ومن الواجب على الدول جميعاً إن تستجيب إلى المعايير الدولية بشأن عقوبة الإعدام أولا وجرائم الأحداث على وجه الخصوص فعلى مسؤولي الدولة عد إعطاء الأوامر بالاعتقال التعسفي أو تنفيذ الأحكام دون إن تستند إلى أحكام أصولية وان تبذل قصارى الجهود لمنع الإعدام خارج القانون فالإعدام التعسفي يعد قتل شخص...
أقرت العقوبات بمختلف أنواعها لأغراض متعددة جلها الردع لمنع وقوع الجريمة في المستقبل والزجر والإصلاح، بيد إن توقيع العقوبة يفترض إن يكون بسبب ارتكاب جرم معين يبرر ردة الفعل إزاء الجاني على إن يكون الهدف من توقيعها العدالة وليس محض انتقام، كما يفترض بالعقوبة أن تخلو من الدوافع السياسية أو الأثنية أو غيرها لتكون مصداقاً للجزاء الوفاق، وتتدرج العقوبات المطبقة حول العالم من الأخف حتى الأكثر إيلاماً وقسوة فمن مجرد الغرامة البسيطة إلى عقوبة الإعدام بون واسع في الإجراءات والأسباب وطريقة التنفيذ والتعامل والضمانات.
والمقتضى هو الحد من العقوبات الأشد أو القاسية لاسيما عقوبة الإعدام التي تتعالى الأصوات المطالبة بإلغائها منذ عشرات السنين، ولذا أشارت الوثائق الدولية وبعض نظيرتها الوطنية لمجموعة كبيرة من الشروط التي تحيط النطق بهذه العقوبة أو تنفيذها للحد من عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء أو بدون محاكمة أو الإعدام القسري لصيانة الحق في الحياة الذي يعد من أقدس وأهم الحقوق الإنسانية.
ولذا يرى مقرر الأمم المتحدة المكلف بمراقبة عمليات الإعدام إن أي دولة تقوم بتنفيذ العقوبة المشار إليها دون مراعاة صارمة للقيود التي تمنع أو تحد من الخطأ في النطق بالعقوبة بدون استحقاق تكون العقوبة بالنتيجة عملية قتل خارج نطاق القانون، ولعل الأخطر فيما سبق قيام السلطات العامة في بعض الدول بتنفيذ عمليات إعدام خارج نطاق القانون والقضاء لأسباب دينية أو سياسية أو غيرها وتتذرع بسيادتها الوطنية على كامل ترابها الوطني أو تكون ذريعة إن القتل حصل أثناء المداهمة أو محاول الاعتقال وما إلى ذلك.
وقد أسهبت الوثائق الدولية في محاولتها الحد من العقوبات غير المبررة وإلى ذلك تشير المادة الساسة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر العام 1966 بأنه "لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن تحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة وغير المخالف لأحكام هذا العهد ولاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ولا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلا بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة" وتأييداً للنص المتقدم نذكر بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948 أشار في المادة الثالثة إلى "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمن على شخصه" وورد في اتفاقية حقوق الطفل للعام 1989 في المادة (37) ما نصه "تكفل الدول الأطراف:
(أ) ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم.
(ب) ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.
(ج) يعامل الطفل المحروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، وبطريقة تراعى احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه، وبوجه خاص، يفصل الطفل محروم من حريته عن البالغين، ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك، ويكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات، إلا في الظروف الاستثنائية.
(د) يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى، وفى أن يجرى البت بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل" ولصراحة النصوص المتقدمة ورغم مصادقة عديد الدول على الاتفاقيات المتقدمة ومنها دول كالسعودية وغيرها بيد إن الملاحظ عليها أنها إلى اليوم تقدم على إعدام أحداث لم يبلغوا السن المحدد أعلاه حين ارتكبوا فعلاً معيناً وبالغالب هي أفعال لا ترقى إلى مستوى الجرائم الخطرة.
يذكر إن المملكة امتثالا لالتزاماتها الدولية أصدرت العام 2018 نظام الأحداث الصادر بقرار مجلس الوزراء (594) وورد في المادة الخامسة عشر ما نصه "إذا كان الحدث متمًّا (الخامسة عشرة) من عمره وقت ارتكابه فعلاً أو أفعالاً معاقباً عليها فتطبق عليه العقوبات المقررة عدا عقوبة السجن، فيعاقب بالإيداع في الدار مدة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة الأعلى المقررة لذلك الفعل ودون التقيد بالحد الأدنى لتلك العقوبة. وأما إذا كانت الجريمة مما يعاقب عليه بالقتل، فيعاقب بالإيداع في الدار مدة لا تتجاوز عشر سنوات.
للمحكمة أن تحكم على الحدث الذي ارتكب فعلاً أو أفعالاً معاقباً عليها وهو متم (الخامسة عشرة) من عمره بتدبيرٍ أو أكثر من التدابير المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة، إذا رأت من أخلاقه أو ماضيه أو ظروفه الشخصية أو الظروف التي ارتكب فيها الفعل أو الأفعال المعاقب عليها أنه لن يعود إليها"، كما ورد بالمادة السادسة عشر من النظام "لا تخل الأحكام الواردة في النظام بالأحكام المقررة شرعاً فيما يتعلق بجرائم الحدود والقصاص" ولذا يمكن للسلطات العامة ان تتذرع بان الجريمة المنسوبة إلى الحدث بأنها من جرائم الحدود وتتطلب إنزال القصاص لذا يمكن إن يعدم الحدث، ولهذا تعالت الأصوات المطالبة بإلغاء المادة السادسة عشر واستبدال عقوبة الإعدام بالنسبة للأحداث بعقوبات أخرى تتلاءم مع مستوى تفكيرهم وحداثة سنهم.
ومن الواجب على الدول جميعاً إن تستجيب إلى المعايير الدولية بشأن عقوبة الإعدام أولا وجرائم الأحداث على وجه الخصوص فعلى مسؤولي الدولة عد إعطاء الأوامر بالاعتقال التعسفي أو تنفيذ الأحكام دون إن تستند إلى أحكام أصولية وان تبذل قصارى الجهود لمنع الإعدام خارج القانون فالإعدام التعسفي يعد قتل شخص من قبل ممثلي السلطات العامة والعاملين باسمها أو لحسابها بدون إن تجري محاكمة قضائية أو إتباع إجراءات قضائية غير مناسبة لا تحقق الغاية المتوخاة بمحاكمة عادلة.
والإعدام التعسفي يتميز بالآتي:
1- إيقاع الوفاة القسرية على يد الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون كالشرطة أو الموظفين العاملين في المؤسسات التنفيذية المختصة بمراقبة الموقوفين أو مباشرة حجزهم في أماكن الاعتقال.
2- لا تسبق عملية إيقاع الوفاة محاكمة عادلة أو إجراءات قانونية حقيقية تكفل استعراض أدلة الإثبات والنفي بشكل مستقل وموضوعي، كما لا تفرض العقوبة إلا حين يكون إثبات ذنب الشخص قائماً بدليل واضح لا يقبل الشك ولا يتسلل إليه الظن.
3- لا تتزامن مع الإجراءات المؤدية إلى إزهاق الروح جلسات محاكمة عادلة أو شفافية في الإجراءات أو توفير ضمانات تضمن صحة وموضوعية العقوبة.
4- يفترض بكل الدول إن تمتنع عن عمليات الإعدام خارج القانون ولأي سبب كان سواءً أكانت الظروف عادية أم استثنائية بما في ذلك بحالة الحرب أو التهديد بالحرب أو حالتي عدم الاستقرار السياسي أو الاضطرابات الداخلية فلا يمكن استخدام القوة المفرطة أو المميتة من قبل ممثلي السلطات الحاكمة.
5- لا يصح مطلقا فرض عقوبات شديدة كالإعدام على المتهمين بمعارضة النظام الحاكم كون هؤلاء ارتكبوا على فرض صحة ادعاء السلطات الحاكمة جرائم سياسية وليست جنائية لذا يفترض العفو عنهم أو معاقبتهم بعقوبات بسيطة تتلاءم مع خطورة ما ارتكبوه، حيث لم يتوافر لديهم القصد الجنائي الهادف إلى العدوان على مصالح الأفراد الآخرين أو إقلاق المجتمع أو التضحية بمصالحه العليا، بل كل ما بدر منهم كان الغاية منه إصلاح الشأن العام والإسهام في تحقيق المصلحة العامة برقابة الهيئات العامة ومعارضة سلوكياتها التي لا تتوافق مع القانون، لذا لا بد إن تتوافر لهؤلاء ضمانات لعل من أهمها:
1- لا تفرض عقوبة الموت أو الإعدام إلا في أشد الجرائم خطورة التي تسفر أصلاً عن نتائج جنائية بالغة الخطورة على المجتمع.
2- لا تفرض عقوبة الإعدام إلا في حال ارتكاب جريمة ينص القانون وقت ارتكابها على إن عقوبتها الإعدام ليعلم الجميع بذلك ويتجنبوا سلوك هذا الطريق.
3- ينبغي الأخذ بقاعدة العقوبة الأصلح للمتهم بمعنى إن أضحى القانون بعد ارتكاب الجريمة ينص على عقوبة أخف من الإعدام وجب استفادة المتهمين من هذا السماح التشريعي.
4- لا يصح إن تفرض عقوبة الإعدام على الإحداث ممن لم يكملوا سن الرشد كما لا يصح تنفيذ العقوبة المذكورة بحق النساء الحوامل أو حديثات الولادة ولا بالأشخاص ممن فقدوا قواهم العقلية لكونها ستتحول إلى انتقام وليس عقوبة هدفها الردع والإصلاح.
5- لا يصح الحكم بالإعدام إلا حين تكون أدلة الإثبات واضحة ومقنعة ومستخلصة بطرق مهنية سليمة بعيدة عن الضغط والترهيب والتعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة.
6- ينبغي صدور حكم الإعدام من محكمة مختصة مشكلة وفق القوانين العادية لا الاستثنائية والقائمة على إجراءات تؤمن محاكمة عادلة وفق ما رسمته المادة (14) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966 على أقل تقدير.
7- أن تتاح للمتهمين المحكومين القدرة على الطعن بقرار الحكم لدى محكمة أعلى درجة مشكلة وفق القانون كمحكمة التمييز أو النقض أو الاستئناف بحسب المسميات في كل دولة ولا يجوز تنفيذ العقوبة إلا بعد استنفاذ كل الطرق الخاصة بالطعن والمراجعة القضائية للحكم القاضي بإنهاء الحياة.
8- توفير ضمانة الحق في الدفاع ودفع التهم عن الشخص المعرض لفرض العقوبة بكفالة الضمانات والتسهيلات اللازمة ومنها توكيل المحامين لمسايرة الإجراءات في كل مرحلة من مراحل المحاكمة.
اضف تعليق