المواطن وبكرامة المواطن وبهمومه ولقد ادنى القوانين الهامشية وغير المهمة، لذلك أصبح لدى المواطن العراقي انطباع جدا سيء عن الاداء التشريعي".
ثانيا- "الانحرافات على مستوى السلطة التنفيذية، وهذا ما تم الحديث عنه من خلال شاشات التلفزيون على لسان عشرات السياسيين، وايضا على لسان راس السلطة التنفيذية وهو يتحدث عن وجود ملفات فساد، وهذا الكلام الذي تفوه به رئيس الوزراء السابق يعد في القانون جريمة، لان قانون اصول المحاكمات الجزائية (23) لسنة (71) يتحدث عن الإحجام عن الإخبار في المادة(47)(على كل مكلف بخدمة عامة علم أثناء أداء الواجب بجريمة ان يخبر مباشرة القضاء)والمادة (247) تعد الإحجام عن الإخبار عن الجرائم جريمة عقوبتها الحبس، فكيف يحجم راس السلطة التنفيذية عن الإخبار عن جرائم وهو يمتلك الأدلة والوثائق.
ثالثا- "الانحرافات على مستوى السلطة القضائية فاليوم السياسيين توصلوا الى غرس بعض عناصرهم في السلطة القضائية بل على راس السلطة، والأدلة على ذلك من التذبذب في أحكام المحكمة الاتحادية العليا فتارة تميل إلى هذه الجهة كل الميل وتارة تميل الى هذه الجهة كل الميل، والاستقراء الواقعي والموضوعي لاتجاهات المحكمة يكتشف أي شخص ان المحكمة تقوم بهذا الأمر، من اجل تحقيق بعض المصالح الذاتية او السياسية لفئة معينة، بل أصبحت المحكمة ميدانا للاستقواء السياسي لفئة على حساب فئة أخرى".
وأشار الحسيني أيضاً الى "ان مشكلة البيروقراطية او الإجراءات المطولة والمعقدة جعلت من المواطن يسكب كرامته، حتى يحصل على هوية الأحوال المدنية ويقف عشرات الساعات إزاء شباك ينتظر دوره، في حين يجد ان المتنفذ يحصل على هذه الخدمة وهو في البيت، فبالتالي هذه بالمجمل هي رسالة سلبية كوننا الى الان متمسكين بالإجراءات المطولة والمعقدة، أضف إلى ذلك غياب شبه مطبق للخدمات التي يتطلبها المواطن، وهذه الأسباب هي التي ربما دفعت البعض من أبناء الشعب العراقي إلى التماس الهجرة إلى خارج البلد".
كما أكد الحسيني "على إن السيد محمد الشيرازي (رحمه الله) في كتابه المعنون (فقه الحقوق) في الصفحة (237) أكد على ان حق المواطنة من الحقوق الطبيعية، وان لم يستند هذا الحق إلى الدستور او إلى الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، فهي حق فطري ينبثق منه حقوق أخرى كحق الكرامة والمساواة والحرية والعدالة، لكن هذه المعنى أصبح بعضها مغيب او يراد تغيبها في العراق".
بعدها انتقل النقاش إلى طرح المداخلات من قبل الحاضرين للإطلاع على آرائهم وأفكارهم حول موضوع اغتيال المواطنة جريمة ترتكب في وضح النهار فكانت كما يلي:
السؤال الأول: ما هو تقييمك لمؤشرات المواطنة في العراق هل هي في حالة تصاعد ام في حالة تردي وما هي أسباب ذلك؟
الشيخ علي الرميثي كان أحد المشاركين في الملتقى، أشار إلى "ان حال المواطن يسير نحو الانحطاط حقيقة والأسباب تكاد تكون كثيرة، ومن أهم تلك الأسباب هو المواطن ذاته وهو لا يمتلك حالة من الوعي كي ينمي نفسه ويربيها، حتى يواجه الحاكم الظالم والمستبد فالحديث الوارد عن الإمام العسكري (ع)(كيفما تكونوا يولى عليكم) والآية القرآنية (استخف قومه فأطاعوه)، فالمواطن نفسه هو لا يعرف حقوقه وواجباته، وهذا خلاف منطق الدساتير التي ما وضعت الا ان تعرف كلا من المواطن والحاكم بواجباته وحقوقه".
يضيف الرميثي "ففي كندا على سبيل المثال هناك ثمة مؤسسات حقوقية ضخمة تعمل بشكل طوعي كي تجعل من المواطن الكندي مطلع على جميع مفاصل الدستور، وهم مستعدون أيضا للدفاع عن مواطن في اي قضية ما، وهذا شيء مغيب عن واقعنا العراقي فالمواطن هو في عداد المسؤول الأول والأخير في صيانة حقوقه، اضف الى ذلك ضرورة التركيز على الوعي الجماهيري لأنها الضمانة الأكيدة لإفشال مخططات الظالمين والمستبدين".
يكمل الرميثي "وان من أهم عوائق تطور الوطنية بمفهومها الشبابي ان رجال الدين كذلك الحال بالنسبة للمجتمع وضعوا عدت خطوط حمراء أمام الشاب، لذلك أصبح الفرد في حالة جمود وعدم إبداع أينما يتحرك هناك عدد لا يستهان بها من الخطوط الضاغطة التي تمارس ضده وهو اشبه ما يكون بالإرهاب".
من جانبه تحدث الدكتور خالد عليوي العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، عن "ان موضوع المواطنة يتعلق بقضية الحقوق والحريات وبناء الدولة ويتعلق ايضا بطبيعة المجتمع الذي يحكم هذه المواطنة، وان الواقع العراقي اليوم عليه مأخذ ترييف المدن، فلا توجد لدينا مدينة حقيقية استطاعت ان تنقطع عن الأرياف، وبالتالي هي تقوم بقيادة الحركة الثقافية والحضارية في المجتمع، حتى قضية الانتخابات والمرشحين أنفسهم يعولون على الأرياف لأنها أرضية خصبة لخداع الناس".
يضيف العرداوي "وحينئذ تتبلور حقيقة ان ضعف المواطنة في العراق يعود سببه لعدم قيادة المدن في العراق للحركة الحضارية، فالعالم اليوم يتحدث عن المدن المجنونة التي تتحرك بشكل سريع وهي نابضة بالحياة".
من جهته حامد عبد الحسين خضير باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، تحدث قائلا "هناك تراجع ملموس بمستوى المواطنة والسبب يعود الى الهيمنة الدينية، فالمجتمع في الغالب منقاد خلف السلطة الدينية، علما ان رسولنا الكريم (ص) قال في الحديث الشريف (حب الأوطان من الأديان)".
في السياق ذاته قال الباحث حمد جاسم التدريسي في جامعة كربلاء والباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات" الشعب العراقي يمتاز بالغيرة وهي اشبه ما يكون بمفهوم الوطنية او المواطنة، الا ان العوامل التاريخية لها تأثير سيما وان المجتمع العراقي دائما ما يتحرك من خلال القائد أو الرمز الديني، اضف الى ذلك التغيير المفاجئ الذي حدث في العراق، فكل هذه الاسباب شكلت رؤية ضبابية حول المواطنة التي هي تعد عنوانا راسخا في سلوك وضمير الواقع العراقي".
الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى "ان كل الدلائل تشير الى ان المواطنة في العراق بدأت تنحسر شيئا فشيئا، لصالح الولاءات الفرعية فالعرب السنة والشيعة ولائهم مقدم للمذهب وتأتي المواطنة بالدرجة الثانية بل الثالثة بعد الولاء للعشيرة والكرد ايضا ولائهم للقومية".
يضيف الحسيني "فالمواطنة تحتاج الى مقدمات ومنها المصلحة، فالمواطن لابد ان تتوفر لديه مجموعة من الاولويات من مثل العيش الكريم وان تكون الحقوق متاحة والحريات مصانة ومحترمة، عند ذاك يبدأ المواطن يشعر بان رابطته القانونية ببلده هي ضامن حقيقي للعيش الكريم، ايضا هناك شعور وجداني يجب ان يتوفر لدى الفرد وأيضا وجود قائد وطني يشيع روح المواطنة، وعلى هذا الأساس اغلب الشعوب التي بدأت تنحدر بها المواطنة ام يحاكمها قائد طائفي او قومي".
من جهته ابرز الأستاذ حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، حقيقة "ان المواطنة ليست لها علاقة بالهوية، وان اهم جذر من جذور المواطنة مسالة الحريات الفردية، فطالما الإنسان يشعر بانه فرد اذا هو مواطن، ففي مجتمعاتنا -القطيعية- مهما تشتغل السياسية لا تؤسس لمفهوم المواطنة الا ان يخرج الفرد من القطيع".
يضيف الجراح "ان مفهوم المواطنة نشأ بالأساس في مجتمعات إقطاعية ريفية في أوربا وكانت هناك حركة أفكار، نحن نفتقد حقيقة للأرضية الخصبة كي نزرع قيم المواطنة، والتي هي أساسا تتركز على الحريات الفردية وشعور الإنسان بأنه فرد، فعندما تختفي تلك الأولويات لا توجد هناك مواطنة في العراق ولو بعد ألف عام، الشيء الآخر ان مسألة الحنين للوطن تعزى لامتلاك الذكريات في ذلك بلد المولد".
الإعلامي عبد الأمير رويح، يصف "المواطنة بأنها في تردي مستمر والسبب يعود إلى إهمال الدولة للمواطن نفسه، وكذلك إهمال كافة المؤسسات الخدمية ومنها الصحة والتعليم وان أساس المواطنة يبدأ من التعليم".
الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى "إن هناك فرق كبير بين الوطن والمواطنة، المواطنة قائمة على بعدين أساسيين وهما الحقوق والواجبات، فإذا اغتيل أي ركن من هذين الركنين تغتال المواطنة، وأيضا هذان الركنان يعتمدان على أبعاد ثلاثة وهي الثقة والحرية والقانون، فالإنسان إذا لم يكن حرا في وطنه لم يكن مواطنا، وكلما تزداد درجة استبداد الأنظمة الحاكمة تقل المواطنة بل تنعدم، ففي الأنظمة الشمولية تمسخ هوية الإنسان ويصبح بلا هوية بلا إنسانية بلا حرية، وأيضا الاستبداد يغتال المواطن بينما الحرية هي التي تنمي المواطنة، لذا فالبلدان التي تمتع بحريات أكثر فيها درجة المواطنة متقدمة".
يضيف معاش "النقطة التالية عندما تكون هناك ثقة بين الحاكم والمحكوم تنمو من خلالها المواطنة، لذلك الاقتصاد الحقيقي ينمو مع وجود عامل الثقة وتغيب عند ذاك ممارسات الاكتناز ليستجد بدلا عنها الاستثمار والحركة والعمل والربح".
يكمل معاش "أما البعد الآخر هو القانون وهل يكون في خدمة الحاكم ام في خدمة المحكومين، البلاد التي فيها مواطنة يكون القانون بخدمة المحكوم بخدمة الشعب، اما في البلاد التي ليست فيها مواطنة القانون يكون في خدمة الحاكم يساعده على الفساد ويقمع المواطن ويفلت من العقاب، لذلك نحن في العراق نمر بمنعطف حرج فالقانون اليوم مجير لخدمة الحاكم".
السؤال الثاني: ما هو دور المثقف العراقي إزاء المجتمع الذي تتراجع فيه قيم المواطنة؟
الشيخ علي الرميثي، قال "احد النقاط المهمة يجب ان نثقف المجتمع على حالة التمرد وعدم الخضوع لأي قرار ما لم يكن مقتنعا به، وواقعا هناك مفردة جميلة ورائعة في سياق هذا المعنى ذكرها الإمام علي(ع) في نهج البلاغة (ليس بلد اولى بك من بلد خير البلاد ما حملك)، فالبلد الذي يعطيك كرامه تكون مخلص له بطبيعة الحال وان البلاد التي لا تعطيك ذلك الحق قطعا لن تخلص لها".
الدكتور خالد العرداوي "يتساءل هل نحن كنخب ثقافية او مواطنين حددنا الوطن الذي نريده، وحددنا صورة الوطن كي نحدد من خلاله شبكة أصدقاؤنا وأعداؤنا، إلى الآن المجتمع العراقي لم يتوصل الى حقيقة إن الأنظمة الفاسدة هي بمثابة العدو، وبالتالي هناك طيف كبير من المجتمع لا زال يتعاون مع الأحزاب الفاسدة وهذه مشكلة حقيقية، خصوصا وان الحركة الفكرية في الغرب استطاعت ان تحسم خياراتها وتتجاوز الانتماءات الضيقة لتستبدلها بأنظمة العقد الاجتماعي وكيف ينظر المواطن لنظام الحكم".
يضيف العرداوي "فإذا ما أردنا أن نبني مواطنة حقيقية يحتاج منا كمراكز بحثية ان نبدأ بتوعية الناس بحقيقة الوطن، وهنا لا أتمنى وطنا شيعيا او وطنا قوميا بل أريد وطنا إنسانيا يحفظ إنسانيتي في المقام الأول، الوطن الذي أريده ان لا يكون الحاكم فيه السلطة أثره وإنما السلطة هي عبارة عن خدمة يقدمها للناس ويتفاهم مع الناس، الوطن الذي أتمناه ان لا يكون القانون فيه ضعيف حتى اهرب للعشيرة التي قيمها اشد تخلفا من القانون، حتى احتمي بقانون عشائري من قانون وطني او قضاء مستقل لم يستطع ان يحفظ لي حقوقي وحرياتي".
يكمل العرداوي، "أريد وطنا يحقق لي توزيع عادل للثروة، لكن الغريب بمكان ان المجتمع العراقي هو من اغتال مواطنته بنفسه، وهو ليس مجتمع مواطنين وإنما مجتمع طوائف وعشائر وملل ونحل ولم يرتقى الى مستوى التمتع بنزعة المواطنة، فنحن نحتاج ان نستنهض وعي المواطن من اجل ان يطالب بوطن يحفظ كرامته وحقوقه وحرياته".
يضيف أيضا "وواقعا نحن جربنا كل الدساتير ووضعنا كل المنظومات القانونية وهي من أرقى ما موجود في الشرق الأوسط، لكن هل طبقت على ارض الواقع هل استطاعت ان تمنع الفساد وان تمنع المفسدين، هل استطاعت ان تؤسس نظام حكم صالح استطاعت ان تحول الأحزاب من أحزاب نفعية إلى أحزاب خدمية، من المؤسف ان نقول عندنا أحزاب بل واقعا هي عشائر لبست ثوب الأحزاب كي تحكم، لذلك نحن كمراكز بحثية لم نقم الى الان بدورنا المطلوب وحتى النخبة الأكاديمية هي الأخرى لم تكن في موقف القائد للمجتمع".
يكمل حديثه "ففي حال تبنينا حركة التغيير من خلال توعية الناس وتحديد شبكات علاقتهم الاجتماعية الجيدة والسيئة وشبكة أعدائهم وأصدقائهم وأعطيناهم رؤية للمستقبل، حينذاك يحق لنا ان نقول بأننا نجحنا في السير في طريق المواطنة، وهل نحن فعلا مستعدين كمجتمع ان نضحي من اجل المسؤول الفاسد وان نقدم التضحيات".
الأستاذ حامد عبد الحسين خضير، يرى "ان نستنهض الفرد بمفاهيم الوطن والوطنية من خلال المراكز البحثية ومخاطبة الجهتين عن طريق التعليم وثانيا تغيير الخطاب الديني".
الدكتور قحطان الحسيني، من جانبه يرى "ان موضوعة الربط بين الحقوق والحريات وبين المواطنة والإنسان المواطن اذا ما طبقناه على ارض الواقع في العراق، أجد إن الشعب العراقي حصل على المزيد من المكاسب في الحقوق والحريات أكثر من الشعوب الأخرى المجاورة، لكن ما يؤسف له لم نلاحظ حالة تغيير على مستوى الواقع في درجة التزاماته بالواجبات المفروضة عليه، ولم تتغير لديه حالة انتمائه للوطن ولم تتصاعد رغم ان الحقوق الحريات متاحة بشكل واسع كالحقوق الدينية الاجتماعية الثقافية السياسية".
يضيف الحسيني "اذا الفرد العراقي يشبه لي بانه فرد بخيل يأخذ دون ان يعطي وهو بمثابة مواطن ريعي، وبالتالي الربط بين الحقوق والحريات وبين الالتزام بالمواطنة ربط مجحف بعض الشيء، بالإضافة الى قضية الوعي التي يتمتع بها المواطن العراقي وهو أيضا يعيش حالة تمرد على الذات، وهو ينساق دائما خلف عاطفته بعيدا عن الأشياء العقلانية التي من المفترض ان تسيره، وأيضا نحتاج الى إصلاح المنظومة القانونية التي بنيت بشكل خاطئ".
حيدر الجراح، يسال "هل هناك من بوادر ارتقاء العقل القانوني العراقي كي يسن قوانين لسنوات قادمة تستبق الوضع الحالي، أيضا جميع الأحرار لابد ان يكونوا متمردين ونحن دائما ما نربط الاستبداد بالحاكم، مع العلم ان الاستبداد قائم في كل مكان وحتى على مستوى شخص يقود مجموعة من الناس وان أس الاستبداد (لا ترون إلا ما أرى)".
يضيف الجراح "الحر دائما ما يكون متمرد ضد جميع الأنظمة وعادة ما يقود التغيير وليس النخب الهزيلة التي بدأت تتسيد الساحة العلمية والتربوية".
عبد الأمير رويح، يعتقد "إن المواطنة أساس فطري وان يكون التعاون مع وزارة التربية من اجل ترسيخها من خلال المراحل الأولى الدراسية، إضافة إلى ذلك إقامة الندوات واللقاءات وإعداد كتيبات حتى ننمي هذا الشعور لدى الطالب في سنوات عمره الأولى وحتى نلغي الانتماءات الأخرى".
الشيخ مرتضى معاش، من جانبه "يرى ان دور مراكز البحوث دور هام جدا في بناء المواطنة، خاصة وان المواطنة ثقافة وسلوك يحتاج الى تربية وتعليم وتطوير، مراكز الدراسات هي تقوم بعملية تغيير الأفكار النمطية التي تسبب السلبية والإضرار بالمواطنة، الاستبداد واقعا ينجح بموت المواطنة وان يتلون المواطن بلون الحاكم، وكذلك مركز الأبحاث تستطيع تغيير الأفكار بالنسبة للمجتمع وللنخب، اليوم في مجتمعنا العراقي لدينا مشكلة الأفكار السلبية لدى الحاكم والمحكوم وهي تساهم في عملية بناء مواطنة هشة، اليوم مراكز الدراسات اذا وضعت الأسس الصحيح لتغيير الأفكار حينذاك تحقق المواطنة في أعلى حالاتها".
التوصيات
1- ليس هناك مستحيل وعلينا ان نصنع حياتنا بأيدينا.
2- اهتمام الخطاب الديني بتطوير مفهوم المواطنة.
3- احترام التنوع الثقافي والمذهبي والقومي في العراق.
4- إشاعة تدريس مادة الحقوق في الجامعات والمدارس والتوعية بالحقوق والواجبات.
5- التركيز على الدراسية الابتدائية في نشر الوعي الوطني.
6- تفعيل ثقافة العمل الطوعي على اعتبارها سبيل للمواطنة.
7- تعزيز الثقافة القانونية كي تخدم المواطن وحرياته وحقوقه.
8- احترام الهويات الفرعية وتعزيز التعايش فيما بين تلك الهويات.
9- الحرص على حفظ كرامة المواطن من قبل مؤسسات الدولة.
اضف تعليق