الذكاء الاصطناعي سوف يؤثر على مستويات الطلب على العمالة الماهرة أو المدربة وبالتالي سوف يقل نسبياً نصيب العمالة غير الماهرة أو نصف الماهرة في الحصول على وظائف جيدة وقد تنعدم فرصهم في كثير من الأحيان في الحصول على فرصة عمل ما يفاقم مشاكل الفقر ومعدلات البطالة...
مما لاشك فيه ان للذكاء الاصطناعي أثر على حقوق العمال فهناك تساؤل جوهري يثيره الموضوع المتقدم يتمحور حول استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وأثرها على سوق العمل والعمال هل سيكون لها أثر سلبي أم إيجابي؟ هل سينعكس الأمر على زيادة فرص العمل أو تحسين ظروف العمل وتقليص فجوه البطالة أم سيكون العكس؟ بمعنى زيادة الاستغناء عن العمالة البشرية والاعتماد على التقنيات التكنولوجية.
فمن الملاحظ ومنذ العام 2020 ولغاية اليوم ان هناك تزايداً مضطرداً يشهده العالم في الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية على جميع المستويات الشخصية منها والاجتماعية الرسمية أو الخاصة، فعلى مستوى الصناعة تشهد الصناعات الكبرى مثل صناعة السيارات أو الصناعات النفطية أو الصناعات التقنية والالكترونية وغيرها تزايداً ملحوظاً ومطرداً في الاعتماد على الخوارزميات وتقلص دور العمالة البشرية إلى الحدود الدنيا.
فهل سيحل الذكاء الاصطناعي محل العمال؟
نعم هنالك صعوبة في التنبؤ بمستقبل الذكاء الاصطناعي وأثره على المستوى المنظور أو الاستراتيجي في سوق العمل، فما هي الوظائف أو الأعمال أو المهن التي ستتأثر بشكل خاص؟ وما هي الوظائف التي سيخلقها الذكاء الاصطناعي؟ وماذا تحتاج تلك الوظائف أو الأعمال بالضبط من العاملين المحتملين في القطاع العام أو القطاع الخاص؟ وكيف يمكن للسياسات الحكومية أو العمالية أن تتكيف مع متطلبات الحياة الرقمية التي نعيشها في عصر الذكاء الاصطناعي؟
فالأخير يعني القدرة على التحليل والتركيب والتمييز والاختيار والتعامل مع مختلف الحاجات والمواقف والظروف، ويرتبط بشكل كبير بالتطور الحاصل في المجال التقني والتكنولوجي والاتصال وإنشاء أو تركيب الآلات الذكية والروبوتات القادرة على القيام بمهام دقيقة، فهذه التقنيات بالغالب تعمل بشكل مستقل عن الإنسان والهدف منها إشراك الكمبيوتر أو الحواسيب في العملية الإنتاجية لقدرتها على العمل بشكل مستقل والتفكير والإبداع والتخاطب والاستنتاج واتخاذ القرارات كما الإنسان، ففي النهاية هي محاكاة لذكاء الإنسان وقدراته الخلاقة في التفكير والاستجابة.
بعبارة أخرى تمكين الحاسوب الآلي من الاستجابة للمعطيات واتخاذ القرارات في مختلف الموقف والظروف، فمن تطبيقات الذكاء الاصطناعي محاكاة حاسة البصر أو السمع أو الإحساس عند العامل بل إمكانية التفكير وصنع المضمون، وكذلك الترجمة، وبالمحصلة هنالك معدات وبرامج تحمل بعض صفات العقل البشري وقادر على حل المشكلات وتذليل العقبات والتعلم والتفاعل عبر مجموعة من أجهزة والمستشعرات القادرة على الاستقبال البيانات ومن ثم تحليلها، وكذا أجهزة العرض للنتائج واقتراح البدائل والحلول، حيث تستخدم اليوم في الصناعات الكبرى كالسيارات ذاتية القيادة والطائرات المسيرة بدون طيار والصناعة العسكرية وغيرها والحربية بل باتت تلك التقنيات من أخطر الأسلحة التي تمتلكها الجيوش المتقدمة.
إذ يرتكز الذكاء الاصطناعي على ركيزتين أساسيتين:
الأولى: برامج متفوقة تحاكي قدرات العقل البشري.
الثانية: القدرة على التعامل مع كم كبير من البيانات بتحليلها والوصول إلى نتائج بسرعة فائقة، ولذا حقق الذكاء الاصطناعي بعض النتائج المتفوقة وأهمها:
1- استثمار الخبرات البشرية المتراكمة.
2- تمكين الإنسان من استخدام اللغة العادية بدل اللغة البرمجية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي ما يحقق التفوق على مجرد عملية الأتمتة الحاسوبية، فالأخيرة تحتاج إلى تأهيل علمي معين وخبرات متراكمة يملكها الموظف أو العامل القائم بها، بينما تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على البرامج والشبكات ما ساهم في دخولها ميادين كثيرة في مقدمتها الطبية إذ أسهمت في تحسين الخدمات المقدمة ومتابعة الحالة الصحية وكذلك في دقة التشخيص وتحسين الأشعة أو التصوير الإشعاعي وغيرها لتشخيص الأمراض ومساعدة الأطباء في إجراء العمليات الجراحية المعقدة.
كما ساعد الذكاء الاصطناعي أيضاً مدراء الهيئات لاسيما المصانع في اتخاذ القرارات الأكثر صوابا للتقليص الفجوة التقنية والتكنولوجية بين العاملين في محل العمل وخطوط الإنتاج، وكذلك في الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية والزيادة المضطردة في معدلات الإنتاج والتخفيف من المخاطر والإصابات وغيرها.
3- ساهم الذكاء الاصطناعي كذلك في تحسين جودة المنتجات الصناعية والزراعية والقدرة على مراقبة السوق والتنبؤ بمنحنيات الطلب والعرض وتقديم نصائح للمختصين في هذا الشأن.
وباتت هذه التقنيات تستخدم في أغلب مفاصل الحياة بوقتنا الحاضر إذ يتم الاعتماد عليها في الصناعات كما أسلفنا والتحكم في السكك الحديد، بل تستخدم في مجال المفاعلات النووية والإدارة الفاعلة لمصادر وتوزيع الطاقة الكهربائية أو مصادر المياه، ويمكن الاستفادة منها في الأماكن الخطرة التي لا يمكن للإنسان ان يصل إليها لا سيما في الفضاء أو تحت الأرض أو في ظروف قاسية أو غير مؤاتية للبشر، كما في التنقيب عن المعادن فالغالب ان تلك الأماكن تمتاز بوجود غازات سامة أو أشعة ضارة بالصحة وما شاكل فلا يمكن للعامل التقليدي القيام بذلك بدون التعرض لمخاطر جمة.
لهذا يمكن القول ان الذكاء الاصطناعي بالفعل بات ينافس العمال في أماكن العمل ويقوم بالكثير من المهام التي كانوا يؤدونها ويسهم بشكل فاعل بتحسين نوع الإنتاج أو زيادة معدلاته بل نافس العاملين بالقطاع الحكومي لاسيما ميدان الأمن لقدرة تلك التطبيقات على مراقبة الأفراد وتشخيص المخاطر وإطلاق التحذيرات بشكل مسبق بما يفوق قدرة الإنسان على التشخيص والاستجابة، فعلى سبيل المثال نشهد في العراق استخدام الكاميرات الذكية في مجال المرور وتحديد المخالفات المرورية وفرض العقوبات الجزائية على المخالفين دون تدخل من البشر.
وبات من المعروف ان العامل الواحد وفي أرخص الدول التي تمتاز بوفرة اليد العاملة كالصين يكلف ما بين (10 إلى 15) دولار يوميا كأجر بينما الروبوتات الصناعية ممكن ان تكلف أقل من هذا المبلغ بكثير وهي قادرة على العمل لساعات متواصلة وطويلة جداً دون توقف أو شعور بالتعب أو قلة التركيز، وتشتت الذهن كما هو الحال بالنسبة للعمال فضلا عن الاعتماد على الروبوتات الصناعية ممكن ان يزيد من الطاقة التشغيلية للمعامل والمصانع ويقلل الجهد والمفقود من المواد الخام ويؤدي إلى انعدام العيوب التصنيعية.
وعلى الجانب الأخر هناك بعض المحاذير التي ترافق الاعتماد على آليات الذكاء الاصطناعي لعل أبرزها التخوف من الاختراق والتعرض للهجمات السيبرانية التي تؤدي إلى تعطيلها أو إلى سرقة بعض المعلومات أو البيانات التي تمثل جانب من الملكية الفكرية أو الصناعية، كذلك ان الاعتماد على الخوارزميات يؤدي إلى تراجع دور المؤسسات التقليدية على رأسها الحكومة والنقابات العمالية والاتحادات المدافعة عن الحقوق والحريات ويفتح الباب واسعاً لتمكين أرباب العمل من فرض شروطاً قاسية على العاملين وحرمانهم من التفاوض أو فرض الشروط المنصفة التي تضمن مصالحهم الذاتية.
ويمكن للشركات لاسيما الكبرى ان تستغني عن العمال أو تستبدلهم بتقنيات الذكاء الاصطناعي لاسيما ان علمنا ان هنالك منحنى كبير جدا للأنفاق العالمي على تطوير تلك التقنيات فقد تزايدت هذه المبالغ إلى مستوى كبير يفوق الـ 65 مليار في العام 2020 ومن المتوقع ان تصل إلى 25 ترليون دولار بحلول العام 2030 ومن المرجح ان تشهد 50% من الوظائف المنتشرة حول العالم تحولا نحو استخدام تقنيات تكنولوجية ولعل ذلك يؤدي إلى الاستغناء عن عدد من الوظائف وستتغاير نسبة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وتميل إلى نسب متقدمة جداً في صناعات استراتيجية.
كذلك من الآثار التي يحدثها الذكاء الاصطناعي تقادم الخبرات التي يحملها بعض العمال والمؤهلات التي لم تعد تتلاءم أو تتوافق مع متطلبات الصناعة الحديثة بعبارة أخرى ان الذكاء الاصطناعي سوف يؤثر على مستويات الطلب على العمالة الماهرة أو المدربة والمؤهلة وبالتالي سوف يقل نسبياً نصيب العمالة غير الماهرة أو نصف الماهرة في الحصول على وظائف جيدة وقد تنعدم فرصهم في كثير من الأحيان في الحصول على فرصة عمل ما يفاقم مشاكل الفقر ومعدلات البطالة وبالمحصلة قد ترتفع معدلات الجريمة، كما يمكننا الجزم ان شروط السلامة والصحة المهنية ستتغير بالتأكيد ما يتطلب من المشرع العراقي التكيف مع المتغيرات وإعادة النظر بقانون العمل في القطاع الخاص بما يضمن عدم التأثير السلبي للذكاء الاصطناعي على مستقبل أو صحة أو مصير العمال.
اضف تعليق