حكم الاعدام الذي تم تنفيذه بحق آية الله الشيخ الشهيد نمر باقر النمر من قبل السلطات السعودية يُعَدّ جريمة واضحة أقدم عليها النظام السعودي، وتمثل سابقة خطيرة في مجال إنتهاكات حقوق الإنسان في العصر الحديث.

ومن هذا المنطلق فعل الإعدام الذي نفذته السلطات السعودية، جعلت النظام السعودي تحت طائلة المساءلة الجنائية أمام منظومة العدالة الجنائية الدولية، ولذا سيتم تسليط الضوء على الأسس القانونية لهذه المسؤولية وبثلاثة محاور هي:

المحور الاول، الإنتهاكات في مجال الإعتقال ومجريات التحقيق والمحاكمة.

المحور الثاني، إنتهاك حكم الإعدام للمعايير الجنائية الموضوعية.

المحور الثالث، إنتهاك حكم الإعدام للمعايير الجنائية الإجرائية.

أولاً: الانتهاكات في مجال الاعتقال ومجريات التحقيق والمحاكمة

رافقت الإنتهاكات الفاضحة لكل المبادئ والمعايير السائدة في مجال الأحكام القانونية لحقوق الإنسان والإجراءات الجنائية قضية الشيخ الشهيد نمر باقر النمر منذ اللحظات الأولى لإعتقاله، إذ أن وقائع القضية تتلخص بإقدام الأجهزة القمعية السعودية على إعتقال الشيخ النمر بتأريخ 8/تموز/2012، بعد إطلاقها النار عليه وإصابته في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف، إثر مناداته بمطالب مشروعة من موقعه كزعيم بارز للطائفة الشيعية، تمثلت بإلغاء التمييز الطائفي ضد المواطنين الشيعة، والسماح ببناء المقامات الدينية في البقيع، وكفالة الحد الأدنى من الحقوق من الحقوق المدنية والسياسية، ومما يدلل على أن الشيخ النمر لم يرتكب أي نشاط محظور إرتباك الأجهزة الرسمية السعودية في مجال إسناد التهم للشيخ الشهيد، ومن أبرز التهم الجزافية المساقة إليه: (1: الخروج على طاعة ولي الأمر، 2: إشعال الفتنة الطائفية، 3: حمل السلاح ضد رجال الأمن، 4: التحريض على التظاهر، 5: دعم ثورة البحرين، 6: المطالبة بولاية الفقيه، 7: الطعن بالصحابة، 8: سب رجال الدولة، 9: إستدعاء التدخل الخارجي، 10: الإساءة لسمعة البلاد).

وقد طالب المدعي العام بإقامة حد الحرابة بحق الشيخ النمر وفق المادة (16) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي رقم 39 لسنة 1992، وكان المقتضى أن تتم المحاكمة وفقاً للتهمة المذكورة إلا أن المحكمة الجزائية في الرياض أسقطت وفي الجلسة الأخيرة حد الحرابة، وحكمت بالإعدام تعزيراً على الشيخ النمر بتأريخ 15/تشرين الأول/ 2014، وجاء في تسبيب الحكم (أن شره لا يندفع إلا بقتله)، وقد طعن وكيل الشيخ الشهيد المحامي الدكتور صادق الجبران بالحكم إلا أن محكمة الإستئناف الجزائية والمحكمة العليا صادقتا على الحكم بتأريخ 25/ تشرين الأول/2015، وتم إرسال إضبارة الدعوى إلى وزارة الداخلية ومنها إلى الديوان الملكي، وفي صباح يوم السبت الموافق للثاني من شهر كانون الثاني 2016، أقدم النظام السعودي الإجرامي على حماقته النكراء بتنفيذ حكم الإعدام بحق الشيخ الشهيد وتم دفن جثمانه الطاهر في جهة مجهولة.

ثانياً: إنتهاك حكم الإعدام للمعايير الجنائية الموضوعية

يتضمن حكم الإعدام إنتهاكاً فاضحاً لمعايير التجريم من جهة، ولمعايير العقاب من جهة أخرى، فمن حيث التجريم إنطوى الحكم على تعارض شديد مع مبدأ الشرعية الجنائية المعبر عنه بمبدأ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) إذ لم تسند للشيخ الشهيد تهمة محددة تؤسس عليها إجراءات التحقيق والمحاكمة، فكانت التهمة تتبدل بين الحين والآخر، وهو منهج كان يعكس رغبة النظام السعودي بالإنتقام من الشيخ النمر تحت أي مسمى وبشتى الذرائع والمبررات، بينما يقتضي مبدأ الشرعية الجنائية أن تكون الجريمة محددة والعقوبة محددة أيضاً وهذا ما لم يكن متحققاً في هذه القضية لأن التهم المساقة صورية ورمزية وعائمة غير منضبطة.

ومن جهة ثانية فإن كل ما صدر عن الشيخ الشهيد هو النشاط القولي الذي يندرج ضمن نطاق حرية التعبير عن الرأي، فالمطالبة بالحق لا تعني الإساءة، والنشاط القولي لا يستوجب عقوبة الإعدام لأن عقوبة الإعدام مقررة للأفعال لا للأقوال إلا في حالات نادرة تتعلق بالتحريض وهي غير متحققة بهذه القضية، ومن جهة ثالثة وعلى فرض توصيف ماصدر عن الشيخ الشهيد بأنه فعل مجرم وهو ليس كذلك فإن الجريمة في هذه القضية تصنف كجريمة سياسية لا يجوز إيقاع عقوبة الإعدام على فاعلها، وهذا المبدأ مستقر في المواثيق الدولية والدساتير والقوانين الوطنية.

أما من حيث العقاب فإن منطوق الحكم الصادر بحق الشيخ النمر هو (القتل تعزيراً)، والتعازير تمثل النوع الثالث للجرائم في التشريع الجنائي الإسلامي إلى جانب جرائم الحدود وجرائم القصاص والدية، وهذا يعني أن القضاء السعودي الخاضع للإرادة السياسية لم يستطع إثبات إرتكاب الشيخ الشهيد لأي من جرائم الحدود أو جرائم القصاص، كما أن الحكم المذكور لم يكن مستوفياً ولا لشرط واحد من شروط فرض العقوبة التعزيرية، فالشرط الأول أن يختص بتحديد العقوبة التعزيرية الحاكم الشرعي أو ولي الأمر وهذا غير متحقق في ظل النظام السياسي السعودي فالحاكم وضعي لا شرعي، والثاني وجوب كون الباعث على تقريرها هو حماية المصالح الشرعية المقررة بعيداً عن الأهواء الخاصة ولا عناء في إثبات إنطواء الحكم المذكور على الأهواء الخاصة للطبقة الحاكمة التي كانت تتحين الفرص لتكميم أفواه المصلحين والمطالبين بالعدل والخير، والشرط الآخر هو توافر عنصر الحسم لنزعة الشر من دون ترتب ضرر مؤكد أو فساد أشد وقعاً بالمجتمع وأي ضرر أو فساد أشد من تسبب الحكم المذكور بالفتن الطائفية التي تعدت حدود الدول وإنعكست على العلاقات الدولية.

وكذلك من شروط العقوبة التعزيرية وجوب تناسب العقوبة مع الجريمة وليس هناك أدنى شك بعدم تناسب الإعدام مع ممارسة حرية التعبير، وآخر هذه الشروط هو لزوم المساواة والعدالة بين الناس جميعاً أمام العقوبة التعزيرية، وهذه المساواة منتفية في ظل النظام السعودي العنصري الذي يعتبر أتباع أهل البيت الأطهار من الدرجات الدنيا.

أما من جهة نوع العقوبة المفروضة وهي الإعدام فإن قواعد الفقه الجنائي الإسلامي تقتضي إستبعاد عقوبة الإعدام من نطاق العقوبات التعزيرية وهذا ما تؤكده مصادر الفقه الجنائي حتى عند المذاهب السنية، مثل: (تبصرة الحكام، والبحر الرائق، والإقناع، وأسنى المطالب) وحتى من يذهب إلى جواز إيقاع عقوبة الإعدام كعقوبة تعزيرية فإن الحاكم الشرعي يجب أن يحدد الجرائم التي تفرض فيها هذه العقوبة تحديداً لا مجال معه للإجتهاد في جرائم محددة مثل التجسس وتعاطي المخدرات.

ثالثاً: إنتهاك حكم الإعدام للمعايير الجنائية الإجرائية

يمكن إجمال صور إنتهاك حكم إعدام الشيخ الشهيد نمر باقر النمر للمعايير الجنائية الإجرائية بما يأتي:

1- لم تكفل الأجهزة القضائية السعودية حق الدفاع للشيخ الشهيد على الوجه المقرر في المادة (4) من نظام الإجراءات الجزائية إذ أنها لم تسمح لوكيله المحامي الدكتور صادق الجبران بالحضور أثناء الإستجواب كما أنه تعرض لسيل جارف من السب والتكفير واللعن بسبب دفاعه عن الحق ونصرته لمظلومية الشيخ النمر.

2- لم تستجب المحكمة لطلب الدفاع بإحضار عناصر الأمن الذين إعتقلوا الشيخ النمر ببلدة العوامية لإستماع إفاداتهم على الرغم من أنها منتجة في الدعوى وفي هذا الرفض دلالة واضحة على عدم حيادية المحكمة ومهنيتها ورغبتها في إدانة الشيخ في جميع الأحوال.

3- لقد كانت إجراءات المحاكمة مشوبة بخلل جوهري يوجب بطلانها وهو أن الإدعاء العام باشر الدعوى الجزائية أمام المحكمة وفقاً للمادة (160) من نظام من نظام الإجراءات الجزائية في جريمة الحرابة وكان المقتضى أن تتم المحاكمة عنها فحسب إلا أن المحكمة أسقطت حد الحرابة بشكل مفاجئ وفي الجلسة الأخيرة حكمت بالإعدام تعزيراً وهذا يناقض أبجديات الإجراءات الجزائية.

وكل هذه الفقرات تتعارض حتى مع القوانين التي سنها النظام السعودي ذاته، فالمادة (3) من نظام الإجراءات الجزائية السعودي لعام 1992 تنص على ما يأتي: (لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا على أمر محظور ومعاقب عليه شرعاً أو نظاماً).

والمادة (188) من النظام المذكور تنص على أن (كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلاً) وفي السياق ذاته تنص المادة (206) من النظام المذكور على ما يأتي: (ينقض الحكم إن خالف نصاً من الكتاب او السنة أو الإجماع).

وبناءً على ما تقدم يتضح أن ما أقدم عليه النظام السعودي لم يكن مجرد تنفيذ لحكم قضائي وإنما هو يشكل جريمة قتل إرهابية ومن الجرائم ضد الإنسانية وإن إعدام الشيخ النمر ما هو إلا قرار سياسي برداء قضائي وهذه الجريمة تعرض النظام السعودي للمسؤولية الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية التي ينبغي إثارتها سريعاً من خلال التنظير والسعي الدؤوب والتحرك السريع بهذا الصدد.

...................................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

هـ/7712421188+964
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق