المطلوب من المنظمات الإنسانية الدولية أن توقف الإعدامات في السعودية، وأن تستخدم كل الأدوات والوسائل القانونية والسياسية ولاقتصادية التي تمكنها من وقف حالات الإعدام الانتقائية التي تمارسها أجهزة الحكومة السعودية إزاء أصحاب الرأي والسجناء السياسيين، وأن تتصدى بحزم لحالات إعدام الأطفال، حيث يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان...
مازالت السعودية تواصل نهجها في إعدام العشرات من أصحاب الرأي والسجناء السياسيين بتهم جاهزة: مثل (زعزعة الأمن، وزرع الفتن والقلاقل، وإحداث الشغب والفوضى) فقد نفذت الحكومة السعودية -منذ بداية هذه السنة حتى الآن- نحو (81) حالة إعدام رسمي، ناهيك عن الحالات غير المعلن عنها.
وهناك سجناء رأي سعوديون ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام فيهم، وآخرون اعتقلوا وهم أطفال، أو اتهموا بارتكاب جرائم غير عنيفة. وقد وصفتهم وزارة الداخلية السعودية بأنهم (فئات مجرمة اتبعت خطوات الشيطان، فاعتنقت الفكر الضال والمناهج والمعتقدات المنحرفة الأخرى... وباعت نفسها ووطنها خدمة لأجندات الأطراف المعادية).
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش (إن إعدام السلطات السعودية 81 رجلا في 12 مارس/آذار 2022 هي أكبر إعدام جماعي في المملكة منذ سنوات على الرغم من وعودها الأخيرة بالحد من استخدام عقوبة الإعدام. ونظرا إلى الانتهاكات المتفشية والممنهجة في النظام الجزائي السعودي، فمن المرجح جدا أنه لم يحصل أيّ من الرجال على محاكمة عادلة).
فماذا ينبغي أن يعمل المدافعون عن حقوق الإنسان، والمناهضون لعقوبة الإعدام إزاء ما يحدث في السعودية من مجاز تطال أصحاب الرأي والسجناء السياسيين، لاسيما الإعدام القائم على أسس سياسية ومذهبية؟ وماهي القوانين الدولية التي يمكن تفعيلها بحق الحكومة السعودية جراء أحكام الإعدام غير العادلة التي تنفذها الأجهزة السعودية كل سنة؟
في الواقع؛ رغم أن (108) دولة من دول العالم -أي أكثر من نصف دول العالم- قد ألغت عقوبة الإعدام في القانون لجميع الجرائم في عام 2020، إلا أن عقوبة الإعدام مازالت تُنفذ في نحو (50) بلدا منها: الصين وإيران ومصر العراق والسعودية. حيث تشير إحصائيات منظمة العفو الدولية أن (الصين تحتل المرتبة الأولى بين الدول التي نفذت عمليات إعدام في العالم، وباستثناء الصين، تم تنفيذ 88% من جميع عمليات الإعدام السجلة في أربع دول فقط – إيران، ومصر، والعراق، والسعودية).
وسواء كنا مع عقوبة الإعدام أم ضدها لاسيما في الجرائم التي تمس حياة الناس وصحتهم مثل جرائم القتل العمد أو جرائم التجارة بالمخدرات، أو جرائم الاغتصاب وغيرها، فانا متفقون جميعا أن تجري هذه العقوبات في ظل قوانين وإجراءات عادلة وشفافة لا يشوبها أي شائبة، لأنها تتعلق أيضا بحياة الناس، وإن كانوا متهمين بارتكاب جرائم تهدد الإنسانية، لأن قرار إزهاق الأرواح من غير دليل محكم هو بحد ذاته جريمة ضد الإنسانية إذ لا يمكن تداركه فيما بعد. ناهيك عن أن بعض أحكام الإعدام صدرت عقب إجراءات لم تستوف المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في العديد من البلدان ومنها السعودية.
على الرغم من أن القانون الدولي ينص على أن استخدام عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على الجرائم الأشد خطورة، أي القتل العمد، فإن منظمة العفو تعتقد أن عقوبة الإعدام انتهاك لحقوق الإنسان، وعلى وجه الخصوص الحق في الحياة والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وكلا الحقين يكلفهما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في 1948. والبروتكولات المتعددة الهادفة إلى إلغاء عقوبة الإعدام من بينها البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام. والبروتوكول رقم 6 الملحق بالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والمتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام.
وبناء على ذلك لابد من أخذ الإجراءات القانونية الدولية بحق الحكومة السعودية التي تمارس عمليات الإعدام المتكررة ضد أصحاب الرأي والسجناء السياسيين والمخالفين لها بالمذهب، وذلك للأسباب الآتية:
1. لأن لكل إنسان الحق الأصيل في الحياة. يجب حماية هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا (المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
2. ولان (لا ينبغي أبدا استخدام التدابير الرامية إلى مكافحة الإرهاب لقمع أو تقليص أعمال حقوق الإنسان).
3. لأن عقوبة الإعدام تعد من العقوبات التي غادرتها غالبية دول العالم؛
4. ولأن عقوبة الإعدام ينبغي أن تقتصر على العقوبات الأشد خطورة مثل القتل المتعمد.
5. ولأن عقوبة الإعدام هي أحد أعراض ظاهرة العنف، وليست حلاً لها.
6. ولأن القانون الدولي لحقوق الإنسان يحظر استخدام عقوبة الإعدام ضد الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم وهم دون 18 عاماً.
7. ولأن عقوبة الإعدام من العقوبات التي لا رجعة فيها، وقد تقع أخطاء في الأحكام. فالإعدام نهائي ولا يمكن تداركه: فلا يمكن أبداً استبعاد خطر إعدام شخص بريء.
8. ولأن عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة. فالبلدان التي تنفذ عقوبة الإعدام تنظر إليها على أنها وسيلة لردع الناس عن ارتكاب الجرائم. وليس هناك أي دليل على أن عقوبة الإعدام أشد ردعاً في الحد من الجريمة أكثر من السجن مدى الحياة.
9. ولأن عقوبة الإعدام في السعودية غالبا ما تستخدم في إطار أنظمة العدالة المنحرفة. ففي العديد من الحالات التي سجلتها منظمة العفو الدولية، تم إعدام أشخاص بعد إدانتهم في محاكمات بالغة الجور، استناداً على أدلة مشوبة بالتعذيب، وعدم التمثيل القانوني الملائم.
10. ولأن عقوبة الإعدام تنطوي على التمييز. حيث ينفذ حكم الإعلام في السعودية بالأقليات المذهبية، لا سيما أبناء الطائفة الشيعية، هم أكثر من تُفرض عليهم عقوبة الإعدام بشكل غير متناسب. ومن مظاهر هذا التمييز افتقار هؤلاء إلى سبل الحصول على تمثيل قانوني.
11. ولأن الذين أعدِموا حُكم عليهم بالإعدام إثر محاكمات لم تلبِ المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وجرائم لا يبدو أنها تفي بأشد الجرائم خطورة كما يقتضي القانون الدولي."
12. ولأنه يتم استخدام عقوبة الإعدام في السعودية كأداة سياسية. وتستخدم السلطات السعودية عقوبة الإعدام لمعاقبة المعارضين السياسيين.
13. ولأن عقوبة الإعدام تبلغ لذوي المعدوم بطريقة مهينة ولا إنسانية ففي الغالب لا يجري تبليغ الأهالي بإعدام أبنائهم وإنما يخبرون بعد الإعدام، وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي إذ لم تكلف الحكومة السعودية نفسها عناء تبليغ الأهالي بطريقة إنسانية بمصير أبنائهم.
14. ولأنه شاع خلال السنوات الأخيرة استخدام المحاكمات والإعدامات الجماعية في السعودية.
وعليه؛ فان المطلوب من المنظمات الإنسانية الدولية أن توقف الإعدامات في السعودية، وأن تستخدم كل الأدوات والوسائل القانونية والسياسية ولاقتصادية التي تمكنها من وقف حالات الإعدام الانتقائية التي تمارسها أجهزة الحكومة السعودية إزاء أصحاب الرأي والسجناء السياسيين، وأن تتصدى بحزم لحالات إعدام الأطفال، حيث يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تنفيذ أحكام الإعدام بعد محاكمات لا توفر ضمانات المحاكمة العادلة المطلوبة، وقد ترقى إلى جرائم حرب. وتتعارض عقوبة الإعدام مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان والكرامة والحق في الحياة وحظر التعذيب.
اضف تعليق