إنسانيات - حقوق

المانع والممنوع في عمل المحافظين بين النص القانوني والاجتهاد التوضيحي

قراءة في قرار مجلس الدولة التوضيحي رقم 46 لسنة 2024 في 23/4/2024

تكليف عضو مجلس المحافظة بمنصب المحافظ لتسيير الأمور اليومية قد خالف نصاً واضحاً وامراً، بعدم جواز الجمع بين عضوية المجلس والعمل التنفيذي، بينما توجد معالجة أكثر انطباقاً، ولا يوجد قبالها أي قيد مانع من ذلك، وهو تكليف النائب الأول للمحافظ بتسيير شؤون المحافظة اليومية لحين انتخاب...

اولاً: عرض الحالة محل القراءة:

 بعد اعلان نتائج انتخابات مجالس المحافظات والاعلان أسماء الفائزين، حصلت بعض الأمور التي تعيق تطبيق القانون بشكله السلس، من جراء التنافس الحزبي للاستئثار بالمواقع التنفيذية المهمة في المحافظات، مما عطل انعقاد بعض مجالس المحافظات، كما أدى الى ظهور حالة لم تنظمها القوانين بشكل صريح، ومنها فوز المحافظ بعضوية مجلس المحافظة، ومن ثم أدائه اليمين القانونية، الا ان مجلس المحافظة لم ينتخب محافظاً خلال المدة القانونية، مما دعا محافظ ديالى الى طلب التوضيح القانوني من مجلس الدولة (مجلس شورى الدولة سابقاً) عن مدى مشروعية المعالجة المقترحة باستمرار المحافظ الحالي على الرغم من أدائه اليمين القانونية بوصفه عضو مجلس المحافظة، وذلك لوجود مانع قانوني يحول دون الجمع بين عضوية مجلس المحافظة وتولى منصب تنفيذي وعلى وفق احكام المادة (18/أولا) من قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008 المعدل التي جاء فيها (أولاً : لا يجوز الجمع بين عضوية المجالس وأي عمل أو منصب رسمي آخر وله حق العودة إلى وظيفته الأولى بعد انتهاء مدة عضويته وعلى الجهات الرسمية المعنية تسهيل أمر الموافقة على تفرغه من العمل بها وعلى العودة إليها بعد انتهاء مدة العضوية).

وجاء جواب مجلس الدولة التوضيح الذي اجاز للمحافظ ان يجمع بين عضويته في مجلس المحافظة، وبين ممارسة العمل التنفيذي بمنصب المحافظ الذي يعتبر اعلى رئيس تنفيذي في المحافظة على وفق احكام المادة (24) من قانون مجالس المحافظات غير المنتظم بإقليم التي جاء فيها (يعد المحافظ الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة وهو بدرجة وكيل وزير فيما يخص الحقوق والخدمة الوظيفية.)

ثانياً: مادة الاسناد في اختصاص مجلس الدولة لإصدار القرار التوضيحي:

1. ان قرار مجلس الدولة هو قرار توضيحي ليس له قوة الزام، وانما رأيا استشاريا وتوضيحياً، حيث أشار قرار مجلس الدولة محل البحث انه استند في صلاحية ابداء التوضيح الى احكام البند (خامساً) من المادة (6) من قانون مجلس الدولة (مجلس شورى الدولة) رقم 65 لسنة 1979 المعدل التي جاء فيها (يمارس المجلس في مجال الراي والمشورة القانونية اختصاصاته على النحو الاتي:- خامسا – توضيح الاحكام القانونية عند الاستيضاح عنها من قبل احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة.)، لان قرارات المجلس ليس لها قوة الزام باستثناء ما ورد في البند (4) من المادة 6 من القانون أعلاه، التي جاء فيها (يمارس المجلس في مجال الراي والمشورة القانونية اختصاصاته على النحو الاتي :- رابعا – ابداء الراي في المسائل القانونية اذا حصل تردد لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة على ان تشفع براي الدائرة القانونية فيها مع تحديد النقاط المطلوب ابداء الراي بشأنها، والاسباب التي دعت الى عرضها على المجلس ويكون رايه ملزما للوزارة او للجهة الطالبة الراي.)، وكذلك الاحكام التي تصدر من تشكيلاته ذات الصفة القضائية، ممثلة بالقضاء الإداري وقضاء الموظفين والمحكمة الإدارية العليا/

2. ومن اهم الاثار التي تترتب على استناد المجلس في اصدار هذا القرار الى نص البند (5) من المادة (6) هو عدم وجود قوة الزام لأي جهة او وزارة او مؤسسة، ولا يمكن الاحتجاج به تجاه الغير، ومثال ذلك لو أقيمت دعوى ضد المحافظة فان المحافظ هو من يمثلها، فاذا تمسك بالقرار التوضيحي لإثبات خصومته في الدعوى، فان المحكمة ليس لها ان تلتزم بهذا القرار التوضيحي، وانما يخضع لسلطتها التقديرية وقراءتها للنصوص الناظمة لعمل المحافظ، كذلك يجوز لوزارة المالية ان تمتنع عن التعامل مع المحافظ الذي يستند الى هذا القرار لانعدام قوته التنفيذية الملزمة او حجيته القانونية تجاه الغير، وعلى وفق ما ورد في المادة (6) من قانون مجلس الدولة.

ثالثاً: الأسباب التي اعتمدها مجلس الدولة للوصول الى قراره التوضيحي:

1. اعتمد القرار على سبب أساس وهو عدم وجود نص ينظم عمل المحافظ عند خلو المنصب، باستثناء الأسباب الصحية الواردة في المادة (28) من قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم التي جاء فيها (في حالة عجز المحافظ عن أداء مهامه لأسباب صحية مدة تزيد على ثلاثة أشهر تتم إحالته على التقاعد وعلى المجلس انتخاب محافظ جديد وبنفس آلية الانتخاب المذكورة في المادة (7)/ الفقرة (7) من هذا القانون ويقوم النائب الأول بمهامه لحين انتخاب المحافظ الجديد) في هذه الحالة يحل النائب الأول محل المحافظ في إدارة المحافظة.

2. اما في غير تلك الحالة لم يرد ذكر لكيفية تنظيم سد الشاغر في منصب المحافظ، وانما أشار القانون الى ان مجلس المحافظة ينتخب محافظاً جديداً خلال مدة (30) ثلاثون يوماً من تاريخ اول جلسة انعقاد وعلى وفق ما ورد في المادة (7/سابعاً/1) من قانون مجالس المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008، اما في الحالات الأخرى فان القانون سكت عن تنظيمها او الإشارة اليها مثال ذلك اقالة المحافظ او استقالته او وفاته او فقدانه لأهليته القانونية في حال الحكم عليه بالسجن، فهذه كلها تركها المشرع دون تنظيم.

3. ويستدل من هذا الفراغ في التشريع الى وجود فسحة واسعة للاجتهاد من جميع الجهات التي تتولى تفسير النص القانوني او المكلفة بتطبيقه ومن ثم الجهات المنفذة، لان انعدام وجود النص لا يمنع القضاء من المعالجة وإيجاد الحل عند إقامة الدعوى.

4. لكن هل انعدام النص في تنظيم المعالجة يمنح الجهات ذات العلاقة الى اهدار سائر النصوص الأخرى، وعلى وجه الخصوص النصوص الامرة؟ الجواب سيكون بالنفي لان النص النافذ ملزم للمطبق والمفسر والمنفذ، وحتى الاجتهاد لا يجوز بمواجهته عملاً بالقاعدة الفقهية والقانونية الواردة في المادة (2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 التي جاء فيها ( لا مساغ للاجتهاد في مورد النص).

5. وفي قانون مجالس المحافظات ورد نص في قيد مانع من تولي عضو مجلس المحافظة أي منصب تنفيذي وعلى وفق ما ورد في المادة (18/أولا) من قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008 المشار اليها انفاً، وهو نص مطلق وامر وواضح حيث يبدأ بعبارة (لا يجوز الجمع بين عضوية المجالس وأي عمل أو منصب رسمي آخر)، وهذا النص لا يمكن اهماله او مغادرته والا وقعنا في مخالفتين الأولى مخالفة النص الامر والثاني مخالفة نص المادة (2) من القانون المدني.

6. لذلك فان مجلس الدولة عندما أجاز لعضو مجلس المحافظة الذي أدى اليمين القانونية واصبح عضواً كاملاً في المجلس، بتولي منصب المحافظ وهو عمل تنفيذي، فانه قد تجاوز النص المانع، وما سوغه لتسبيب هذا الرأي لا يتفق ومنطق القانون، لأنه اجتهد في مورد نص مانع ونافذ، وسواء كان توليه المنصب بشكل دائم او بموجب تصريف الاعمال مثلما ورد في الاجتهاد التوضيحي لمجلس الدولة، لان عمله سيكون تنفيذي ويرتب آثار مهمة منها تمثيل المحافظة في المحاكم عند إقامة الدعوى وهذه تتطلب أهلية كاملة، كما سيتولى اصدار أوامر ذات اثر مالي مهم منها الرواتب والصرف بموجب الموازنة التشغيلية وغيرها، وبذلك فانه مارس عملاً تنفيذياً، ويكون قد جمع بينه وبين عمله عضواً في مجلس المحافظة على خلاف ما ورد في المادة (18/أولاً) من قانون مجالس المحافظات، فضلا ً عن ذلك فان قرار مجلس الدولة التوضيحي قد سبقته عبارة (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) بينما مضمون القرار قد اجتهد في قبالة النص وفي مورده.

7. ان قرار مجلس الدولة قد نفى صفة العمل التنفيذي عن عمل المحافظ بتصريف الأمور اليومية، بينما فقه القانون الإداري يرى "حكومة تصريف الأعمال" بأنها تلك الحكومة المتحولة من حكومة طبيعية بكامل الصلاحيات إلى حكومة محدودة بصلاحياتها وفي القضاء الاداري الفرنسي قد أشار إلى هذا المفهوم بان تصريف الأعمال يعني حصر صلاحيات الحكومة المستقيلة في الحد الادنى المطلوب لتسيير المرافق العامة والقيام بالأعمال الجارية، ويقصد بها وكما عرفها الفقيه الفرنسي "دلفوفيه" بأنها الأعمال الروتينية واليومية التي تحضّرها الدوائر الإدارية، بمعنى حكومة مقيدة الصلاحيات، أي انها تمارس مهامها بوصفها حكومة ولكن بصلاحيات اقل، وهذا ما أكدته المحكمة الاتحادية العليا بقرارها التفسيري العدد 121/اتحادية/2022 في 15/5/2022، عند تفسيرها لمفهوم حكومة تصريف الاعمال اليومية الوارد في المادة (64/ثانياً) من الدستور.

رابعاً: ما هو الحل والمعالجة لسد الفراغ؟

1. ان قرار مجلس الدولة التوضيحي استند الى ان الضرورة تستوجب القول بجواز تولى عضو مجلس المحافظة منصب المحافظ، لتصريف الأمور اليومية من اجل عدم توقف عمل المرفق العام وانها ضرورة من ضرورات استمرار العمل، واستعان مجلس الدولة بتعضيد هذا القول الى نص المادة (30) من قانون مجالس المحافظات التي جاء فيها (يستمر المحافظ ونائباه ورؤساء الوحدات الإدارية في تصريف الأمور اليومية بعد انتهاء مدة الدورة الانتخابية للمجالس وإلى حين انتخاب من يخلفهم من قبل المجالس الجديدة.) وهذا القول سليم جداً، لأنه نص واضح وملزم للعمل به، لكن ماذا عن المانع الذي يحول دون تولي عضو مجلس المحافظة منصب المحافظ الوارد في المادة (18/أولا) من قانون مجالس المحافظات، فهذا يمنع بشكل صريح، ولا يجوز مخالفته باي وجه، وعلى وفق ما تم ذكره؟، مع التنويه الى ضرورة إيجاد المعالجة لان المرفق العام لابد وان يستمر في تقديم الخدمة العامة، وهو امر لا خلاف ولا جدال فيه، وعدم وجود نص يعالج الامر، فانه يكون بحكم المقتضى الذي يعني وجود ما يستدعي ويقتضي وجود حل او شيء للمعالجة، لكن اذا كان هناك مانع فان المانع يقدم على المقتضى وعلى وفق احكام المادة (4/1) من القانون المدني التي جاء فيها (ذا تعارض المانع والمقتضى قدم المانع).

2. كذلك نص المادة (30) من قانون مجالس المحافظات أشار الى استمرار المحافظ ونائبيه، بمعنى ان صفة المحافظ تبقى مواكبة له ولم تقطع او تسلب، بينما المحافظ عندما يصبح عضواً في مجلس المحافظة بعد أدائه اليمين تنقطع صلته بمنصب المحافظ، حيث اشارت المادة (29) من قانون مجالس المحافظات الى ان العضو يباشر مهام عمله بعد أداء اليمين القانونية، وهذا الحال هو قطع للعلاقة بين هذا العضو وبين أي وظيفة او عمل اخر كان يعمل فيه، وانما له العودة الى وظيفته السابقة بعد انتهاء عضويته وعلى وفق ما ورد في المادة (18/أولا) من قانون مجالس المحافظات.

3. ومن خلال العرض أعلاه فان عضو مجلس المحافظة لم يكن محافظاً عند استمراره بتصريف الأمور اليومية للمحافظة، لأنه أصبح عضواً في مجلس المحافظة وانقطعت صلته بمنصبه التنفيذي، فضلاً عن ذلك ان استمرار المحافظ الذي لم تنقطع صلته بالمنصب التنفيذي يبقى يقوم بتصريف الأمور اليومية لحين انتخاب محافظ، ولا يحتاج الى قرار من مجلس المحافظة او أي جهة اخرى وانما يستمر بعمله بحكم القانون، لان نص المادة (30) من قانون مجالس المحافظات هو من قرر هذا المركز القانوني للمحافظ المنتهية ولايته.

4. لو فرضنا ان العضو الذي كلف بمنصب المحافظ لتسيير الأمور اليومية قد توفى، ماذا يعمل مجلس المحافظة هل يكلف عضواً اخر بمنصب المحافظ لتسيير الأمور اليومية؟ الجواب كلا بالتأكيد، لعدم وجود صلاحية بذلك.

المعالجة:

أرى ان تكليف عضو مجلس المحافظة بمنصب المحافظ لتسيير الأمور اليومية قد خالف نصاً واضحاً وامراً، بعدم جواز الجمع بين عضوية المجلس والعمل التنفيذي، بينما توجد معالجة أكثر انطباقاً، ولا يوجد قبالها أي قيد مانع من ذلك، وهو تكليف النائب الأول للمحافظ بتسيير شؤون المحافظة اليومية لحين انتخاب المحافظ الجديد، وهذه المعالجة وان لم تكن بموجب نص نافذ، الا انها لا تتعارض مع أي نص مانع، بل ان المنطق القانوني يستقيم مع الفكرة التي تتضمنها، لأسباب عدة منها الآتي:

1. ان نائب المحافظ هو من المراكز التي يجب ان يتوفر من يشغله على ذات الشروط الواجب توفرها بالمحافظ وعلى وفق ما ورد في المادة (25/ثانياً) من قانون مجالس المحافظات، كذلك عند التصويت عليه او عند استجوابه فان يخضع لذات الشروط والضوابط التي تسري على المحافظ، وهذا يقودنا الى ان النائب هو بمستوى التأهيل الذي عليه المحافظ، كما يمكن لنا القياس على حالة شغور منصب المحافظ لأسباب صحية فان من يقوم بمهامه هو النائب الأول بمهامه لحين انتخاب المحافظ الجديد وعلى وفق ماورد في المادة (28) من قانون مجالس المحافظات المشار اليها انفاً، لان المشرع قد وجد في النائب الأول الكفاية والمؤهل لإدارة المحافظة في فترة غياب المحافظ، كما ان القانون قد منح المحافظ صلاحية تفويض بعض اختصاصاته الى النائب له، وهذا دليل اخر على ان النائب مؤهل لممارسة مهام المحافظ القانونية.

2. وفي الختام أرى لو كان مجلس الدولة قد اتجه نحو تكليف النائب الأول بمهام المحافظ لكان اقرب الى النصوص النافذة، مع وجود فسحة له في الاجتهاد لإيجاد المعالجة لسد النقص في التشريع والمسمى بالأغفال التشريعي، فضلاً عن ذلك فانه سوف يتلافى التقاطع مع النص المانع، وحيث ان المانع المتمثل بتمام العضوية في مجلس المحافظة ما زال قائماً في الممنوع المتمثل بتولي المنصب التنفيذي يبقى قائما، لحين زوال المانع حتى يعود الممنوع وعلى وفق القاعدة الفقهية والقانونية (اذا زال المانع عاد الممنوع) الواردة في المادة (4/2) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل.

* قاضٍ متقاعد

اضف تعليق