خلال عمليات تحرير مدينة الفلوجة إحدى مدن محافظة الانبار غرب العراق، ترد أخبار من سكان المدينة ومن المدنيين الذين تمكنوا من الهروب من مناطق سيطرة تنظيم الدولة "داعش" أن هذا الأخير يمنع خروج المدنيين ويجبرهم على البقاء فيها رغم احتدام المعارك مع القوات الحكومية العراقية. ليس هذا وحسب إنما يعمد التنظيم الإرهابي إلى تجميع المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن في وسط المدينة للاحتماء أو "تترس" بهم بغية منع القوات الحكومية من التقدم وتحرير المدينة...
وفي تقرير سابق صادر عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن تنظيم داعش "فرض وبشكل ممنهج أحكاما وقواعد سلوك على المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرته بما يشكل خرقا لمجموعة من حقوق الإنسان والحريات الأساسية التي ضمنتها القوانين الدولية والعراقية، ومن بينها الحق في الحياة والحق في المحاكمة العادلة وحريات المعتقد الديني والتعبير والرأي والتجمع والانتماء والحركة".
فما هو موقف القانون الدولي إزاء التعامل مع المدنيين في مناطق النزاعات المسلحة؟ وما هو موقف الشريعة الإسلامية من "تترس" بالمدنيين؟.
في مناطق النزاعات المسلحة الدولية منها وغير الدولية، تلجأ بعض أطراف النزاع إلى وضع المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ، وكل من لا طاقة له على القتال في المواقع القتالية والقواعد العسكرية بهدف منع العدو من التقدم أو فرض شروط للاستسلام. وبالتالي، ليس أمام الطرف الأخر إلا أن يختار أحد الأمرين، وهما: إما أن يكف عـن فكـرة الهجوم والقتال ويتراجع عن تلك المواقع، وإما أن يقوم بقصد هذه المواقـع والقضـاء عليهـا بشكل كامل بما فيهم المدنيون المحتجزون.
ولاشك أن القانون الدولي الإنساني يمنع أطراف النزاع من التعرض للمدنيين أو استغلالهم لغايات حربية، ويدعو إلى احترامهم وحمايتهم ضد أشكال العنف غير المبررة ويجب معاملتهم في جميع الأوقات معاملة إنسانية "على كل طرف في النزاع أن يُفرق في جميع الأحوال بين المدنيين والمقاتلين، والمقاتلون فقط يمكن أن يكونوا هدفاً للهجوم، أما السكان المدنيون فلا يجوز أن يكونوا محلاً للهجوم" و"تحظر أعمال العنف والتهديد الرامية إلى بث الذعر في صفوف السكان المدنيين".
وهذا يعني أن من حق الآخرين ألا يزجون أو لا يزجهم غيرهم في الأعمال العدائية مثلما ليس لهم بالمقابل حق الاشتراك فيها. كما لا يجب أن تكون الأعيان ذات الطابع المدني محلاً للهجوم أو الهجمات الانتقامية ويحظر تخريب أو انتزاع الأعيان الضرورية لبقاء السكان "على كل طرف في النزاع أن يميز في كل الأوقات بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية والأهداف العسكرية فقط هي التي يمكن أن تكون محلاً للهجوم، أما الأعيان المدنية فلا يجوز أن تكون محلاً للهجوم".
أما الإسلام فانه يدعو إلى السلام، ويعتبر السلم هو الأصل والحرب هي الاضطرار، وبالتالي، وضع الإسلام قيوداً بشأن طرق وأساليب القتال للحد من آثاره {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} لأنَّ حرب المسلمين غايتها ونبراسها ومنهجها هو إعلاء كلمة الله، ودخول النَّاس في دين الله بالتي هي أحسن ولا يتحقق ذلك بالقتال إلا في حال اعتداء العدو وإصراره على القتال مع توجيه التحذير له.
وبالتالي، فقد تضافرت الأدلة الشرعية على منع العدوان على المدنيين وهم الأشـخاص الـذين التزموا الحياد أو لا طاقة لهم بالحرب، ولا يشاركون المحاربين بتخطيط ونحوه، وهم الأطفـال والنساء والشيوخ والرهبان والفلاحون وغيرهم، ممن ليسوا من أهل القتال.
ومن الأمثلة التي دار حولها نقاش الفقهاء، تترُّس العدو ببعض أفراده من غير المقاتلين، كالنساء، والأطفال، أو اتخاذه بعض المسلمين درعاً بشرياً يحتمي به. ففي حالات الضرورة التي لا بد من تشخيصها بدقة من قبل الحاكم الشرعي، أي المجتهد العادل، أجاز الفقهاء قتال العدو المتترِّس، وإن كانت الدروع البشرية غير مقصودة بعمليات القتال أصلاً. فإذا تحقق غرض السيطرة على مقاتلي العدو، فلا حاجة إلى مهاجمة من اتخذهم هؤلاء دروعاً بشرية، وذلك بهدف التخفيف من الخسائر البشرية. ومراده أن الحكم الأكثر تأميناً لبراءة الذمة ليس قتل الصبيان، والمجانين، والنساء، مطلقاً، سواء كانوا من المشركين أو من المسلمين، بل قتلهم بشروط، وهي: 1- أن يتترس بهم العدو.2- أن يتوقف الفتح على قتلهم.3- إذا كانت الحرب لا تزال قائمة.4- إذا خافوا غلبة العدو على المسلمين. 5-أن لا يقصدوهم بل أن يقصدوا قتل من خلفهم من المشركين."
ومما تقدم نخلص إلى ما يأتي:
• لا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلاً للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
• يجب على أطراف النزاع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية ما تحت سيطرتها من سكان مدنيين وأفراد وأعيان مدنية من الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.
• يجب أن تسعى أطراف النزاع إلى نقل ما تحت سيطرتها من السكان المدنيين والأفراد المدنيين والأعيان المدنية بعيداً عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.
• يجب على أطراف النزاع أن تتجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها.
• يعد الإسلام الحرب ضرورة قصوى، والضرورات تقدر بقدرها، خصوصاً في مثل الحرب التي هي الدمار والفناء وإبادة الحياة. ولذا نرى الإسلام يجعل للحرب قيوداً وشروطاً ثم إذا انتهت الحرب يعفو الإسلام، ويغفر..
اضف تعليق