انتهى أمر داعش في العراق بهزيمته عسكرياً واستعادت القوات الأمنية والدولة سيطرتها على جميع المناطق المحررة، ومنها؛ مسارح الجريمة النكراء، ولم يبق سوى آثار الدماء وقصص الموت الفجيعة، والأفجع منها؛ آهات الأمهات والزوجات، فأين الجناة والقتلة؟ ثم اين المسؤولين عن وقوع هذه المجزرة؟...
من أبشع أنواع القتل؛ أن يُقتل الانسان صبراً على يد جلاد في أقبية السجون، أو في ساحات الاعدام من أجل قضايا عادلة، أو في حالات لن تكون ثمة فرصة للدفاع عن النفس، مما يلقي في النفوس جمرة الأسى والألم لمظلومية القتيل (الشهيد)، أما اذا كانت المقتول في مواجهة عسكرية فان مشاعر الفخر والاعتزاز تخفف من لوعة المصاب.
وهكذا هي المجزرة التي طالت اكثر من ألفين شاب من المتطوعين للجيش العراقي كانوا متجمعين في قاعدة "سبايكر" الجوية في محافظة صلاح الدين، وفي قصة متشابكة ومعقدة بخلفياتها وتفاصيلها، تحول هؤلاء المتطوعين فجأة وبشكل غريب ورهيب الى ضحايا بيد عناصر داعش يتم قتلهم جميعاً بدم بارد بالسكاكين والرصاص خلال ايام قلائل عام 2014 بعد أن وجدوا الطرق أمامهم سالكة داخل العراق من جهة الحدود المتاخمة مع سوريا.
ليس في هذه القاعدة الجوية وحسب، وإنما حصلت مجازر اخرى في مناطق مختلفة احتلتها هذه العصابات في تلك الفترة في ظروف غاية في التعقيد والغموض، ونفذوا فيها جريمة تصفية دموية ربما لم تشهده المنطقة العربية في العصر الحديث نظير لها.
انتهى أمر داعش في العراق بهزيمته عسكرياً واستعادت القوات الأمنية والدولة سيطرتها على جميع المناطق المحررة، ومنها؛ مسارح الجريمة النكراء، ولم يبق سوى آثار الدماء وقصص الموت الفجيعة، والأفجع منها؛ آهات الأمهات والزوجات، فأين الجناة والقتلة؟ ثم اين المسؤولين عن وقوع هذه المجزرة؟ وحسب مصادر رسمية فان حوالي خمسمائة شاب من أولئك الشهداء ما يزالون في عداد المفقودين، ولم يتم العثور على جثامينهم التي ألقاها عناصر داعش في مياه نهر دجلة حيث كان مسرح الجريمة؛ القصور الرئاسية.
أما الموقف الرسمي من مؤسسات الدولة؛ الحكومة- البرلمان "المنتخب"- الجيش- القضاء، فهم كانوا متابعين–في أحسن الفروض إن لم نقل متفرجين- على ما كان يجري من مجازر استمرت خلال فترة احتلال داعش للمدن العراقية، و يبدو أن صرخات تلك الأم المفجوعة بأولادها بوجه رئيس البرلمان السابق سليم الجبوري، و خلعها حجابها وسط القاعة ورميه أمامه، لم يكن كافياً ليثير في "المسؤولين" الحميّة على شباب ورجال العراق، و يسكنوا من تلك الآهات والآلام، فذهب الجبوري هو الآخر، وغادر منصبه تاركاً خلفه موقفاً تاريخياً أمام أم شهيد حاسرة الرأس تطالبه وتطالب الساسة والعسكريين بالاقتصاص من قتلة أولادها، ثم خرجت الى الاعلام فيما بعد في اعتصام آخر، أكدت فيه عجز الجبوري عن فهم رسالة حجاب امرأة ترميه امام رجل على الأرض! وهو لم يكن نائباً فقط، إنما كان رئيساً لمجلس النواب آنذاك، والقضية متواصلة بجرحها النازف في القلوب.
وما كان أعجز على الفهم عند هؤلاء "المسؤولين"؛ رباطة جأش ذوي الشهداء، والصبر العظيم لدى الآباء من ابناء الشعائر، وعدم اتخاذهم القرار المحتمل بالرد العنيف والدموي، ودفع العراق الى حرب طائفية، او عمليات تصفية وانتقام بين عشائر الوسط والجنوب، وعشائر المنطقة الغربية، حتى أن شخصاً واحداً لم ينفرد للقيام بمثل هذا العمل للشعور العالي بالمسؤولية إزاء البلد والشعب والمصلحة العامة.
التجلّد في موقف كهذا، والصبر على مصيبة بهذه الحجم، لأمرٌ يُحتفى به ويُكرم من قادة البلد، ولكن! لم يحصل شيء من هذا للعشائر الكريمة، ولو من باب المجاملة، ثم لتكون خطوة لرد هذا الجميل لهم ولذوي الشهداء بالأخذ بحقهم ممن ظلمهم و أراق دماء أحبتهم.
إن التعامل مع هذه الملف الدامي لن يكون بالتعويضات المادية، ولا بالتكريم وتهدئة النفوس في تجمعات جماهيرية أو ندوات تحفها الشعارات والوعود، بقدر ما يهدئ النفوس وضع النقاط على الحروف في القصة كاملة، وكيف أن هذا العدد الهائل سيق الى المذبحة بهذه السهولة؟ ومن المسؤول عن وجود هذا الكم الهائل من المتطوعين في منطقة تزحف عليها عناصر داعش بشكل واضح؟
اضف تعليق