أين المبادئ الإنسانية والدينية التي تحث على الصدق وصون الأمانة؟ وهل هنالك من ضابط معين يتعلق بأخلاق العمل النيابي؟ وأصلاً هل تساءل النائب وعرف ما هي واجباته حيال الناخب؟ هل هنالك من تنظيم قانوني لهذه الوظيفة؟ وهل هنالك من مخرج قانوني يتطلبه الواجب المهني أولاً والخطر المحدق...

بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية في العراق التي جرت بشكل مبكر في العاشر من شهر تشرين الأول الماضي تعاظمت الآمال الشعبية بحياة برلمانية تملؤها الفاعلية والتمثيل الحقيقي للإرادة العامة والنهوض بالشأن العام ومعالجة المشكلات التي يعاني منها المواطن والوطن، في مقدمها حالة التضخم الهستيري الذي أتى على المدخرات الفردية والصعود المتواصل للأسعار حتى بات الطبقات المتوسطة والضعيفة مهددة على المدى المتوسط والقصر بعدم الحصول على المستلزمات الرئيسة للحياة الكريمة.

بيد إن الخبر الأكثر سوءً تمثل بتحول المجس النيابي إلى ساحة للصراع السياسي وتناسى الجميع هموم الناخبين والوعود الفضفاضة التي أطلقوها عشية الانتخابات، أما البرامج الانتخابية التي حرص الجميع على جعلها حالمة فباتت شيئاً من الماضي.

ولكل ما تقدم نتساءل أين المبادئ الإنسانية والدينية التي تحث على الصدق وصون الأمانة؟ وهل هنالك من ضابط معين يتعلق بأخلاق العمل النيابي؟ وأصلاً هل تساءل النائب وعرف ما هي واجباته حيال الناخب؟ هل هنالك من تنظيم قانوني لهذه الوظيفة؟ وهل هنالك من مخرج قانوني يتطلبه الواجب المهني أولاً والخطر المحدق بالدولة والمواطن من جهة أخرى؟، فبتنا نسمع كثيراً عن مصطلح الانسداد السياسي الذي يمثل في حقيقة الأمر الانسداد الأخلاقي والقانوني قبل السياسي فلا تفكير إلا بالمصالح الحزبية الضيقة والواضح أن الصراع مغطى بغطاء من العمل الحزبي والخيارات الديمقراطية وفي الحقيقة هي كلمة حق يراد بها باطل.

ونذكر بأن الدستور العراقي النافذ بالمادة الخامسة منه صرح بأن السيادة للشعب وأن الأخير مصدر السلطة وشرعيتها يمارسها بالاقتراع العام المباشر السري ولما كان النواب قدموا من بوابة صناديق الاقتراع فلا شك ولا ريب في شرعية ممارستهم للسلطة نيابة عن الشعب خلال الأربع سنوات القادمة، واستقراء نصوص الدستور الأخرى تكشف بجلاء حصر السلطات والاختصاصات المهمة بيد المجلس النيابي إذ تناط بمجلس النواب مهمة تشكيل السلطات العامة الأخرى ومراقبة نشاطها فمن اختيار رئيس الجمهورية إلى منح الثقة للحكومة إلى الموافقة على تعيين وكلاء الوزارات، وانتهاءً بالعمل التشريعي والرقابي على كل مفاصل السلطة التنفيذية لضمان التزامها بالدستور والقانون.

كما ونذكر إن العلاقة التي تربط النائب بالناخب هي علاقة قانونية بامتياز فالانتخاب وبحق يعد أهم الحقوق السياسية للناخبين العراقيين ووسيلة التعبير الحضاري عن التداول السلمي للسلطة بين ممثلي الإرادة العامة، وتعد الانتخابات البوابة الطبيعية لتحقيق التنمية الشاملة برفع مستوى الثقافي والوعي السياسي للشعب عمومً والشعب السياسي خصوصاً، بما من شأنه إن يحقق المصلحة العامة.

بيد إن السؤال المركزي الذي يطرح يتمثل بالآتي (هل إن نجاح المرشح بالفوز يعطيه تفويض مطلق بالتصرف كما يحلو له، ولو كانت تصرفاته تضر بمصلحة الناخب؟)ن ففي السابق اعتقد الفقه إن العلاقة بين النائب والناخب عقد وكالة إلزامية بما يدل على تبعية النائب للناخبين وقدرتهم على محاسبته وعزله متى لم يلتزم حدود الأمانة التي أوكلت إليه وعلى الأخير إن يبذل من العناية بما يمكن ان يحقق الغاية من الانتخاب، ويجب أيضاً إن يطلع النائب جمهور الناخبين على مجمل الأعمال التي قام بها ويقدم حساباً لهم، وبسبب عدم وجود نصوص قانونية أو أراء فقهية تدعم هذا الرأي فقد صرفت عنه الأنظار.

ويعتقد البعض إن العلاقة تتمثل بالوكالة العامة فالمرشح الفائز هو الوكيل عن كل الأمة وجميع أفراد الشعب وليس فقط أفراد دائرته الانتخابية فهو المختص بالحديث باسم ناخبيه وله المبادرة بممارسة المهام والاختصاصات بالإرادة المنفردة ولا يفرض عليه الرجوع للناخبين وأخذ مشورتهم إلا في المسائل ذات الاهتمام العالي التي تحاكي الرأي العام، بمعنى لا يمكن للناخبين أن يوجهوا له تعليمات أو توجيهات مسبقة وليس لهم عزله أو تنحيته لأنه لم يعد يمثل الناخبين في دائرته الانتخابية بل الأمة ككل.

والى حد ما نجد إن المادة (49) من دستور العراق 2005 تؤشر معنى مقارب لما تقدم إذ تنص على أنه "يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة إلف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله..." وهنالك نظرية أخرى ترى في الانتخاب مجرد اختيار ينبغي إن يقوم على أسس موضوعية تتعلق بالعملية الانتخابية وشخصية تتصل بشخص المرشح الذي يتم اختياره بناءً على ما يتمتع به من خبرات ومهارات ومكنات شخصية تساعده في أداء الواجبات العامة.

أما الرأي الراجح فيرى إن العلاقة بين النائب والناخب تنظيمية نظم أحكامها القانون سواء قانون الانتخابات أو قانون مجلس النواب أو النظام الداخلي فليس الانتخاب وفوز المرشح وكالة من نوع ما أو مجرد اختيار بل هو علاقة قانونية مستمرة طيلة فترة النيابة ينبغي على النائب خلالها أن يصدق في القول والعمل ويمثل مصالح الناخبين وينأى بنفسه عن الخيانة ويطلع الناخبين على الأمور المهمة، أو ذات الصلة بحياتهم الخاصة، أو الاجتماعية ويكثف من اللقاءات الدورية بهم لتفهم مخاوفهم وتلقي مشاكلهم والسهر على حلها.

وهذا ما أشار إليه قانون مجلس النواب رقم (13) لسنة 2018 بالمادة العاشرة التي حددت واجبات النائب في البرلمان ومنها ما ورد في البند سادساً "التواصل مع المواطنين في دائرته الانتخابية وإيصال حاجاتهم إلى المجلس فالتواصل مع جمهور الناخبين يتم بالعديد من الأدوات ومنها ما جرى العمل به بفتح مكاتب خاصة بالنائب في بعض الأماكن السكنية بيد ان العديد من النواب يحرص على جعل المكتب مجرد واجهة فلا يتواجد فيه إلا نادراً وبالغالب إن النواب يتجاهلون المطالب الشعبية التي تتعارض مع مصالحهم الشخصية والحزبية، كما استثمرت بعض هذه المكاتب للترويج الانتخابي قبيل الحملة الانتخابية فحسب لبناء قاعدة من الإتباع والأنصار.

لذا نطالب بتضمين قانون المحكمة الاتحادية العليا الاختصاص بمحاكمة النائب بناءً على دعوى يتقدم بها مجموعة من الناخبين ان فرط في تنفيذ البرنامج الانتخابي أو أخلف الوعود الانتخابية لتكون هذه الدعوى هي الرادع القانوني والجزاء الأوفى يتمثل بإسقاط نيابته وفتح باب الترشح في الدائرة ذاتها لاختيار بديل عنه أو على الأقل صعود المرشح الاحتياط التالي له في عدد الأصوات.

لذا وفي معرض التشخيص ووصف العلاج نقول إن التعليم فقط والارتقاء بالمستوى الثقافي والحضاري للجمهور عامة من شأنه إن يخلق رقابة فاعلة على النائب ومحاسبة شعبية من شأنها أن تصحح الأخطاء وترتقي بالأداء النيابي، فالمجتمع العراقي قادر على استثمار التحديات وتحويلها إلى فرص بغية ترسيخ المبادئ الديمقراطية والخروج من المأزق الانتخابي بحسن الاختيار ليتم تصحيح المسار ووضع الحلول للمشاكل العراقية، أضف لذلك ان ما تقدم من شأنه ان يحقق الاحترام الواجب للإرادة الشعبية ويجعل من الاقتراع فرصة للتغيير الإيجابي باحترام الإرادة الحرة للناخبين وجعلها هي الميزان.

ومن نافلة القول إن مسؤولية عضو المجلس النيابي لا تقوم إزاء جمهور ناخبيه فحسب بل تبرز هذه المسؤولية أمام المجلس النيابي ذاته فقد نظم القانون رقم (13) لسنة 2018 الخاص بمجلس النواب العراقي وتشكيلاته بالمادة الرابعة ما تقدم حيث يشير المشرع إلى أنه "يعد المرشح المنتخب نائباً في المجلس ويتمتع بجميع حقوقه النيابية باستثناء المالية منها ابتداءً من تاريخ مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على النتائج النهائية ويصدر مرسوم جمهوري بذلك ويباشر مهامه بعد أداء اليمين الدستورية" ما يعني من الناحية القانونية ان العلاقة الوظيفية بين المؤسسة (البرلمان) والنائب تنشأ بعد مصادقة المحكمة ومباشرة النائب بمهامه حين يؤدي اليمين الدستورية فحينها تنشأ علاقة تنظيمية تتضمن جملة من الحقوق والواجبات التي نظمها القانون وأي ما تقصير في المسؤوليات أو الواجبات تقتضي تعرض النائب للمساءلة لذا يحظر على النائب جملة من الأمور ومنها على سبيل المثال:

1- الامتناع بلا عذر مشروع عن أداء اليمين الدستورية لاسيما إن كان السبب عدم الرغبة بترك الوظيفة السابقة أو التكليف السابق لحين ضمان تسلم المنصب من أحد المتنفذين في حزبه أو جماعته.

2- يحظر الجمع بين النيابة البرلمانية واي عمل تجاري أو ما سواه وكذا الوظائف الحكومية أياً كان نوعها إذ يفترض التفرغ لأغراض العمل النيابي وتمثيل الإرادة الشعبية.

3- يحظر على النائب ان يستغل نفوذه للحصول على فائدة له أو لغيره بشراء أو استئجار مال من أموال الدولة أو يبيع أو يؤجر أمواله الخاصة للهيئات الرسمية طيلة مدة نيابته.

4- يحظر على النائب ان يدخل بصفته الشخصية مباشرة أو بشكل غير مباشر في علاقة تعاقدية مع الدولة بوصفه مقاولاً أو ملتزماً أو مورداً أو مديراً أو شريكاً في إحدى الشركات التجارية التي تتعاقد مع الدولة.

5- يحظر على النائب التوسط لدى دوائر الدولة للتأثير على القرارات الحكومية لتحقيق منفعة شخصية كالتدخل بالتعيينات الحكومية باي صفة كانت ولأي غرض.

6- حضور جلسات المجلس ومواكبة أعمال اللجان البرلمانية وعدم التغيب إلا بعذر مشروع تقدره هيئة الرئاسة، وضرورة إحاطة رئاسة المجلس علماً بحالة السفر داخل أو خارج العراق.

7- أهمية كشف ذمته المالية لهيئة النزاهة العراقية.

8- المحافظة على كرامة مجلس النواب وبقية المؤسسات العامة

وان الفوز بالمقعد النيابي يترتب عليه جملة من النتائج أهمها التكليف بخدمة عامة أي ان النائب سيمتع بالعديد من الاختصاصات والسلطات التي من شأنها ان تعينه في تأدية الوظائف المنوطة به على الصعيد الفردي والتنظيمي أو المؤسسي حين يعمل داخل وخارج مجلس النواب فهو يقوم بدور رقابي وأخر ذي صلة بالوظيفة التشريعية سواء على الصعيد الوطني ام المحلي، لذا يحظر عليه الكثير من التصرفات التي من شأنها ان تثير الشك والريبة حول أدائه أو شخصه ومنها على سبيل المثال إساءة استعمال سلطة وظيفته بما من شأنه ان يحقق التضارب في المصالح إذا كانت له أو لزوجه أو أحد أولاده أو أصوله مصلحة شخصية مباشرة، ونرى أهمية تفعيل الرقابة الشعبية على هذه المفردة بالزام النائب بعدم مغادرة محل سكناه بعد الفوز بالانتخابات والكشف عن مقدار الزيادة في ثروته بعد انتهاء مدة نيابته للجمهور في دائرته الانتخابية.

...........................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2022
هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق