بحسب خبراء القانون الإنساني أن اندلاع العنف المنهجي والمنظم، وهو السمة الحقيقية للنزاع المسلح، يشكل تحديا للمبادئ نفسها التي تقوم عليها حقوق الإنسان. وبناء عليه، تتطلب حالات النزاع المسلح مجموعة من القواعد المكملة لحقوق الإنسان، ولكنها مستقلة عنها ترتكز إلى فكرة بسيطة، وهي: أنه حتى الحروب لها حدود... وهذه القواعد هي التي يشار إليها عادة بمصطلح "القانون الإنساني الدولي" أو "قوانين النزاع المسلح".
ويمكن تعريف القانون الإنساني الدولي بمجموعة من المبادئ والقواعد التي تقيد استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة سعيا إلى تحقيق الآتي: إنقاذ حياة الناس (المدنيين) الذين ليست لهم علاقة مباشرة بالنزاعات، والحد من تأثير العنف (حتى بالنسبة للمقاتلين) إلى المستوى الضروري لتحقيق الغرض من الحرب.
السؤال هنا، هل ما يحدث في اليمن من نزاعات داخلية ودولية تراعى فيها قواعد القانون الدولي الإنساني وما ورد في اتفاقية جنيف الرابعة؟ أم أن ما يجري في اليمن ضد المواطنين اليمنيين يمثل انتهاكات صارخة لقوانين الحرب والسلم معا؟.
تشير التقارير الدولية والداخلية الصادرة عن المنظمات الدولية والإنسانية العاملة في اليمن أن الصراعات بين الأطراف اليمنية السياسية والتدخل السعودي، لم تؤدي إلى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان فقط، بل أدت إلى عمليات إبادة جماعية منهجية وواسعة ضد الشعب اليمني قلما عرفها تاريخ الحروب الحديثة.
إن الانقسامات الخطيرة التي أصابت الدولة اليمنية، نتيجة عدم وجود حكومة متماسكة ونتيجة عدم احترام الأحزاب والفعاليات السياسية لإرادة الجماهير اليمنية والقانون المحلي والمعايير الدولية، أدت إلى نشوب أزمات إنسانية خطيرة نجم عنها معاناة على نطاق واسع للمدنيين اليمنيين، وحرمانهم من الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية والتعليم والموارد الاقتصادية، وتدمير الطرق والجسور والأسواق والمدارس والبنية التحتية، وتفشي تجاوزات حقوق الإنسان على يد الأطراف السياسية المتنازعة بما فيها ما يعرف بالحكومة الشرعية المقيمة في السعودية على حد السواء، وانتشار ثقافة عامة يغلب عليها طابع العنف، واستعمال العنف ضد المدنيين والسجناء وراصدي حقوق الإنسان والموظفين الإنسانيين... مضافا للقيود على السفر.
فقد أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن القلق البالغ إزاء عدم المساءلة وانتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي حدثت في اليمن في الأشهر الأخيرة. وقال روبرت كولفيل المتحدث باسم المكتب في (إن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليمن قد وثق الانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها جميع الأطراف، بما في ذلك قتل المدنيين والاعتقالات التعسفية، وتجنيد الأطفال واستهداف المدارس والمستشفيات وكذلك الممتلكات الخاصة...).
تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن ضربات جوية نفذها التحالف الذي تقوده السعودية على مدينة صعدة معقل الحوثيين بشمال اليمن قتلت عشرات المدنيين ودمرت منازل وأسواقا. وقالت هيومن رايتس ووتش إنها وثقت 12 غارة جوية على صعدة تسببت في تدمير أو إتلاف منازل مدنية وخمسة أسواق ومدرسة ومحطة وقود رغم غياب الأدلة على استخدامها لأغراض عسكرية.
وقالت (سارة ليا وتسن) المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى المنظمة "تنتشر حفر القنابل والأبنية المدمرة وغيرها من دلائل غارات التحالف الجوية في شوارع مدينة صعدة. ولا يسع المدنيين الذين ما زالوا يعيشون هناك القيام بشيء يذكر لحماية أنفسهم من الغارات الجوية التي تزيد من معاناتهم اليومية... ان الهجمات تمثل انتهاكا ظاهر ا لقوانين الحرب”.
وكتبت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) التابعة للأمم المتحدة (كانت التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليون نسمة يستخدمون مصادر مياه غير مأمونة. وقد ارتفعت هذه النسبة الآن إلى ما يقرب من 80 بالمائة، أو ما يقدر بنحو 20.4 مليون مواطن يمني، وذلك وفقاً لمحبوب أحمد باجو، رئيس عمليات المياه والصرف الصحي لدى اليونيسف في البلاد. ويؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية والأمراض المنقولة عن طريق المياه، لا سيما في المناطق الريفية حيث غالباً ما يكون شراء المياه النظيفة أمراً مستحيلاً. وقال باجو أنه "في غياب الوصول إلى إمدادات المياه المحسنة، تنتشر موجات مستمرة من الإسهال، خاصة بين الأطفال الصغار، مما سيؤثر في نهاية المطاف على أوضاعهم التغذوية. فهم سيخسرون الوزن وسيتأثر نموهم بشكل كبير. نحن نجلس على قنبلة موقوتة".
وفي خصوص الوقود تقول شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إنه: (ومنذ أن بدأ التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بقصف اليمن في مارس في محاولة لإجبار المتمردين الحوثيين على التخلي عن السلطة، فرض التحالف قيوداً صارمة على السفن، مما أدى إلى نقص كبير في الوقود ونتيجة لذلك، أضحت غالبية البلاد من دون طاقة ولا يوجد فيها وقود كاف لتشغيل المضخات.. وقد كان أثر ذلك شديداً على الزراعة - حيث فقد الكثير من المزارعين محاصيلهم. واشتكى حسن النجار أنه فقد حصاد العنب: "لقد فقدت هذا العام حوالي 1,000,000 ريال يمني (أقل قليلاً من 5,000 دولار) لأنني لم أجد الديزل لري أرضي، وكما ترون، لم يكن هناك أي هطول للأمطار هذا العام".
وطالب مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن بالسماح لفرق الإغاثة الإنسانية لإيصال المواد الأساسية والدواء إلى المتضررين، مشيرا إلى أن العديد من الأسر الفقيرة المحاصرة لم تستطع الحصول على المتطلبات الأساسية من الغذاء والدواء بسبب إغلاق المحلات نتيجة استمرار القصف العشوائي.
ووجه المركز نداء استغاثة للمنظمات الإنسانية والإغاثية ومنظمات المجتمع المدني في المحافظات اليمنية المختلفة للقيام بدورها في الوصول إلى المحتاجين في مناطق الصراع بعدن. من جانب آخر، أشار المركز إلى أن المدن اليمنية تعاني من أزمة حادة في المشتقات النفطية مثل البنزين والديزل، نتيجة التوقف عن استيرادها عقب إغلاق الموانئ البحرية والجوية.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها معاناة 7.5 مليون يمني، أي ثلث السكان، من تبعات النزاع مشيرة إلى ارتفاع حصيلة القتلى في البلاد. وأضافت أن إمكانية الوصول إلى غالبية الطرق التي تصل العاصمة صنعاء بمناطق تعز وعدن والضالع ولحج تتراجع تدريجا، الأمر الذي يحد من القدرة على توزيع الأدوية...
وكشفت المنظمة الدولية للهجرة من جانبها أن منذ منتصف آذار/مارس الماضي فر من اليمن أكثر من 12 ألف شخص، بينهم يمنيون ومواطنون من دول أخرى، وذلك من طريق البحر في اتجاه القرن الإفريقي. وأوضحت أن أكثر من 8900 من هؤلاء توجهوا حتى الآن إلى جيبوتي ونحو 3410 توجهوا إلى الصومال.
لاشك أن هجمات السعودية المكثفة وقصف المناطق السكنية والمدنية أسفرت عن خسائر في الأرواح بين المدنيين، خاصة النساء والأطفال وكبار السن. وهذه الخسائر تتناقض والصكوك الرئيسية للقانون الإنساني المتمثلة في اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949، وفي بروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 حزيران 1977. حيث تحمي اتفاقية جنيف الرابعة السكان المدنيين، لاسيما في أراضي العدو وفي الأراضي المحتلة. أما البرتوكولان الإضافيان، فقد عزّزا حماية السكان المدنيين من عواقب الأعمال العدائية، وقيّدا الوسائل والسبل المستخدمة في حالة الحرب أيضاً.
كذلك تحظر هذه الاتفاقية مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية، وتؤكد ضرورة اتخاذ كل التدابير الاحتياطية للإبقاء على حياة السكان المدنيين، كما تحظر مهاجمة أو تدمير المواد الاستهلاكية والأعيان اللازمة لاستمرار العيش (ومثال ذلك: المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري).
كما تحظر تجويع المدنيين كوسيلة للحرب، وتفرض إيواء وعلاج الجرحى والمرضى، واحترام وحماية المستشفيات وسيارات الإسعاف وأفراد الخدمات الطبية والدينية، واحترام شارة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمعاقبة على أي سوء استعمال للرمزين الدالين عليهما، وتفرض على أطراف النزاع أن تقبل عمليات إغاثة السكان المدنيين ذات الطابع الإنساني غير المتحيز وغير التمييزي، واحترام العاملين في وكالات الإغاثة وحمايتهم.
تأسيسا على ذلك ندعو جميع أولئك الذين هم طرف في النزاع في اليمن إلى:
1- وقف الحرب الجارية، والبدء بالحوار فوراً.
2- اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنيب المدنيين آثار الإعمال العدائية واتخاذ جميع التدابير الأزمة لاحترام وحماية وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين.
3- السماح بالمرور الآمن وتوفير ضمانات للجهات الفاعلة الإنسانية ليتسنى لها الوصول إلى السكان النازحين والمتضررين من النزاع.
4- ينبغي على المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، الاستمرار في متابعة الوضع عن كثب وذلك بهدف ضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وانتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.
...................................................
اضف تعليق