قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنها "تخشى أن يستخدم المسلحون المدنيين دروعا بشرية مع تقدم العملية لاستعادة الموصل، إما عن طريق الاختباء وسطهم بينما يفرون من المدينة أو عن طريق منعهم من مغادرتها"، بينما تقول المنظمات الإنسانية الدولية في سورية إن "مسلحي جبهة النصرة وأحرار الشام يعملان على نشر مسلحين على المعابر لمنع المدنيين من الخروج من مناطق شرق حلب، ناهيك عن نشر قناصين واستهداف المعابر بالقذائف المسلحة"
ما هو المقصود من مصطلح "استخدام المدنيين كدروع بشرية" في الحروب والنزاعات المسلحة؟ ولماذا تلجا أطراف الصراع للاحتماء بالمدنيين؟ وما هي الطرق والوسائل التي يلجأ إليها الأشخاص المتقاتلون للتأثير على المدنيين في مواقع القتال؟ وما هو موقف القانون الدولي الإنساني من جريمة استخدام المدنيين كدروع بشرية؟ وكيف يمكن أن نمنع المتحاربين والمتنازعين من اللجوء إلى هذه الأعمال العدائية بحق المدنيين؟
الدروع جمع درع؛ والدرع في اللغة سلاحٌ يَدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تُمسك من وسطها باليد، وتُدفع بها النصال. وقد سمي استخدام المدنيين في الحروب والنزاعات المسلحة بـ "الدروع البشرية" لان المدنيين يقومون بدور الدرع التقليدية في حماية أطراف النزاع التي تستخدمهم.
و"الدروع البشرية" في الاصطلاح تعني "استخدام أشخاص يحميهم القانون الدولي الإنساني كأسرى الحرب أو المدنيين لردع هجمات على المقاتلين أو على المواقع العسكرية". أو تعني "استخدام مجموعة من الناس -مدنيين أو عسكريين- بهدف حماية منشئات حساسة في وقت الحرب مثل مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور... وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشئات المراد حمايتها"، وكذلك يعد المدنيون دروعا بشرية فيما لو شن أحد أطراف النزاع عمليات عسكرية من داخل مواقع مدنية لا سيما من المدارس والمستشفيات والأماكن الدينية والأحياء المدنية، وذلك بسبب التحويل المحتوم للمدنيين إلى دروع بشرية.
قد يلجأ أطراف النزاع المسلح إلى استخدام المدنيين كدروع بشرية للمحافظة على موقع ما، يٌعد مهما، ويؤثر على العمليات العسكرية مثل وضع المدنيين في مبنى خاص بالاتصالات لمنع العدو من استهدافه، لان ضربه سيؤثر سلبا على التواصل بين قطعاته العسكرية. أو لمنع استهداف العدو لوحداته وجنوده، فوجود المدنيين بين الجنود عادة يكون سببا في عدم ضرب قطعات العدو مادام ضربها سيؤدي إلى قتل المزيد من المدنيين. أو لمنع العدو من اقتحام التحصينات التي في حال اقتحامها والسيطرة عليها سيؤدي إلى الحاق هزيمة به.
وقد يٌستخدم المدنيون كدروع بشرية عن طريق تخزين كميات من السلاح في المناطق السكنية، فخلال الغزو الأميركي للعراق في 2003، اتُهم نظام صدام حسين بتخزين كميات كبيرة من السلاح وسط الأحياء السكنية حماية لها من القصف الجوي. أو لمساومة العدو مقابل الحصول على معلومات أو مقابل تحرير أسراهم أو الحصول على مواد غذائية وغيرها، أو لاختباء المحاربين تحت ظل المدنيين بهدف التمويه على العدو، كما يحصل أثناء قيام التنظيمات الإرهابية بالاختلاط مع المدنيين النازحين.
ومن الأمثلة على استخدام المدنيين كدروع بشرية، استخدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين الرعايا الغربيين كدروع بشرية لردع دولهم من المشاركة في تحالف دولي لضرب العراق. واستخدام حركة طالبان الأفغانية الحاكمة آنذاك النساء والأطفال كدروع بشرية ضد هجمات قوات التحالف في حوادث منفصلة أعوام 2006 و2007، و2008. واستخدام الأمريكان الأطفال العراقيين كدروع بشرية، فقد ذكر الضابط الأميركي "سكوت إيوينغ" أنه خلال خدمته في العراق ما بين عامي 2005-2006، لجأت القوات الأميركية إلى توزيع الحلوى على الأطفال العراقيين ليبقوا حول دباباتهم كنوع من الحماية ضد هجمات المقاومة.
وقد ظهرت جريمة "استخدام المدنيين كدروع بشرية" بشكل واضح ومستمر في الحروب التي خاضها الجنود الإسرائيليون ضد المواطنين الفلسطينيين، حيث يعمد الجنود الإسرائيليون إلى اختيار أحد المواطنين بشكل عشوائي والقبض عليه لكي يحمي الجنود بجسده، ولكي يستخدموه في مهمات عسكرية خطرة. أو للدخول إلى المباني وذلك للتأكد من أنها غير مفخخة، أو من أجل إخلاء السكان منها أو إزالة الأجسام المشبوهة من الشوارع والطرقات. أو الوقوف داخل المنازل التي حولها الجنود إلى ثكنات عسكرية لمنع الفلسطينيين المقاومين من إطلاق النار عليهم. أو المشي في مقدمة مجموعة من الجنود لحمايتهم من أية عملية إطلاق النار قد يتعرضون لها.
وفي الواقع أن الاستخدام الشائع للمدنيين كدروع بشرية يأتي بواسطة ممارسة الإكراه بحق المدنيين وإجبارهم على البقاء في المنشئات والمباني الحساسة، أو بالقرب من مواقع القتال للاحتماء بهم من ضربات العدو. ولكن قد يحصل أن المدنيين أنفسهم يتطوعون دون إكراه واضح من أجل حماية موقع ما أو مبنى ما لأهمية هذا الموقع أو المبنى لهم، كما لو كان المبنى أثر تاريخي، أو معلم ثقافي وغيره. ففي يوغسلافيا -مثلا- تجمع عشرات الآلاف منعا لطيران حلف شمال الأطلسي من استهداف منشئات حساسة في بلغراد أثناء حملته ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999.
وفي كل الأحوال، يدعو القانون الدولي الإنساني أطراف النزاع المسلح إلى التمييز بين المدنيين والمحاربين، وبين الأعيان المدنية والعسكرية. ويؤكد على حماية المدنيين من الأعمال العدائية مثل حظر الهجمات المتعمدة أو المباشرة على المدنيين والأعيان المدنية، أو حظر الهجمات العشوائية أو حظر استخدام المدنيين كدروع بشرية، وأخذ الرهائن ...
ويجرم القانون الدولي إقدام الأطراف المتنازعة في الصراعات والحروب على استخدام المدنيين كدروع بشرية وفق اتفاقيتي جنيف عام 1929 وعام 1949 والبروتوكول الإضافي لها عام 1977 وأيضا معاهدة روما عام 1998 في هذا الشأن.
فقد نصت المادة 58 من البروتكول الإضافي الأول 1977، تحت عنوان "التدابير الوقائية"، على جملة قواعد مفروضة على الدول بكل ما يتعلق بهؤلاء السكان: (أ) السعي جاهدة إلى نقل ما تحت سيطرتها من السكان المدنيين والأفراد المدنيين والأعيان المدنية بعيدا عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية، وذلك مع عدم الإخلال بالمادة 49 من الاتفاقية الرابعة. (ب) تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها. (ج) اتخاذ الاحتياطات الأخرى اللازمة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين وأفراد وأعيان مدنية من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية".
وتطرق البروتوكول الإضافي الأول 1977 لاتفاقية جنيف إلى هذه المسألة فنص «أنه لا يجوز التوسل بوجود السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين أو تحركاتهم في حماية نقاط أو مناطق معينة ضد العمليات العسكرية ولا سيما في محاولة درء الهجوم عن الأهداف العسكرية أو تغطية أو تحييد أو إعاقة العمليات العسكرية، ولا يجوز أن يوجه أطراف النزاع تحركات السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين بقصد محاولة درء الهجمات عن الأهداف العسكرية أو تغطية العمليات العسكرية" كما نص نظام روما لسنة 1998، أن على استعمال الدروع البشرية في النزاعات المسلحة الدولية يشكل جريمة حرب، كما أن هناك العديد من الأدلة التي تشير أن إلى حظر استعمال الدروع البشرية قد أصبح من جزءا القانون العرفي.
علاوة على أن "استخدام المدنيين كدروع بشرية" في الحروب والنزاعات المسلحة ليس من التقاليد المحترمة للحرب، ولا تلجأ إليها إلا الأنظمة الاستبدادية والجيوش المهزومة التي اعتادت على امتهان الكرامة البشرية، واسترخاص حياة الناس، فانه في الوقت نفسه يٌعد سلوكا غير أخلاقي، ففي المحصلة تتعرض أرواح بشرية كثيرة للإزهاق مقابل مكاسب عسكرية أو إستراتيجية لا يمكن مقارنتها بقتل الناس وامتهان كرامتهم.
نخلص مما تقدم إلى أن:
- يحث القانون الدولي الإنساني أطراف النزاع على نقل ما تحت سيطرتها من السكان المدنيين والأفراد المدنيين والأعيان المدنية بعيدا عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.
- يجب التمييز بين المدنيين والمقاتلين، بغية تجنب إلحاق الأضرار بالسكان المدنيين وبالممتلكات المدنية. ولا يجوز مهاجمة السكان المدنيين سواء كانوا مجموعات أو أفراد.
- يحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية، سواء بالإكراء أو بالتطوع، ولأي سبب كان، فلا يوجد هدف يمكن أن يعوض خسارة المدنيين.
- يعد استخدام المدنيين كدروع بشرية جريمة حرب وفقا للقانون الدولي الإنساني، وانتهاكا خطيرا لحق الحياة والحرية وفقا لقانون حقوق الإنسان، وتتحمل أطراف النزاع المسلح المسؤولية الدولية الجنائية عن أفعالها وأفعال أفرادها.
...................................................
اضف تعليق