مارتا بلنغريري
انضم أكثر من 5600 شخص إلى عداد النازحين في الأيام الثلاثة الأولى من القتال بعدما أطلقت القوات العراقية هجومها على الموصل لطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" من المدينة التي تحتل المرتبة الثانية بين المدن العراقية لناحية المساحة.
في الأسابيع القليلة الأولى من الحملة التي انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، يُتوقَّع أن ينزح أكثر من مئتَي ألف شخص إلى مخيمات وملاجئ في شمال العراق. تقود المعارك اليومية إلى نضالات يومية من أجل إنقاذ الأرواح في كردستان العراق، حيث يعيش آلاف النازحين العراقيين. يُشار إلى أن بعضهم موجود هناك منذ صيف 2014، عندما وقعت الموصل ومحافظة نينوى بكاملها في قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية".
في إربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق التي تقع على مسافة نحو 80 كلم (50 ميلاً) شرق الموصل، تعمل نساء المدينة في مشروع "زيان" للصحة الإنجابية لدى المرأة الذي تديره المنظمة الإيطالية غير الحكومية "أون بونتي بير" (معنى الاسم "جسر عبور إلى"). جميع العاملين في المجال الطبي في المشروع هم ممرضات نازحات أو أطباء نسائيون أو أطباء صحة عامة نازحون. تعني كلمة "زيان" باللغة الكردية الحياة، وهي تسمية مناسبة لهؤلاء العمّال الذين يحاولون أن يستعيدوا الحياة ويُعيدوها أيضاً إلى نازحين ولاجئين آخرين في العراق الذي لا يزال بعيداً عن الاستقرار والمصالحة.
روناك ممرضة تخرّجت من جامعة الموصل في العام 2010. وقد طلبت وسواها الإشارة إليهن بأسمائهن الأولى فقط حفاظاً على سلامتهن. تعمل ابنة الموصل مع مشروع "زيان" منذ شباط/فبراير 2015، حيث تعاين نحو 25 مريضة في اليوم في عيادة كسنزان في ضواحي إربيل. تقول: "أتابع دروساً وجلسات تدريبية لتحسين مهاراتي. لا أريد أن أتوقّف عن متابعة تحصيلي العلمي، ولا أن تتوقّف حياتي".
المريضات هن نازحات من مختلف أنحاء العراق، وبينهن أيضاً نساء من سوريا. تقصد بعضهن العيادات عندما يكتشفن أنهن حوامل، فيما تخضع أخريات للفحص النسائي الأول في حياتهن.
أنشأ مشروع "زيان" أربع عيادات في محافظة إربيل، ويقدّم الخدمات لخمسة مخيمات للنازحين واللاجئين بواسطة وحدة متنقّلة. وقد شهد أحد هذه المخيمات، في ناحية ديبكة المجاورة، تدفقاً للنازحين من القرى التي جرى تطهيرها من تنظيم "الدولة الإسلامية" في الأيام الأخيرة. إشارة إلى أن المخيم يؤوي في الأصل 36000 شخص.
قالت مديرة المشروع مارتا مالاسبينا لموقع "المونيتور": "تصل وحدة زيان المتنقلة إلى ديبكة كل اثنين وأربعاء"، مضيفة: "على جميع النازحين من القرى المحيطة بالموصل المرور عبر العديد من آليات الرقابة والتفتيش قبل القدوم إلى [كردستان العراق]. معظم المخيمات التي تم إنشاؤها وتجهيزها قبل شنّ الهجوم يقع في العراق، ما عدا مخيم ديبكة الكائن هنا في كردستان".
وشرحت أنه يتم الفصل بين الرجال والنساء الذين يدخلون إلى كردستان، مشيرةً إلى أنه يُفرَض على الفتيان الذين تجاوزوا الحادية عشرة من العمر الانفصال عن أمّهاتهم والانضمام إلى الرجال. تطبّق حكومة إقليم كردستان إجراءات صارمة لضبط الحدود وتتخذ تدابير احترازية لمكافحة الإرهاب، نظراً إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يتواجد عند حدودها. يُشار في هذا الصدد إلى تعرّض إقليم كردستان لهجمات انتحارية العام الماضي.
كانت هدى، وهي طبيبة نسائية في عيادة أشتي التابعة لمشروع "زيان" في إربيل، تعمل في المستشفى في الموصل. تراودها مشاعر متناقضة تختلط بين الخوف والقلق الشديدَين على أسرتها التي لا تزال تقيم في مسقط رأسها من جهة، وبين مشاعر الأمل من جهة ثانية، لأنها قد تتمكّن من العودة إلى ديارها في الأشهر المقبلة.
وقد اتصلت بشقيقها في الموصل حيث تلازم الأسرة منزل الوالدَين منذ أيام، خوفاً من توسُّع دائرة الحرب داخل المدينة نفسها. تريد هدى والممرضات المشاركة في هذه اللحظة التاريخية عبر الاستعانة بمهاراتهن الطبية لمساعدة النازحين، ويأملن بأن يتمكّنّ قريباً من تقديم الدعم لسكّان القرى المحرّرة حديثاً.
عندما زار موقع "المونيتور" العيادات في حزيران/يونيو الماضي، كانت هدى تعاين شابة سورية تعتقد أنها حامل. تروي هدى: "عمرها 20 عاماً. لديها ابن في عامه الأول، وتخشى أن تكون حاملاً من جديد"، مضيفة: "نسعى في مشروع زيان أيضاً إلى القيام بعمل ثقافي، وليس الاكتفاء فقط بالعمل الطبي. نحاول التحدث مع النساء، لا سيما اللاجئات السوريات، وننصحهن بعدم الإنجاب في هذه المرحلة العصيبة حيث لا تتيح لهن الظروف تربية أطفال يتمتعون بصحة جيدة وينعمون بالأمان".
يتولّى المشروع، بالتعاون مع شريكه المحلي "منظمة المسلّة لتنمية الموارد البشرية"، رعاية حملات للتوعية حول الصحة الإنجابية عند النساء، والزواج المبكر، والتخطيط الأسري، ويعمل أيضاً على تحديد حالات العنف الجندري وحماية حقوق المرأة الطبية. تنسّق وحدة الدعم النفسي والاجتماعي، منذ تموز/يوليو، الزيارات مع الوحدات المتنقّلة من أجل الوصول إلى المرضى والحالات الهشّة.
ساعدت ميرو، وهي ممرّضة عراقية ذات أصول بلغارية، على تحضير سرير لمليكية، المريضة التالية التي ستعاينها هدى. غادرت مليكية، التي تتحدّر من الفلوجة، مسقط رأسها قبل عامَين مع أبنائها عندما كانت الصواريخ تنهمر على المدينة. تقول: "لا أعرف إذا كانوا الأميركيين أو العراقيين أو [الدولة الإسلامية]؛ جميعهم سيّان بالنسبة إلي".
من التحدّيات الكثيرة التي يواجهها مشروع "زيان" أن العاملين فيه هم نازحون عراقيون. تروي مالاسبينا: "غادرت مايا، وهي إحدى الطبيبات في الوحدة المتنقّلة، إربيل وتوجّهت إلى تكريت لأن أسرة زوجها كانت تواجه مشكلات هناك"، مضيفة: "الطبيبة الجديدة، آية، هي في الأصل من بغداد، لكنها كانت تعيش في تكريت قبل أن تأتي إلى هنا جرّاء التشنّجات في تلك المدينة. إنها في السابعة والعشرين من العمر، وبفضل مشروعنا قرّرت أن تتابع تخصّصها في الطب النسائي".
لا أحد يدري ما الذي يجب توقّعه في المرحلة المقبلة، أو متى. لقد بدأ هجوم الموصل للتو. تحاول النساء التخفيف من وطأة خوفهن على أحبائهن من خلال قدرتهن على الصمود والطاقة الإيجابية التي يتحلّين بها للنهوض بالمهمة في العيادات الطبية - وعنوان هذه المهمة العريض هو الحياة.
اضف تعليق