عندما يتم نقد حكام وامراء (ال سعود) وطريقة ادارتهم للسياسية الداخلية والخارجية للملكة العربية التي حملت اسمهم، كثيرا ما يفسر على انه احدى حملات التسقيط التي تمارس ضدهم من قبل خصومهم، وبالأخص إيران، لكن عندما يتم نقدهم من قبل حلفاء لهم من الغرب يصبح للكلام تفسير اخر، وكان "النفاق السياسي" لا ينتهي عند حدود الاستهانة بالإنسان بل يتجاوزه الى حد الاستهانة بمشاعر "المجتمع الدولي" الذي مل من التطرف والإرهاب والتعصب الذي ادى الى سيل انهار من الدماء نتيجة للعنف المفرط والعقيدة الفاسدة للمذهب الوهابي واتباع السلفية الموغلون في دماء من يخالفهم في العقيدة والمذهب بدعم ورعاية سعودية خالصة.
وحتى لا يجري ما جرى لغيرنا، دعونا ننقل عن لسان صحيفة "الإندبندنت" البريطانية التي نقلت عن الرئيس السابق للمخابرات البريطانية الخارجية (MI6) "ريتشارد ديرلوف"، مؤخرا، قوله إن "السعودية ساعدت (داعش) في الاستيلاء على شمال العراق باعتبار ذلك جزءا من عملية أوسع لإبادة الشيعة وتحويل حياتهم إلى ما يشبه حياة اليهود في ظل النازيين الألمان".
وجاء هذا الكلام خلال محاضرة لديرلوف أمام "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" والتي أكد فيها إن رئيس الاستخبارات السعودية السابق بندر بن سلطان أبلغه (قبل عملية 11 أيلول الإرهابية في نيويورك) حرفيا بأنه "لن يكون ذلك اليوم بعيدا في الشرق الأوسط حين سيتولى مليار سني أمر الشيعة"، في إشارة إلى إبادتهم.
ويتابع ديرلوف القول: في الموصل جرى تفجير المزارات الشيعية والمساجد، وفي مدينة تركمانية شيعية قريبة من "تلعفر" وضعت "داعش" يدها على أربعة آلاف منزل باعتبارها "غنيمة حرب". وهكذا أصبحت حياة الشيعة فعلا في العراق، وكذلك العلويين الذين يعتبرون فرعا منهم في سوريا، فضلا عن المسيحيين وأبناء الأقليات الأخرى، أكثر خطرا من حياة اليهود في المناطق التي سيطر عليها النازيون في أوربا اعتبارا من العام 1940.
وقال ديرلوف "لا شك في أن تمويلا هائلا ومتواصلا لداعش من السعودية وقطر قد لعب دورا محوريا في استيلائها على المناطق السنية في العراق"، فمثل هذه الأشياء لا تحدث ببساطة من تلقاء نفسها، والتعاون بين أغلبية السنة في العراق و"داعش" لم يكن ليحصل دون أوامر وتوجيهات وموافقة الممولين الخليجيين.
ويرى أن التفكير الاستراتيجي السعودي يقوم على ركيزتين عميقتي الجذور، فهم (أي السعوديون)، يعتقدون بأن أي تحد لهم، بوصفهم أوصياء على المقدسات الإسلامية، لا يمكن أن يكون مقبولا من قبلهم، كما أنهم يعتقدون أن الوهابية هي الدين الإسلامي الصحيح والنقي، والباقين زنادقة وكفار.
اما داخل المملكة السعودية، تجري الاستهانة بأبسط حقوق الأنسان، على سبيل المثال، منظمة العفو الدولية وصفت أحكام الإعدام بالسعودية هذا العام بأنها "موجة غير مسبوقة من الإعدامات تعد معلماً جديداً قاتماً في سجل استخدام السلطات السعودية لعقوبة الإعدام"، بعد ان نفذت أحكام إعدام على أكثر من 150 شخصا حتى الآن هذا العام، وهو أعلى رقم تسجله منظمات حقوق الإنسان منذ 20 عاما... فيما تهدد بإعدام (50) اخرين بينهم قاصرين لم يكن لهم ذنب سوى الاحتجاج السلمي، وقال آدم كوغل الباحث في منظمة هيومان رايتس ووتش الذي يتابع أحكام الإعدام التي تنفذها السعودية ان "أحكام الإعدام تأتي انتقاما من محتجين شيعة، بعضهم كانوا سلميين، هناك رسالة واضحة مفادها أنه إذا خرجت إلى الشوارع لتحدي آل سعود، فإنك قد تدفع الثمن في نهاية المطاف"، كما سيدفع هذا الثمن الشيخ (النمر) والمهدد بتنفيذ حم الإعدام في أي لحظة... كما لم يسلم النشطاء والمدونين والشعراء من حملة الإعدام التي غالبا ما تلصق بهم تهم الالحاد وسب الذات الإلهية...
ومع هذا فان ال سعود يغضون الطرف عن المتطرفين داخل المملكة ممن يستهدفون الأقلية (الشيعية) من مواطنيها، والتي راح ضحيتها أكثر من 50 مواطن شيعي خلال عمليات انتحارية نفذها متطرفون تغذوا على الفكر الوهابي المتطرف، الذي غذت اغلب الحركات والمنظمات تطرفا في العالم، والتي وصفتها احدى برقيات "ويكيليكس" التي تعود إلى العام 2009 حين كتبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تقول "إن السعودية لا تزال قاعدة الدعم الأساسية الحاسمة بالنسبة لتنظيم القاعدة وحركة طالبان وجماعة عسكر طيبة في الباكستان وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى".
على الغرب ان يدفع أيضا ثمن أخطاءه في التعامل مع هذا النظام احادي الأفق، والذي لا يؤمن قادته سوى بالتطرف والمذهب الوهابي... ممارسة الضغط على ال سعود لتعديل مناهجهم الفكرية واجراء اصطلاحات سياسية وحقوقية واسعة، إضافة الى وقف تمويل وتغذية التطرف حول العالم، وقد أشار سيغمار غابرييل، نائب المستشارة الألمانية، إن على السعودية أن تتوقف عن تمويل المساجد "الأصولية" في الخارج المتهمة بتغذية التطرف، مؤكدا إن "المساجد الوهابية في جميع أنحاء العالم ممولة من السعودية"، بالإشارة الى الحركة الإسلامية السنية المتشددة التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر.
وأضاف لصحيفة "بيلد أم سونتاغ" الألمانية "في ألمانيا العديد من الإسلاميين الذين يعتبرون أشخاصا خطيرين خرجوا من هذه المجتمعات"، وتابع ان "علينا أن نوضح للسعوديين أن زمن غض الطرف قد ولى".
من جهته، حث رئيس المجموعة البرلمانية في الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، توماس أوبرمان، على اتخاذ خطوات ضد الخطابات التي تتعارض مع الحريات الأساسية المكفولة في الدستور الألماني. وأضاف "سنمنع الدعم الذي تقدمه السعودية في بناء أو تمويل المساجد في ألمانيا حيث يتم نشر الأفكار الوهابية".
على العالم المتمدن ان يغير، بكثير من الشجاعة والإرادة، قناعته باعتبار ال سعود شريك مهم لا يمكن توجيه النقد اليه، او الضغط عليه لتغيير سياسية (القرون الوسطى) التي يتبعها داخليا وخارجيا، فالعالم لا يتسع للمزيد من التطرف والأنظمة المستبدة بعد الان، المجتمع الدولي ضاق ذرعا بالعنف والعمليات الانتحارية (التي راح ضحيتها أكثر من مليون مسلم شيعي في العراق وباقي دول العالم بسبب دعاوى التكفير الوهابي منذ عام 2003)، والتطرف وإنتاج المزيد من الحركات والمنظمات السلفية التي لا تعترف بالإنسان وثقافة التعايش السلمي التي توحدنا رغم اختلاف ثقافاتنا ودياناتنا والواننا والسنتنا... ال سعود هم مصدر الالهام للتطرف والقمع العالمي وينبغي وضع الحد لهذا المصدر.
اضف تعليق