عندما يسترجع المراقب لأحداث الربيع العربي، التي انطلقت شرارتها في الأشهر الأخيرة من عام 2010، ذاكرته... يجد الكثير من التناقضات التي عصفت بشعوب العالم العربي التي انتفض مواطنوها بالأساس لاقتلاع الزعماء المستبدين والأنظمة الدكتاتورية فيها، سيما وإنها افرزت المزيد من الالام والصراعات، فضلا عن إعادة تدوير الربيع العربي لإنتاج المزيد من الدكتاتوريات الكلاسيكية في مصر وليبيا واليمن وغيرها.
ومع ان مشهد الربيع العربي رافقة الكثير من الغموض واللبس، منذ انطلاقه فورته الأولى وحتى وصوله الى حالة الجمود او الانحسار، الا ان الواضح كانت ردة الفعل من قبل الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، والتي يمكن تقسمها الى:
- الأنظمة التي استخدمت سياسة الارضاء والقمع (العصا والجزرة) والسعودية كانت مثالا على هذه السياسية، بعد ان رصدت ميزانية ضخمة لدفع معاشات ورواتب ثمنا للسكوت، في حين قمعت جميع المعارضين والمحتجين وزجت بالآلاف منهم في المعتقلات، في حين ينتظر الكثير منهم حكم الإعدام، مثل الشيخ نمر النمر.
- أنظمة ازيح فيها الحاكم المستبد ولم تزاح فيها العقلية المستبدة، حيث اعادت (الدولة العميقة) ترتيب وتغيير وجوه الحكم السابق بوجوه جديدة تمتلك ذات العقلية، واحداث مصر نموذج واضح على هذا الامر.
- أنظمة تغير فيها الحاكم المستبد لكن لم تنتهي فيها التدخلات الإقليمية التي منعت انتقالها الى السلس الى طريق الديمقراطية، كما حدث في اليمن وليبا.
- أنظمة رفض حكامها الاستماع لمطالب الشعب وفضت الاحتجاجات السلمية بقوة السلاح وإرهاب مواطنيها، كما حدث ويحدث اليوم في البحرين.
ولعل أقسى ما تعرض له المحتجين من بين جميع دول الربيع العربي، كان في مملكة البحرين، ببساطة النظام رفض التالي:
- التنازل عن السلطة او إقامة ملكية دستورية
- اجراء أي إصلاحات سياسية
- تحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة بصورة شبه كاملة
- الغاء مشروع المصالحة الوطنية
وكبديل عن هذه المطالب قامت السلطات بالتالي:
- الاستعانة ببلد أجنبي (السعودية) وبعض المرتزقة من دول عربية وغربية لسحق المتظاهرين بالقوة المفرطة وسط تنديد الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية.
- الاعتقال لرموز المعارضة وغلق المنظمات الحقوقية والصحف المعارضة وسحب الجنسية عن العشرات من المواطنين فيها.
- التعذيب والسجن لفترات طويلة (تصل لمئات السنين لمواطن واحد) والملاحقة التي شملت المراهقين والنساء، فيما أدرج البعض منهم ضمن قوائم الإرهاب.
- رفض دعوة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب لزيارة البلاد ولقاء الموقوفين "دون قيود" في جميع أماكن الاحتجاز.
وتستمر السلطات في البحرين بإهانة مواطنيها وسط صمت المجتمع الدولي، الذي غالبا ما يكتفي بالإدانة والاستنكار من دون ممارسة دورها الطبيعي لوضع الحد امام استمرار الانتهاكات لكرامة وحقوق الانسان في البحرين او أي بلد عربي لا يستطيع فيه المواطن التعبير عن رأيه السياسي او الاجتماعي او الديني ببساطة، ومن دون دفع ضريبة مكلفة قد تؤدي بحياته ثمنا لها.
من سيحاسب السلطات البحرينية على إهانة مواطنيها!... هذا السؤال ما زال يبحث عن إجابة وسط كم التساؤلات الكبيرة في العالم العربي، ويبدو ان الإجابة لن تكون سريعة او مقنعة، خصوصا مع وجود المصالح والمنفعة المتبادلة، وهو ما يعطي حافزا قويا للمستبدين من اجل الاستمرار بتعزيز سلطاتهم بعيدا عن رغبات ومشاعر المواطن الغاضب ما دام قد استطاع اقناع الاخرين بضرورة بقاءه في السلطة.
اضف تعليق